الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المؤمنون (1)؛ أي: ظفروا بمقصدهم، ونجوا من كل مكروه، قال تعالى:{فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} والمؤمنون جمع مؤمن، وهو المصدق بالله ورسله وملائكته وكتبه واليوم الآخر والقدر خيره وشره وحلوه ومره.
وقرأ طلحة بن مصرق، وعمرو بن عبيد
(2):
{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} بضم الهمزة وكسر اللام مبنيًا للمفعول، ومعناه: أدخلوا في الفلاح، فاحتمل أن يكون من فلح لازمًا، أو يكون أفلح، يأتي متعديًا ولازمًا، وقرأ طلحة: أيضًا بفتح الهمزة واللام وضم الحاء، قال عيسى بن عمر: سمعت طلحة بن مصرق يقرأ: {قَدْ أفلحوا الْمُؤْمِنُونَ} فقلت له: أتلحن. قال: نعم، كما لحن أصحابي، انتهى. يعني: أن مرجوعه في القراءة إلى ما روي، وليس بلحن؛ لأنه على لغة أكلوني البراغيث، قال الزمخشري: أو على الإبهام والتفسير، وقال ابن عطية: وهي قراءة مردودة، وفي كتاب ابن خالويه مكتوبًا بواو بعد الحاء، وفي "اللوامح": وحذفت واو الجمع بعد الحاء لالتقائهما في الدرج، وكانت الكتابة عليها محمولةً على الوصل، نحو:{وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ} وقال الزمخشري: وعنه - أي عن طلحة - {قَدْ أَفْلَحَ} ضمة بغير واو اجتزاء بها عنها كقوله: ولو أن الأطباء كان حولي. انتهى.
وليس بجيد؛ لأن الواو في أفلح حذفت لالتقاء الساكنين، وهنا حذفت للضرورة، فليست مثلها.
والحاصل: أن الله سبحانه حكم بالفلاح لمن كان جامعًا لخصال سبع من خصال الخير:
الأول: الإيمان، وذكره بقوله:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)} ؛ أي: فاز وسعد المصدقون بالله، ورسله، واليوم الآخر.
2 -
والثاني: الخشوع في الصلاة، وذكره بقوله:{الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)} ؛ أي: الذين هم مخبتون لله، متذللون له، مناقدون له، خائفون من عذابه، ملزمون
(1) الصاوي.
(2)
البحر المحيط.
أبصارهم مساجدهم. أو المعنى (1): خاضعون للمعبود، بالقلب غير ملتقين بالخواطر إلى شيء سوى التعظيم ساكنون بالجوارح، مطرقون ناظرون إلى مواضع سجودهم، لا يلتفتون يمينًا ولا شمالًا، ولا يرفعون أيديهم. والخشوع من فروض الصلاة عند الغزالي، والحضور عندنا ليس شرطًا للإجزاء، بل شرط للقبول، كما قاله الرازي: قدم الصلاة؛ لأنها أعظم أركان الدين، بعد الشهادتين، فإن قلت: لم أضيفت الصلاة إليهم؟
قلت: لأن الصلاة دائرة بين المصلي والمصلى له، فالمصلي: هو المنتفع بها وحده، وهي عدته وذخيرته، فهي صلاته، وأما المصلى له: فغني متعال عن الحاجة إليها، والانتفاع بها، ذكره في "البحر" وقد اختلف الناس في الخشوع (2)، هل هو من فرائض الصلاة؟ أو من فضائلها؟ على قولين: قيل: الصحيح الأول، وقيل: الثاني، وادعى عبد الواحد بن زيد إجماع العلماء، على أنه ليس للعبد إلا ما عقل من صلاته، حكاه النيسابوري في تفسيره، قال: ومما يدل على صحة هذا القول، قوله تعالى:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} والتدبر لا يتصور بدون الوقوف على المعنى.
وفي "التأويلات النجمية": {خَاشِعُونَ} ؛ أي: بالظاهر والباطن (3)، أما الظاهر فخشوع الرأس بانتكاسه، وخشوع العين بانغماضها عن الالتفات، وخشوع الأذن بالتذلل للاستماع، وخشوع اللسان بالقراءة، والحضور، والتأني، وخشوع اليدين وضع اليمين على الشمال، بالتعظيم كالعبد، وخشوع الظهر انحناؤه في الركوع مستويًا، وخشوع الفرج، نفي الخواطر الشهوانية، وخشوع القدمين بثباتهما على الموضع، وسكونها عن الحركة.
أما الباطن: فخشوع النفس سكونها عن الخواطر، والهواجس، وخشوع القلب بملازمة الذكر، ودوام الحضور، وخشوع السر بالمراقبة في ترك اللحظات
(1) المراح.
(2)
الشوكاني.
(3)
روح البيان.