الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{رَحِيمٌ} به، لا يعذبه على ما كان له من زلة قد استغفر منها وتاب إليه من فعلها، فكيف لا يقتدي العباد بربهم في العفو والصفح عن المسيئين إليهم. وفي هذا ترغيب عظيم في العفو، ووعد كريم عليه بالمغفرة من الذنوب. وحث على مكارم الأخلاق.
وفي "معجم الطبراني الكبير" أنه أضعف له النفقة التي كان يعطيه إياها قبل القذف؛ أي: أعطاه ضعف ما كان يعطيه قبل ذلك. وقال بعضهم:
مَنْ كَانَ يَرْجُوْ عَفْوَ مَنْ فَوْقَهُ
…
فَلْيَعْفُ عَنْ ذَنْبِ الَّذِيْ دُوْنَهُ
23
- {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُون} ؛ أي: يقذفون بالزنا {الْمُحْصَنَاتِ} ؛ أي: العفائف مما رمين به من الفاحشة والزنا، وأجمعوا على أن حكم المحصنين من الرجال حكم المحصنات من النساء في حدّ القذف. {الْغَافِلَاتِ} عن الفاحشة على الإطلاق، بحيث لم يخطر ببالهن شيء منها، ولا من مقدماتها أصلًا. ففيها من الدلالة على كمال النزاهة ما ليس من المحصنات {الْمُؤْمِنَاتِ}؛ أي: المتصفات بالإيمان بكل ما يجب أن يؤمن به من الواجبات، والمحظورات وغيرها، إيمانًا حقيقيًا تفصيليًا، كما ينبىء عنه تأخير المؤمنات عما قبلها، مع أصالة وصف الإيمان. والمراد بها عائشة الصديقة رضي الله عنها. والجمع باعتبار أن رميها رمي لسائر أمهات المؤمنين، لاشتراك الكل في العصمة والنزاهة، والانتساب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في قوله تعالى:{كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105)} ونظائره.
وجملة قوله: {لُعِنُوا} خبر ثان؛ أي (1): لعنوا وطردوا من رحمة الله تعالى بسبب ما قالوا في المحصنات وهتكوا حرمتهن {فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} ؛ حيث يلعنهم اللاعنون من المؤمنين والملائكة أبدًا. وأصل اللعنة: الطرد والإبعاد على سبيل السخط، وذلك من الله تعالى في الآخرة عقوبة، وفي الدنيا انقطاع عن قبول فيضه وتوفيقه، ومن الإنسان دعاء على غيره.
{وَلَهُمْ} ؛ أي: لأولئك الرامين مع ما ذكر من اللعن الأبدي {عَذَابٌ عَظِيمٌ}
(1) روح البيان.
لعظم ذنوبهم. قال مقاتل: هذا خاص في عبد الله بن أبي ابن سلول المنافق.
وفي "الشواكاني" وقد (1) اختلف في هذه الآية، هل هي خاصة أم عامة؟ فقال سعيد بن جبير: هي خاصة فيمن رمى عائشة رضي الله عنها. وقال مقاتل: هي خاصة بعبد الله بن أبي رأس المنافقين. وقال الضحاك والكلبي: هذه الآية هي في عائشة وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم دون سائر المؤمنون والمؤمنات، فمن قذف إحدى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فهو من أهل هذه الآية.
قال الضحاك: ومن أحكام هذه الآية: أنه لا توبة لمن رمى إحدى أزواجه صلى الله عليه وسلم. ومن قذف غيرهن .. فقد جعل الله له التوبة، كما تقدم في قوله:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} وقيل: إن هذه الآية خاصة بمن أصر على القذف، ولم يتب. وقيل: إنها تعم كل قاذف ومقذوف من المحصنات والمحصنين. واختاره الناس. وهو الموافق لما قرره أهل الأصول، من أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وقيل: إنها خاصة بمشركي مكة؛ لأنهم كانوا يقولون للمرأة إذا خرجت مهاجرة إنما خرجت لتفجر. قال أهل العلم: إن كان المراد بهذه الآية المؤمنين من القذفة .. فالمراد باللعنة الإبعاد وضرب الحد وهجر سائر المؤمنين لهم وزوالهم عن رتبة العدالة والبعد عن الثناء الحسن على ألسنة المؤمنين. وإن كان المراد من قذف عائشة خاصة، كانت هذه الأمور في جانب عبد الله بن أبي رأس المنافقين. وإن كان في مشركي مكة فإنهم ملعونون.
وقيل المعنى (2): {لُعِنُوا} ؛ أي: عذبوا {فِي الدُّنْيَا} بالحد وفي {وَالْآخِرَةِ} بالنار {وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} هو عذاب الكفر.
والخلاصة: أي (3) إن الذين يتهمون بالفاحشة العفيفات الغافلات عنها، المؤمنات بالله ورسوله يبعدون من رحمة الله في الدنيا والآخرة، ولهم في الآخرة عذاب عظيم جزاء ما اقترفوا من جناياتهم، فهم مصدر قالة السوء في المؤمنات،
(1) الشوكاني.
(2)
المراح.
(3)
المراغي.