المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

والآخرة، وقد أجاب الله دعاءه، حيث قال: {اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٩

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

الفصل: والآخرة، وقد أجاب الله دعاءه، حيث قال: {اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا

والآخرة، وقد أجاب الله دعاءه، حيث قال:{اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ} فبارك فيهم بعد إنزالهم من السفينة، حتى كان جميع الخلق من نسل نوح ومن معه في السفينة.

والمعنى: أنه قد يكون الإنزال من غير الله، كما يكون من الله سبحانه، فحسن أن يقول: وأنت خير المنزلين؛ لأنه يحفظ من أنزله، ويكلوه في سائر أحواله، ويدفع عنه المكاره، بخلاف منزل الضيف، فإنه لا يقدر على ذلك

‌30

- {إِنَّ فِي ذَلِكَ} المذكور من قصة نوح، وقومه من إنجائه اغراقهم، والخطاب فيه للرسول صلى الله عليه وسلم {لَآيَاتٍ}؛ أي: لدلالات تدل على كمال قدرتنا، وعلامات يستدل بها، على عظيم شأننا (1)، فإن إظهار تلك المياه العظيمة، ثم الإذهاب بها، لا يقدر عليه إلا القادر على كل المقدورات، وظهور تلك الواقعة على وفق ما قال نوح عليه السلام، يدل على المعجز العظيم، وإفناء الكفار، وبقاء الأرض لأهل الدين، من أعظم أنواع العبر في الدعاء، إلى الإيمان، والزجر عن الكفر.

{وَإِنْ كُنَّا} ؛ أي: وإن الشأن كنا {لَمُبْتَلِينَ} ؛ أي: لمصيبين قوم نوح ببلاء عظيم، هو الطوفان، مختبرين به عبادنا فيما بعد، لننظر من يتذكر ويتعظ، أو لمختبرين لهم بإرسال نوح إليهم، ليظهر المطيع والعاصي للناس، أو للملائكة، فـ {إِنَّ} مخففة من الثقيلة، واللام فارقة، والمعنى: وإننا كنا معاملين قوم نوح، معاملة المختبر، لننظر هل يتبعونه، ويتعظون بوعظه، أم لا وقيل:{إِنَّ} نافية واللام بمعنى: إلا؛ أي: وما كنا إلا مبتلين، كما في "السمين".

والمعنى: أي وقل: إذا سلمت وخرجت في السفينة: رب أنزلني من الأرض منزلًا مباركًا، وأنت خير من أنزل عباده المنازل الكريمة، في الدنيا والآخرة.

قال قتادة: علمكم الله أن تقولوا حين ركوب السفينة: {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} وحين ركوب الدابة {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ}

(1) المراح.

ص: 42

وحين النزول {وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ} ، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30)}؛ أي: إن فيما فعلنا بقوم نوح، من إهلاكهم، إذ كذبوا رسولنا، وجحدوا وحدانيتنا، وعبدوا الآلهة والأصنام، لعبرًا لقومك، من مشركي قريش، وحججًا لنا عليهم، يستدلون بها سنننا في أمثالهم، فينزجرون عن كفرهم، ويرتدون عن تكذيبهم، حذر أن يصيبهم مثل الذي أصاب من قبلهم، من العذاب، وقد كنا مختبريهم بالتذكير، بهذه الآيات، لننظر ماذا يفعلون، قبل أن ينزل بهم عقوبتنا، ونحو الآية قوله:{وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر (15)} وقد تقدم هذا القصص بتفصيل في سورة هود عليه السلام.

الإعراب

{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4)} .

{قَدْ} : حرف تحقيق. {أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. {الَّذِينَ}: اسم موصول للجمع المذكر في محل الرفع، صفة لـ {الْمُؤْمِنُونَ} {هُمْ}: مبتدأ {فِي صَلَاتِهِمْ} : جار ومجرور متعلق بـ {خَاشِعُونَ} قدم عليه للاهتمام به، وحسنه كون متعلقه، فأصله {خَاشِعُونَ}: خبر المبتدأ والجملة صلة الموصول. {وَالَّذِينَ} في محل الرفع، معطوف على الموصول الأول، {هُمْ}: مبتدأ {عَنِ اللَّغْو} : متعلق بما بعده {مُعْرِضُونَ} : خبر المبتدأ، والجملة صلة الموصول {وَالَّذِينَ}: معطوف على الموصول الأول {هُمْ} مبتدأ {لِلزَّكَاةِ} متعلق بما بعده، وضمن {فَاعِلُونَ} معنى مؤدون، وقيل:(اللام): زائدة في المفعول به، لتقدمه على عامله {فَاعِلُونَ}: خبر المبتدأ، والجملة صلة الموصول.

{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} .

{وَالَّذِينَ} : معطوف على الموصول الأول {هُمْ} مبتدأ {لِفُرُوجِهِمْ} متعلق بما بعده {حَافِظُونَ} : خبر المبتدأ والجملة صلة الموصول {إِلَّا} : أداة استثناء مفرغ {عَلَى} حرف جر بمعنى من {أَزْوَاجِهِمْ} مجرور بـ {عَلَى} : الجار

ص: 43

والمجرور، متعلق بـ {حَافِظُونَ}. وفي "السمين" قوله:{إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ} فيه أربعة أوجه:

أحدها: أنه متعلق بـ {حَافِظُونَ} على تضمين معنى ممسكين، أو قاصرين، وكلاهما يتعدى بـ {عَلَى} قال تعالى:{أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} .

الثاني: أن {عَلَى} ، بمعنى من؛ أي: إلا من أزواجهم، فـ {عَلَى} بمعنى: من، كما جاءت {مِنَ} ، بمعنى: على في قوله: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ} . وإليه ذهب الفراء.

الثالث: أن يكون في موضع نصب على الحال، قال الزمخشري؛ أي: إلا والين أو قوامين عليهم من قولك: كان فلان على فلانة، فمات عنها، فخلف عليها فلان، ونظيره كان زياد على البصرة؛ أي: واليًا عليها، ومنه قولهم: فلانة تحت فلان، ومن ثم سميت المرأة فراشًا.

الرابع: أن يتعلق بمحذوف، يدل عليه، غير ملومين، قال الزمخشري: وكأنه قيل يلامون إلا على أزواجهم؛ أي: يلامون على كل مباشرة إلا على ما أحل لهم، فإنهم غير ملومين عليه اهـ. {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} {أَوْ}: حرف عطف. {مَا} : اسم موصول، في محل الجر، معطوف على {أَزْوَاجِهِمْ} وعبر بما دون من، وإن كان المقام لمن، لنقصهن بالأنوثة، وشبههن بالبهائم في حل البيع مثلًا اهـ "شيخنا". {مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ}: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف، تقديره: وما ملكته أيمانهم {فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} : {الفاء} : تعليلية، مسوقة لتعليل الاستثناء. {إنهم}: ناصب واسمه {غَيْرُ مَلُومِينَ} : خبره، وجملة {إن} من اسمها وخبرها، في محل الجر بلام التعليل المقدرة، المدلول عليها بالفاء التعليلية.

{فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)}

ص: 44

{فَمَنِ} : {الفاء} : فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت أنهم غير ملومين في ذلك، وأردت بيان حكم ما وراء ذلك .. فأقول لك:{من ابتغى} {من} : اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط، أو الجواب أو هما {ابْتَغَى}: فعل ماض، في محل الجزم بـ {مَن} على كونه فعل شرط لها، وفاعله ضمير يعود على {من} {وَرَاءَ ذَلِكَ}: ظرف ومضاف إليه، متعلق بمحذوف صفة لمفعول {ابْتَغَى} المحذوف، تقديره: فمن ابتغى شيئًا، كائنًا وراء ذلك {فَأُولَئِك}:{الفاء} : رابطة لجواب الشرط وجوبًا. {أولئك} : مبتدأ {هُمْ} : ضمير فصل {الْعَادُونَ} : خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل الجزم بـ {من} الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة {من} الشرطية في محل النصب، مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة، أو معترضة لاعتراضها بين المعطوف والمعطوف عليه. {وَالَّذِينَ}: في محل الرفع، معطوف على الموصول الأول هم مبتدأ {لِأَمَانَاتِهِمْ} متعلق بـ {رَاعُونَ} ، {وَعَهْدِهِمْ}: معطوف على {أماناتهم} {رَاعُونَ} : خبر المبتدأ، والجملة الاسمية صلة الموصول {وَالَّذِينَ}: معطوف على الموصول الأول {هُمْ} : مبتدأ {عَلَى صَلَوَاتِهِمْ} : متعلق بما بعده {يُحَافِظُونَ} : فعل وفاعل خبر المبتدأ، والجملة الاسمية صلة الموصول {أُولَئِكَ}: مبتدأ {هُمُ} ضمير فصل {الْوَارِثُونَ} : خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة استئنافًا بيانيًا {الَّذِينَ} صفة لـ {الْوَارِثُونَ} أو خبر ثان للمبتدأ {يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة صلة الموصول {هُمْ}: مبتدأ فِيهَا متعلق بـ {خَالِدُونَ} وهو خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل النصب حال من فاعل {يَرِثُونَ} .

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16)} .

{وَلَقَدْ} {الواو} : استئنافية، واللام: وموطئة للقسم {قد} : حرف تحقيق

ص: 45

{خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ} : فعل وفاعل ومفعول. {مِنْ سُلَالَةٍ} : متعلق بـ {خَلَقْنَا} {مِنْ طِينٍ} : متعلق بمحذوف صفة لـ {سُلَالَةٍ} ، أو متعلق بـ {سُلَالَةٍ} لأنها بمعنى مسلولة، والجملة الفعلية جواب القسم، لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم مستأنفة {ثُمَّ}: حرف عطف وتراخ {جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً} : فعل وفاعل ومفعولان معطوف على {خَلَقْنَا} {فِي قَرَار} : جار ومجرور صفة لـ {نُطْفَةً} ، {مَكِينٍ}: صفة لـ {قَرَارٍ} . {ثُمَّ} : حرف عطف وتراخ {خَلَقْنَا النُّطْفَةَ} : فعل وفاعل ومفعول أول {عَلَقَةً} : مفعول ثان، والجملة معطوفة على جملة {جَعَلْنَاهُ} ، {فَخَلَقْنَا} {الفاء}: حرف عطف وتعقيب. {خلقنا العلقة مضغة} : فعل وفاعل ومفعولان، معطوف على {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً}. {فَخَلَقْنَا}:{الفاء} : حرف عطف وتعقيب {خلقنا المضغة عظامًا} : فعل وفاعل ومفعولان، معطوف على {فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً} ، {فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ}:{الفاء} : حرف عطف وتعقيب {كسونا العظام لحمًا} : فعل وفاعل ومفعولان معطوف على {فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا} ، {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ}:{ثُمَّ} : حرف عطف وتراخ. {أَنْشَأْنَاهُ} : فعل وفاعل ومفعول أول، معطوف على {فَكَسَوْنَا} ، {خَلْقًا}: حال من المفعول في {أَنْشَأْنَاهُ} {آخَرَ} : صفة لـ {خَلْقًا} {فَتَبَارَكَ اللَّهُ} : {الفاء} : استئنافية {تبارك الله} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة معترضة {أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}: بدل من الجلالة، ومضاف إليه، وليس بصفة لها؛ لأنها نكرة، وتمييز أحسن محذوف، للعلم به، تقديره: خلقًا. {ثُمَّ} : حرف عطف وتراخ. {إِنَّكُمْ} : ناصب واسمه. {بَعْدَ ذَلِكَ} : ظرف ومضاف إليه، متعلق بـ {ميتون} أو حال من كاف المخاطبين {لَمَيِّتُونَ}:(اللام): حرف ابتداء. {ميتون} : خبر {إن} مرفوع بالواو، وجملة {إن}: معطوفة على جملة {أَنْشَأْنَاه} : عطف إسمية على فعلية، وما بينهما اعتراض {ثُمَّ}: حرف عطف {إِنَّكُمْ} : ناصب واسمه. {يَوْمَ الْقِيَامَةِ} : ظرف متعلق بـ {تُبْعَثُونَ} . {تُبْعَثُونَ} : فعل ونائب فاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر {إن} ، وجملة {إن} معطوفة على جملة {إن} الأولى.

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ (17)} .

ص: 46

{وَلَقَدْ} {الواو} : استئنافية، و (اللام): موطئة للقسم. {قد} : حرف تحقيق {خَلَقْنَا} : فعل وفاعل {فَوْقَكُمْ} : ظرف مكان، ومضاف إليه، متعلق بـ {خَلَقْنَا}. {سَبْعَ طَرَائِقَ}: مفعول به، ومضاف إليه، والجملة الفعلية جواب القسم، وجملة القسم مستأنفة، مسوقة لذكر خلق السماوات التي تعلو الإنسان، بعد ذكر خلقه {وَمَا}:{الواو} : حالية. {ما} : نافية {كُنَّا} : فعل ناقص، واسمه {عَنِ الْخَلْقِ}: متعلق بما بعده {غَافِلِينَ} : خبر كان. والجملة في محل النصب من فاعل {خَلَقْنَا} .

{وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (18) فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (19)} .

{وَأَنْزَلْنَا} : فعل وفاعل. {مِنَ السَّمَاءِ} : متعلق بـ {أنزلنا} والجملة معطوفة على {خَلَقْنَا} . {مَاءً} مفعول به. {بِقَدَرٍ} : جار ومجرور، صفة لـ {مَاءً} أي: ماء ملتبسًا بقدر معلوم، يسلمون معه من المضرة ويصلون إلى المنفعة {فَأَسْكَنَّاهُ}. {الفاء}: عاطفة. {أسكناه} : فعل وفاعل ومفعول، معطوف على {أنزلنا} {فِي الْأَرْضِ}: جار ومجرور، متعلق بـ {أسكنا} {وَإِنَّا}:{الواو} : حالية {إن} : ناصب واسمه {عَلَى ذَهَابٍ} : جار ومجرور، متعلق بـ {قادرون} قدم عليه؛ لرعاية الفاصلة {به} متعلق بـ {ذَهَابٍ} {لَقَادِرُون} خبر {إن} ، و {اللام}: حرف ابتداء، وجملة {إن} في محل النصب، حال من فاعل {أسكناه} {فَأَنْشَأْنَا}:{الفاء} : عاطفة. {أنشأنا} : فعل وفاعل. {لَكُمْ} : متعلق بـ {أنشأنا} . {بِهِ} : متعلق بـ {أنشأنا} أيضًا {جَنَّاتٍ} : مفعول به، والجملة معطوفة على جملة {أسكناه}. {مِنْ نَخِيلٍ}: جار ومجرور صفة لـ {جَنَّاتٍ} . {وَأَعْنَابٍ} : معطوف على {نَخِيلٍ} . {لَكُمْ} : جار ومجرور، خبر مقدم {فِيهَا}: جار ومجرور حال من ضمير المخاطبين {فَوَاكِهُ} : مبتدأ مؤخر {كَثِيرَةٌ} : صفة لـ {فَوَاكِهُ} والجملة الاسمية في محل النصب، صفة ثانية لـ {جَنَّاتٍ} أو حال منها، لوصفها بالجار والمجرور. {وَمِنْهَا}:{الواو} : عاطفة. {منها} : متعلق بـ {تَأْكُلُونَ} . {تَأْكُلُونَ} : فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل النصب، معطوفة على جملة

ص: 47

قوله: {لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ} .

{وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (20) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (21) وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (22)} .

{وَشَجَرَةً} : معطوف على {جَنَّاتٍ} . {تَخْرُجُ} : فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {شجرة}: والجملة في محل النصب، صفة لـ {شجرة}. {مِن}: حرف جر {طُورِ} : مجرور ومضاف. {سَيْنَاءَ} : مضاف إليه، مجرور بالفتحة، ممنوع من الصرف، للعلمية والتأنيث المعنوي؛ لأنه بمعنى البقعة، وألفه ليست للتأنيث، بل للإلحاق بقرطاس {تَنْبُتُ}: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على شجرة، والجملة في محل النصب صفة ثانية، لـ {شجرة}. {بِالدُّهْنِ}: جار ومجرور في محل النصب، حال من فاعل {تَخْرُجُ}؛ أي: حالة كونها ملتبسة بالدهن، ومصحوبةً به، والدهن: عصارة كل شيء ذي دسم، {وَصِبْغٍ} معطوف على {الدهن} ، جار على إعرابه، عطف أحد وصفي الشيء على الآخر؛ أي: تنبت بالشيء الجامع بين كونه دهنًا يدهن به، ويسرج منه، وكونه إدامًا يصبغ به الخبر، أي يغمس فيه للائتدام به {لِلْآكِلِينَ}: جار ومجرور صفة لـ {صبغ} . {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً} {الواو} : عاطفة. {إن} : حرف نصب {لَكُمْ} : جار ومجرور، وخبر مقدم لـ {إنَّ} {فِي الْأَنْعَامِ}: حال من عبرة؛ لأنه صفة نكرة، قدمت عليها {لَعِبْرَةً}. {اللام}: حرف ابتداء. {عبرة} : اسم إن مؤخر وجملة إن معطوفة على جملة قوله: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ} . {نُسْقِيكُمْ} : فعل ومفعول وفاعل مستتر، يعود على {الله}. {مِمَّا}: جار ومجرور، متعلق بـ {نُسْقِيكُمْ} . والجملة الفعلية، جملة مفسرة لعبرة، أو مستأنفة لا محل لها من الإعراب. {فِي بُطُونِهَا}: جار ومجرور صلة لـ {ما} أو صفة لها {وَلَكُمْ} : جار ومجرور، خبر مقدم {فِيهَا}: جار ومجرور حال من {مَنَافِعُ} لأنه صفة نكرة قدمت عليها. {مَنَافِعُ} : مبتدأ مؤخر {كَثِيرَةٌ} صفة له، والجملة الاسمية معطوفة على جملة {نُسْقِيكُمْ}. {وَمِنْهَا}: متعلق بـ {تَأْكُلُونَ} . {تَأْكُلُونَ} : فعل وفاعل، والجملة معطوفة على

ص: 48

جملة {نُسْقِيكُمْ} . {وَعَلَيْهَا} . {الواو} : عاطفة {عليها} ، متعلق بـ {تُحْمَلُونَ}. {وَعَلَى الْفُلْكِ}: جار ومجرور معطوف على الجار والمجرور قبله {تُحْمَلُونَ} : فعل ونائب فاعل معطوف على {نُسْقِيكُمْ} .

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (23)} .

{وَلَقَدْ} {الواو} : استئنافية. {اللام} : موطئة للقسم. {قد} : حرف تحقيق. {أَرْسَلْنَا نُوحًا} : فعل وفاعل ومفعول {إِلَى قَوْمِهِ} متعلق بـ {أَرْسَلْنَا} ، والجملة الفعلية جواب القسم وجملة القسم مستأنفة مسوقة لسرد خمس قصص، أولها: قصة نوح، {فَقَالَ}:{الفاء} : عاطفة. {قال} : فعل ماض وفاعله ضمير يعود على {نُوحًا} ، والجملة معطوفة على جملة {أَرْسَلْنَا}. {يَا قَوْمِ}: إلى آخر الآية، مقول محكي لـ {قال}؛ وإن شئت قلت:{يَا قَوْمِ} : منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب، مقول {قال}. {اعْبُدُوا اللَّهَ}: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة في محل النصب مقول {قال} على كونها جواب النداء {مَا}: نافية. {لَكُمْ} : خبر مقدم. {مِنْ} : زائدة. {إِلَهٍ} : مبتدأ مؤخر، مرفوع محلًا {غَيْرُهُ}: صفة لـ {إِلَهٍ} على المحل، وقرىء بالجر على اللفظ، وهو جائز والجملة الاسمية في محل النصب مقول {قَالَ} مسوقة لتعليل الأمر بالعبادة. {أَفَلَا تَتَّقُون}:(الهمزة): للاستفهام الإنكاري لإنكار الواقع منهم، داخلة على محذوف، و {الفاء}: عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: ألا تعرفون عدم إله غير الله لكم، {لا}: نافية. {تَتَّقُون} : فعل وفاعل ومفعوله محذوف تقديره: عذابه، والجملة الفعلية معطوفة على ذلك المحذوف، والتقدير: ألا تعرفون ذلك فلا تتقون عذابه، والجملة المحذوفة، في محل النصب مقول {قال} .

{فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} .

{فَقَالَ} : {الفاء} : عاطفة. {قال الملأ} : فعل وفاعل معطوف على {فَقَالَ يَا قَوْمِ} . {الَّذِينَ} : صفة للام {كَفَرُوا} : صلة الموصول {مِنْ قَوْمِهِ} : جار ومجرور، حال من فاعل {كَفَرُوا}. {مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ} إلى قوله: {قَالَ رَبِّ

ص: 49

انْصُرْنِي}: مقول محكي وإن شئت قلت: {مَا} : نافية. {هَذَا} : مبتدأ {إِلَّا} : أداة استثناء مفرغ {بَشَرٌ} : خبر {مِثْلُكُمْ} : صفة أولى لـ {بَشَرٌ} ، والجملة الاسمية في محل النصب مقول {قال} .

{يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ} .

{يُرِيدُ} : فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على {بَشَرٌ} ، والجملة في محل الرفع صفة ثانية لـ {بَشَرٌ}. {أَن}: حرف نصب {يَتَفَضَّلَ} : فعل مضارع، منصوب بـ {أن} المصدرية {عَلَيْكُمْ}: متعلق به، وفاعله ضمير يعود على {بَشَرٌ} ، والجملة في تأويل مصدر منصوب على المفعولية، تقديره: يريد تفضله عليكم {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ} . {الواو} : استئنافية. {لو} : حرف شرط {شَاءَ اللَّهُ} : فعل وفاعل، الجملة فعل شرط لـ {لو}. {لَأَنْزَلَ}:{اللام} : رابطة لجواب {لو} {أنزل} : فعل وفاعل مستتر يعود على {اللَّهُ} {مَلَائِكَةً} : مفعول به، والجملة جواب {لو} الشرطية وجملة {لو} الشرطية في محل النصب مقول {قال} على كونها مستأنفة {مَا}: نافية {سَمِعْنَا} : فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول {قال}. {بِهَذَا}: جار ومجرور، متعلق بـ {سَمِعْنَا} . {فِي آبَائِنَا} متعلق بـ {سَمِعْنَا} . أيضًا، أو حال من اسم الإشارة، {الْأَوَّلِين}: صفة لـ {آبَائِنَا} .

{إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (25) قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ} .

{إِنْ} : نافية. {هُوَ} : مبتدأ. {إِلَّا} : أداة استثناء مفرغ. {رَجُلٌ} : خبره، والجملة في محل النصب مقول {قال}. {بِهِ}: جار ومجرور، خبر مقدم {جِنَّةٌ} مبتدأ مؤخر، والجملة في محل الرفع، صفة لـ {رَجُلٌ}. {فَتَرَبَّصُوا}:{الفاء} فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتم حقيقته المذكورة لكم، من أنه بشر مثلكم، ورجل به جنة، وأردتم بيان ما هو الأصلح لكم .. فأقول لكم:{تربصوا} : فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة في محل

ص: 50

النصب مقول {قال} . {بِهِ} : جار ومجرور متعلق بـ {تربصوا} . {حَتَّى حِينٍ} : جار ومجرور، متعلق به أيضًا. {قَالَ}: فعل وفاعل مستتر، يعود على نوح، والجملة مستأنفة {رَبِّ انْصُرْنِي}: إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت:{رَبِّ} : منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول قال:{انْصُرْنِي} : فعل وفاعل مستتر، ونون وقاية، والجملة في محل النصب مقول {قَالَ}. {بِمَا}:{الباء} : حرف جر. {ما} : مصدرية {كَذَّبُون} : فعل وفاعل ونون وقاية وياء المتكلم المحذوفة، اجتزاءً عنها بكسرة نون الوقاية، في محل النصب مفعول به، والجملة الفعلية صلة {ما} المصدرية. {ما} مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بالباء السببية، الجار والمجرور متعلق بـ {انْصُرْنِي} والتقدير: انصرني بسبب تكذيبهم إياي.

{فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا} .

{فَأَوْحَيْنَا} {الفاء} : استئنافية، كما قيل، أو فصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت ما قالوا. وقال نوح، وأردت بيان أمره، وأمرهم .. فأقول لك:{أوحينا} . {أوحينا} : فعل وفاعل ومضاف {إِلَيْهِ} متعلق به، والجملة الفعلية في محل النصب، مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة، {أَنِ}: مفسرة لوقوعها بعد جملة فيها معنى القول، دون حروفه، وهو {أوحينا}. {اصْنَعِ}: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على {نُوحًا}. {الْفُلْكَ}: مفعول به، والجملة الفعلية جملة مفسرة، لا محل لها من الإعراب {بِأَعْيُنِنَا}: جار ومجرور، ومضاف إليه، حال من الضمير المستتر في {اصْنَعِ} ، تقديره: حالة كونك ملتبسًا بأعيننا. {وَوَحْيِنَا} : معطوف على {أعيننا} .

{فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} .

{فَإِذَا} {الفاء} : استئنافية، أو فصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا امتثلت أمرنا، وصنعت الفلك، وأردت بيان عاقبة أمرها .. فأقول لك:{إذا جاء أمرنا} : {إذا} : ظرف لما يستقبل من الزمان. {جَاءَ أَمْرُنَا} : فعل

ص: 51

وفاعل، والجملة الفعلية في محل الخفض فعل شرط لـ {إذا} ، والظرف متعلق بالجواب، {وَفَارَ التَّنُّورُ}: فعل وفاعل، معطوف على {جَاءَ أَمْرُنَا} عطف بيان على مبين {فَاسْلُكْ}:{الفاء} : رابطة لجواب {إذا} وجوبًا. {اسلك} : فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على {نُوحًا}. {فِيهَا}: متعلق به. {مِنْ كُلٍّ} : جار ومجرور، حال من {زَوْجَيْنِ} أو من {اثْنَيْنِ} ؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها، والجملة الفعلية جواب {إذا} لا محل لها من الإعراب، وجملة {إذا} في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة، {زَوْجَيْن}: مفعول به لـ {فَاسْلُكْ} . {اثْنَيْنِ} : صفة مؤكدة له. {وَأَهْلَكَ} : مفعول لفعل محذوف، معطوف على {فَاسْلُكْ} تقديره: واسلك فيها أهلك، كما مر في مبحث التفسير مع علته. {إِلَّا}: أداة استثناء. {مَنْ} : اسم موصول، في محل النصب على الاستثناء المتصل. {سَبَق}: فعل ماض. {عَلَيْهِ} : متعلق بـ {سَبَقَ} ، {الْقَوْلُ}: فاعل، والجملة الفعلية صلة الموصول. {وَلَا تُخَاطِبْنِي}:{الواو} : عاطفة، {لا}: ناهية، {تُخَاطِبْنِي} فعل وفاعل مستتر، ونون وقاية، ومفعول به مجزوم بـ {لا} الناهية، والجملة الفعلية معطوفة على جملة {فَاسْلُكْ}. {فِي الَّذِين}: متعلق بـ {تُخَاطِبْنِي} . {ظَلَمُوا} فعل وفاعل، صلة الموصول. {إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ}: ناصب واسمه وخبره، وجملة {إن}: مستأنفة، مسوقة لتعليل النهي قبلها.

{فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (28)} .

{فَإِذَا} : {الفاء} : استئنافية أو فصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، وتقديره: إذا عرفت ما أمرتك به، وأردت بيان ما هو اللازم لك .. فأقول لك:{إذا استويت} : {إذا} : ظرف لما يستقبل من الزمان. {اسْتَوَيْتَ} : فعل وفاعل فعل شرط لـ {إذا} . {أَنْتَ} : تأكيد للتاء. {وَمَنْ} : معطوف على التاء. {مَعَكَ} : ظرف ومضاف إليه، صلة الموصول {عَلَى الْفُلْكِ}: متعلق بـ {اسْتَوَيْت} . {فَقُلِ} : {الفاء} : رابطة لجواب {إذا} الشرطية جوبًا {قل} : فعل أمر، وفاعل مستتر جواب {إذا} الشرطية، وجملة {إذا}: في محل النصب مقول

ص: 52

لجواب إذا المقدرة وجملة {إذا} المقدرة مستأنفة. {الْحَمْدُ لِلَّهِ} إلى آخر الآية: مقول محكي، وإن شئت قلت:{الْحَمْدُ لِلَّهِ} : مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب مقول {قل}. {الَّذِي}: صفة للجلالة. {نَجَّانَا} : فعل وفاعل مستتر مفعول به، والجملة الفعلية صلة الموصول. {مِنَ الْقَوْمِ}: متعلق بـ {نَجَّانَا} . {الظَّالِمِين} : صفة لـ {الْقَوْمِ} .

{وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (29) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30)} .

{وَقُلْ} : فعل أمر، وفاعل مستتر معطوف على {قل} الأول. {رَبِّ} إلى آخر الآية: مقول محكي، وإن شئت قلت:{رَبِّ} : منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول {قل}. {أَنْزِلْنِي}: فعل دعاء، وفاعل مستتر، ونون وقاية، ومفعول به أول. {مُنْزَلًا}: اسم مكان، أو مصدر مفعول ثان، والجملة الفعلية في محل النصب مقول {قل} على كونها جواب النداء {مُبَارَكًا}: صفة لـ {مُنْزَلًا} . {وَأَنْتَ خَيْرُ} : مبتدأ وخبر {الْمُنْزِلِينَ} : مضاف إليه، والجملة في محل النصب حال من فاعل {أَنْزِلْنِي}. {إنَّ}: حرف نصب. {فِي ذَلِكَ} : جار ومجرور خبر مقدم، لـ {إنَّ}. {لَآيَات}:{اللام} : حرف ابتداء. {آيات} : اسم {إنَّ} مؤخر، وجملة {إنَّ} مسأتفة. {وَإِن}:{الواو} : عاطفة. {إن} : مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن، {كُنَّا}: فعل ناقص واسمه. {لَمُبْتَلِينَ} : (اللام): حرف ابتداء. {مبتلين} خبر {كان} ، وجملة {كان} في محل الرفع خبر {إن} المخففة وجملة {إن} المخففة معطوفة على جملة {إنَّ} الأولى.

التصريف ومفردات اللغة

{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)} وكلمة {قَدْ} هنا لإفادة ثبوت ما كان متوقع الثبوت من قبل لأن المؤمنون كانوا متوقعين ذلك الفلاح من فضل الله، والفلاح: البقاء، والفوز بالمراد، والنجاة من المكروه، والإفلاح: الدخول في ذلك، كالإبشار الذي هو الدخول في البشارة، وقد يجيء متعديًا بمعنى الإدخال فيه، وعليه قراءة من قرأ على البناء للمفعول. اهـ. "روح". و {الْمُؤْمِنُونَ}: جمع مؤمن،

ص: 53

والمؤمن: هو المصدق، بما جاء عن ربه على لسان نبيه، من التوحيد والنبوة والبعث والجزاء، {خَاشِعُونَ} جمع خاشع. والخاشع: هو الخاضع المتذلل، مع خوف وسكون للجوارح.

وقال في "المفردات": الخشوع: الضراعة، وأكثر ما يستعمل فيما يوجد على الجوارح، والضراعة أكثر ما تستعمل فيما يوجد على القلب، ولذلك قيل فيما ورد: إذا ضرع القلب خشعت الجوارح.

{وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3)} وفي "المفردات" اللغو من الكلام ما لا يعتد به، وهو الذي يورد لا عن روية وفكر، ويجري مجرى اللغا، وهو صوت العصافير ونحوها، من الطيور. اهـ. وفي "التأويلات النجمية" اللغو: كل فعل لا لله، وكل قول لا من الله، ورؤية غير الله، وكل ما يشغلك عن الله، فهو لغو. اهـ. ويقال: أعرض أظهر عرضه؛ أي: ناحيته، فإذا قيل: عرض لي كذا؛ أي: بدا عرضه فأمكن تناوله، وإذا قيل: أعرض، فمعناه ولى مبديًا عرضه؛ أي: معرضوه عن اللغو في عامة أوقاتهم.

{وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4)} والزكاة: تزكية النفس وطهارتها، بفعل العبادة المالية، ضمن فاعلون معنى مؤدون، إذ لا يصح فعل الأعيان، التي هي القدر المخرج من المزكي للمستخقين، ويصح حمل الزكاة على المصدر، الذي هو التزكية، فيصح نسبة الفعل إليها، من غير تضمين. اهـ. من "البحر" {لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} والفروج: جمع فرج، والفرج: سوءة الرجل والمرأة، وحفظه التعفف عن الحرام، وفي كتب اللغة: الفرج والفرجة: الشق بين الشيئين، كفرجة الحائط، والفرج ما بين الرجلين، وكنى به عن السوءة وكثر حتى صار كالصريح. {ابْتَغَى}؛ أي: طلب {وَرَاءَ ذَلِك} ؛ أي: غير ذلك {الْعَادُون} ؛ أي: المتناهون في العدوان، ومجاوزة الحدود الشرعية، وفي "الروح" العدوان: الإخلال بالعدالة، والاعتداء. مجاوزة الحق.

{لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ} والأمانات: جمع أمانة، والأمانة: هي ما ائتمن المرء عليه من قبل الله تعالى، كالتكاليف الشرعية، أو من قبل الناس، كالأموال

ص: 54

المودعة لديه، والنذور والعقود ونحوها، والعهد ما عقده الإنسان على نفسه مما يقربه إلى ربه، وما أمر به الله، كما قال {الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا}. {رَاعُونَ}: جمع راعٍ من الرعي، وهو الحفظ، والراعي: القائم على الشيء لحفظه وإصلاحه. {يُحَافِظُون} ؛ أي: يواظبون عليها بشرائطها وآدابها كما مر.

{هُمُ الْوَارِثُونَ} : جمع وارث، والوراثة: انتقال المال إليك من غيرك، من غير عقد، ولا ما يجري مجرى العقد، وسمي بذلك المنتقل عن الميت، فيقال للمال: المورث ميراث اهـ. "روح".

والفردوس: اسم لأعلى طبقات الجنة، وهو في الأصل: البستان الجامع، لجميع أصناف الثمر، هم فيها {خَالِدُونَ}: جمع خالد، والخلود: تبري الشيء من اعتراض الفساد، وبقاؤه على الحالة التي هو عليها، والخلود في الجنة، بقاء الأشياء على الحالة التي هي عليها من غير اعتراض الكون، والفساد عليها.

{مِنْ سُلَالَةٍ} والسلالة: كل ما سل عن الشيء، واستخرج منه، يقال: سل الشيء من الشيء، إذا نزع كسل السيف من الغمد، وسل الشيء من البيت على سبيل السرقة، وسل الولد من الأب، ومنه قيل للولد: سليل، فالسلالة: اسم ما سل من الشيء، واستخرج منه، فإن فعالة اسم لما يحصل من الفعل، فتارةً تكون مقصودة كخلاصات الأشياء، كالزبد من اللبن، وأخرى غير مقصودة، كقلامة الظفر، وكناسة البيت. والسلالة هنا: من القبيل الأول، فإنها مقصودة ما يسل.

{مِنْ طِينٍ} . والطين: التراب والماء المختلط به. {نُطْفَةً} والنطفة: الماء الصافي، ويعبر بها عن ماء الرجل {فِي قَرَارٍ}؛ أي: مستقر، وهو الرحم، عبر عنها بالقرار، الذي هو المصدر مبالغة. {مَكِينٍ}؛ أي: متمكن أو حصين، وهو وصف لها، بصفة ما استقر فيها، مثل طريق سائر. {عَلَقَةً}: قال الراغب: العلق الدم الجامد، ومنه العلقة التي يكون منها الولد. {مُضْغَةً} والمضغة: قطعة لحم قدر ما يمضغ. {فَتَبَارَكَ اللَّهُ} تزايد بره وإحسانه، وتعالى شأنه وعلمه، وتقدمت ذاته وصفاته {سَبْعَ طَرَائِقَ}: الطرائق: السماوات، جمع طريقة، بمعنى مطروقة؛ أي: مطروق بعضها فوق بعض، من قولهم طارق بين ثوبين، إذا ألبس

ص: 55

ثوبًا فوق ثوب، أو من طرق النعل، إذا وضع طاقاته بعضها فوق بعض، قيل: فعلى هذا لا تكون سماء الدنيا من الطرائق، إذ لا سماء تحتها، فجعلها منها من باب التغليب، ولا يخفى أن المعنى وضع طاقًا فوق طاق مساويًا له، فيندرج ما تحت الكل لكون مطارقًا؛ أي: له نسبه، ونتلو بالمطارقة فلا حاجة إلى التغليب اهـ. "شهاب".

{وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ} ؛ أي: من السحاب {ماء} ؛ أي: عذبًا، وإلا، فالأجاج ثابت في الأرض مع القحط، والعذب يقل مع القحط {وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ} الذهاب مصدر ذهب، والباء في به، للتعدية، مرادفة للهمزة؛ أي: لقادرون على إذهابه، وازالته، والإذهاب إما بالإفساد، وإما بالتصديع، وإما بالتعميق والتغوير في الأرض.

{مِنْ نَخِيلٍ} قال في "المفردات": النخيل معروف، ويستعمل في الواحد، والجمع، وجمعه نخيل. {وَأَعْنَابٍ}: جمع عنب، قال في "المفردات": العنب يقال: الثمرة الكرم، وللكرم نفسه، الواحدة عنبة، انتهى.

{فَوَاكِهُ} : قال في "المفردات" الفاكهة، قيل: هي الثمار كلها، وقيل: بل هي الثمار، ما عدا العنب والرمان، وقائل هذا كأنه نظر إلى اختصاصهما بالذكر، وعطفهما على الفاكهة، انتهى.

{وَشَجَرَةً} : وفي "المفردات" الشجرة من النبت ما له ساق، يقال: شجرة وشجر، ونحو ثمرة وثمر. {طُورِ سَيْنَاءَ}: وطور سنين، قال الزمخشري: لا يخلو، إما أن يضاف فيه الطور إلى بقعة اسمها سيناء وسينون، وإما أن يكون إسمًا للجبل مركبًا من مضاف ومضاف إليه، كامرىء القيس، وكبعلبك فيمن أضاف، فمن كسر سين سيناء، فقد منع من الصرف، للتعريف والعجمة، أو التأنيث؛ لأنها بقعة وفعلاء، لا يكون ألفه للتأنيث، كعلباء وحرباء، ومن فتح فلم يصرف؛ لأن الألف للتأنيث، كصحراء هذا وسيناء شبه جزيرة، يحدها البحر الأبيض المتوسط شمالًا، وقناة السويس وخليج السويس غربًا، وفلسطين وخليج العقبة شرقًا، تنتهي جنوبًا عند رأس محمد في البحر الأحمر، وسيناء جبل واقع

ص: 56

في شبه جزيرة سيناء جنوبًا، والمراد بالشجرة، شجرة الزيتون، وخصت بطور سيناء مع أنها تخرج في غيره؛ لأن أصلها منه ثم نقلت إلى غيره.

{بِالدُّهْن} والدهن: عصارة كل شيء ذي دسم. اهـ. "سمين". {وَصِبْغٍ} ؛ أي: إدإم يصبغ اللقمة، إذا أغمست فيه وفي "المصباح": صبغ من باب ضرب، وقتل ونفع. اهـ.

قال في "المغرب"، يقال: صبغ الثوب بصبغ حسن، وصباغ حسن، ومنه الصبغ والصباغ من الإدام؛ لأن الخبز يغمس فيه، ويلون به كالخل والزيت. اهـ. {وَعَلَى الْفُلْكِ}؛ أي: السفينة قال الراغب: ويستعمل الفلك للواحد، والجمع، وتقديرهما مختلفان، فإن الفلك إذا كان واحدًا كان كبناء قفل، وإذا كان جمعًا فكبناء حمر. اهـ.

{قَالَ الْمَلَأُ} الملأ: أشراف القوم. {يَتَفَضَّلَ} ؛ أي: يدعي الفضل والسيادة {جِنَّةٌ} ؛ أي: حالة جنون، ففعلة مستعملة في الهيئة على حد قوله. وفعلة لهيئة كالجلسة اهـ. "شيخنا". والجنون: اختلال حائل بين النفس والعقل، وفي "التأويلات النجمية" يشير إلى أن أحوال الحقيقة عند أرباب الطبيعة جنون، كما أن أحوال أرباب الطبيعة عند أهل الحقيقة جنون. اهـ.

{فَتَرَبَّصُوا} ؛ أي: انتظروا، قال الراغب: التربص: الانتظار بالشيء ساعة، يقصد بها غلاء، أو رخصًا أو أمرًا ينتظر زواله أو حصوله، {وَفَارَ التَّنُّورُ} يقال: فار الماء، إذا نبع يفور فورًا، من باب قال، والفور شدة الغليان، ويقال ذلك في النار نفسها، إذا هاجت وفي القدر، وفي الغضب، وفوارة الماء، سميت تشبيهًا بغليان القدر، ويقال: الفور الساعة، والتنور: تنور الخبز، ابتدأ منه النبوع على خرق العادة {فَاسْلُكْ فِيهَا}؛ أي: أدخل في الفلك، يقال: سلك فيه؛ أي: دخل وسلكه فيه؛ أي: أدخله، ومنه قوله:{مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42)} .

{فَإِذَا اسْتَوَيْتَ} قال الراغب: استوى: يقال على وجهين:

أحدهما: أن يسند إليه، فاعلان فصاعدًا، نحو: استوى زيد وعمرو في

ص: 57

كذا؛ أي: تساويا. قال تعالى: {لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ} .

والثاني: أن يقال: لاعتدال الشيء في ذاته، فإذا استويت، ومتى عدي بعلى اقتضى معنى الاستعلاء نحو {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} ، ونحو {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} .

وفي "السمين" قوله: {مُنْزَلًا مُبَارَكًا} قرأ أبو بكر بفتح الميم وكسر الزاي والباقون بضم الميم، وفتح الزاي والمَنْزِل، والمَنْزَل كل منهما يحتمل أن يكون اسم مصدر وهو الإنزال، أو النزول، وأن يكون اسم مكان للنزول، أو الإنزال إلا أن قياس مصدر الفعل المذكور هنا منزل بالضم والفتح، وأما الفتح والكسر، فعلى نيابة مصدر الثلاثي مناب مصدر الرباعي، كقوله: أنبتكم من الأرض نباتًا. اهـ. والنزول في الأصل هو الانحطاط من علو، يقال: نزل عن دابته، ونزل في مكان كذا، حطّ رحله فيه، ونزل به.

{وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ} : اسم فاعل من ابتلى الخماسي. قال الراغب: إذا قيل: ابتلي فلان بكذا وأبلاه فذلك يتضمن أمرين:

أحدهما: تعرف حاله، والوقوف على ما يجهل من أمره.

والثاني: ظهور جودته وردائته دون التعرف بحاله، والوقوف على ما يجهل من أمره، إذا كان من الله علام الغيوب. اهـ.

واعلم أن البلاء كالملح، وأن أكابر الأنبياء، إنما كانوا من أولي العزم ببلايا ابتلاهم الله بها، فصبروا، ألا ترى إلى حال نوح عليه السلام، كيف ابتلي ألف سنة إلا خمسين عامًا، فصبر، حتى قيل له:{فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} اهـ. "روح البيان".

البلاغة

وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:

ص: 58

فمنها: الإخبار بصيغة الماضي؛ لإفادة التحقيق والثبوت في قوله: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)} كما أن {قَدْ} ؛ لإفادة التحقيق أيضًا.

ومنها: بر الاستهلال في هذه السورة؛ لأنها ذكرت أحوال المؤمنين، على جهة التفصيل. والتفصيل عندهم قسمان: متصل، ومنفصل. فالمتصل: كل كلام وقع فيه أما وأما كقوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ} إلى آخر الكلام.

وأما المنفصل فهو ما يأتي مجمله في مكان ومفصله في مكان آخر كقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)} إلى قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5)} إلى قوله تعالى: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)} . فإن قوله تعالى: {وَرَاءَ ذَلِكَ} إجمال المحرمات، وقد تقدمت مفسرة في سورة النساء بقوله تعالى:{وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} إلى قوله: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} فإن هذه الآية اشتملت على خمسة عشر محرمًا من أصناف النساء، وذوات الأرحام، وثلاثة عشر صنفًا ومن الأجانب صنفان.

ومنها: طباق الإيجاب بين قوله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)} وقولى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3)} فقد جمع سبحانه للمؤمنين في هذا الوصف بين الفعل والترك، إذ وصفهم بالخشوع في الصلاة، وترك اللغو، وهذا كله من طباق الإيجاب المعنوي.

ومنها: التضمين في قوله: {فَاعِلُونَ} ؛ لأنه ضمن فاعلون معنى مؤدون، إذ لا يصح فعل الأعيان التي هي القدر المخرج من المزكي للمستحقين.

ومنها: الحصر في قوله: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10)} ؛ لأن ضمير الفعل يفيد الحصر.

ومنها: تقيد الوراثة بقوله: {يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ} بعد إطلاقها أولًا تفخيمًا لشأنها، ورفعًا لمحلها.

ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: {يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ} حيث شبه

ص: 59

استحقاقهم الفردوس بأعمالهم، حسبما يقتضيه الوعد الكريم بالوراثة، للمبالغة فيه، بجامع قوة الملك؛ لأن الوراثة أقوى سبب يقع في ملك الشيء، ولا يتعقبه رد ولا فسخ ولا إقالة ولا نقض.

ومنها: أسرار لطيفة المأخذ، دقيقة المعنى، في مخالفة حروف العطف في آيات {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً} الآيات، فقد ذكر تعالى تفاصيل حال المخلوق في تنقله، فبدأ بالخلق الأول، وهو خلق آدم من طين، ولما عطف عليه الخلق الثاني، الذي هو خلق نسل عطفه بثم لما بينهما من التراخي، وحيث صار إلى التقدير الذي: يتبع بعضه بعضًا، من غير تراخ عطفه بالفاء، ولما انتهى إلى جعله ذكرًا أو أنثى، وهو آخر الخلق، عطفه بثم، ونحن نعلم أن الزمن الذي تصير فيه النطفة علقة طويل، ولكن الحالتين متصلتان، فأحيانًا ينظر إلى طول الزمان، فيعطف بثم، وأحيانًا ينظر إلى اتصال الحالين، ثانيهما بأول ما من غير فاصل بينهما بغيرهما، فيعطف بالفاء، ومثل هذا تزوج محمد فولد له.

ومنها: الاستعارة التصريحية الأصلية في قوله: {فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} حيث شبه الرحم بالقرار؛ أي: بموضع الاستقرار فخذف المشبه، الذي هو الرحم، وأبقى المشبه به، وهو القرار، ثم وصفه بمكين، بمعنى متمكن، لتمكنه في نفسه، بحيث لا يعرض له اختلال، أو لتمكن ما يحل فيه، كقولهم: طريق سائر؛ أي: يسار فيه.

ومنها: تنزيل غير المنكر، منزلة المنكر، في قوله:{ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15)} الناس لا ينكرون الموت، ولكن غفلتهم عنه، وعدم استعدادهم له بالعمل الصالح، يعدان من علامات الإنكار، ولذلك نزلوا منزلة المنكرين، وألقى الخبر مؤكدًا، بمؤكدين إن واللام.

ومنها: الاستعارة اللطيفة في قوله: {سَبْعَ طَرَائِقَ} شبهت السماوات السبع بطرائق النعل، التي يجعل بعضها فوق بعض، بطريق الاستعارة.

ومنها: العدول عن الإضمار إلى الإظهار في قوله: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ}

ص: 60

حيث لم يقل: وأنزلنا منهن؛ لأن الإنزال لا يعتبر فيه عنوان كونها طرائق بل مجرد كونها بصفة العلو.

ومنها: تقديم المعمول على عامله لرعاية الفاصلة، في قوله:{وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} وفي قوله: {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} .

ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: {وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ} حيث شبه الإدام من المائعات بالصبغ، ثم حذف المشبه، وأبقى المشبه به، بجامع التلون، بلون إذا غمس به.

ومنها: المجاز المرسل في قوله: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} حيث عبر عن الحفظ بالأعين؛ لأن شأن من نظر إلى الشيء بعينه، حفظه فأطلق الملزوم الذي هو الأعين، وأريد اللازم الذي هو الحفظ، وجمع الأعين مبالغة.

ومنها: الكناية في قوله: {وَفَارَ التَّنُّور} : لأنه كناية عن شدة نبع الماء.

ومنها: جناس الاثشقاق في قوله: {رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا} .

ومنها: الجناس المغاير بين {الْوَارِثُونَ} ، و {يَرِثُون} .

ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

ص: 61

قال الله سبحانه جلَّ وعلا:

{ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (31) فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (32) وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (34) أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (35) هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ (36) إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (37) إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (38) قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (39) قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ (40) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (41) ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ (42) مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (43) ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (44) ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (45) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ (46) فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ (47) فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (48) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (49) وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (50) يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51) وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (54) أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (56) إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61) وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (62)} .

المناسبة

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما قصّ (1) علينا قصص بعض الأنبياء

(1) المراغي.

ص: 62