الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في هذه السورة في ثلاثة مواضع تعظيمًا لله تعالى:
الأول: عند ذكر الفرقان: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} .
والثاني: عند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ} .
والثالث: عند ذكر البروج: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا} .
ومثل هذه الآيات قوله تعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} . {تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} . {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} وخصت مواضعها بذكرها لعظم ما بعدها:
الأول: ذكر الفرقان، وهو القرآن المشتمل على معاني كتب الله تعالى.
والثاني: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، ومخاطبة الله تعالى له فيه.
وفي الأثر: "لولاك يا محمد ما خلقت الكائنات" وفي "كشف الخفاء": "لولاك لولاك ما خلقت الأفلاك". قال الصغاني: هذا حديث موضوع. وكذلك قال "الشوكاني". قال العجلوني بعد ذكره الأثر. وأقول: لكن معناه صحيح، وإن لم يكن حديثًا.
والثالث: ذكر البروج والشمس والقمر والليل والنهار، ولولاها لما وجد في الأرض حيوان ولا نبات.
2
- ثم وصف سبحانه نفسه بأربع صفات، من صفات الكبرياء:
الأولى: ذكرها بقوله: {الَّذِي} بدل من الموصول الأول، أو خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو الذي {لَهُ} خاصة دون غيره استقلالًا أو اشتراكًا {مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الملك التصرف بالأمر والنهي في الجمهور؛ أي: له السلطان القاهر عليهما، فله القدرة التامة فيهما وفيما حوياه إيجادًا وإعدامًا، وأمرًا ونهيًا بحسب ما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم والمصالح.
والصفة الثانية: ذكرها بقوله: {وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} ؛ أي: لم ينزل أحدًا منزلة ولد، فهو عطف على الصلة. وهذا رد على اليهود والنصارى وبعض مشركي العرب؛ أي: ولم يكن له ولد ليرث ملكه؛ لأنه حي لا يموت، كما زعم الذين
قالوا: ذلك للمسيح وعزير، والملائكة. كما حكى الله سبحانه عنهم، في قوله:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} وقوله: {أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (149) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (150) أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152) أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153)} .
والصفة الثالثة: ذكرها بقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ} سبحانه {شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} ؛ أي: في ملك السماوات والأرض، لينازعه أو ليعاونه في الإيجاد. فهو تأكيد لقوله:{لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} .
وفيه رد على طوائف المشركين من الوثنية والثنوية، وأهل الشرك الخفي؛ أي: وما كان لله سبحانه شريك في ملكه وسلطانه، يصلح أن يعبد من دونه، فأفردوا له العبادة، وأخلصوها له دون كل ما تعبدون من دونه من الآلهة والملائكة والجن والإنس. وفيه أيضًا رد على المشركين العرب، القائلين في تلبيتهم للحج: لبيك لا شريك لك إلا شريك هو ملك.
والصفة الرابعة: ذكرها بقوله: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ} من الموجودات؛ أي: أحدث (1) وأوجد كل موجودات، من مواد مخصوصة على صور معينة، ورتب فيه قوى وخواص مختلفة الأحكام والآثار {فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}؛ أي: فهيأه لما أراده منه، من الخصائص والأفعال اللائقة به، كتهيئة الإنسان للإدراك والفهم والنظر والتدبر في أمور المعاش والمعاد، واستنباط الصنائع المتنوعة، ومزاولة الأعمال المختلفة. وهكذا أحوال سائر الأنواع.
والمعنى: أي (2) وأوجد كل شيء بحسب ما اقتضته إرادته المبنية على الحكم البالغة، وهيأه لما أراد به من الخصائص، والأفعال التي تليق به، فأعد الإنسان للإدراك والفهم والتدبر، في أمور المعاش والمعاد، واستنباط الصناعات المختلفة، والانتفاع بما في ظاهر الأرض وباطنها. وأعد صنوف الحيوان للقيام بأعمال مختلفة تليق بها ولإدراكها.
(1) روح البيان.
(2)
المراغي.