الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة البقرة (2) : آية 176]
ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (176)
ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ إنما استحقوا هذا العذاب الشديد، لأنّ الله تعالى أنزل الكتاب الجامع لأنواع الهدى. وهو صالح لإرادة القرآن والتوراة.
بالحقّ، أي متلبّسا به. فلا جرم يكون- من يختلف فيه ويرفضه بالتحريف والكتمان- مبتلى بمثل هذا من أفانين العذاب، لأنّه حاول نفي ما أثبت الله، فقد ضادّ الله في شرعه، عياذا به سبحانه. وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ أي: في جنس الكتاب الإلهيّ. بأن آمنوا ببعض كتب الله تعالى وكفروا ببعضها أو في التوراة. بأن آمنوا ببعض آياتها وكفروا ببعض. أو الاختلاف في تأويلها. فاجترأوا لأجله على تحريفها.
أو في القرآن. بأن قال بعضهم: إنّه سحر، وبعضهم: إنه شعر، وبعضهم: أساطير الأولين.
قال الراغب: وأصل الاختلاف: التخلف عن المنهج. وقيل اختلفوا: أتوا بخلاف ما أنزل الله. وقيل: اختلفوا: بمعنى خلفوا- نحو اكتسبوا، وكسبوا، وعملوا واعتملوا- أي: صاروا خلفاء فيه، نحو فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ [الأعراف: 69] و [مريم: 69] .
لَفِي شِقاقٍ أي: خلاف ومنازعة بَعِيدٍ عن الحقّ والصواب، مستوجب لأشدّ العذاب. وقوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة البقرة (2) : آية 177]
لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)
لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ الْبِرَّ: اسم جامع للطاعات وأعمال الخير المقرّبة إلى الله تعالى، ومن هذا: برّ الوالدين، قال تعالى إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ
[الانفطار: 13- 14] فجعل البرّ ضدّ الفجور وقال وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ [المائدة: 2] . فجعل البرّ ضدّ الإثم، فدلّ على أنه اسم عام لجميع ما يؤجر عليه الإنسان. أي: ليس الصلاح والطاعة والفعل المرضيّ في تزكية النفس- الذي يجب أن تذهلوا بشأنه عن سائر صنوف البرّ- هو أمر القبلة، ولكن البرّ- الذي يجب الاهتمام به- هو هذه الخصال التي عدّها جلّ شأنه.
ولا يبعد أن يكون بعض المؤمنين- عند نسخ القبلة وتحويلها- حصل منهم الاغتباط بهذه القبلة، وحصل منهم التشدّد في شأنها حتى ظنوا أنّه الغرض الأكبر في الدين. فبعثهم تعالى بهذا الخطاب على استيفاء جميع العبادات والطاعات. أشار لهذا الرازيّ.
وقال الراغب: الخطاب في هذه الآية للكفّار والمنافقين الذين أنكروا تغيير القبلة. وقيل: بل لهم وللمؤمنين حيث قد يرون أنهم نالوا البرّ كلّه بالتوجّه إليها.
وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ أي: إيمان من آمن بالله- الذي دعت إليه آية الوحدانية- فأثبت له صفات الكمال، ونزهه عن سمات النقصان. وَالْيَوْمِ الْآخِرِ الذي كذب به المشركون، فاختلّ نظامهم ببغي بعضهم على بعض وَالْمَلائِكَةِ أي: وآمن بهم وبأنهم عباد مكرمون متوسطون بينه تعالى وبين رسله بإلقاء الوحي وإنزال الكتب وَالْكِتابِ أي: بحبس الكتاب. فيشمل الكتب المنزلة من السماء على الأنبياء التي من أفرادها: أشرفها وهو القرآن- المهيمن على ما قبله من الكتب- الذي انتهى إليه كلّ خير واشتمل على كلّ سعادة في الدنيا والآخرة. وَالنَّبِيِّينَ جميعا من غير تفرقة بين أحد منهم، كما فعل أهل الكتابين.
قال الحراليّ ففيه- أي الإيمان بهم وبما قبلهم- قهر النفس للإذعان لمن هو من جنسها، والإيمان بغيب من ليس من جنسها، ليكون في ذلك ما يزع النفس عن هواها.
وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ أي: أخرجه وهو محبّ له راغب فيه، نصّ على ذلك:
ابن مسعود، وسعيد بن جبير، وغيرهما من السلف والخلف، كما
ثبت في
الصحيحين من حديث أبي هريرة «1» مرفوعا: أفضل الصدقة أن تصدّق وأنت صحيح شحيح، تأمل الغنى وتخشى الفقر
. وقوله ذَوِي الْقُرْبى هم قرابات الرجل، وهم أولى من أعطى من الصدقة.
وقد روى الإمام أحمد، والترمذيّ، والنسائي وغيرهم عن سليمان بن عامر قال: قال «2» رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الصدقة على المسكين صدقة.
وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة. وفي الصحيحين من حديث زينب، امرأة عبد الله بن مسعود «3» ، أنها وامرأة أخرى سألتا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتجزئ الصدقة عنهما على أزواجهما وعلى أيتام في حجورهما..؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لهما أجران: أجر القرابة وأجر الصدقة.
وقد أمر الله تعالى بالإحسان إلى القرابة في غير موضع من كتابه العزيز. وَالْيَتامى وهم الذين لا كاسب لهم وقد مات آباؤهم وهم ضعفاء صغار دون البلوغ. وَالْمَساكِينَ وهم الذين لا يجدون ما يكفيهم في قوتهم وكسوتهم وسكناهم، فيعطون ما يسدّ به حاجتهم وخلتهم.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة «4» أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس المسكين بهذا الطوّاف الذي تردّه التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان. ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه.
وَابْنَ السَّبِيلِ وهو المسافر المجتاز الذي قد فرغت نفقته. فيعطى ما يوصله إلى بلده لعجزه بالغربة. وكذا الذي يريد سفرا في طاعة فيعطى ما يكفيه في ذهابه وإيابه. ويدخل في ذلك الضيف، كما قال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال:
ابن السبيل هو الضيف الذي ينزل بالمسلمين.
وكذا قال مجاهد، وسعيد بن جبير، وأبو جعفر الباقر، والحسن وقتادة، والضحّاك، والزهريّ، والربيع بن أنس، ومقاتل بن حيّان. و (السبيل) اسم الطريق،
(1)
أخرجه البخاريّ في: الزكاة، 11- باب أي الصدقة أفضل؟ ونصه: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أي الصدقة أعظم أجرا؟ قال «أن تصدّق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا وكذا، وقد كان لفلان»
. (2) أخرجه النسائيّ في: الزكاة، 82- باب الصدقة على الأقارب.
(3)
أخرجه البخاري في: الزكاة، 44- باب الزكاة على الأقارب.
(4)
أخرجه البخاري في: الزكاة، 53- باب قول الله تعالى: لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً.
وأخرجه مسلم في: الزكاة، حديث رقم 101. عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«ليس المسكين بهذا الطوّاف الذي يطوف على الناس، فترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان» .
قالوا: فما المسكين، يا رسول الله؟ قال:«الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يسأل الناس شيئا»
.