المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أن يقول بهم بقوله: {قُلْ} يا محمد، لهؤلاء المنافقين {لَا - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٩

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

الفصل: أن يقول بهم بقوله: {قُلْ} يا محمد، لهؤلاء المنافقين {لَا

أن يقول بهم بقوله: {قُلْ} يا محمد، لهؤلاء المنافقين {لَا تُقْسِمُوا}؛ أي: لا تحلفوا بالله، على ما تدعون من الطاعة والخروج إلى الجهاد، إن أمرتم به. وهاهنا تمّ الكلام، ثم ابتدأ فقال:{طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ} وارتفاع طاعة على أنها خبر لمبتدأ محذوف. والجملة (1) تعليل للنهي المذكور؛ أي: لا تقسموا؛ لأن طاعتكم نفاقية، واقعة باللسان فقط، من غير مواطأة من القلب، وإنما عبر عنها بمعروفة، للإيذان بأن كونها كذلك مشهور معروف لكل أحد. كذا في "الإرشاد".

ويجوز أن يكون طاعة مبتدأ خبرها محذوف؛ لأنها قد خصصت بالصفة.

والمعنى: طاعة معروفة بالإخلاص وصدق النية خير لكم، وأمثل من قسمكم باللسان؛ فالمطلوب منكم هي، لا اليمين الكاذبة المنكرة.

وفي "التاويلات النجمية": {قُلْ لَا تُقْسِمُوا} بالكذب قولًا، بل أطيعوا فعلًا. فإنه {طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ}؛ بالأفعال غير دعوى القيل والقال. وقرأ زيد بن علي واليزيدي {طَاعَةٌ} بالنصب على المصدر لفعل محذوف؛ أي: أطيعوا طاعة. {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون} من الأعمال، وما تضمرونه من المخالفة، لما تنطق به ألسنتكم، ومطلع (2) على سرائركم، ففاضحكم ومجازيكم عليه. والتفت من الغيبة إلى الخطاب؛ لأنه أبلغ في تبكيتهم ،

‌54

- ولمَّا بكتهم بأنه مطلع على سرائرهم تلطف بهم، فأمرهم بطاعة الله، وطاعة الرسول، وهو أمر عام للمنافقين وغيرهم، فقال:{قُلْ} لهم يا محمد {أَطِيعُوا اللَّهَ} سبحانه بأداء تكاليفه {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} باتباعه طاعةً ظاهرة وباطنةً بخلوص اعتقاد، وصحة نية.

وهذا التكرير منه تعالى (3)، لتأكيد وجوب الطاعة عليهم، فإن قوله:{لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ} في حكم الأمر بالطاعة. وقيل: إنهما مختلفان.

فالأول: نهي بطريق الرد، والتوبيخ. والثاني: أمر بطريق التكليف لهم والإيجاب عليهم.

(1) روح البيان.

(2)

البحر المحيط.

(3)

الشوكاني.

ص: 392

ثم أكد الأمر السابق، وبالغ في إيجاب الامتثال به، والحمل عليه بالترغيب والترهيب بقوله:{فَإِنْ تَوَلَّوْا} خطاب للمأمورين، وأصله، فإن تتولوا، فحذف إحدى التاءين تخفيفًا؛ أي: فإن تتولوا وتعرضوا عن هذه الطاعة، إثر ما أمرتم بها، وجواب الشرط قوله:{فَإِنَّمَا عَلَيْهِ} ؛ أي: فاعلموا إنما عليه صلى الله عليه وسلم {مَا حُمِّلَ} ؛ أي: ما كلف، وأمر به من تبليغ الرسالة، وقد فعل {وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ}؛ أي: ما أمرتم به من الإجابة والطاعة. ولعل (1) التعبير هنا بالتحمل للإشعار بثقله، وكونه مؤونة وكلفة باقية في عهدتهم بعد، كأنه قيل: وحيث توليتم عن ذلك، فقد بقيتم تحت ذلك الحمل الثقيل، فهو وعيد لهم. وقيل: جواب الشرط محذوف، تقديره: فلا ضرر عليه. وقوله تعالى: {فَإِنَّمَا عَلَيْهِ

} إلخ. تعليل لذا المحذوف.

والمعنى: أي فإن (2) تتولوا عن الطاعة، بعد أن أمركم الرسول بها .. فما ضررتم الرسول بشيء، بل ضررتم أنفسكم؛ لأنه عليه ما أمر به، من تبليغ الرسالة، وقد فعل، وعليكم ما أمرتم به من الطاعة، فإن أنتم لم تفعلوا وتوليتم .. فقد عرضتم أنفسكم لسخط الله وعذابه، وإن أطعتموه .. فقد خرجتم من الضلال إلى الهدى، فالنفع والضرر عائدان إليكم.

{وَإِنْ تُطِيعُوهُ} ؛ أي: وإن تطيعوا الرسول فيما أمركم به من الطاعة .. {تَهْتَدُوا} إلى الحق الذي هو المقصد الأسنى، الموصل إلى كل خير، والمنجي من كل شر. وتأخيره (3) عن بيان حكم التولي، لما في تقديم الترهيب من تأكيد الترغيب وجملة قوله:{وَمَا عَلَى الرَّسُولِ} محمد صلى الله عليه وسلم. ويبعد أن يحمل على الجنس، كما في "الشوكاني"؛ لأنه أعيد معرفًا. {إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} مقررة لما قبلها؛ أي: ما عليه إلا التبليغ الموضح لكل ما يحتاج إلى الإيضاح، وقد فعل، وإنما بقي ما حملتم، فإن أديتم فلكم، وإن توليتم فعليكم.

والمعنى: أي وإن تطيعوا الرسول فيما أمركم به ونهاكم عنه .. تهتدوا إلى

(1) روح البيان.

(2)

المراغي.

(3)

روح البيان.

ص: 393