الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة البقرة (2) : آية 128]
رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)
رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ مخلصين لك أوجهنا. من قوله: أسلم وجهه لله.
أو مستسلمين، يقال: أسلم له وسلم، واستسلم، إذا خضع وأذعن. والمعنى: زدنا إخلاصا أو إذعانا لك وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا واجعل من ذريتنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ ومِنْ للتبعيض، أو للتبيين، كقوله وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ [النور: 55] ، وإنما خصّا الذرية بالدعاء، لأنهم أحق بالشفقة، ولأنهم إذا صلحوا صلح بهم الأتباع وَأَرِنا مَناسِكَنا أي عرفنا متعبداتنا، جمع منسك بفتح السين وكسرها، وهو المتعبد، وشرعة العبادة. يقع على المصدر والزمان والمكان، من النسك مثلثة وبضمتين وهو العبادة والطاعة، وكل ما تقرّب به إلى الله تعالى. ومن المفسرين من حمل المناسك على مناسك الحج لشيوعها في أعماله ومواضعه. فالإراءة حينئذ لتعريف تلك الأعمال والبقاع. وقد رويت آثار عن بعض الصحابة والتابعين تتضمن أن جبريل أرى إبراهيم المناسك وأن الشيطان تعرض له، فرماه عليه السلام. قالوا:
وفي ذلك ظهور لشرف عمل الحج، حيث كان متلقّى عن الله بلا واسطة، لكونه علما على آتي يوم الدين، حيث لا واسطة هناك بين الرب والعباد. والذي عول عليه أئمة اللغة ما ذكرناه أولا من حمل المناسك على ما يرجع إليه أصل هذه اللفظة من العبادة والتقرب إلى الله تعالى، واللزوم لما يرضيه، وجعل ذلك عامّا لكل ما شرعه الله تعالى لإبراهيم عليه السلام. أي علمنا كيف نعبدك وأين نعبدك، وبماذا نتقرب إليك، حتى نخدمك كما يخدم العبد مولاه؟ وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ هذا الدعاء استتابه لما فرط من التقصير. فإن العبد، وإن اجتهد في طاعة ربه، فإنه لا ينفك عن التقصير من بعض الوجوه إما على سبيل السهو والنسيان، أو على سبيل ترك الأولى، فالدعاء منهما، عليهما السلام، لأجل ذلك.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة البقرة (2) : آية 129]
رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)
رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ
وَيُزَكِّيهِمْ، إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
هذا إخبار عن تمام دعوة إبراهيم لأهل الحرم أن يبعث الله فيهم رسولا منهم، أي من ذرية إبراهيم، وهم العرب من ولد إسماعيل.
وقد أجاب الله تعالى لإبراهيم عليه السلام هذه الدعوة، فبعث في ذريته رسول منهم، وهو محمد، صلى الله عليه وسلم، إلى الناس كافة. وقد أخبر صلى الله عليه وسلم عن نفسه أنه دعوة إبراهيم.
ومراده هذه الدعوة. وذلك فيما
خرجه الإمام أحمد «1» عن العرباض بن سارية.
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني، عند الله، لخاتم النبيين، وإن آدم عليه السلام لمنجدل في طينته، وسأنبئكم بأول ذلك، أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى بي، ورؤيا أمي التي رأت، وكذلك أمهات النبيين يرين.
وأخرج أيضا نحوه عن أبي أمامة «2» ، قال: قلت: يا نبيّ الله! ما كان أول بدء أمرك؟ قال: دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى بي، ورأت أمي أنه يخرج منها نور أضاءت منها قصور الشام.
والمراد أن أول من نوه بذكره وشهره في الناس إبراهيم عليه السلام، ولم يزل ذكره في الناس مشهورا حتى أفصح باسمه عيسى ابن مريم، عليهما السلام، حيث قال إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف: 6] ، وهذ معنى قوله في الحديث: دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى ابن مريم. وقوله فيه، ورأت أمي أنه خرج منها نور أضاءت منها قصور الشام. قيل: كان منها ما رأته حين حملت به، وقصته على قومها، فشاع فيهم واشتهر بينهم، وكان ذلك توطئة وإرهاصا. وتخصيص الشام بظهور نوره إشارة إلى استقرار دينه ونبوته ببلاد الشام، ولهذا يكون الشام في آخر الزمان معقلا للإسلام وأهله، وبها ينزل عيسى ابن مريم- إذا نزل بدمشق- بالمنارة الشرقية البيضاء منها.
ولهذا جاء
في الصحيحين «3»
«لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده، 4/ 127. [.....]
(2)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده. 5/ 262.
(3)
أخرج البخاري في: المناقب، 3- باب حدثني محمد بن المثنى عن المغيرة بن شعبة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال «لا يزال ناس من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون» . ورواه في: الاعتصام، 10- باب قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من أمتي.. إلخ ونصه: عن المغيرة بن شعبة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال «لا يزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون» . ورواه في:
التوحيد، 29- باب قول الله تعالى: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ. ونصه: عن المغيرة بن شعبة قال:
سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول «لا يزال من أمتي قوم ظاهرين على الناس حتى يأتيهم أمر الله» .
ورواه مسلم في: الإمارة حديث 171. ونصه: عن المغيرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «لن يزال قوم من أمتي ظاهرين على الناس، حتى يأتيهم أمر الله، وهم ظاهرون»
.