الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
له، ولو احتاج إلى سلام أهل الكتاب يقول: السلام على من أَتبع الهدى، ولو رد يقول: وعليكم فقط. وقد مر ما يتعلق بالسلام، مشبعًا في سورة النساء، عند قوله تعالى:{وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّة} الآية. فراجعه.
62
- {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ} نزلت حين جمع النبي عليه السلام المسلمين يوم الجمعة، ليستشيرهم في أمر الغزو، وكان يثقل المقام عنده على البعض، فيخرج بغير إذنه، أو في حفر الخندق، وكان المنافقون ينصرفون بغير أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الحفر من أهم الأمور، حتى حفر رسول الله بنفسه، وشغل عن أربع صلوات، حتى دخلت في حد القضاء، فقال تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ} أي: الكاملون في الإيمان وهو مبتدأ خبره قوله: {الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} عن صميم قلوبهم، وأطاعوهما في جميع الأحكام في السر والعلانية. {وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ} صلى الله عليه وسلم {عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ} إلى آخره. معطوف على آمنوا، داخل معه في حيز الصلة؛ أي: على أمر مهم يجب اجتماعهم في شأنه كالجمعة والأعياد، والحروب والمشاورة في الأمور، وصلاة الاستسقاء وغيرها من الأمور الداعية إلى الاجتماع. ووصف الأمر بالجمع للمبالغة، في كونه سببًا لاجتماع الناس، فإن الأمر لكونه مهمًا عظيم الشأن، صار كأنه قد جمع الناس، فهو من قبيل إسناد الفعل إلى السبب؛ أي: والذين إذا كانوا معه على أمر جامع {لَمْ يَذْهَبُوا} من المجمع. ولم يفترقوا عنه لعروض عذر تجوز معه الإقامة في المسجد، كالزكام والصداع، فإن كان العذر يمنع المكث في المسجد، كالحيض والجنابة والإسهال، فإنهم لا يحتاجون إلى الاستئذان من النبي صلى الله عليه وسلم، بل هم مأذون لهم شرعًا اهـ. "شيخنا".
{حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} صلى الله عليه وسلم في الذهاب فيأذن لهم، واعتبر في كمال الإيمان عدم الذهاب قبل الاستئذان؛ لأنه المميز للمخلص من المنافق. وقرأ اليماني (على أمر جميع).
والحال: أن الأمر الجامع، أو الجميع هو الذي يعم نفعه، أو ضرره. وهو الأمر الجليل الذي يحتاج إلى اجتماع أهل الرأي والتجارب. قال العلماء: كل أمر اجتمع عليه المسلمون مع الإِمام لا يخالفونه ولا يرجعون عنه إلا بإذن.
ثم قال: لمزيد التأكيد: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ} ؛ أي: يطلبون الاذن منك، رعاية للأدب، وتعظيمًا لهذا الأمر. {أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} حق الإيمان لا غير المستأذنين، وهذا أدب على نهج سابقه، فكما أرشدهم من قبل إلى الاستئذان، حين الدخول، أمرهم بالاستئذان حين الانصراف، ولا سيما إذا كانوا في أمر جامع. روى الترمذي والنسائي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا انتهى أحدكم إلى المجلس، فليسلم، فإذا أراد أن يقوم، فليسلم، فليست الأولى بأحق من الآخرة".
ولما ذكر ما يلزم المؤمن، من الاستئذان، أعقبه بما يفعله الرسول حينئذٍ، فقال:{فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ} الفاء فيه: فاء الفصيحة؛ أي: إذا عرفت يا محمد، أن الكاملين في الإيمان هم الجامعون بين الإيمان بهما، وبين الاستئذان .. فأقول لك: إذا طلبوا منك الإذن في الانصراف والذهاب {لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ} أي: لبعض أمرهم المهم، أو خطبهم المسلم.
والشأن (1) الحال والأمر، ولا يقال إلا فيما يعظم من الأحوال والأمور، كما في "المفردات". ولم يقل لشؤونهم بل قيد بالبعض تغليظًا عليهم في أمر الذهاب عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع العذر المبسوط ومساس الحاجة.
{فَأْذَنْ} يا محمد، في الانصراف والذهب عن مجلسك، لحاجة مهمة {لِمَنْ شِئْتَ} الإذن له {مِنْهُمْ} وأمنع من شئت، على حسب ما تقتضيه المصلحة التي تراها.
والمعنى: إن شئت فأذن، وإن شئت فلا تأذن. فالأمر مفوض إليك؛ أي: فإذا استأذنوك لبعض ما يعرض لهم من مهام أمورهم، فأذن لمن شئت منهم أن ينصرف لقضاء ما عرض له بحسب ما تقتضيه المصلحة التي تراها، كما وقع لعمر رضي الله عنه حين خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، حيث استأذن في الرجوع إلى أهله، فأذن له صلى الله عليه وسلم وقال له:"ارجع فلست بمنافق".
(1) روح البيان.