الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الفرقان
سورة الفرقان: مكية كلها، عند الجمهور. كذا أخرجه ابن الضريس والنحاس وابن مردويه من طرق عن ابن عباس. وأخرجه ابن مردويه عن ابن الزبير. قال القرطبي: وقال ابن عباس وقتادة: إلا ثلاث آيات منها، نزلت بالمدينة. وهى قوله:{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} إلى قوله: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} .
وهى سبع وسبعون آية (1)، وثمان مئة واثنتان وسبعون كلمة، وثلاث آلاف وسبع مئة وثلاثة وستون حرفًا.
الناسخ والمنسوخ: وجملة ما فيها من المنسوخ آيتان (2):
أولاهما: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} إلى قوله: {وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} نسخها بقوله: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا} .
والآية الثانية، قوله:{وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} منسوخة في حق الكفار، بآية السيف، وبعض معناها محكم في حق المؤمنين.
علة التسمية: سميت (3) بسورة الفرقان؛ لأن بها الفرق بين الحق والباطل، لاشتمالها على أحكام التوحيد وأدلته، ومكارم الأخلاق وأحوال العباد.
فضلها: أخرج مالك والشافعي والبخاري ومسلم وابن حبان والبيهقي في "سننه" عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت هشام بن حكيم، يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكدت أساوره في الصلاة، فتصبرت حتى
(1) المراح.
(2)
الناسخ والمنسوخ لابن حزم.
(3)
الصاوي.
سلم، فلببته بردائه، فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: كذبت، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأته، فانطلقت أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرسله أقرئنا هشام". فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كذلك أنزلت". ثم قال: "أقرئنا عمر". فقرأت القراءة التي أقرأني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كذلك أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسر منه".
وعن النبي صلى الله عليه وسلم (1): "من قرأ سورة الفرقان، لقي الله، وهو مؤمن بأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأدخل الجنة بغير نصب" ولكن هذا الحديث موضوع.
المناسبة: مناسبة أول هذه السورة لآخر ما قبلها (2)، أنه لما ذكر وجوب مبايعة المؤمنين للرسول، وأنهم إذا كانوا معه في أمر مهم، توقف انفصال واحد منهم على إذنه، وحذر من يخالف أمره، وذكر أن له ملك السماوات والأرض، وأنه تعالى عالم بما هم عليه، ومجازيهم على ذلك، فكان ذلك غاية في التحذير والإنذار. ناسب أن يفتتح هذه السورة بأنه تعالى، منزه في صفاته عن النقائص، كثير الخير. ومن خيره أنه نزل الفرقان على رسوله منذرًا لهم، فكان في ذلك إطماع في خيره، وتحذير من عقابه.
وفي "المراغي": مناسبة هذه السورة لما قبلها من وجوه (3):
1 -
أنه سبحانه اختتم السورة السابقة، بكونه مالكًا لما في السماوات والأرض، مصرفًا له على ما تقتضيه الحكمة البالغة، والمصلحة العامة مع النظام البديع، والوضع الأنيق وأنه سيحاسب عباده يوم القيامة على ما قدموا من العمل خيرًا كان أو شرًا. وافتتح هذه بما يدل على تعاليه في ذاته وصفاته، وأفعاله، وعلى حبه لخير عباده بإنزال القرآن لهم هاديًا، وسراجًا، منيرًا.
(1) البيضاوي.
(2)
البحر المحيط.
(3)
المراغي.
2 -
اختتم السورة السالفة، بوجوب متابعة المؤمنين للرسول صلى الله عليه وسلم مع مدحهم على ذلك، وتحذيرهم من مخالفة أمره خوف الفتنة، والعذاب الأليم، وافتتح هذه بمدح الرسول، وإنزال الكتاب عليه، لإرشادهم إلى سبيل الرشاد وذم الجاحدين لنبوته، بقولهم: إنه رجل مسحور، وإنه يأكل الطعام ويمشي في الأسواق إلى آخر ما قالوا.
3 -
في كل من السورتين وصف السحاب، وإنزال الأمطار، وإحياء الأرض الجزر. فقال في السالفة:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا} إلخ. وقال في هذه: {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا} إلخ.
4 -
ذكر في كل منهما، وصف أعمال الكافرين يوم القيامة، وأنها لا تجزيهم فتيلًا ولا قطميرًا، فقال في الأولى:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} إلخ. وقال في هذه: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)} .
5 -
وصف النشأة الأولى للإنسان في أثنائهما. فقال في الأولى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ} . وفي الثانية: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} . والله أعلم
* * *
بسم الله الرحمن الرحيم
{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (3) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (6) وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (8) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9) تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا (10) بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (11) إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12) وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14) قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا (15) لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا (16) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19) وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي
الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20)}.
حوت هذه السورة توحيد الله، وإثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وبيان صفات النبي صلى الله عليه وسلم، والرد على من أنكروا نبوته صلى الله عليه وسلم. ثم بيان أحوال يوم القيامة، وما يكون فيها من الأهوال. ثم ختمت بأوصاف عباده المخلصين، الذين يمشون على الأرض هونًا. ثم ذكر جلال الله، وتصرفه في خلقه، وتفرده بالخلق والتقدير.
المناسبة
قوله تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً
…
} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله (1) سبحانه، لما وصف نفسه بصفات العزة والجلال، وبين وجه الحق في ذلك، أردفه حكاية أباطيل عبدة الأوثان، الذين اتخذوا من دونه آلهة تعجيبًا لأولي النهى من حالهم، وتنبيهًا إلى خطأ أفعالهم، وتسفيهًا لأحلامهم. فقد انحرفوا عن منهج الحق، وركبوا المركب الذي لا يركبه إلا كل آمن الرأي مسلوب العقل.
قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ
…
} مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه، لما تكلم أولًا في التوحيد، ثم في الرد على عبدة الأوثان، أردف ذلك بالرد على الطاعنين في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد قسموا مطاعنهم قسمين، مطاعن في القرآن، ومطاعن فيمن نزل عليه القرآن.
قوله تعالى: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه، لما حكى شبهتهم فيما يتعلق بالمنزل، وهو القرآن، ساق شبهتهم في المنزل عليه، وهو الرسول على الوجه الذي ذكره. ثم فند تلك الشبه، وبين سخفها، وأنها لا تصلح مطعنًا في النبي. ثم حكى عنهم نوعًا ثالثًا من أباطيلهم، وهو تكذيبهم بيوم القيامة. ثم وصف ما أعد للكافرين فيه، مما يشيب من هوله الولدان من نار تلظى، يسمعون لها تغيظًا وزفيرًا،
(1) المراغي.
ووضعهم فيها مقرنين في الأصفاد، ونداؤهم إذ ذاك بقولهم يا ثبوراه. ثم أتبع ذلك بما يؤكد حسرتهم وندامتهم، بوصف ما يلقاه المتقون في جنات النعيم. مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وأن هذا ما وعدهم به ربهم الذي لا خلف لوعده.
قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ
…
} الآيات، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه، لما ذكر ما أعد لأولئك المكذبين بيوم القيامة، من الشدائد والأهوال في النار، ودعائهم على أنفسهم، بالويل والثبور .. أردفه ذكر أحوالهم مع معبوداتهم من دون الله، وتوبيخهم على عبادة من عبدوا من الملائكة وغيرهم. ثم ذكر أن معبوداتهم تكذبهم فيما نسبوه إليهم، ثم بين أن العابدين لا يستطيعون دفعًا عن أنفسهم، ولا يجدون من يستنصروه به.
قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ
…
} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله (1) سبحانه، لما ذكر مقالتهم التي طعنوا فيها على رسوله بقولهم:{مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} زاعمين أن هذا مما لا ينبغي للرسول أن يفعل مثله، أردف ذلك بالاحتجاج عليهم، بأن محمدًا ليس بدعًا في الرسل، فكلهم كانوا يفعلون فعله. وفي هذا تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم، وتصبير له على أذاهم. ثم بين أن سنته، أن يبتلي بعض الناس ببعض، فيبتلي الفقراء بالأغنياء، والمرسلين بالمرسل إليهم، فيناصبوهم العداء، ويؤذوهم ليعلم أيهم يصبر، وأيهم يجزع، وهو البصير بحال الصابرين، وحال الجازعين.
أسباب النزول
قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ
…
} الآية، سبب نزول هذه الآية: ما أخرجه (2) ابن أبي شيبة في المصنف، وابن جرير وابن أبي حاتم عن خثيمة قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن شئت أعطيناك مفاتيح الأرض وخزائنها، لا ينقصك ذلك عندنا شيئًا في الآخرة، وإن شئت جمعتهما لك في الآخرة.
(1) المراغي.
(2)
لباب النقول.