الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة
فيها ابتدأ الطاعون بالقاهرة، فأول من مات من الأمراء أيدمر الشمسي، فأعطيت إمرته لأنس والد برقوق في المحرم. ثم مات علي بن قشتمر، فتقرر مكانه تغرى برمش.
وفيها في صفر قبض على الشمس المقسي وتسلمه بهادر المنجكي بخمسمائة ألف درهم وأطلق إلى منزله، واستقر في وظائفه كريم الدين بن مكانس، وكان السبب في ذلك أن برقوق لما استقر في تدبير المملكة أخرج كثيراً من البلاد المتعلقة بالدولة لجماعة من جهته، فضاق الحال على الوزير فاستعفي، فغضب منه وولي غيره وقبض على صهره علم الدين يحيى ناظر الدولة وعلى شمس الدين بن غراب وغيرهما، وانتهز ابن مكانس الفرصة فالتزم بالتكفية، فقرر وزيراً فباشر على هوج فيه.
وفيها قبض على سيف المقدم وصودر على مائتي ألف درهم، واستقر عوضه أحمد العظمة، فقال الشاعر:
مضى المقدم سيف
…
بنغمة وبتهمه.
وكان لحماً سميناً
…
فأبدلوه بعظمه.
وفيها تزايد الطاعون في صفر، وتناهى في أواخر ربيع الأول، وقرأت بخط صارم الدين بن دقماق أنه سمع الشيخ علياً الروبي حن حضر من الفيوم إلى القاهرة في أواخر صفر وكان للناس فيه اعتقاد زائد، وتهرع الناس إليه للزيارة يقول: إن الطاعةن يرتفع في آخر ربيع الآخر، فوقع كما قال.
وفيها عاد ابن التنسي إلى ولاية القضاء عوضاً عن ابن الريغي، ثم استقر ابن الريغي عوضاً عن ابن التنسي، ثم تكرر ذلك منهما.
وفيها استقر سودون الشيخوني مقدم ألف. وفي المحرم خلع على القاضي ولي الدين بن أبي البقاء وأعيد إلى دمشق على وظيفة القضاء فوصل في سادس صفر، وكذا خلع على الكمال المعري واعيد إلى حلب على وظيفة القضاء فوصلها في ثامن صفر.
وفيها استقر الشيخ أصلم في مشيخة سرياقوس عوضاً عن أبيه نظام الدين.
وفيها خرج الحجاج في شهر رجب.
وفيها مات السلطان الملك المنصور علي بن الأشرف شعبان في شهر ربيع الأول، وكانت المملكة باسه وهو محجوب، وعاش ثلاث عشرة سنة منها في المملكة خمس سنين وأربعة أشهر، وقرر مكانه أخوه حاجي بن الأشرف وعمره ست سنين وأربعة أشهر ولقب الصالح.
وفيها ضيق قرط على العرب فحضر إلى ايتمش ومن معه من الأمراء المجردين بالبحيرة خمسة من أمراء العربان ومعهم ستمائة فارس وجماعة من الرجال، فأقبلوا عليهم وطيبوا قلوبهم، ثم أرسل بدر بن لام إلى بلوط نائب الإسكندرية يطلب الأمان وأن يحضر صحبته إلى القاهرة فلم يتم ذلك، ثم حضر رحاب أمير تروجة وجماعة من أمراء البحيرة صحبة قرط إلى القاهرة طائعين فخلع عليهم واستمر قرط بدمنهور يعمر ما خرب منها ويوطن أهلهان ولم يهرب منهم غير بدر بن سلام.
وفيها في رجب جهز برهان الدين إبراهيم الدمياطي الذي كان نقيب الحكم عند المالكية،
ثم ولي بعد ذلك نظر المواريث إلى الحبشة رسولاً من قبل السلطان، وكان السبب في ذلك أن بعض الحبشة وصلوا إلى قرب أسوان وأفسدوا في نواحيها وخاف منهم أهلها فطالعوا السلطان بذلك، فأرسل إلى بترك النصارى اليعاقبة متى بن سمعان فتهدده، فأرسل من جهته رسلاً لكشف الخبر، ثم كتب إلى ملك الحبشة ينكر عليه ويأمره أن لا يحدث حادثاً، وجهز إبراهيم المذكور من جهة السلطان بالكتب.
وفي صفر ورد الخبر إلى دمشق بعزل القاضي برهان الدين التادلي قاض المالكية واستقرار الشيخ برهان الدين الصنهاجي عوضه، فامتنع البرهان وصمم فبقي المنصب شاغراً إلى أن استقر علم الدين القفصي في جمادى الأولى.
وفيها هبت ريح عظيمة بدمشق فأتلفت كثيراً من الأشجار وقلعتها بعروشها، وشاهد أهل دمشق من ذلك هؤلاء عظيماً.
وفيها استقر حضر شخص عجمي عند برقوق وأخبره أن النيل يتوقف من مستهل جمادى الأولى فلا يزيد بعد ذلك شيئاً، فأمر بحبسه، فاتفق أن النيل زاد في ذلك اليوم خمسة عشر إصبعاً وفي اليوم الذي يليه ستة عشر فأحضر العجمي وأمر بضربه، فضرب مقترحاً مائة عصى وجرس، فشفع فيه مأمور الحاجب فأطلق، وأوفى النيل في عاشر الشهر المذكور ولله الحمد.
وفيها غضب برقوق على جمال الدين المحتسب وأمر بنفيه فخرج، ثم شفع فيه فأعيد إلى بيته بطالاً، وكان ذلك في أوائل شعبان، وكان السبب فيه أن برقوق تكلم بالتركي في حق القضاة بسبب من الأسباب نقل له عن بعضهم فقال: ما هم مسلمين، فذكر ذلك جمال الدين لصدر الدين بن منصور قاضي الحنفية فذكره ابن منصور لبرهان الدين بن جماعة واستشاره في عزل نفسه فسكنه، وركب ابن جماعة إلى برقوق فذكر له ذلك، فغضب على جمال الدين وعزله، وقرر في الحسبة تاج الدين المليجي ثم أعيد جمال الدين إليها في ذي القعدة.
وفيها استقر سعد الدين بن البقري في نظر الخاص والخليلي مشير الدولة، فأحدث فلوساً وأمر الناس بالمعاملة بها، فلم يمش له فيه حال فتركت.
وفيها غضب السلطان على علم الدين البساطي فعزله عن قضاء المالكية، واستشار فيمن يوليه مكانه، فأشار عليه ابن جماعة بجمال الدين عبد الرحمن بن خير الإسكندراني فولاه، وقيل: كان السبب في عزله أنه وقع منه في بعض المجالس كلام تغير منه ابن جماعة فتكلم مع أكمل الدين في أمره وسعى في عزله حتى عزل.
وفيها أمسك كريم الدين بن مكانس وأخوته وأهينوا وصودروا، وتولى الوزارة علم الدين سن إبرة، وكان السبب في ذلك أن ابن مكانس فتك في الناس وبالغ في الظلم وألزم المباشرين كلهم بجامكية شهرين وظلم التجار وأخذ منهم أموالاً جمة، فاستغاثوا بأهل الدولة حتى رفعوا أمورهم للسلطان فعزله في رمضان عن نظر الخاص، واستقر عوضه سعد الدين بن البقري، ثم عزل عن الوزارة واستقر علم الدين سن إبرة، ثم صرف في ذي القعدة فاستقر شمس الدين كاتب آرلان في ديوان برقوق، وكان ابن مكانس أشار بتوليته وزارة الشام خوفاً منه، فأرسل إليها، ثم استعيد واستقر في ديوان برقوق عوضاً عن علم الدين بن قارورة، وارتفع في هذه السنة سعر القمح إلى أربعين فأعيد محمود إلى الحسبة.
وفيها ولي صلاح الدين خليل بن عبد المعطي حسبة مصر بعد أن سعى أن يكون نقيباً عند الحنفية فلم يجب. وفي جمادى الأولى خرج نظر الأوقاف عن القاضي برهان الدين بن جماعة ووليه فخر الدين إياس الحاجب، واستقر سودون الشيخوني حاجباً كبيراً بعد علي بن قشتمر، ومات أمير سلاح علان فأعطى أنس والد برقوق تقدمته.
وفيها استقر شهاب الدبن ابن أبي الرضي الشافعي في قضاء حلب بعد موت المعري.
وفيها جردت العساكر إلى الشام بسبب التركمان ومقدم العساكر يونس دوادار برقوق، فكسروا التركمان على مرعش، وقتل منهم خلق كثير، وذلك من ابتداء جمادى الأولى إلى شعبان بعد أن فر خليل بن دلغادر وأخوته وهم كانوا السبب في هذه الحركة لأنهم كانوا جمعوا جموعاً كثيرة فوصلوا إلى العمق وإلى تيزين وخاف أهل حلب منهم، وكاتب اينال اليوسفي، فجردت العساكر من دمشق ومن جميع المماليك، ومشوا على التركمان من حلب إلى عينتاب، ثم إلى مرعش، ثم إلى أبلستين، ثم إلى ملطية، والتركمان تفر منهم وتتحصن بالجبال المنيعة إلى أن وصل هزمهم إلى أطراف بلاد الروم، ولما بلغ العسكر في نهب ما قدروا عليه وانتهوا إلى ملطية كاتبوا بذلك فأذن لهم في الرجوع.
وفيها كانت حلب الوقعة بين العسكر الحلبي والتركمان فانكسر العسكر، ثم وقع بهم نائب حلب اشقتمر وانتصف منهم، ثم لما توجه يونس الدوادار إلى الشام بسلطنة الصالح أمر العسكر الشامي بالتوجه إلى غزو التركمان، فجمعوا العربان والجند وتوجهوا إلى جهة حلب فخرجوا في ربيع الآخر، فلما كان في ثامن جمادى الأولى وهم بمرعش هبط جماعة من التركمان عليهم من مكان عال فوقع بينهم وبين شرف الدين الهدباني ومن معه من الأكراد وعرب بني كلاب مقتلة فانكسر التركمان وجرح الهدباني وأسر، ثم أفلت. ثم وقعت الوقعة الكبرى في حادي عشرة فاستظهر الترك وانكسر التركمان وانهزموا أقبح هزيمة بعد أن قاسى العسكر شدة في سلوك المضايق والأوعار وشدة البرد، وأما كبير التركمان سولى بن دلغادر فنجا وقطع الفرات إلى خرت برت، وانتهبت العسكر من التركمان شيئاً كثيراً، وأرسل خليل بن دلغادر ومن معه يطلبون الأمان.
وفيها فتحت مدينة دوركي واستقر في إمرتها إبراهيم بن محمد بن شهري.
وفي رجب نفي مأمور الحاجب ثم أعطي نيابة حماة عوضاً عن طشتمر الشعباني.
وفي رمضان أحضر يلبغا الناصري إلى مصر واستقر أمير سلاح رأس الميسرة، واستقر جركس الخليلي مشير الدولة، ثم في شوال قرر في نيابة حلب عوضاً عن أينال اليوسفي، واستقر يونس الدوادار بأمرة يلبغا وأمر الوزير أن لا يتكلم في شيء إلا بعد مراجعته.
وفي جمادى الأولى عقد الجسر بحجارة مقنطرة على نهر بردى عند جامع يلبغا، وكان قبل ذلك خشباً عمله الطنبغا دوادار قزدمر، ثم عمل نظيره مقابه على نهر الخندق وحصل به رفق كبير.
وفيها في ذي الحجة شاع أن ابن قرنميط وكان رأس ميسرة بالقاهرة، وقد فعل ما لا يحصى فجاء تائباً إلى زاوية الشيخ إسماعيل الأنبابي، فبلغ برقوق فأرسل حسين الكوراني إليه فقبض عليه وعلى اثنين من أتباعه، فسلخوا وحشوا تبنا وعلقوا بباب زويلة.
وفي حادي عشر ذي الحجة وسط قرط رحابا أمير العرب وثلاثة معه وعلقت رؤوسهم بباب زويلة.
وفيها ارتفع السعر بالحجاز حتى بلغت الغرارة أربعمائة درهم.
وفيها كائنة ابن القماح البزاز بقيسارية جركس، وكان قد تعامل هو والبواب فصار يفتح له القيسارية بالليل ويغقل عليه فيفتح حوانيت الناس ويأخذ منها ما يريد إلى أن كثر ذلك وافتضح، فعثروا عليه، فأمسك وضرب بالمقارع هو وولده وسجنا بخزانة شمائل،
وكانت سلامته من القطع من العجائب، وفي ذلك يقول بدر الدين بن الصاحب مضمناً وكان بلغه أنه عثر فسقط فانلكسرت يده:
قالوا بأن يد القماح قد كسرت
…
فأعلنت أختها بالويل والغير.
تأخر القطع عنها وهي سارقة
…
فجاءها الكسر يستقصي عن الخير.
وقد اهتدم ذلك برمته من البيتين السائرين في تاريخ ابن خلكان:
إن العماد بن جبريل أخا علم
…
له يد أصبحت مذمومة الأثر.
تأخر القطع إلى آخره.
وفيها في جمادى الأولى حضرت رسل حسين بن أويس صاحب بغداد وتبريز إلى برقوق، وهم: قاضي البلد الشيخ زين الدين علي بن عبد الله بن سليمان بن الشامي المعري المقانعي الآمدي الشافعي، وشرف الدين عطاء بن الحسين الواسطي الوزير، وشمس الدين محمد بن أحمد البرادعي، فأكرموا غاية الغكرام، وذكر المقانعي أنه غرم على سفرته عشرة آلاف دينار وأنه جاء في مائة عليقة، وكان يكثر الثناء على أهل الشام وتردد الكبار للسلام عليهم حتى القضاة، ورتب لهم برقوق رواتب كثيرة، وطلبهم عنده مرة ومد لهم سماطاً حافلاً، وكان تسفيرهم في العشر الآخر من رجب.
وفيها كانت الوقعة بالتركمان وزعيمهم ابن دلغادر، أوقع بهم العسكر الشامي ومعهم نائب حلب ونائب دمشق في جمادى الأولى، فانكسروا كسرة شنيعة وقتل منهم جماعة، ثم رجع العسكر التركماني فهزموا العسكر، وجرح نائب ملطية منطاش وتمرزق الجيش، ووقع التركمان في النهب، وقتل جوبان الجركسي، وكان من قدمائهم، له ذكر في الحوادث سنة خمسين وسبعمائة، وكان من أتباع الفخر إياس، وولي نيابة حمص ثم قلعة دمشق ثم الحجوبية بحلب.
وفيها ابتدئ في عمارة المدرسة الظاهرية بين القصرين، فابتدئ بهدم خان الزكاة بين القصرين، وحصل للناس بذلك مشقة زائدة.
وفيها في شهر رمضان أمطرت السماء مطراً عظيماً حتى صار باب زويلة خوضاً إلى بطون الخيل، وخرج سيل عظيم من جهة طرا فغرق زرعها، وأقام الماء أياماً، ولم يعهد الناس ذلك بالقاهرة.
وفيها ظهر نجم له ذؤابة قدر رمحين من جهة القبلة، وذلك في شعبان.
وفيها أمسك شخص يقال له الحاج علي السروري وجد عنده رؤوس بني آدم، فضرب وجرس.
وفيها أجرى الماء إلى الميدان بسوق الخيل وإلى الحوض الذي على بابه، وكان له نحو من سبعين سنة منقطعاً.
وفيها في شهر رمضان قام شخص يقال له ابن نهار إلى ابن جماعة فأمسك بعنان بغلته عند العنبرانيين وقال له: حمت في بغير حكم الشرع، فرجع ابن جماعة إلى برقوق فشكاه إليه، فاتفق أنه كان مفكراً في أمر من أمور المملكة، وزاد ابن نهار في الإساءة على ابن جماعة بحضرة برقوق فلم يرد عليه، فرجع ابن جماعة إلى التربة فأقام بها وعزل نفسه من الحكم، فبلغ ذلك الأمير فأنكر القصة واعتذر بالفكرة التي كان فيها، فأرسل إلى ابن نهار فأحضره، وعقد له مجلس فأفتى البلقيني ووافقه العلماء بتعزيره، فعزر وضرب بحضرة برقوق بالمقارع، وأرسل قطلوبغا الكوكاي وإياس الصرغتمشي إلى ابن جماعة فترضياه، وطلع معهما إلى برقوق، فقام إليه وترضاه، واعتذر إليه وأعاده إلى القضاء وقال له: من تكلم في حقك بكلمة ضربته بالمقارع، فقبل ذلك ونزل.
وقرأت بحط القاضي تقي الدين الزبيري وأجازنيه ما نصه: وفي شهر رمضان تسلط
شخص يقال له ابن هار على القاضي ابن جماعة بالإساءة والسب وكتب فيه تصنيفاً، واستمر على ذلك مدة حتى لقي ابن جماعة قد خرج من عند برقوق فشتمه ولعنه، فأمسكه ابن جماعة ودخل به إلى برقوق وقال له: هذا قال لي كذا وكذا، فلم يحبه، فعزل نفسه ونزل إلى تربة الشيخ جمال الدين الأسنائي ظاهر باب النصر يسافر منها إلى القدس فقام الأمراء الذين حضروا ذلك مثل قطلوبغا الكوكاي وسودون الشيخوني وإياس الصرغتمشي وسألوا برقوق في عقد مجلس فذكر قصته، وفي آخرها أنه جرس ونفي.
وفيها ثار جماعة على الملم الأشرف صاحب اليمن فأرادوا الفتك به وتولية خاله المظفر، فعرف بهم وأراد القبض عليهم فهربوا إلى الدملوة فخرج عليهم العرب فأمسكوهم وأحضروهم إليه فاستتابهم وعفا عنهم، وقيل: كان ذلك في السنة التي قبلها.
وفيها وقع بين العادل صاحب الحصن وبين السليمانية ورئيسهم غرز الدين، وأعانه صاحب بدليس وجميع حكام ديار بكر ومن جملتهم سيف الدين اليحي صاحب جزيرة ابن عمر، فعرف غرز الدين بكثرة العساكر فأرسل أباه بهاء الدين في الصلح، فاجتمع أبوه بصاحب أرزن فجمع بينه وبين العادل فأقبل عليه ورحل عنهم.
وفيها في شعبان كائنة الشيخ شمس الدين القونوي، وكان مقيماً بزاويته بالمزة، وللناس فيه اعتقاد، وكان شديد الإنكار على أهل الظلم، ورسائله إلى الحكام لا ترد، فاتفق أن الحاجب يلو نائب الغيبة بدمشق عزل ابن بلبان من ولاية البر وكتب فيه إلى مصر