الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وثالثها: كونه من أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة.
ورابعها: أنه ثبت عنه أنه كان لا يستحل التأويل بالرأي. روي عنه أنه قال: من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار. وفي رواية «بغير علم» رواه أبو داود في العلم، والنسائي في فضائل القرآن، والترمذي في التفسير، وقال: حديث حسن، وشرطه فيما قال فيه «حسن» أن يأتي من غير طريق.
والخامس: أن الطرق إليه محفوظة غير منقطعة، فصح منها تفسير نافع، ممتع.
ولذلك خصصته بالذكر، وإن كان غيره أكبر منه، وأقدم وأعلم وأفضل، مثل علي بن أبي طالب عليه السلام، من جنسه وأهله، وغيره من أكابر الصحابة رضي الله عنهم.
لكن ثبوت التفسير عنهم قليل بالنظر إليه، رضي الله عنهم أجمعين.
ثمّ المرتبة الثانية من المفسرين «التابعون» ومن أشهر ثقاتهم المصنفين في التفسير: مجاهد وعطاء وقتادة والحسن البصري وأبو العالية رفيع بن مهران ومحمد ابن كعب القرظي وزيد بن أسلم. ويلحق بهؤلاء عكرمة، ثم مقاتل بن حيان ومحمد ابن زيد، ثم علي بن أبي طلحة، ثم السدي الكبير. وتتمة هذا في الإيثار وفي الإتقان.
قال ابن تيمية: أعلم الناس بالتفسير أهل مكة لأنهم أصحاب ابن عباس، كمجاهد، وعطاء بن أبي رباح وعكرمة مولى ابن عباس وسعيد بن جبير وطاوس وغيرهم. وكذلك في الكوفة أصحاب ابن مسعود. وعلماء أهل المدينة في التفسير مثل زيد بن أسلم الذي أخذ عنه ابنه عبد الرحمن بن زيد، ومالك بن أنس. انتهى.
3- قاعدة في أن غالب ما صح عن السلف من الخلاف يرجع إلى اختلاف تنوّع، لا اختلاف تضادّ:
قال ابن تيمية: يجب أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم بيّن لأصحابه معاني القرآن، كما بيّن لهم ألفاظه. فقوله تعالى: لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ يتناول هذا وهذا. وقد قال أبو عبد الرحمن السّلمي: حدثنا الذين كانوا يقرءون القرآن كعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يعلموا ما فيها من العلم والعمل. قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا. ولهذا كانوا يبقون مدة في حفظ السورة.
وقال أنس: كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جدّ في أعيننا، رواه أحمد في مسنده.
وأقام ابن عمر على حفظ البقرة ثمان سنين، أخرجه في الموطأ «1» .
وذلك أن الله قال: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ [ص: 29] .
وقال: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ [النساء: 82] وتدبر الكلام بدون فهم معانيه لا يمكن. وأيضا فالعادة تمنع أن يقرأ قوم كتابا في فن من العلم، كالطب والحساب ولا يستشرحونه، فكيف بكلام الله الذي هو عصمتهم، وبه نجاتهم وسعادتهم وقيام دينهم ودنياهم؟ ولهذا كان النزاع بين الصحابة في تفسير القرآن قليلا جدا. وهو، وإن كان بين التابعين أكثر منه بين الصحابة، فهو قليل بالنسبة إلى ما بعدهم. ومن التابعين من تلقى جميع التفسير عن الصحابة. وربما تكلموا في بعض ذلك بالاستنباط والاستدلال. والخلاف بين السلف في التفسير قليل. وغالب ما يصح عنهم من الخلاف يرجع إلى اختلاف تنوّع لا اختلاف تضادّ، وذلك صنفان:
أحدهما: أن يعبر واحد منهم عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه، تدل على معنى في المسمى غير المعنى الآخر، مع اتحاد المسمى، كتفسيرهم الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ: بعض بالقرآن، أي اتباعه. وبعض بالإسلام. فالقولان متفقان. لأن دين الإسلام هو اتباع القرآن، ولكن كل منهما نبه على وصف غير الوصف الآخر، كما أن لفظ صراط يشعر بوصف ثالث. وكذلك قول من قال:«هو السنة والجماعة» ، وقول من قال:«هو طريق العبودية» ، وقول من قال:«هو طاعة الله ورسوله» وأمثال ذلك. فهؤلاء كلهم أشاروا إلى ذات واحدة، لكن وصفها كل منهم بصفة من صفاتها.
الثاني: أن يذكر كل منهم من الاسم العام بعض أنواعه على سبيل التمثيل.
وتنبيه المستمع على النوع، لا على سبيل الحد المطابق للمحدود في عمومه وخصوصه. مثاله: ما نقل في قوله تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا [فاطر: 32] الآية. فمعلوم أن الظالم لنفسه يتناول المضيع للواجبات، والمنتهك للحرمات والمقتصد يتناول فاعل الواجبات وتارك المحرمات، والسابق يدخل فيه من سبق، فتقرّب بالحسنات مع الواجبات. فالمقتصدون أصحاب اليمين، والسابقون
(1) أخرجه الإمام مالك في الموطأ في القرآن، وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر مكث على سورة البقرة ثماني سنين يتعلمها.