المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

مقدم فصار حالًا منه. {ضَيِّقًا} صفة لمكانًا (1) مفيدة لزيادة - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٩

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

الفصل: مقدم فصار حالًا منه. {ضَيِّقًا} صفة لمكانًا (1) مفيدة لزيادة

مقدم فصار حالًا منه. {ضَيِّقًا} صفة لمكانًا (1) مفيدة لزيادة شدة حال الكرب مع الضيق، كما أن الروح مع السعة.

واعلم: أنه تضيق عليهم جهنم، كما تضيق حديدة الرمح على الرمح، أو تكون لهم كحال الوتد في الحائط، فيضم العذاب، وهو الضيق الشديد إلى العذاب، وذلك لتضيق قلوبهم في الدنيا حتى لم تسع فيها للإيمان.

أي: وإذا ألقوا وطرحوا في مكان ذا ضيق منها حالة كونهم {مُقَرَّنِينَ} ؛ أي: حالة كونهم قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم مشدودة إليها بسلسلة، أو مقرنين مع شياطينهم سلسلة في سلسلة. والتقرين تقييد الأرجل وجمع الأيدي والأعناق في السلاسل. اهـ. "صاوي".

{دَعَوْا هُنَالِكَ} ؛ أي: نادوا في ذلك المكان الضيق الهائل والحالة الفظيعة {ثُبُورًا} هلاكًا؛ أي: يتمنون هلاكًا وينادونه، فيقولون: يا ثبوراه، يا ويلاه، يا هلاكاه، تعال فهذا أوانك.

‌14

- فيقول الله تعالى لهم، أو فيقال لهم على ألسنة الملائكة، تنبيهًا على خلود عذابهم:{لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا} ؛ أي: لا تقتصروا على دعاء ثبور واحد، أي على مرة واحدة. {وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا}؛ أي: بحسب كثرة الدعاء المتعلق به، لا بحسب كثرته في نفسه، فإنه شيء واحد.

والمعنى (2): لا تدعوا على أنفسكم بالثبور دعاء واحدًا، وادعوه أدعية كثيرة، فإنَّ ما أنتم فيه من العذاب، أشد من ذلك لطول مدته، وعدم تناهيه، ومستوجب لتكرير الدعاء في كل آن.

وقيل: هذا تمثيل وتصوير لحالهم بحال من يقال له ذلك، من غير أن يكون هناك قول.

وقيل: إن المعنى أنكم وقعتم فيما أليس ثبوركم فيه واحدًا، بل هو ثبور كثير؛ لأن العذاب أنواع. والأولى أن يقال: إن المراد بهذا الجواب عليهم

(1) روح البيان.

(2)

الشوكاني.

ص: 491

الدلالة على خلود عذابهم، وإقناطهم عن حصول ما يتمنونه من الهلاك، المنجي لهم مما هم فيه.

وقرأ ابن كثير وعبيد عن أبي عمرو (1): {ضيقًا} . عن ابن عطية، وقرأ أبو شيبة صحاب معاذ بن جبل (مقرنون) بالواو، وهي قراءة شاذة. والوجه قراءة الجمهور ونسبها ابن خالويه إلى معاذ بن جبل، ووجهها أن يرتفع على البدل من ضمير ألقوا بدل نكرة من معرفة. وقرأ عاصم الجحدري وابن السميقع وعمرو بن محمد {ثبورًا} ، بفتح الثاء المثلثة في ثلاثتها. وفعول بفتح الفاء في المصادر قليل نحو البتول.

والمعنى: أي (2) وإذا ألقوا منها، في مكان ضيق، قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال والسلاسل .. استغاثوا، وقالوا: يا ثبوراه؛ أي: يا هلاكنا احضر فهذا وقتك. فيقال لهم: لا تنادوا هلاكًا واحدًا وادعوا هلاكًا كثيرًا؛ أي إنكم وقعتم فيما ليس ثبوركم واحدًا، إنما ثبوركم منه كثير، لأن العذاب ألوان وأنواع، ولكل منها ثبور لشدته وفظاعته.

وخلاصة ذلك: أن الله سبحانه، قد أعد لمن كذب بالساعة نارًا مستعرة، وإذا كانت منهم بمرأى الناظر في البعد .. سمعوا صوت غليانها، وإذا طرحوا في مكان ضيق، وهم مقرنون في السلاسل والأغلال .. تمنوا الهلاك ليسلموا مما هو أشد منه. كما قيل: أشد من الموت ما يتمنى منه الموت، فيقال لهم حينئذٍ: لا تدعوا هلاكًا واحدًا، فإنه لا يخلصكم، بل اطلبوا هلاكًا كثيرًا لتخلصوا به. والمقصد من ذلك تيئيسهم مما علقوا به أطماعهم من الهلاك. وتنبيه إلى أن عذابهم أبدي لا خلاص لهم منه.

وروى (3) أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أول من يكسى من أهل النار، يوم القيامة، إبليس، يكسى حلة من النار فيضعها على حاجبيه، ويسحبها

(1) البحر المحيط.

(2)

المراغي.

(3)

زاد المسير.

ص: 492