المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

والخلاصة: أن كل شيء مما سواه مخلوق مربوب، وهو خالق - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٩

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

الفصل: والخلاصة: أن كل شيء مما سواه مخلوق مربوب، وهو خالق

والخلاصة: أن كل شيء مما سواه مخلوق مربوب، وهو خالق كل شيء وربه، ومليكه وإلهه. وكل شيء تحت قهره وتسخيره وتقديره. ومن كان كذلك، فكيف يخطر بالبال، أو يدور في الخلد كونه سبحانه والدًا له، أو شريكًا له في ملكه، كما قال: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ

} الآية.

وفي "فتح الرحمن" إن قلت: الخلق (1) هو التقدير. ومنه قوله تعالى: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ} فكيف جمع بينهما؟

قلت: الخلق من الله هو إيجاد، فصح الجمع بينه وبين التقدير .. ولو سلم أنه التقدير، لساغ الجمع بينهما لاختلافهما لفظًا. كما في قوله تعالى:{أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} انتهى.

‌3

- ثم صرح سبحانه بتزييف مذاهب عبدة الأوثان. فقال: {وَاتَّخَذُوا} ؛ أي: واتخذ المنذرون من كفار مكة كأبي جهل وأصحابه؛ أي: واتخذوا لأنفسهم وجعلوا لها {مِنْ دُونِهِ} تعالى {آلِهَةً} ؛ أي: معبودات يعبدونها من دونه تعالى؛ أي: جعلوا لأنفسهم متجاوزين الله آلهة. {لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا} ؛ أي: لا يقدرون على خلق شيء من الأشياء أصلًا. والجملة في محل نصب صفة لآلهة، وغلب العقلاء على غيرهم؛ لأن في معبودات الكفار الملائكة وعزير والمسيح.

{وَهُمْ يُخْلَقُونَ} ؛ أي: والحال أنهم مخلوقون لله سبحانه وتعالى، فكيف تُتخذ آلهة؟ وقيل: عبر عن الآلهة بضمير العقلاء، جريًا على اعتقاد الكفار، أنها تضر وتنفع. وقيل معنى:{وَهُمْ يُخْلَقُونَ} أن عبدتهم يصورونهم. وقال (2) هنا: {مِنْ دُونِهِ} بالضمير، وفي مريم ويس {مِنْ دُونِ اللَّهِ} بلفظ الجلالة. حيث قال في مريم:{وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81)} وفي يس: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74)} موافقة لما قبله في المواضع الثلاثة.

ثم لما وصف الله سبحانه نفسه بالقدرة الباهرة .. وصف آلهة المشركين بالعجز البالغ. فقال: {وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ} ؛ أي: لا يستطيعون {ضَرًّا} ؛

(1) فتح الرحمن.

(2)

فتح الرحمن.

ص: 476

أي: دفع ضر عنها، قُدِّم لكونه أهم من النفع. {وَلَا نَفْعًا}؛ أي: ولا جلب نفع لها، فكيف يملكون شيئًا منهما لغيرهم؟ فهم أعجز من الحيوان، فإنه ربما يملك دفع الضر، وجلب النفع لنفسه في الجملة.

وفي "فتح الرحمن": قدم (1) الضر على النفع لمناسبة ما بعده، من تقديم الموت على الحياة. انتهى. ثم زاد في بيان عجزهم، فنصَّصَ على هذه الأمور. فقال:{وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا} ؛ أي: لا يقدرون على إماتة الأحياء. وإحيائهم أولًا وبعثهم ثانيًا. ومن كان كذلك، فبمعزل عن الألوهية، لعرائه عن لوازمها واتصافه بما ينافيها.

وفيه (2) تنبيه على أن الإله، يجب أن يكون قادرًا على البعث والجزاء، يعني أن الضار والنافع والمميت والمحيي والباعث هو الله سبحانه، فهو المعبود الحقيقي، وما سواه فليس بمعبود بل عابد لله تعالى، كما قال تعالى:{إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93)} .

وفي الآية إشارة إلى الأصنام المعنوية، وهم المشايخ المدعون، والدجاجلة المضلون، فإنهم ليسوا بقادرين على إحياء القلوب، وإماتة النفوس، فالتابعون لهم في حكم عابدي الأصنام. فليحذر العاقل من اتخاذ أهل الهوى متبوعًا، فإن الموت الأكبر الذي هو الجهل، إنما يزول بالحياة الأشرف الذي هو العلم. فإن كان للعبد مدخل في إفادة الخلق، العلم النافع، ودعاؤهم إلى الله على بصيرة .. فهو الذي رقى غيره من الجهل إلى المعرفة، وأنشأه نشأة أخرى، وأحياه حياة طيبة بإذن الله تعالى. وهي رتبة الأنبياء ومن يرثهم من العلماء العاملين. وأما من سقط عن هذه الرتبة، من الجهلة الذين اتخذهم الناس سادةً، لنسبهم إلى العلماء، فليس الاستماع إلى كلامه إلا كاستماع بني إسرائيل إلى صوت العجل.

وقد قال الله تعالى: {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} ؛ أي: كونوا في جملة الصادقين ومصاحبين لهم وبعضهم ولذا قالوا يلزم المرء أن يختار من البقاء أحسنها دينًا،

(1) فتح الرحمن.

(2)

روح البيان.

ص: 477