الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتهلك عند ما حد لها من الزمن. والمعنى؛ أي: ما تتقدم أمة من تلك الأمم المهلكة، الوقت الذي قدر لهلاكهم، وما يستأخرون عنه.
والخلاصة: ما تهلك أمة قبل مجيء أجلها ولا بعده، فلكل شيء ميقات لا يعدوه،
44
- {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا} معطوف (1) على {أَنْشَأْنَا} ، لكن لا على معنى أن إرسالهم متأخر ومتراخ عن إنشاء تلك القرون المذكورة جميعًا، بل على معنى أن إرسال كل رسول متأخر عن إنشاء قرن مخصوص بذلك الرسول، كأنه قيل: ثم أنشانا من بعدهم قرونًا آخرين، وقد أرسلنا إلى كل قرن منهم رسولًا خاصًا به.
والمعنى: أن إرسال كل رسول متأخر عن إنشاء القرن الذي أرسل إليه، وليس المعنى: أن إرسال الرسل جميعًا متأخر عن إنشاء تلك القرون جميعًا؛ أي: أرسلنا رسلنا حالة كونهم {تَتْرَى} ؛ أي: متواترين ومتتابعين واحدًا بعد واحد، وهو مصدر من المواترة كشبعى ودعوى، والتاء فيه مبدلة من الواو، واصلة وترًا، والتتر المتابعة مع مهلة، وهو منصوب على الحالية، كما قررنا في الحل.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وقتادة وأبو جعفر وشيبة وابن محيصن والشافعي (2): {تترى} منونًا، وباقي السبعة: بغير تنوين، وانتصب على الحال؛ أي: متواترين واحدًا بعد واحد، ولكن مع انقطاع فترة طويلة بينهما.
{كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً} منهم {رَسُولُهَا} المخصوص بها بالبينات، وبلغها أمر الله تعالى {كَذَّبُوهُ}؛ أي: كذب ذلك الرسول أكثرهم لا كلهم، كما في "بحر العلوم" بدليل قوله تعالى:{وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (71)} وسلكوا في تكذيب أنبيائهم مسلك من أهلكوا.
وعبارة "المراح" هنا {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا} ؛ أي (3): أرسلنا إلى كل قرن من
(1) البحر المحيط.
(2)
المراح.
(3)
البحر المحيط بتصرف.
القرون رسولًا خاصًا به، حالة كونهم {تَتْرَا}؛ أي: واحدًا بعد واحد، بينهما زمان طويل. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: وهي قراءة الشافعي: {تترى} بالتنوين، فألفه للإلحاق بجعفر، فلما نون ذهبت ألفه لالتقاء الساكنين، وباقي السبعة: بألف صريحة دون تنوين، والألف للتأنيث باعتبار أن الرسل جماعة، والتاء بدل من الواو، فإنه مأخوذ من الوتر وهو الفرد: وهو مصدر بمعنى اسم الفاعل وقع حالًا؛ أي: متواترة؛ أي: متتابعة فرادى. انتهت.
{كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً} بتحقيق الهمزتين، وتسهيل الثانية بينها؛ أي: بين الهمزة وبين الواو، بأن تنطق بها متوسطة بينهما. {رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ}؛ أي: كلما بلغهم الرسول ما جاء به من عند ربه من الشرائع والأحكام .. كذبوه، كما فعل قومك بك حين أمرتهم بذلك.
{فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا} في الهلاك بما نزل بهم من العذاب {وَجَعَلْنَاهُمْ} ؛ أي: وجعلنا تلك الأمم المهلكة {أَحَادِيثَ} وحكايات وأمثالًا وأعاجيب، يتحدث ويتعجب منها لمن بعدهم، جمع أحدوثة، وهي ما يتحدث به عجبًا وتسليًا ومسامرة، أو جمع حديث على غير قياس، كما سيأتي في مبحث التصريف، والمراد هنا: المعنى الأول؛ أي: صاروا يتحدث بهم وبحالهم في الإهلاك، على سبيل التعجب والاعتبار، وضرب المثل بهم؛ أي: لم يبق منهم عين ولا أثر، إلا حكايات يسمر بها، ويتعجب منها، ويعتبر بها المعتبرون من أهل السعادة.
فإن قلت: لِمَ أضاف (1) الرسل إلى نفسه سبحانه، حيث قال:{رسلنا} وأضاف الرسول إلى الأمة، حيث قال:{رَسُولُهَا} ؟
قلت: إن الإضافة تكون للملابسة، والرسول يلابس المرسل والمرسل إليه.
فالأول: كانت الإضافة فيه لتشريف الرسل.
والثانى: كانت الإضافة فيه إلى الأمة حيث كذبته، ولم ينجح فيهم إرساله
(1) البحر المحيط بتصرف.