الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جنسك، فإنه العذاب الشديد ليس إلا. وجاء في مسائل الفقه أن من رأى نصرانية سمينة أو جميلة فتمنى أن يكون نصرانيًا ليتزوجها كفر، فعلى العاقل أن يصون نفسه بقدر الإمكان، فإن الله تعالى غيور ينبغي أن يخاف منه كل آنٍ.
وقرأ الجمهور (1): {وَحُرِّمَ ذَلِكَ} مشددًا مبنيًا للمفعول. وقرأ أبو البرهشيم: {وحرم ذلك} مبنيًا للفاعل؛ أي: حرم الله ذلك. وقرأ زيد بن علي {وحرم ذلك} بفتح الحاء وضم الراء مخففة. وقرأ أبي بن كعب وأبو المتكل وأبو الجوزاء {وحرم الله ذلك} بزيادة اسم الله عز وجل مع فتح حروف حرم كلها.
والمعنى: أي إن نكاح المؤمن المتسم بالصلاح الزانية، ورغبته فيها، واندماجه في سلك الفسقة المشهورين بالزنا، محرم عليه، لما فيه من التشبه بالفساق، ومن حضور مواضع الفسق والفجور، التي قد تسبب له سوء المقالة، واغتياب الناس له، وكم في مجالسه الفساق من التعرض لاقتراف الآثام فما بالك بمزاوجة الزواني والفجار.
وجاء في الخبر: "من حام حول الحمى، يوشك أن يقع فيه".
مبحث حكم قذف غير الزوجة من النساء
4
- {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ} ؛ أي: يشتمون ويقذفون {الْمُحْصَنَاتِ} ؛ أي: الحرائر المكلفات العفيفات، من حرائر المسلمين فيرمونهن بالزنا، وظاهر قوله:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ} الذكور، ولكن حكم الراميات كحكمهم. {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا} إلى الحكام على ما رموهن به من ذلك {بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} ذكور عدول، يشهدون بأنهم رأوهن يفعلن ذلك {فَاجْلِدُوهُمْ}؛ أي: فاضربوا أيها الحكام أولئك القاذفين {ثَمَانِينَ جَلْدَةً} ؛ أي: ضربة، جزاء لهم على ما فعلوا من ثلم العرض، وهتك الستر دون أن يكون ذلك بوجه الحق لظهور كذبهم بعجزهم عن الإتيان بالشهداء.
(1) زاد المسير.
والمراد بالمحصنات هنا (1): الأجنبيات؛ لأن رمي الأزواج؛ أي: النساء الداخلات تحت نكاح الرامين حكمه سيأتي، وتخصيص المحصنات لشيوع الرمي فيهن، وإلا فقذف الذكر والأنثى سواء في الحكم المذكور.
وبيان حكم الآية (2): أن من قذف محصنًا، أو محصنة بالزنا، فقال له أو لها: يا زاني أو يا زانية، أو زنيت، أو يا ابن الزاني، يا ابن الزانية، أو يا ولد الزنى، أو لست لأبيك، ويا ابن فلان .. فيجب عليه جلد ثمانين إن كان القاذف حرًا، وإن كان عبدًا يجلد أربعين، وإن كان المقذوف غير محصن فعلى القاذف التعزير. وأجمعوا على أن شرائط إحصان القذف خمسة: الحرية والبلوغ والعقل والإِسلام والعفة من الزنا، حتى لو زنى في عمره مرة واحدة، ثم تاب وحسنت توبته بعد ذلك، ثم قذفه قاذف، فلا حدّ عليه، فإن أقر المقذوف على نفسه بالزنا، أو أقام القاذف أربعة شهود يشهدون عليه بالزنا، سقط الحد عن القاذف؛ لأن الحد إنما وجب عليه لأجل الفرية وقد ثبت صدقه.
وأما الكنايات في القذف، مثل أن يقول: يا فاسق، أو يا فاجر، أو يا خبيث، أو يا مؤاجر، أو يقول امرأتي لا ترد يد لامس، فهذا ونحوه لا يكون قذفًا إلا إذا أراد بذلك القذف. وأما التعريض، مثل أن يقول: أما أنا فما زنيت، أو ليست امرأتي زانية، فليس بقذف عند الشافعي وأبي حنيفة. وقال مالك: يجب فيه الحد. وقال أحمد: هو قذف في حال الغضب، دون حال الرضا.
والقذف (3) بغير الزنا مثل أن يقول: يا شارب الخمر، يا آكل الربا يا نصراني، يا يهودي، يا مجوسي، فيوجب التعزير، كقذف غير المحصن. وأكثر التعزير تسعة وثلاثون سوطًا وأقله ثلاثة؛ لأن التعزير ينبغي أن لا يبلغ أقل الحد أربعين جلدة وهي حد العبيد في القذف والزنا.
والفرق بين التعزير والحد: أن الحد مقدر، والتعزير مفوض إلى رأي
(1) روح البيان.
(2)
الخازن.
(3)
روح البيان.
الإِمام، وأن الحد يندرىء بالشبهات دونه، وأن الحد لا يجب على الصبي، والتعزير شرع فيه، والحد يطلق على الذمي إن كان مقدرًا، والتعزير لا يطلق عليه؛ لأن التعزير شرع للتطهير والكافر ليس من أهل التطهير. وانما يسمى في حق أهل الذمة إذا كان غير مقدر عقوبةً، وإن التقاوم يسقط الحد دون التعزير، وان التعزير حق العبد كسائر حقوقه، يجوز فيه الإبراء والعفو والشهادة على الشهادة، ويجري فيه اليمين، ولا يجوز شيء منها في الحد.
وفي كلمة (1){ثم} في قوله: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} إشعار بجواز تأخيره الإتيان بالشهود، وفي كلمة {لم} إشارة إلى العجز عن الإتيان بهم، ولا بدّ من اجتماع الشهود عند الأداء عند أبي حنيفة رحمه الله؛ أي: الواجب أن يحضروا في مجلس واحد.
وإن جاؤوا متفرقين كانوا قذفة، وفي قوله:{بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} دلالة على أنهم إن شهدوا ثلاثة يجب حدهم لعدم النصاب، وكذا إن شهدوا عميانًا، أو محدودين في قذف، أو أحدهم محدود، أو عبد لعدم أهلية الشهادة.
وانتصاب ثمانين كانتصاب المصادر، ونصب جلدة على التمييز، كما سيأتي في مبحث الإعراب. أي: اضربوا كل واحد من الرامين ثمانين ضربة، إن كان القاذف حرًّا، وأربعين إن كان رقيقًا، كما مرّ، لظهور كذبهم وافترائهم بعجزهم عن الاتيان بالشهداء، كما سبق.
وقوله: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً} عطف (2) على {اجلدوا} داخل في حكمه تتمة له لما فيه من معنى الزجر؛ لأنه مؤلم للقلب، كما أن الجلد مؤلم للبدن وقد آذى المقذوف بلسانه فعوقب بإهدار منافعه جزاء وفاقًا؛ أي: فاجمعوا لهم بين الأمرين الجلد وترك قبول الشهادة؛ لأنهم قد صاروا بالقذف غير عدول، بل فسقة كما حكم الله به عليهم في آخر هذه الآية. ذكره الشوكاني.
(1) روح البيان.
(2)
روح البيان.