الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة النور
مدنية بالإجماع، كما فى "القرطبي"، وهي (1) اثنتان أو أربع وستون آية، وألف وثلاث مئة وست عشر كلمة، وخمسة آلاف وتسع مئة وثمانون حرفًا.
ومن فضائلها (2): ما روى أبو عبد الله الحاكم فى "صحيحه"، وابن مردويه والبيهقي فى "الشعب" عن عائشة مرفوعًا "لا تنزلوهن الغرف ولا تعلموهن الكتابة" يعني النساء "وعلموهن الغزل وسورة النور".
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر والبيهقي عن مجاهد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "علموا رجالكم سورة المائدة، وعلموا نسائكم سورة النور" وهو مرسل.
وأخرج أبو عبيد فى فضائله عن حارثة بن مضرب قال: كتب إلينا عمر بن الخطاب، أن تعلموا سورة النساء والأحزاب والنور.
الناسخ والمنسوخ: قال أبو عبد الله (3) محمد بن حزم رحمه الله تعالى: جملة ما فى سورة النور من المنسوخ سبع آيات:
أولاهن: قوله تعالى: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} الآية (4) نسخت بقوله: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} (5).
الآية الثانية: قوله تعالى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} (3) هذه الآية من أعاجيب آيات القرآن؛ لأن لفظها لفظ الخبر، ومعناها: النهي، تقدير الكلام؛ - والله أعلم - لا تنكحوا زانيةً ولا مشركةً، ناسخها قوله تعالى:{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} الآية (32) النور.
(1) المراح.
(2)
زاد المسير والشوكاني.
(3)
الناسخ والمنسوخ.
الآية الثالثة: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} الآية (6) نسخها بالآيتين اللتين بعدها، وهما قوله تعالىِ:{وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7)} (7) وكذلك {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9)} (9).
الآية الرابعة: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ} الآية (27) نسخت بقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ} الآية (29).
الآية الخامسة: قوله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} الآية (31) نسخ بعضها بقوله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ} الآية.
الآية السادسة: قوله تعالى: {فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ} الآية (54). نسخها آية السيف.
الأية السابعة: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} الآية (58) نسخها بالآية التي تليها، وهي قوله تعالى:{وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ} الآية (59) انتهى.
ومناسبة هذه السورة لما قبلها من وجهين:
1 -
أنه قال فى السورة السالفة: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5)} وذكر هنا أحكام من لم يحفظ فرجه من الزانية والزاني، وما اتصل بذلك من شأن القذف، وقصة الإفك، والأمر بغضّ البصر الذي هو داعية الزنا، وأمر من لم يقدر على النكاح بالاستعفاف، والنهي عن إكراه الفتيات على الزنا.
2 -
أنه تعالى لما قال فيما سلف أنه لم يخلق عبثًا، بل للأمر والنهي، ذكر هنا جملةً من الأوامر والنواهي. وتسميتها بسورة النور لذكر لفظ النور فيها.
والله أعلم
* * *
بسم الله الرحمن الرحيم
المناسبة
مناسبة هذه السورة لما قبلها قد مرت قريبًا: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ
…
} الآيتين، مناسبة هاتين الآيتين لما قبلهما: أن الله سبحانه (1) لما نفَّر من نكاح الزانيات، وإنكاح الزانين، وبين أن ذلك عمل لا يليق بالمؤمنين الذين أشربت قلوبهم حب الإيمان والتصديق برسله .. نهى هنا عن رمي المحصنات به، وشدد فى عقوبته الدنيوية والأخروية، فجعل عقوبته فى الدنيا الجلد، وأن لا تقبل له شهادة أبدًا، فيكون ساقط الاعتبار فى نظر الناس، ملغى القول، لا تسمع له كلمة، وجعل عقوبته فى الآخرة العذاب المؤلم الموضع، إلا
(1) المراغي.
إذا تاب إلى الله، وأناب وأصلح أعماله، فإنه يزول عنه اسم الفسوق وتقبل شهادته.
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ
…
} الآيات، مناسبتها لما قبلها: أنه لما بين الله سبحانه حكم قاذف الأجنبيات بالزنا، وذكر أنه لا يعفى القاذف عن العقوبة، إلا إذا أتى بأربعة شهداء .. ذكر هنا ما هو فى حكم الاستثناء من ذلك، وهو قذف الزوجات، فإن الزوج القاذف يعفى من الحد إذا شهد الشهادات المبينة فى الآية؛ لأن فى تكليف الزوج إحضار الزوج إعناتًا وإحراجًا، ولما يلحقه من المغيرة على أهله، ثم كظم الغيظ إذ لم يجد مخلصًا من ضيقه.
أسباب النزول
قوله تعالى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً
…
} الآية، اختلف العلماء (1) فى سبب نزول هذه الآية، فقال قوم: قدم المهاجرون المدينة وفيهم فقراء لا مال لهم، ولا عشائر، وفي المدينة نساء بغايا، من أخصب أهل المدينة، فرغب ناس من فقراء المسلمين فى نكاحهن، لينفقن عليهم، فاستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ذلك فنزلت هذه الآية، فحرم على المؤمنين أن يتزوجوا تلك البغايا؛ لأنهن كن مشركات. وهذا قول مجاهد وعطاء وقتادة والزهري والشعبي ورواية عن ابن عباس.
وقال عكرمة: نزلت فى نساءٍ كن بمكة والمدينة، لهن رايات يعرفن بها، منهن أم مهزول جارية السائب بن أبي السائب المخزومي، وكان فى الجاهلية من ينكح الزانية يتخذها مأكلة، فأراد ناس من المسلمين نكاحهن على تلك الصفة، فاستأذن رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى نكاح أم مهزول، واشترطت له أن تنفق عليه، فأنزل الله عز وجل هذه الآية.
(1) الخازن.
وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كان رجل يقال له: مرثد بن أبي مرثد الغنوي، وكان يحمل الأسارى من مكة حتى يأتي بهم المدينة، وكانت بمكة بغي، يقال لها: عناق، وكانت صديقة له فى الجاهلية، فلما أتى مكة دعته عناق إلى نفسها، فقال مرثد: إن الله حرّم الزنا، قالت: فانكحني، فقال: حتى أسال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أنكح عناقًا؟ فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يرد شيئًا، فنزلت آية {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} فدعاني، فقرأها علي، وقال: و"لا تنكحها". أخرجه الترمذي والنسائي وأبو داود، بألفاظ متقاربة المعنى.
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6)
…
} الآيات، قال الإِمام (1) البخاري رحمه الله تعالى فى (ج 1/ ص 64): حدثنا إسحاق، حدثنا محمد بن يوسف الفريابي، حدثنا الأوزاعي قال: حدثني الزهري عن سهل بن سعد، أن عويمرًا أتى عاصم بن عدي، وكان سيد بني عجلان، فقال: كيف تقولون فى رجل وجد مع امرأته رجلًا أيقتله فتقتلونه، أم كيف يصنع؟ سل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأتى عاصم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم السائل، فسأله عويمر، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره المسائل، وعابها، قال عويمر: والله لا أنتهي حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فجاء عويمر فقال: يا رسول الله، رجل وجد مع امرأته رجلًا، أيقتله فتقتلونه أم كيف يصنع؟ فقال رسول الله:"قد أنزل الله القرآن فيك، وفي صاحبتك"، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالملاعنة بما سمى الله فى كتابه، فلاعنها، ثم قال: يا رسول، إن حبستها فقد ظلمتها، فطلقها، فكانت سنة لمن كان بعدهما فى المتلاعنين، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"انظروا، فإن جاءت به أسحم، أدعج العينين، عظيم الإليتين، خدلج الساقين .. فلا أحسب عويمرًا إلا قد صدق عليها. وإن جاءت به أحمر كأنه وحرة، فلا أحسب عويمرًا إلا قد كذب عليها" فجاءت به على النعت الذي نعت به رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) البخاري.
من تصديق عويمر، فكان بَعدُ ينسب إلى أمه. والحديث أخرجه أيضًا مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد ومالك والدارمي والدارقطني وابن جرير.
وأخرج البزار عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: "لو رأيت مع أم رومان رجلًا ما كانت فاعلًا به"؟؛ قال: كنت والله فاعلًا به شرًّا. "فأنت يا عمر"؟ قال: كنت والله قاتله، كنت أقول: لعن الله الأعجز، فإنه خبيث فنزلت:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} .
وأخرج البخاري من طريق عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"البينة أو حد فى ظهرك" فقال يا رسول الله، إذا رأى أحدنا مع امرأته رجلًا، ينطلق يلتمس البينة؟! فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"البينة أو حد فى ظهرك"، فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق، ولينزلن الله ما يبرىء ظهري من الحد، فنزل جبريل، فأنزل الله عليه:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} فقرأ حتى بلغ {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} .
وأخرجه أحمد بلفظ لما نزلت: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدًا. قال سعد بن عبادة وهو سيد الأنصار: أهكذا نزلت يا رسول الله: "يا معشر الأنصار، ألا تسمعون ما يقول سيدكم"؟ قالوا: يا رسول الله لا تلمه، فإنه رجل غيور، والله ما تزوج امرأة قط فاجترأ رجل منا أن يتزوجها من شدة غيرته. فقال سعد: والله يا رسول الله، إني أعلم أنها حق، وأنها من الله، ولكني تعجبت أني لو وجدت لكاع قد تفخذها رجل، لم يكن لى أن أنحيه ولا أحركه حتى آتي بأربعة شهداء، فوالله لا أتي بهم حتى يقضي حاجته، قال: فما لبثوا إلا يسيرًا حتى جاء هلال بن أمية، هو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم، فجاء من أرضه عشاء، فوجد عند أهله رجلًا، فرأى بعينيه، وسمع بأُذنه فلم يهجه حتى أصبح، فغدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال له: إني جئت أهلي عشاء، فوجدت عندها رجلًا، فرأيت بعيني وسمعت بأذني، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به، واشتد عليه، واجتمعت الأنصار، فقالوا: قد ابتلينا بما قال سعد بن عبادة: الآن يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم هلال بن أمية، ويبطل شهادته فى