الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فذكر في هذه خلق الأرض قبل خلق السماء وقال: وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [النساء: 96]، عَزِيزاً حَكِيماً [النساء: 158] ، سَمِيعاً بَصِيراً
…
[النساء:
134] ، فكأنه كان ثم مضى؟
فقال ابن عباس: لا أنساب بينهم في النفخة الأولى وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ [الزمر: 68] . فلا أنساب عند ذلك ولا يتساءلون. ثم في النفخة الأخرى: وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ.
وأما قوله: ما كُنَّا مُشْرِكِينَ. وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً. فإن الله يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم. فقال المشركون: تعالوا نقول ما كنا مشركين. فختم على أفواههم فتنطق أيديهم. فعند ذلك عرف أن الله لا يكتم حديثا. وعنده يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض.
وخلق الأرض في يومين ثم خلق السماء ثم استوى إلى السماء فسواهن في يومين آخرين، ثم دحا الأرض، أي أخرج الماء والمرعى، وخلق الجبال والآكام وما بينهما في يومين. فخلقت الأرض وما فيها من شيء في أربعة أيام. وخلقت السموات في يومين.
وكان الله غفورا رحيما. سمى نفسه ذلك وذلك قوله: أي لم أزل كذلك فإن الله لم يرد شيئا إلا أصاب به الذي أراد. فلا يختلف عليك القرآن، فإن كلّا من عند الله.
هذا تمام ما قال في الجواب. وهو يبين أن جميع ذلك معقول إذا نزّل منزلته، وأتي من بابه.
وهكذا سائر ما ذكر الطاعنون، وما أشكل على الطالبين، وما وقف فيه الراسخون، وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء: 82] .
وقد ألّف الناس. في رفع التناقض والاختلاف عن القرآن والسنة، كثيرا، فمن تشوف إلى البسط ومدّ الباع وشفاء الغليل طلبه في مظانه.
فصل في أن رتبة السنة التأخر عن الكتاب، وأنها تفصيل مجمله وقاضية عليه
قال الشاطبيّ: رتبة السنة التأخر عن الكتاب في الاعتبار، والدليل على ذلك أمور:
أحدها: أن الكتاب مقطوع به والسنة مظنونة. والقطع فيها إنما يصح في
الجملة لا في التفصيل. بخلاف الكتاب فإنه مقطوع به في الجملة والتفصيل.
والمقطوع به مقدم على المظنون. فلزم من ذلك تقديم الكتاب على السنة.
والثاني: أن السنة إما بيان للكتاب أو زيادة على ذلك. فإن كان بيانا فهو ثان على الوجه المبين في الاعتبار. إذ يلزم من سقوط المبيّن سقوط البيان، ولا يلزم من سقوط البيان سقوط المبين. وما شأنه هذا فهو أولى في التقدم. وإن لم يكن بيانا فلا يعتبر إلا بعد أن لا يوجد في الكتاب. وذلك دليل على تقدم اعتبار الكتاب.
والثالث: ما دل على ذلك من الأخبار والآثار.
كحديث معاذ: «بم تحكم؟
قال: بكتاب الله. قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله. قال: فإن لم تجد؟ قال:
اجتهد رأيي» «1»
. الحديث. وعن عمر بن الخطاب أنه كتب إلى شريح: «إذا أتاك أمر فاقض بما في كتاب الله. فإن أتاك ما ليس في كتاب الله فاقض بما سنّ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلخ» «2» . وفي رواية عنه: إذا وجدت شيئا في كتاب الله فاقض فيه ولا تلتفت إلى غيره. وقد بيّن معنى هذا في رواية أخرى أنه قال له: انظر ما تبين لك في كتاب الله فلا تسأل عنه أحدا. وما لم يتبين لك في كتاب الله فاتبع فيه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومثل هذا عن ابن مسعود: «من عرض له منكم قضاء فليقض بما في كتاب لله، فإن جاءه ما ليس في كتاب الله فليقض بما قضى به نبيه صلى الله عليه وسلم
…
» «3» الحديث.
وعن ابن عباس «4» أنه كان إذا سئل عن شيء، فإن كان في كتاب الله قال به وإن لم
(1)
أخرجه أبو داود في الأقضية، باب اجتهاد الرأي في القضاء، حديث رقم 3592. عن أناس من أهل حمص، من أصحاب معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يبعث معاذا إلى اليمن قال:
«كيف تقضي إذا عرض لك قضاء» ؟ قال: «أقضي بكتاب الله» . قال: «فإن لم تجد في كتاب الله» ؟ قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: «فإن لم تجد في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا في كتاب الله» ؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو. فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره، وقال:«الحمد لله الذي وفّق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله» .
(2)
أخرجه الدارمي في سننه، في المقدمة، باب الفتيا وما فيه من الشدة.
(3)
أخرجه الدارمي في سننه، في المقدمة، باب الفتيا وما فيه من الشدة: عن عبد الله بن مسعود قال:
أتى علينا زمان لسنا نقضي ولسنا هنالك. وإن الله قد قدّر من الأمر أن قد بلغنا ما ترون. فمن عرض له قضاء بعد اليوم فليقض فيه بما في كتاب الله عز وجل. فإن جاءه ما ليس في كتاب الله فليقض بما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإن جاءه ما ليس في كتاب الله، ولم يقض به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليقض بما قضى به الصالحون. ولا يقل إني أخاف وإني أرى. فإن الحرام بيّن والحلال بيّن، وبين ذلك أمور مشتبهة. فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك.
(4)
أخرجه الدارمي في سننه، في المقدمة، باب الفتيا وما فيه من الشدة. عن عبد الله بن أبي يزيد قال: كان ابن عباس إذا سئل عن الأمر، فكان في القرآن أخبر به. وإن لم يكن في القرآن وكان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر به. فإن لم يكن فعن أبي بكر وعمر. فإن لم يكن قال فيه برأيه.