المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

في "مبحث التصريف"، والمراد بهذا الوصف: مدحهم بنهاية العفة، والإعراض - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٩

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

الفصل: في "مبحث التصريف"، والمراد بهذا الوصف: مدحهم بنهاية العفة، والإعراض

في "مبحث التصريف"، والمراد بهذا الوصف: مدحهم بنهاية العفة، والإعراض عن الشهوات، وفي "التأويلات النجمية"، يعني: يحفظون عن التلذذ بالشهوات؛ أي: لا يكون أزواجهم وإماؤهم عدوًا لهم، بأن يشغلوهم عن الله وطلبه، فحينئذٍ يلزم الحذر منه كقوله:{عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} .

‌7

- {فَمَنِ ابْتَغَى} وطلب {وَرَاءَ ذَلِكَ} الذي ذكر من الحد المتسع، وهو أربع من الحرائر، وما شاء من الإماء {فَأُولَئِكَ} المبتغون {هُمُ الْعَادُونَ}؛ أي: الكاملون في العدوان، المتناهون فيه، أو المتعدون من الحلال إلى الحرام.

والمعنى: فمن التمس وطلب سوى الأزواج والولائد، وهن الجواري المملوكة، فأولئك هم الظالمون، المجاوزون لحدود الله من الحلال إلى الحرام، قال البغوي: وفي الآية دليل على أن الاستمناء باليد حرام، وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة (1)، وقال أحمد بن حنبل: يجوز إخراجها لحاجة؛ لأنها فضلة، كدم القصد والحجامة، لكن بشروط ثلاثة: أن يخاف الزنا، وأن لا يجد مهر حرة أو ثمن أمة، وأن يفعله بيده، لا بيد أجنبي أو أجنبية، ويجوز بيد زوجته أو جاريته، لكن قال القاضي حسين: مع الكراهة؛ لأنه في معنى العزل.

الخلاة: الصائم إذا عالج ذكره حتى أمنى، يجب عليه القضاء (2)، ولا كفارة عليه، ولا يحل هذا الفعل، خارج رمضان، إن قصد تسكين شهوته، وأرجو أن لا يكون عليه ويل. اهـ.

وقال ابن جريج: سألت عطاء عنه، فقال: سمعت أن قومًا يحشرون وأيديهم حبالى وأظنهم هؤلاء، وعن سعيد بن جبير: عذب الله أمة كانوا يعبثون بمذاكيرهم. والواجب على فاعله التعزير، كما قاله ابن الملقن وغيره.

‌8

- والسادس: رعاية الأمانة والعهد، وذكره بقوله:{وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ} ؛ أي: لما يؤتمنون عليه ويعاهدون من جهة الحق، أو الخلق {رَاعُونَ}؛ أي: قائمون عليها، وحافظون لها على وجه الإصلاح؛ أي: والذين هم لأماناتهم؛

(1) الصاوي.

(2)

روح البيان.

ص: 19

أي: لما ائتمنوا عليه، من حقوق الخالق، كالصلاة والصوم والحجّ، وفعل المعروف، والنهي عن المنكر، وحقوق الخلق، كالودائع والصنائع، وأعراض الخلق، وعوراتهم {وَعَهْدِهِمْ} مرادف للأمانات {رَاعُونَ}؛ أي: حافظون، غير مضعون لها. اهـ "صاوي" وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: في رواية {لأمانتهم} بالإفراد، وباقي السبعة بالجمع، ذكره في "البحر".

والمعنى (1): أي والذين إذا ائتمنوا لم يخونوا، بل يؤدون الأمانة لأهلها، وإذا عاهدوا أو عاقدوا أوفوا، بما عاهدوا عليه، إذ الخيانة وخلف العهد من صفات المنافقين، كما جاء في الحديث "آية المنافق ثلاث، إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان" وقصارى ذلك، أنهم يؤدون ما ائتمنوا وعوهدوا عليه، من الرب، أو العبد، كالتكاليف الشرعية، والأموال المودعة، والعقود التي عاقدوا الناس عليها، والأمانة (2)، اسم لما يؤتمن عليه الإنسان، والعهد حفظ الشيء ومراعاته حالًا بعد حال، ويسمى الموثق الذي يلزم مراعاته عهدًا. فالأمانة ما يؤتمنون عليه، والعهد ما يعاهدون عليه، من جهة الله سبحانه، أو من جهة عباده، وقد جمع العهد والأمانة كل ما يتحمله الإنسان من أمر الدين، أو الدنيا، والأمانة أعم من العهد، فكل عهد أمانة ولا عكس. ذكره "الشوكاني" وقال محمد بن الفضل (3): جوارحك كلها أمانات عندك، أمرت في كل واحدة منها، بأمر، فأمانة العين، الغضّ عن المحارم، والنظر بالاعتبار، وأمانة السمع، صيانتها عن اللغو، والرفث، لاحضارها مجالس الذكر، وأمانة اللسان اجتناب الغيبة والبهتان، ومداومة الذكر، وأمانة الرجل، المشي إلى الطاعات والتباعد عن المعاصي، وأمانة الفم، أن لا يتناول به إلا حلالًا، وأمانة اليد، أن لا يمدها إلى الحرام، ولا يمسكها عن المعروف، وأمانة القلب، مراعاة الحق على دوام الأوقات، حتى لا يطالع سواه، ولا يشهد غيره، ولا يسكن إلا إليه، انتهى.

(1) المراغي.

(2)

روح البيان.

(3)

روح البيان.

ص: 20