الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ثمان وسبعين وسبعمائة
فيها تمرض السلطان ثم تعافى ثم انتكس، ثم لازمه الشيخ جار الله الحنفي والشيخ أبو البركات المالكي فتعافى فشكر للشيخ جار الله فولاه قضاء الحنفية بعد عزل شرف الدين بن منصور نفسه، وكان أهل الخانقاه سعيد السعداء قد رافعوه فعزل عن المشيخة في المحرم فلم يلبث أن ولي القضاء في شهر رجب منها، وفي أثناء ذلك كان ابن آقبغا آص تكلم في إعادة ضمان المغاني فبلغ ذلك برهان الدين بن جماعة فغضب وامتنع من الحكم فتكلم الشيخ سراج الدين البلقيني وغيره مع السلطان في ذلك فأنكره السلطان وأمر بإبطال ذلك من مصر والشام وقبض بعد مدة يسيرة على ابن آقبغا آص ونفي إلى الشام وصودر، وكان ضمان المغاني من القبائح الشنيعة ما كان أحد يقدر يعمل عرساً حتى يغرم قدر عشرين إلى ثلاثين مثقالاً ذهباً وكانوا بمصر والقاهرة لا تغيب مغنية عن بيتها ولو إلى زيارة أهلها إلا أن أخذ الضامن منها رشوة وأما بلاد الريف فكان للمغاني حارة مفردة يعمل فيها من الفساد جهراً ما يقبح ذكره. ومن اجتاز بها غلطاً ألزم أن يزنى بخاطئه، فإن لم يفعل فدى نفسه بشيء، وأبطل الأشرف أيضاً ضمان القراريط، وكان مكساً يؤخذ من كل باع داراً ولو تكرر بيعها في الشهر الواحد مراراً لا بد أن يأخذ الضامن على ذلك مكساً معلوماً، ولا يستطيع أحد من الشهود أن يكتب خطه في مكتوب دار حتى يرى الختم في المكتوب.
وفيها نفي التاج الملكي إلى الكرك ثم شفع فيه فأعيد، وقرر ابن الغنام في الوزارة.
وفيها قرر الشريف بكتمر في ولاية القاهرة ثم عزل وقرر حسين بن علي الكوراني.
وفيها غرق الحسينية ظاهر القاهرة، انقطع من الخليج الحاكمي بجوار بيت ابن قائماز فغرقت الحسينية إلى أن بلغ الماء جامع ابن شرف الدين، فقيل: خربت بسبب ذلك نحو ألف دار.
وفيها تجهز السلطان الملك الأشرف إلى الحج فأرسل أخوته وأولاد أعمامه جميعاً إلى الكرك فسجنوا بها وأرسل معهم سودون الشيخوني ليقيم عندهم محتفظاً بهم، وأرسل آقتمر الحنبلي إلى الصعيد في جماعة أمراء لحفظ البلاد من العرب، وأرسل عدة من الأمراء إلى سائر الثغور لحفظها أيضاً.
وفيها خرج السلطان في تجمل زائد إلى الغاية طالباً للحج فأقام بسر ياقوس يوماً ثم سافر في الثاني والعشرين من شوال، فلما وصل عقبة أيلة في مستهل ذي القعدة خامر عليه الأمراء الذين صحبته وأكثر مماليكه وكانوا طلبوا منه أن ينفق عليهم نفقة اخترعوها فامتنع فداروا على الأمراء فمن أجابهم ألزموه بالركوب معهم ومن امتنع تهددوه بالقتل
وركبوا بغتة فناوشهم الخاصكية القتال إلى الليل، فلما بلغه ذلك هرب راجعاً إلى القاهرة، وكان الذين خلفهم بالقلعة قد تواعدوا مع الذين خامروا عليه بالعقبة أنهم يسلطنون ولده علياً ففعلوا ذلك بأن اتفقوا وجاؤوا إلى الزمام فأخبروه أن السلطان مات وطلبوا منه أن يخرج لهم ولده علياً فامتنع فهجموا عليه وكسروا بابه ونهبوا بيته وأمسكوه وأخرجوا الصبي قهراً فأقعدوه بباب الستارة. ثم أركبوه إلى الإيوان وأرسلوا إلى الأمراء الذين بالقاهرة فامتنعوا من الحضور فأنزلوا الصبي إلى الأصطبل ولقبوه بالعادل ثم بعد يومين بالمنصور فصعد إليه الأمراء وأحضروه إليه أكمل الدين وضياء الدين القرمي وحلفوا له، فأمسكهم بعض القائمين بالأمر وهم طشتمر اللفاف وقرطاي وأسندمر وأينبك، وحبسوهم بالقلعة وقروا آقتمر عبد الغني نائب السلطنة، ثم عهد إلى الأمراء الأكابر، ولما أرادوا سلطنة علي عارضهم الضياء القرمي ووعظهم وقال لهم: إن الأشراف أستاذكم قد أحسن إليكم وأخرجكم من السجن وأعطاكم الأموال فكيف تكون هذه مجازاته منكم؟ فلم يقبلوا منه بل هموا بقتله فردهم عنه قرطاي ورجع إلى بيته فتحول إلى القاهرة، وفي غضون ذلك وصل قازان الصرغتمشي فأخبر بكائنه السلطان بالعقبة فأرسلوا إلى قبة النصر فوجدوا أرغون شاه وصرغتمش ويلبغا وغيرهم من الأمراء الذين كانوا صحبة السلطان وهربوا معه قد وصلوا صحبته على الهجن فغلب عليهم النوم هناك فكبسوا عليهم فقتلوهم، وهرب السلطان لما دهموه هو ويلبغا الناصري، ثم استخفى السلطان عند آمنة بنت
عبد الله امرأة ابن المستوفي المغينة كان يعرفها قبل ذلك فأخفته، ثم دلهم عليه بعض الناس فكبسوا البيت فوجدوه قد اختفى في البادهنج فأمسكوه واطلعوه إلى القلعة فتولى أينبك تقريقه على الذخائر وضربه تحت رجليه نحواً من سبعين ضربة بالعصي، ثم خنق في خامس ذي القعدة ودفن بالقرب من الست نفيسة ثم نقل إلى تربة أمه. وكان الأشرف هيناً ليناً محباً في المال في أهل الخير والفقراء والصلحاء والعلماء مذعناً للأمور الشرعية، ملك أربع عشرة سنة وشهرين ونصفاً، وكانت الدنيا في زمانه طيبة آمنة.
وفيها ظهر رجل بدمشق يقال له: حسن النووي، يدعى إخراج الضائع فكان يتحيل في الإطلاع على بعض الأمور فيخبر بها، فارتبط عليه الناس إلى أن سئل عن سرقة فدل على رجل فظهرت عند غيره فاستفتى عليه فأفتى بتأديبه فضربه الحاجب وشهره.
وفيها ظهر بدمشق نجم كبير له ذؤابة طويلة من ناحية المغرب وقت العشاء، وفي آخر الليل يظهر مثله في شرقي قاسيون.
وفيها شكى أهل بعلبك من نائبهم فولى نائب دمشق غيره فوصل من مصر نائب غيره، فقيل لهم إنه أخو الذي شكوا عليه وإنه أضمر لهم سوءاً، فباتوا منه وجلين فمات في الطريق قبل أن يصل إليهم وفرج عنهم.
وفيها كان بين أبي حمو وبين قريبه أبي زيان حروب بتلمسان، وآل الأمر إلى أن انقضت جموع أبي زيان فنزل بتوزر فأكرمه يحيى بن ملوك ثم لحق بتونس فأكرمه متوليها.
وفيها عقب استقرار على ولد الأشراف في السلطنة لقب الملك المنصور، وعمره إذ ذاك ثمان سنين، واستقر.
واستمر آقتمر الحنبلي نائب السلطنة وطشتمر أتابك العساكر عوضاً عن أرغون شاه وقرطاي رأس نوبه عوضاً عن صرغتمش وأسندمر أمير سلاح وأينبك أمير آخور واستقر قرطائي عوضاً عن صرغتمش واينبك عوضاً عن يلبغا السابقي وأقاموا خليفة من أولاد عم المتوكل لغيبة المتوكل بالعقبة وحمزة بن علاء الدين بن فضل الله عوضاً عن أخيه بدر الدين في كتابة السر ثم أخرج طشتمر الدويدار إلى نيابة الشام وعزل بيدمر.
وفي شعبان منها خسف الشمس والقمر جميعاً فطلع القمر خاسفاً ليلة السبت رابع عشرة ثم انجلى بسرعة قبل الفراغ من صلاة المغرب وكسف من الشمس بين الظهر والعصر يوم السبت ثامن عشرينه أكثر من نصفها واستمرت إلى بعد العصر فصلى للشمس ولم يصل للقمر.
وفيها أبطلت المعاملة بالفلوس العتق من دمشق.
وفيها ولي القاضي محب الدين بن الشحنة الحنفي القضاء بحلب عوضاً عن جمال الدين إبراهيم بن العديم.
وفيها استقر ناصر الدين ابن القاضي سري الدين في قضاء المالكية بحلب ثم عزل قبل وصوله إليها بابن القفصى.
وفيها كان الغلاء الشديد بحلب وطرابلس حتى بيع المكوك بستمائة درهم وأكلت الكلاب وغيرها وبيع الشيء الذي كان يباع بدرهم بأربعين درهماً ولما فر السلطان من العقبة اضطرب الناس فانحدر القاضيان برهان الدين الشافعي وجار الله الحنفي إلى القدس فأقاما فيه إلى أن سكنت الفتنة ثم قدما القاهرة يوم الاثنين سادس عشر ذي القعدة ورجع أكثر الرؤساء إلى القاهرة. وتوجه بهادر المشرف بمن بقي إلى مكة وأخذت خزائن السلطان فنهبت ورجع طشتمر والخليفة وتقي الدين بن ناظر الجيش وكان سافر معهم عوضاً عن أبيه لضعفه وبدر الدين كاتب السر وبدر الدين الأخنائي قاضي المالكية والشيخ سراج الدين البلقيني وصحبتهم حريم السلطان إلى أن دخلوا القاهرة فلما دخلوا أنكر طشتمر ما جرى وركب إلى قبة النصر وأراد أن يسلطن الخليفة فلم يوافق على ذلك فاقتتلوا معه فانكسر ثم أعطى النيابة بدمشق وتوجه إليها في عاشر ذي القعدة. وجددت البيعة في ثامن ذي القعدة للملك المنصور ثم ثار المماليك الذين أعانوا الأمراء على قتل الأشرف فطالبوهم بالنفقة التي وعدوهم بها وهي على ما قيل لكل نفر خمسمائة دينار فماطلوهم فجاهروهم بالسوء فلما خشوا على أنفسهم أمروا بمصادرة المباشرين والتجار ودام ذلك مدة وكان ما أخذ من المودع الحكمي مائتي ألف دينار فيما قيل ومن مثقال الجمالي مائة ألف دينار ومن صلاح الدين بن عرام نحو خمسين ألف دينار وما أخذ من الوزير وناظر الخاص وغيرهما من الدواوين جمل مستكثرة. وعمد قرطاي إلى الخزائن فأنفدها النفقات والهبات وكان كثير السخاء وأنفق على المماليك كل واحد خمسمائة دينار عشرة آلاف درهم فضة
نقرة وكانت عدتهم ثلاثة آلاف من الأجلاب وغيرهم وقيل بل ألفين وقيل بين ذلك.
قال ابن حجى: رئي هلال شوال بجميع بلاد الشام حتى السواحل ليلة الثلاثاء إلا دمشق فلم ير بها لغيم حال دونه فعيدوا يوم الأبعاء.
وفيها قرر علم الدين البساطي في قضاء المالكية بعد عزل بدر الدين الأخنائي وذلك في سابع عشرين ذي القعدة وكان الذي سعى له في ذلك إبراهيم بن اللبان شاهد ديوان قرطاي فاستنابه البساطي فصار أكبر النواب وتعاظم إلى الغاية، وكان البساطي ينوب عن الأخنائي في الشارع الأعظم وليس من بيت نائب السلطنة آقتمر.
وفيها في العشرين من ذي القعدة ولي جمال الدين محمود القيسري حسبة القاهرة بعد عزل شمس الدين الدميري وكان جمال الدين ولي الخطابة بمدرسة الجاي وكان بدر الدين ابن أبي البقاء لما توجه السلطان إلى الحج توجه إلى دمشق لزيارة أخيه ولي الدين فناب عنه عشرة أيام ووصل الخبر بما جرى للسلطان فبادر إلى الرجوع إلى مصر فآل الأمر إلى ولايته القضاء كما سيأتي.
وفيها أخذ بيرم خواجا الموصل بالأمان بعد حصار أربعة أشهر وزوج ابنته للأمير بيرم الذي كان غلب على الموصل واستناب أخاه بردخجا على الموصل.
وفيها استقر تقي الدين بن محب الدين في نظر الجيش عوضاً عن أبيه والأشرف إسماعيل صاحب اليمن في السلطنة عوضاً عن أبيه