الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الزعزعان والزعزع. فإذا جاءت بالحصباء فهي الحاصبة، فإذا هبت من الأرض نحو السماء كالعمود فهي الإعصار ويقال لها زوبعة أيضا، فإذا هبت بالغبرة فهي الهبوة، فإذا كانت باردة فهي الصرصر، فإذا كان مع بردها ندى فهي البليل، فإذا كانت حارة فهي الحرور والسّموم، فإذا لم تلقح شجرا ولم تحمل مطرا فهي العقيم. ومما يذكر منها بلفظ الجمع: الأعاصير وهي التي تهيج بالغبار، واللواقع التي تلقح الأشجار، والمعصرات التي تأتي بالأمطار، والمبشرات التي تأتي بالسحاب والغيث.
وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أي: فلا يهوي إلى جهة السفل مع ثقله يحمله بخار الماء- كما تهوي بقية الأجرام العالية- حيث لم يكن لها ممسك محسوس، ولا يعلو، ولا ينقشع مع أن الطبع يقتضي أحد الثلاثة: فالكثيف يقتضي النزول، واللطيف يقتضي العلو، والمتوسط يقتضي الانقشاع. ذكره البقاعي.
لطيفتان:
الأولى: قال الثعالبي: أول ما ينشأ السحاب فهو النّشء، فإذا انسحب في الهواء فهو السحاب، فإذا تغيرت له السماء فهو الغمام، فإذا أظلّ فهو العارض، فإذا ارتفع وحمل الماء وكثف وأطبق فهو العماء، فإذا عنّ فهو العنان، فإذا كان أبيض فهو المزن.
الثانية: قال الراغب: التسخير القهر على الفعل. وهو أبلغ من الإكراه. فإنه حمل الغير على الفعل بلا إرادة منه على وجه، كحمل الرحى على الطحن. وقوله تعالى: لَآياتٍ: أي عظيمة كثيرة، فالتنكير للتفخيم كمّا وكيفا لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ أي يتفكرون فيها وينظرون إليها بعين العقول، فيستدلون على قدرته، سبحانه، القاهرة، وحكمته الباهرة، ورحمته الواسعة المقتضية لاختصاص الألوهية به جلّ شأنه.
قال البقاعي: وسبب تكثير الأدلة أنّ عقول الناس متفاوتة. فجعل سبحانه العالم- وهو الممكنات الموجودة، وهي جملة ما سواه، الدالّة على وجوده وفعله بالاختيار- على قسمين: قسم من شأنه أن يدرك بالحواس الظاهرة، ويسمى في عرف أهل الشرع: الشهادة والخلق والملك. وقسم لا يدرك بالحواس الظاهرة ويسمى: الغيب والأمر والملكوت. والأول يدركه عامة الناس، والثاني يدركه أولو الألباب الذين عقولهم خالصة عن الوهم والوساوس. فالله تعالى- بكمال عنايته ورأفته ورحمته- جعل العالم بقسميه محتويا على جمل وتفاصيل من وجوه
متعدّدة، وطرق متكثرة، تعجز القوى البشرية. عن ضبطها، يستدلّ بها على وحدانيته، بعضها أوضح من بعض، ليشترك الكل في المعرفة، فيحصل لكلّ بقدر ما هيّئ له، اللهم إلا أن يكون ممن طبع على قلبه، فذلك- والعياذ بالله- هو الشقيّ انتهى.
قال المهايمي: وكيف ينكرون وجود الله، وتوحيده، ورحمانيته، ورحيميته، وقد دلّ عليها دلائل العلويات والسفليات وعوارضهما والمتوسطات؟ ثم قال: أما دلالة السماء والأرض على وجود الإله فلأنهما حادثان. لأن لهما أجزاء يفتقران إليها، فلا بدّ لها من محدث ليس بعض أجزائهما، لأنه دخله التركيب الحادث، والقديم لا يكون محلا للحوادث، والمحدث لا بدّ أن يكون قديما قطعا للتسلسل. وعلى التوحيد، فلأن إله السموات لو كان غير إله الأرض لم يرتبط منافع أحدهما بالآخر.
وعلى الرحمتين لأنه عز وجل جعل في الأرض موادّ قابلة للصور المختلفة وأفاضها واحدة بعد أخرى بتحريك السموات. وأما دلالة اختلاف الليل والنهار على وجود الإله فلحدوثهما من حركات السموات ولا بدّ لها من محرك، فإن كان حادثا فلا بدّ له من محدث. وعلى التوحيد، فلأن إله الليل لو كان غير إله النهار لأمكن كل واحد أن يأتي بما هو له في وقت إتيان الآخر بما هو له، فيلزم اجتماعهما وهو محال. فإن امتنع لزم عجز أحدهما أو كليهما. وعلى الرحمتين، فلأن الاعتدال الذي به انتظام أمر الحيوانات إنما يكون من تعاقبهما، إذ دوام الليل مبرّد للعالم في الغاية، ودوام النهار مسخّن له في الغاية. وأما دلالة الفلك على وجود الإله، فلأنها أثقل من الماء فحقّها الرسوب فيها، فإمساكها فوق الماء من الله. ودخول الهواء فيها- وإن كان من الأسباب- فلا يتم عند امتلاء الفلك بالأمتعة الكثيرة، إذ يقلّ الهواء جدا فيضعف أثره في إمساك هذا الثقيل جدا، فلا ينبغي أن ينسب إلّا إلى الله تعالى من أوّل الأمر وعلى التوحيد، فلأن إله الفلك لو كان غير إله البحر لربما منع أحدهما الآخر من التصرف في ملكه، وهو يفضي إلى اختلال نظام العالم لاختلاف المنافع المنوطة بالفلك وعلى الرحمتين فلأنه رحم المسافرين بالتجارات، والمسافر إليهم بالأمتعة التي يحتاجون إليها. وأما دلالة إنزال الماء على وجود الإله، فلأنه أثقل من الهواء، فوجوده في مركزه لا يكون إلّا من الله. وعلى التوحيد، فلأنّ إله الماء لو كان غير إله الهواء، لمنع من التصرف في ملكه. وعلى الرحمتين، فلأنّه أحيى به الأرض معاشا للحيوانات، وبثّ به الدواب تكميلا لمنافع الإنسان. وأما دلالة تصريف الرياح على وجود الإله، فلأنها حادثة تحدث هذه مرّة وهذه أخرى، وقد يعدم الكلّ، فلا بدّ من