المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

والأعقاب جمع عقب، وهو مؤخر الرجل، والنكوص الرجوع القهقرى؛ أي: - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٩

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

الفصل: والأعقاب جمع عقب، وهو مؤخر الرجل، والنكوص الرجوع القهقرى؛ أي:

والأعقاب جمع عقب، وهو مؤخر الرجل، والنكوص الرجوع القهقرى؛ أي: معرضون عن سماعها أشد الإعراض فضلًا عن تصديقها والعمل بها.

والمعنى: أي (1) دعوا الصراخ، فإنه لا يمنعكم منا، واتركوا النصير، فإنه لا ينفعكم عندنا، فقد ركبتم شططًا، وجاءتكم الآيات والنذر، فأعرضتم عن سماعها فضلًا عن تصديقها، والعمل بها، وكنتم كمن ينكص على عقبيه موليًّا القهقرى نافرًا مما يسمع ويرى. وعلى أعقابكم متعلق بـ {تَنْكِصُونَ} ، وهو استعارة عن الإعراض عن الحق، كما سيأتي.

وقرأ علي بن أبي طالب {عَلَى أَدْبَارِهِمْ} بدل {عَلَى أَعْقَابِكُمْ} وقرأ تنكُصون بضم الكاف.

‌67

- وقوله: {مُسْتَكْبِرِينَ} حال من فاعل {تَنْكِصُونَ} ، والضمير (2) في {بِه} راجع إلى البيت العتيق. وقيل: للحرم، والذي سوغ الإضمار قبل الذكر اشتهارهم بالاستكبار به وافتخارهم بولايته، والقيام به، وكانوا يقولون: لا يظهر علينا أحد؛ لأنا أهل الحرم وخدامه. وإلى هذا ذهب جمهور المفسرين. والمعنى عليه: فكنتم ترجعون عن آياتي على أدباركم حالة كونكم متعظمين بالبيت، ومفتخرين بالحرم وخدمته.

وقيل: الضمير عائد إلى الآيات، بمعنى الكتاب، وضمن الاستكبار معنى التكذيب، فعداه بالباء. والمعنى: فكنتم تنكصون عنها على أعقابكم، حالة كونكم مكذبين بكتابي، ومستكبرين عن الإيمان به. والمعنى: أن سماعه يحدث لهم كبرًا وطغيانًا فلا يؤمنون به.

قال ابن عطية: وهذا قول جيد، وقال النحاس: القول الأول أولى، وبينه بما ذكرنا، فعلى القول الأول: يكون (به) متعلقًا بمستكبرين. وعلى الثاني: يكون متعلقًا بـ {سَامِرًا} ؛ لأنهم كانوا يجتمعون حول البيت بالليل يسمرون، وكان عامة سمرهم ذكر القرآن، والطعن فيه، وتسميته سحرًا وشعرًا وهو اسم جمع كالحاضر

(1) المراغي.

(2)

الشوكاني.

ص: 116

في الإطلاق على الجمع. وقال الواحدي: السامر الجماعة يسمرون بالليل؛ أي: يتحدثون فيه، فهو حال بعد حال من فاعل تنكصون، أو من الضمير في مستكبرين. والمعنى: وحالة كونكم سامرين ومتحدثين حول البيت في شأن القرآن.

ويجوز أن يتعلق {بِهِ} بقوله: {تَهْجُرُون} من الهجر بالفتح، وهو الهذيان، وهو حال أخرى؛ أي: وحالة كونكم تهذون في شأن القرآن وتسبونه، ويجوز أن يكون من الهجر بالضم، وهو الفحش في المنطق، وفيه ذم لمن يسمر في غير طاعة الله تعالى. وكان عليه السلام يؤخر العشاء إلى ثلث الليل، ويكره النوم قبلها، والحديث بعدها. رواه مسلم عن أبي برزة الأسلمي.

ومعنى قوله: {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ (67)} ؛ أي: تعرضون عن الإيمان مستعظمين بالبيت الحرام، تقولون: نحن أهل حرمه وخدام بيته، فلا يظهر علينا أحد، ولا نخاف أحدًا، وتسمرون حوله، وتتخذون القرآن سلواكم والطعن فيه هجيراكم، تهذون فتقولون هو سحر، هو شعر، هو كهانة إلى آخر ما يحلو لكم أن تتقولوه.

والخلاصة: أنكم كنتم عن سماع آياتي معرضين مستعظمين بأنكم خدام البيت وجيرانه فلا تضامون، وتهذون في أمر القرآن، وتقولون فيه ما ليس فيه مسحة من الحق، ولا جانب من الصواب.

وقرأ الجمهور (1): {سَامِرًا} وابن مسعود وابن عباس وأبو حيوة وابن محيصن وعكرمة والزعفراني ومحبوب عن أبي عمرو: سمَّرًا بضم السين وفتح الميم المشددة جمع سامر. وابن عباس أيضًا، وزيد بن علي وأبو رجاء وأبو نهيك (سمارا) كذلك. وبزيادة ألف بين الميم والراء، جمع سامر أيضًا، وهما جمعان مقيسان، في مثل سامر وعاذل.

وقرأ الجمهور وابن كثير وعاصم وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي:

(1) البحر المحيط.

ص: 117