الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومما يدخل في خطوات الشيطان: كلّ معصية لله، ومنها: النذور في المعاصي، كما قاله بعض السلف في الآية.
قال الشعبيّ: نذر رجل ينحر ابنه، فأفتاه مسروق بذبح كبش، وقال: هذا من خطوات الشيطان! قال أبو الضحى عن مسروق: أتى عبد الله بن مسعود بضرع وملح، فجعل يأكل فاعتزل رجل من القوم، فقال ابن مسعود: ناولوا صاحبكم فقال لا أريده فقال: أصائم أنت؟ قال لا
…
! قال: فما شأنك؟ قال حرّمت أن آكل ضرعا أبدا..!
فقال ابن مسعود: هذا من خطوات الشيطان، فأطعم وكفّر عن يمينك
…
! رواه ابن أبي حاتم.
وروي أيضا عن أبي رافع قال: غضبت يوما على امرأتي، فقالت: هي يوما يهودية ويوما نصرانية، وكل مملوك لها حرّ إن لم تطلق امرأتك..! فأتيت عبد الله ابن عمر فقال: إنما هذه من خطوات الشيطان
…
! وكذلك قالت زينب بنت أم سلمة- وهي يومئذ أفقه امرأة في المدينة- وأتيت عاصما وابن عمر فقالا مثل ذلك.
وروى عبد بن حميد عن ابن عباس قال: ما كان من يمين أو نذر في غضب، فهو من خطوات الشيطان، وكفّارته كفارة يمين! نقله الإمام ابن كثير الدمشقيّ.
إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ تعليل للنهي، للتنفير عنه والتحذير منه كما قال إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا، إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ [فاطر: 6] . وقال تعالى أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي، وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ، بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا [الكهف: 50] .
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة البقرة (2) : آية 169]
إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (169)
إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ استئناف لبيان كيفية عداوته، وتفصيل لفنون شرّه وإفساده. وبِالسُّوءِ يشكل جميع المعاصي، سواء كانت من أعمال الجوارح أو أفعال القلوب. والْفَحْشاءِ ما تجاوز الحدّ في القبح من العظائم. وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ أي: بأن تفتروا عليه تعالى بأنه حرّم هذا وذاك بغير علم. فمعنى ما لا تَعْلَمُونَ ما لا تعلمون أن الله تعالى أمر به.
قال البقاعي: ولقد أبلغ سبحانه في هذه الآية في حسن الدعاء لعباده إليه، لطفا بهم ورحمة لهم، بتذكيرهم في سياق الاستدلال على وحدانيته، بما أنعم عليهم: بخلقه لهم أولا، وبجعله ملائما لهم ثانيا، وإباحته لهم ثالثا، وتحذيره لهم من العدوّ رابعا
…
إلى غير ذلك من دقائق الألطاف وجلائل المنن
…
!
قال الرازيّ: قوله تعالى وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ يتناول جميع المذاهب الفاسدة، بل يتناول مقلد الحق..! لأنه- وإن كان مقلدا للحق- لكنه قال ما لا يعلمه، فصار مستحقا للذمّ لاندراجه تحت الذم في هذه الآية.! انتهى.
وقال الإمام ابن القيم في (أعلام الموقعين) : القول على الله بلا علم يعمّ القول عليه سبحانه في أسمائه، وصفاته، وأفعاله، وفي دينه وشرعه. وقد جعله الله تعالى من أعظم المحرمات بل جعله في المرتبة العليا منها، فقال تعالى قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ [الأعراف: 33] . وقال تعالى وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ، إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ مَتاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [النحل:
116-
117] .! فتقدم إليهم سبحانه بالوعيد على الكذب عليه في أحكامه. وقولهم لما لم يحرمه: هذا حرام. ولما لم يحلّه: هذا حلال. وهذا بيان منه سبحانه أنه لا يجوز للعبد أن يقول: هذا حلال وهذا حرام، إلا بما علم أن الله سبحانه أحلّه وحرّمه.
وقال بعض السلف: ليتّق أحدكم أن يقول لما لا يعلم ولا ورد الوحي المبين بتحليله وتحريمه: أحله الله وحرّمه، لمجرد التقليد أو بالتأويل.
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم، في الحديث الصحيح، أميره بريدة «1» أن ينزل عدوّه إذا
(1)
أخرجه مسلم في الجهاد والسير: عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا أمّر أميرا على جيش أو سرية، أوصاه في خاصته، بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا. ثم قال:
«اغزوا باسم الله في سبيل الله. قاتلوا من كفر بالله. اغزوا ولا تغلّوا ولا تغدروا ولا تمثّلوا ولا تقتلوا وليدا. وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال (أو خلال) فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم. ثم ادعهم إلى الإسلام. فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم. ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين. وأخبرهم أنهم، إن فعلوا ذلك، فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين. فإن أبوا أن يتحولوا منها، فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين.
يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين. ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء