الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإرادته التفضيل عليهم، من كانت لأجل أو يَتبين فضله حتى ينقادوا، فلا ضير في ذلك، بل هو واجب، وإن أرادوا أنه يبغي التجبر عليهم فالأنبياء منزهون عز ذلك، وقولهم:{مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ} اعتناق للتقليد، وهو لا يصلح حجة تدفع بها يحيى المعارضين الواضحة، وضوح الشمس في رائعة النهار، وقولهم:{بِهِ جِنَّةٌ} كذب صراح؛ لأنهم يعلمون ذكاءه وعظيم فطنته، وما أوتيه أو أصالة الرأي وثاقب الفكر.
26
- ولما استبان لنوح إصرارهم على ضلالتهم، وتماديهم في غيهم، وبأسه أو إيمانهم، وأوحي إليه أنه لن يؤمن أو قومك، إلا أو قد آمن .. طلب إلى ربه أو ينصره عليهم، و {قَالَ} نوح يا رب {رَبِّ انْصُرْنِي} عليهم فانتقم منهم بما تشاء، وكيف تريد، والباء في قوله:{بِمَا كَذَّبُونِ} ؛ في: بسبب تكذيبهم إياي؛ في: رب انصرني بإنجاز ما أوعدتهم به أو العذاب، بقولي: إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم، وقال الزمخشري (1): في بدل (ما كذبون) على أو الباء للبدل، كما تقول: هذا بذاك؛ في: بدل ذاك ومكانه.
والمعنى: أبدلني من غم تكذيبهم سلوة النصر عليهم. وقرأ أبي جعفر وابن محيصن {قَالَ رَبِّ} بضم الباء.
27
- وقد أجاب الله سبحانه دعاءه فقال: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ} عند ذلك؛ في: فأعلمناه في خفاء فإن الإيحاء والوحي، إعلام في خفاء {أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ} واعملها، (أن) مفسّرة لما في الوحي أو معنى القول، والصنع إجادة الفعل؛ أي: فقلنا له، بين استنصرنا على كفرة قومه، بواسطة جبريل: اصنع السفينة، واعملها حالة كونك متلبسًا {بِأَعْيُنِنَا} وحفظنا ورعايتنا، نحفظك من أن تخطىء في صنعته، أيُّ يفسده عليك مفسد، يقال: فلان بعيني؛ في: أحفظه وأراعيه، كقولك: هو منى بمرأى ومسمع {وَ} ملتبسًا بـ {وَحْيِنَا} ؛ في: بأمرنا وتعليمنا إياك، كيفية صنعها، فإن الله أرسل إليه جبريل، فعلمه صنعتها وصنعها في عامين، وجعل طولها ثمانين ذراعًا وعرضها خمسين، وارتفاعها ثلاثين ذراعًا، والذراع
(1) البحر المحيط.
إلى المنكب، وهذا أشهر الروايات.
وقيل غير ذلك، وقد تقدم في هود، أنه جعلها ثلاث طباق: السفلى للسباع، والهوامّ، والوسطى للدواب والأنعام، والعليا للإنس، والفاء في قوله:{فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا} لترتيب (1) ما بعدها على ما قبلها، أو صنع الفلك، وقيل: الفاء استثنافية؛ في: فإذا اقترب وقت قضائنا بعذابهم، عقب تمام صنعة الفلك {وَفَارَ التَّنُّورُ} عطف بيان لمجيء الأمر؛ أي: ونبع التنور الماء على خرق العادة؛ أي: المخبز الذي كان لآدم، فصار إلى نوح عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام وكان في موضع مسجد الكوفة، عن يمين الداخل أو باب كندة اليوم وقيل: كان في عين وردة من الشام. أو المعنى: ونبع الماء أو وجه الأرض، وظاهرها، وروي أنه قيل له عليه السلام: إذا فار الماء من التنور .. اركب أنت ومن معك، فلما نبع مثله الماء، أخبرته امرأته فركبوا {فَاسْلُكْ فِيهَا}؛ في: فأدخل في الفلك {مِنْ كُلٍّ} حيوان غير البشر، حضر في هذا الوقت، أو السباع والطير وغيرهما، أو كل ما يلد، أو يبيض، بخلاف ما يلد من العفونات، كالدود والبق، فلم يحمله فيها، وفي القصة (2) أو الله تعالى حشر لنوح السباع والطير وغيرهما، فجعل يضرب بيديه في كل نوع، فتقع يده اليمنى على الذكر، واليسرى على الأنثى، فيحملهما في السفينة {زَوْجَيْنِ}؛ أي: فردين مزدوجين ذكرًا وأنثى؛ لكي لا ينقطع نسل ذلك الحيوان، {اثْنَيْنِ} تأكيد لزوجين، وقرأ حفص بتنوين كل، {فزوجين} ، مفعول به، و {اثْنَيْنِ} تأكيد له؛ في: أدخل من كل نوع زوجين، وقرأ الباقون: بغير تنوين، فـ {اثنين} مفعول به {وَأَهْلَكَ} منصوب بفعل محذوف، معطوف على {فَاسْلُكْ} لا بالعطف (3)، على زوجين، أو على {اثنين} على القراءتين؛ لأدائه إلى اختلاف المعنى، والتقدير: واسلك أهلك، والمراد: امرأته المؤمنة، وبنوه الثلاثة المؤمنون، سام أبو العرب، وحام أبو
(1) الشوكاني.
(2)
المراح.
(3)
الشوكاني.