الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وخرّجا من حديث شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب ينقل معنا التراب، ولقد رأيته وارى التراب بياض بطنه وهو يقول:
واللَّه لولا أنت ما اهتدينا
…
ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا
…
إن الأولى قد بغوا علينا
قال: وربما قال:
إن الملا أبوا علينا
…
إذا أرادوا فتنة أبينا
ويرفع بها صوته
وقال البخاري: ولولا أنت ما اهتدينا، ولا تصدقنا ولا صلينا، إن الأولى، وربما: إن الملأ قد بغوا علينا، إذا أرادوا فتنة أبينا. يرفع بها صوته وكرره في عدة مواضع [ (1) ] .
وخرجا من حديث شعبة عن أبي إسحاق قيل للبراء: أولّيتم مع النبي يوم حنين؟ فقال: أمّا النبي صلى الله عليه وسلم فلا، كانوا رماة، فقال:
أنا النبي لا كذب
…
أنا ابن عبد المطلب [ (2) ]
وكرراه.
وخرّجا أيضا من حديث شعبة عن الأسود بن قيس عن جندب بن أبي سفيان البجلي قال: أصاب حجر إصبع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فدميت فقال:
هل أنت إلا إصبع دميت
…
وفي سبيل اللَّه ما لاقيت؟
وخرّجه الترمذي أيضا.
وأمّا تبسّمه صلى الله عليه وسلم
فقد قالت عائشة رضي الله عنها: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، مستجمعا قط ضاحكا حتى أرى منه لهواته، إنما كان يتبسّم.
[ (1) ](صحيح البخاري) ج 4 ص 250.
[ (2) ](مسلم بشرح النووي) حديث رقم 78 باب 27 كتاب 32.
وخرّج الإمام أحمد من حديث ابن لهيعة عن عبد اللَّه بن المغيرة قال: سمعت عبد اللَّه بن الحارث بن جزء يقول: ما رأيت أحدا كان أكثر تبسما من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
وخرّج ابن حبان من حديث عبد الحميد بن زياد بن صهيب عن أبيه عن صهيب قال: ضحك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه.
وخرّج من حديث بقية عن حبيب بن عمر الأنصاري عن شيخ يكنى أبا عبد اللَّه الصمد قال: سمعت أم الدرداء تقول: كان أبو الدرداء إذا حدّث حديثا تبسم، فقلت: لا يقال أنك أي أحمق، فقال: ما رأيت أو سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يحدث حديثا إلا تبسم.
وفي رواية كان أبو الدرداء لا يحدث بحديث إلا تبسم، فقلت له: إني أخشى أن يحمقك الناس، فقال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لا يحدث بحديث لا تبسم.
ومن حديث الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: ضحك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه. وكذا
من حديث وهب بن جرير، أخبرنا أبي قالت سمعت ابن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه قال: أقبل أعرابي على ناقة له حتى أناخ بباب المسجد، فدخل على نبي اللَّه- وحمزة بن عبد المطلب جالس في نفر من المهاجرين والأنصار، فيهم النعيمان- فقالوا للنعيمان: ويحك! إنّ ناقته نادية- أي سمينة- فلو نحرتها فانا قد قدمنا إلى اللحم، ولو فعلت عزمها رسول اللَّه وأكلنا لحمها، فقال: إني إن فعلت ذلك وأخبرتموه وجد عليّ قالوا: إلا تفعل، فقام فضرب في لبته ثم انطلق، فمرّ المقداد قد حفر حفرة استخرج منها طينا فقال:
يا مقداد، غيبني في هذه الحفرة وأطبق عليّ شيئا ولا تدل عليّ أحدا، فإنّي قد أحدثت حدثا، ففعل، فلما خرج الأعرابي ورأى ناقته صرخ! فخرج نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم وقال: من فعل هذا؟ قالوا: نعيمان، قال: فأين توجه؟ قالوا: هاهنا، فتبعه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ومعه حمزة وأصحابه حتى أتى على المقداد فقال له: هل رأيت نعيمان؟ فصمت، فقال: لتخبرني أين هو؟ فقال: ما لي به علم، وأشار بيده إلى مكانه، فكشف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن الحفرة، فلما رآه قال: أي عدوّ نفسه، ما حملك على ما صنعت؟ قال: والّذي بعثك بالحق لأمرني حمزة وأصحابه، فأرضى
عليه السلام الأعرابيّ وقال: شأنكم بها، فأكلوها، فكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا ذكر صنعه ضحك حتى تبدو نواجذه.
وقال زائدة عن أبان عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد اللَّه قال: ما حجبني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا ضحك [ (1) ] .
وفي الصحيح أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حكى عن رجل أخرج من النار فقيل له:
تمنّ، فتمنى، فيقال له: ما تمنيت وعشرة أضعاف الدنيا، فيقول أتسخر بي وأنت الملك؟
فضحك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه [ (2) ] .
ولابن حبان من حديث الليث عن جرير بن حازم عن الحسن بن عمارة عن سلمة بن كهيل عن عبد الرحمن قال: سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما بعثني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، أتاني ثلاثة نفر يختصمون في غلام ابن امرأة وقعوا عليها جميعا في طهر واحد!! كلهم يدعى أنه ابنه، فأقرعت بينهم، فألحقته بالذي أصابته القرعة، ولصاحبيه مثلي دية الحد، فلما قدمت على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ذكرت له ذلك فضحك حتى ضرب برجليه الأرض ثم قال: حكمت فيهم بحكم
[ (1) ] رواه (البخاري) ج 4 ص 64 ولفظه: «ما حجبني النبي صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم في وجهي
…
» .
[ (2) ]
ورواه (مسلم) بلفظ آخر وزاد فيه «قال: فكان يقال: ذلك أدنى أهل الجنة منزلة» (مسلم بشرح النووي) ج 2 ص 40،
وأما معنى «أتسخر بي» هنا ففيه أقوال أشهرها ما قاله القاضي عياض:
أن يكون هذا الكلام صدر من هذا الرجل وهو غير ضابط لما قاله لما ناله من السرور ببلوغ ما لم يخطر بباله، فلم يضبط لسانه دهشا وفرحا، فقال وهو لا يعتقد حقيقة معناه، وجرى على عادته في الدنيا في مخاطبة المخلوقين، وهذا كما
قال النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الآخر: أنه لم يضبط نفسه من الفرح فقال: أنت عبدي وأنا ربك،
واللَّه أعلم.
والمراد بالنواجذ هنا الأنياب، وقيل المراد بها الضواحك، وقيل المراد بها الأضراس، وهذا هو الأشهر في إطلاق النواجذ في اللغة، ولكن الصواب عند الجمهور ما قدمناه، وفي هذا جواز الضحك وأنه ليس بمكروه في بعض المواطن ولا بمسقط للمروءة إذا لم يجاوز به الحد المعتاد من أمثاله في مثل تلك الحال، واللَّه أعلم.