المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الله إن كنت من الكاذبين فيما رميت به فلانة، وإذا - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٩

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

الفصل: الله إن كنت من الكاذبين فيما رميت به فلانة، وإذا

الله إن كنت من الكاذبين فيما رميت به فلانة، وإذا أتى بكلمة من كلمات اللعان من غير تلقين الإِمام، لا تحسب. فإذا فرغ الرجل من اللعان، وقعت الفرقة بينه وبين الزوجة، وحرمت عليه على التأبيد، وانتفى عنه النسب، وسقط عنه الحد، ووجب على المرأة حد الزنا. فهذه خمسة أحكام تتعلق بلعان الزوج.

‌8

- {وَيَدْرَأُ} ؛ أي: يدفع {عَنْهَا} ؛ أي: عن المرأة المرمية {الْعَذَابَ} الدنيوي، وهو الحد. وفاعل يدرأ قوله:{أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ} ، أي: أن تحلف بالله أربعة أيمان {إِنَّهُ} ؛ أي: أن الزوج الذي رماني {لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} فيما رماني به من الزنا؛ أي: ويدفع عن المرأة الحد، شهادتها أربع شهادات بالله، إن هذا الزوج الذي رماني لمن الكاذبين فيما رماني به.

‌9

- {وَالْخَامِسَةَ} بالنصب عطفًا على أربع شهادات؛ أي: وتشهد المرة الخامسة للمرات الأربع. كذلك قرأ (1) حفص والحسن والسلمي وطلحة والأعمش. وقرأ الباقون: بالرفع على الابتداء وخبره {أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ} سبحانه {عليها} ؛ أي: علي {إن كاَنَ} هذا الزوج الذي رماني {مِنَ الصَّادِقِينَ} : فيما رماني به من الزنا.

والغضب (2): ثوران دم القلب لإرادة الانتقام، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:"اتقوا الغضب، فإنه جمرة توقد في قلب ابن آدم، ألم تروا إلى انتفاخ أوداجه وحمرة عينيه". فإذا وصف الله به فالمراد لازمه، وهو الانتقام دون غيره، وتخصيص الغضب بجانب المرأة، واللعن بجانب الرجل للتغليظ عليها لكونها أصل الفجور ومادته؛ لأن الغضب أشد من اللعنة؛ لأن اللعنة مطلق الطرد من الرحمة، والغضب الطرد من الرحمة مع إرادة الانتقام منه، ولأن النساء يكثرن اللعن في العادة، فربما تجترىء على التفوه به لسقوط وقعه على قلوبهن بخلاف الغضب.

ومعنى الآية: أي (3) ويدقع عنها العقوبة الدنيوية، وهي الحد، أن تحلف

(1) الشوكاني.

(2)

روح البيان.

(3)

المراغي.

ص: 228

بالله أربعة أيمان أن زوجها الذي رماها بما رماها، من الفاحشة، لمن الكاذبين فيما قال، والشهادة الخامسة أن غضب الله عليها إن كان زوجها صادقًا فيما اتهمها به. وخصت الملاعنة بأن تخمس بغضب الله عليها؛ تغليظًا عليها؛ لأنها هي سبب الفجور ومنبعه بخديعتها وإطماعها الرجل في نفسها، كما مر آنفًا.

نبذة من أحكام اللعان

واعلم: أن الزوج إذا لاعن (1) .. وجب على المرأة حدّ الزنا، فإن أرادت إسقاطه عن نفسها فإنها تلاعن، فتقوم وتشهد بعد تلقين الحاكم أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به، وتقول في الخامسة: علي غضب الله إن كان زوجي من الصادقين فيما رماني به. ولا يتعلق بلعانها إلا هذا الحكم الواحد، وهو إسقاط الحد عنها، ولو أقام الزوج بينة لم يسقط الحد عنها باللعان.

وعند أصحاب الرأي: لا حد على من قذف زوجته بل موجبه اللعان، فإن لم يلاعن حبس حتى يلاعن، فإذا لاعن الزوج وامتنعت المرأة من اللعان، حبست حتى تلاعن. وعند الآخرين اللعان حجة صدقه، والقاذف إذا قعد عن إقامة البينة على صدقه لا يحبس، بل يحد، كقاذف الأجنبي إذا قعد عن إقامة البينة. وعند أبي حنيفة: موجب اللعان وقوع الفرقة، ونفي النسب، وهما لا يحصلان إلا بلعان الزوجين جميعًا، وقضاء القاضي وفرقة اللعان فرقة فسخ عند الأكثرين. وبه قال الشافعي. وتلك الفرقة متأبدة حتى لو أكذب الزوج نفسه يقبل ذلك فيما عليه، لا فيما له، فيلزمه الحد، ويلحقه الولد، لكن لا يرتفع تأبيد التحريم. وعند أبي حنيفة فرقة اللعان فرقة طلاق، فإذا أكذب نفسه .. جاز له أن ينكحها. وإذا أتى ببعض كلمات اللعان لا يتعلق به الحكم. وعند أبي حنيفة إذًا أتى بأكثر كلمات اللعان قام مقام الكل. وكل من صح يمينه .. صح لعانه حرًّا كان أو عبدًا مسلمًا كان أو ذميًا. وهو قول سعيد بن المسيب وسلمان بن يسار

(1) الفتوحات.

ص: 229