الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الثاني:
ما صح نقله عن الآحاد، وصح وجهه في العربية، وخالف لفظه خط المصحف. فهذا يقبل ولا يقرأ به. لعلتين: إحداهما: أنه لم يؤخذ بإجماع، إنما أخذ بأخبار الآحاد. ولا يثبت قرآن، يقرأ به، بخبر الواحد. والعلة الثانية: أنه مخالف لما قد أجمع على مغيّبه وصحته. وما لم يقطع على صحته لا تجوز القراءة به ولا كفر من جحده. ولبئس ما صنع، إذا جحده.
القسم الثالث:
هو ما نقله غير ثقة، أو نقله ثقة ولا وجه له في العربية، فهذا لا يقبل، وإن وافق خط المصحف.
قال ابن الجزريّ: مثال القسم الأول: مالك، وملك. يخدعون، ويخادعون.
وأوصى، ووصى. وتطوع، ويطوع. ونحو ذلك من القراءات المشهورة. ومثال القسم الثاني: قراءة عبد الله بن مسعود وأبي الدرداء (والذكر والأنثى) في وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى وقراءة ابن عباس: (وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا) ، (وأما الغلام فكان كافرا) ونحو ذلك مما ثبت برواية الثقات.
واختلف العلماء في جواز القراءة بذلك في الصلاة. فأجازها بعضهم. لأن الصحابة والتابعين كانوا يقرءون بهذه الحروف في الصلاة. وهذا أحد القولين لأصحاب الشافعيّ وأبي حنيفة. وإحدى الروايتين عن مالك وأحمد. وأكثر العلماء على عدم الجواز. لأن هذه القراءات لم تثبت متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وإن ثبتت بالنقل، فإنها منسوخة بالعرضة الأخيرة، أو بإجماع الصحابة على المصحف العثمانيّ.
أو أنها لم تنقل إلينا نقلا يثبت بمثله القرآن. أو أنها لم تكن من الأحرف السبعة.
ومقال القسم الثالث، مما نقله غير ثقة: كثير مما في كتب الشواذ مما غالبه إسناده ضعيف. كقراءة ابن السّميفع وأبي السمال وغيرهما في نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ ننحيك بالحاء المهملة. وكالقراءة المنسوبة إلى الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه التي جمعها أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعيّ ونقلها عنه أبو القاسم الهذليّ وغيره فإنها لا أصل لها. ومنها إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ برفع الهاء ونصب الهمزة. وقد راج ذلك على أكثر المفسرين ونسبها إليه وتكلف توجيهها.
قال ابن الجزريّ: وإن أبا حنيفة لبريء منها.
ومثال ما نقله ثقة ولا وجه له في العربية، ولا يصدر مثله إلا على وجه السهو
والغلط، وعدم الضبط. يعرفه الأئمة المحققون، والحفاظ الضابطون، وهو قليل جدا، بل لا يكاد يوجد، وقد جعل بعضهم منه رواية خارجة عن نافع (ومعائش) - بالهمزة- وما رواه ابن بكار عن أيوب عن يحيى عن ابن عامر من فتح ياء أَدْرِي أَقَرِيبٌ، مع إثبات الهمزة، وهي رواية زيد وأبي حاتم عن يعقوب، وما رواه أبو عليّ العطار عن العباس عن أبي عمرو ساحران تظاهرا بتشديد الظاء، والنظر في ذلك لا يخفى.
ثم قال ابن الجزريّ:
وبقي قسم مردود أيضا، وهو ما وافق العربية والرسم، ولم ينقل البتة، فهذا رده أحق، ومنعه أشد. وقد ذكر جواز ذلك عن أبي بكر محمد بن الحسن بن مقسم البغداديّ المقري النحويّ، وكان بعد الثلاثمائة. قال الإمام أبو طاهر بن أبي هاشم في كتابه «البيان» وقد نبغ نابغ في عصرنا فزعم أن كل من صح عنده وجه في العربية بحرف من القرآن يوافق المصحف، فقراءته جائزة في الصلاة وغيرها. فابتدع بدعة ضل بها عن قصد السبيل.
(قلت) وقد عقد له بسبب ذلك مجلس ببغداد، حضره الفقهاء والقراء، وأجمعوا على منعه، وأوقف للضرب فتاب ورجع، وكتب عليه بذلك محضر، كما ذكره الحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد.
قلت: ونقله القاضي أبو بكر في الانتصار، ورده. وعبارته: وقال قوم من المتكلمين: إنه يسوغ إعمال الرأي والاجتهاد في إثبات قراءة وأوجه وأحرف، إذا كانت تلك الأوجه صوابا في العربية وإن لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بها. قال: وأبى ذلك أهل الحق وأنكروه وخطؤوا من قال به.
قال ابن الجزريّ: ومن ثمّ امتنعت القراءة بالقياس المطلق، وهو الذي ليس له أصل في القراءة يرجع إليه، ولا ركن وثيق في الأداء يعتمد عليه، كما روينا عن عمر ابن الخطاب وزيد بن ثابت وكثير من التابعين أنهم قالوا: القراءة سنة يأخذها الآخر عن الأول، فاقرأوا كما علمتوه.
ثم قال ابن الجزريّ:
أما إذا كان القياس على إجماع انعقد، أو عن أصل يعتمد، فيصار إليه عند عدم النص، وغموض وجه الأداء، فإنه مما يسوغ قبوله، ولا ينبغي رده، لا سيما فيما