الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
أنه قول بلا روية ولا فكر، فهو قول باللسان لا يترجم عما في القلب، إذ ليس هناك علم يؤيده، ولا قرائن أحوال وشواهد تصدقه.
3 -
استصغار ذلك وحسبانه مما لا يؤبه له، وهو عند الله عظيم الوزر، مستحقة لشديد العقوبة.
16
- و {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ} وهذا عتاب لجميع المؤمنين؛ أي: هلا إذ سمعتم حديث الإفك {قُلْتُمْ} تكذيبًا للخائضين فيه المفترين له {مَا يَكُونُ} وينبغي {لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا} الإفك العظيم، ولا يمكننا أن نخوض فيه، ولا يصدر ذلك منا بوجه من الوجوه {سُبْحَانَكَ}؛ أي: ننزهك يا ربنا، عن أن تجعل لنبيك زوجة فاجرة، حالة كوننا متعجبين ممن تفوه بهذا الحديث. {هَذَا} الإفك الذي لا يصح لأحد أن يتكلم به. {بُهْتَانٌ عَظِيمٌ}؛ أي: كذب عظيم عند الله، التقاول به مصدر بهته؛ أي: قال: عليه ما لم يفعله. كما في "التأويلات النجمية".
وأصل سبحانك (1)، للتعجب من عظم الأمر. ومعنى التعجب في كلمة التسبيح: أن الأصل أن يسبح الله عند رؤية العجب من صنائعه، ثم كثر حتى استعمل في كل متعجب منه. أو لتنزيه الله من أن تكون حرمة نبيه فاجرة. وإنما جاز أن تكون امرأة النبي كافرة، كامرأة نوح ولوط، ولم يجز أن تكون فاجرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى الكفار ليدعوهم، فيجب أن لا يكون معه ما ينفرهم عنه، والكفر غير منفر عندهم وأما الكشخنة فمن أعظم المنفرات.
والمعنى: أي (2) وهلا حين سمعتموه ممن بدأ به، وانتحله، أو ممن تابعه في القول قلتم تكذيبًا له، وتهويلًا لشأن ما ارتكبه من الجرم: لا يحل لنا أن نتكلم بهذا ،ولا ينبغي لنا أن نتفوه به. سبحانك رب هذا كذب صراح، يحير السامعين أمره، لما فيه من جرأة على بيت كريم شهير بالعفاف والطهر، ولما فيه من مس عرض ذلك البيت المقدس بيت النبوة الذي هو بالعليا من الإجلال والاحترام، وعظيم المكانة. وإذا جاز الخوض فيه على هذه الشاكلة. فماذا يبقى
(1) النسفي.
(2)
المراغي.
للمؤمنين بعدئذ، أفليس هؤلاء هم الأسوة الحسنة وينبوع الطهر، ومنهم يقتبس المؤمنون فضائل الدين، وشريف الأخلاق، وإنا لنبرأ إليك ربنا منه، أن تلوكه ألسنتنا، وأن يحمل الهواء تلك النبرات الصوتية لتصل إلى أسماعنا، كما نبرأ إليك ربنا من كل أفاك أثيم، سولت له نفسه أن يكون الوسيلة في انتشار هذا القول الكاذب بين المؤمنين.
وخلاصة هذا: تنزه ربنا أن يرضى بظلم هؤلاء القاذفين، وأن لا يعاقبهم على عظيم ما ارتكبوا، وكبير ما اجترحوا من الإثم والفسوق، وأن توسم زوج نبيه بالفجوز، والعقل والدين يمنعان الخوض في مثل هذا؛ لأن فيه إيذاء للنبي صلى الله عليه وسلم والله يقول:{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} ولأن فيه إشاعة الفاحشة التي أمر الله بسترها، ولأن في إظهار محاسن الناس وترك معايبهم تخلقًا بأخلاق الله، والنبي يقول:"تخلقوا بأخلاق الله".
قال الزمخشري: فإن قلت: كيف جاز الفصل بين {لولا} و {قلتم} ؟
قلت: للظروف شأن، وهو تنزلها من الأشياء منزلة نفسها لوقوعها فيها، وأنها لا تنفك عنها، فلذلك يتسع فيها ما لا يتسع غيرها. انتهى.
قلت (1): وما ذكره من أدوات التحضيض يوهم أن ذلك مختص بالظرف، وليس كذلك بل يجوز تقديم المفعول به على الفعل، فتقول: لولا زيدًا ضربت، وهلا عمرًا قتلت.
وقال الزمخشري أيضًا: فإن قلت: فأي فائدةٍ في تقديم الظرف حتى أوقع فاصلًا؟.
قلت: الفائدة بيان أنه كان الواجب عليهم، أن ينقادوا حال ما سمعوه بالإفك وينزجروا عن التكلم به، فلما كان ذكر الوقت أهم وجب التقديم. فإن قلت: ما معنى يكون، والكلام بدونه تام، لو قيل: ما لنا أن نتكلم بهذا؟
(1) البحر المحيط.