المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

حتى يتعاون بالأخوان الصادقين. قيل لعيسى عليه السلام: يا روح - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٩

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

الفصل: حتى يتعاون بالأخوان الصادقين. قيل لعيسى عليه السلام: يا روح

حتى يتعاون بالأخوان الصادقين. قيل لعيسى عليه السلام: يا روح الله من نجالس؟ فقال: من يزيدكم في علمه منطقه، ويذكركم الله رؤيته، ويرغبكم في الآخرة عمله.

اللهم بحق الفرقان اجعلنا مع الصادقين من الإخوان.

والحاصل: أن الله سبحانه وتعالى (1) بين ما بآلهتهم من النقائص من وجوه متعددة:

الأولى: أنها لا تخلق شيئًا. والإله يكون قادرًا على الخلق والإيجاد.

والثاني: أنها مخلوقة. والمخلوق محتاج. والإله يجب أن يكون غنيًا عن كل ما سواه.

والثالث: أنها لا تملك لنفسها ضرًا ولا نفعًا، فضلًا عن أن تملك ذلك لغيرها، ومن كان كذلك، فلا فائدة في عبادته وإجلاله وتعظيمه.

والرابع: أنها لا تقدر على التصرف في شيء ما، فلا تستطيع إماتة الأحياء ولا إحياء الموتى، وبعثهم من قبورهم. ومن كان كذلك، فكيف يسمى إلهًا، وتعطى له خصائص الآلهة، من الخضوع لعظمته والإخبات لجلاله.

وعلى الجملة (2) فعبدة الأصنام قد تركوا عبادة الخالق، المالك لكل شيء، المتصرف فيه بقدرته وسلطانه. وعبدوا ما لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، وليس بعد هذا من حماقة، ولا يرضى بمثله، من له مسكنه من عقل، ولا أثارة من علم.

‌4

- ولما فرغ الله سبحانه من بيان التوحيد، وتزييف مذاهب المشركين .. شرع في ذكر شبه منكري النبوة. فالشبهة الأولى: ما حكاه عنهم بقوله: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} من أهل مكة، كنضر بن الحارث وعبد الله بن أمية ونوفل بن خويلد ومن تابعهم {إِنْ هَذَا}؛ أي: ما هذا القرآن {إِلَّا إِفْكٌ} ؛ أي (3): كذب مصروف

(1) المراغي.

(2)

المراغي.

(3)

روح البيان.

ص: 478

عن وجهه؛ لأن الإفك كل مصروف عن وجهه، الذي يحق أن يكون عليه. ومنه قيل للرياح العادلة عن المهاب: المؤتفكات. ورجل مأفوك؛ أي: مصروف عن الحق إلى الباطل. {افْتَرَاهُ} ؛ أي: اختلقه محمد من عند نفسه. والفرق بين الافتراء والكذب أنَّ الافتراء هو افتعال الكذاب. من قبل نفسه. والكذب قد يكون على وجه التقليد للغير فيه، كما في الأسئلة المقحمة.

{وَأَعَانَهُ} ؛ أي: وأعان محمدًا {عَلَيْهِ} ؛ أي: على اختلاقه {قَوْمٌ آخَرُونَ} ؛ أي: قوم غير قومه؛ أي: اليهود فإنهم يلقون إليه أخبار الأمم الماضية، وهو يعبر عنها بعبارته. قال الكلبي (1) ومقاتل: نزلت هذه الآية في النضر بن الحارث، فهو الذي قال هذا القول. وقال: أعانه عليه عداس مولى حويطب بن عبد العزى، ويسار مولى العلاء عامر بن الحضري، وجبر مولى عامر، وهؤلاء الثلاثة كانوا من أهل الكتاب، وكانوا يقرأون التوراة، ويحدثون أحاديث منها في مكة، فلما أسلموا، كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعهدهم، ويختلف إليهم، فزعم النضر وأصحابه، أنهم يلقون إليه صلى الله عليه وسلم أخبار الأمم الماضية، وهو صلى الله عليه وسلم يعبر عنها بعبارات من عنده، فهذا معنى إعانتهم له، فمن أجل ذلك قال النضر ما قال. فرد الله تعالى ذلك بقوله:{فَقَدْ جَاءُوا} ؛ أي: قائلوا هذه المقالة؛ أي: فعلوا بما قالوا ظلمًا وزورًا.

والمعنى: أي وقال الكافرون: إن هذا القرآن ليس من عند الله تعالى، بل اختلقه محمد صلى الله عليه وسلم، وأعانه على ذلك جماعة من أهل الكتاب، ممن أسلموا وكان يتعهدهم، ويختلف إليهم (تقدم ذكر أسمائهم) فيلقون إليه أخبار الأمم الغابرة، وهو يصوغها بلغته، وأسلوبه الخاص، فرد الله عليهم مقالهم فقال:{فَقَدْ جَاءُوا} ؛ أي: فعلوا بما قالوا، فإن جاؤوا أتى يستعملان بمعنى فعل فيتعديان تعديته {ظُلْمًا} عظيمًا بجعل الكلام المعجز إفكًا مختلفًا مفتعلًا من اليهود، يعني: وضعوا الإفك في غيره. {وَزُورًا} ؛ أي: كذبًا كبيرًا، حيث نسبوا إليه صلى الله عليه وسلم ما هو

(1) المراح.

ص: 479