الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ثمان وثمانين وسبعمائة
فيها مات أحمد بن عجلان أمير مكة، واستقر ولده محمد بن أحمد فعمد كبيش بن عجلان إلى أقاربه فكحلهم منهم أحمد بن ثقبة وولده وحسن بن ثقبة ومحمد بن عجلان ففر منه عنان بن مغامس إلى القاهرة فشكى إلى السلطان من صنيعه والتزم بتعمير مكة وسعى في إمرتها فأجيب سؤاله، وكان ما سيأتي ذكره من قتل محمد بن أحمد بن عجلان.
وفيها تأخر وصول المبشرين بالحجاج إلى سادس المحرم، ثم حضر القاصد وأخبر أن صاحب ينبع عاقهم خوفاً عليهم من العرب ولم يتعرض لهم بسوء.
وفيها تزوج السلطان بنت منكلي بغا وأمها أخت الملك الأشرف.
وفيها وصل رسل صاحب ماردين فأخبروا أن تمرلنك قصد تبريز فنازلها، وواقع صاحبها أحمد بن أويس إلى أن كسره فانهزم إلى بغداد ودخل تمرلنك تبريز فأباد أهلها وخربها وجهز أحمد بن أويس إلى صاحب مصر امرأة تخبره بأمر تمرلنك وتحذره منه وتعلمه أنه توجه إلى قرا باغ ليشتي بها ثم يعود في الصيف إلى بغداد ثم إلى الشام، فوصلت المرأة إلى دمشق فجهزها بيدمر صخبة قريبة جبريل.
وفيها تجهز قديد الحاجب وبكتمر العلائي إلى طقتمش خان في الرسلية من صاحب مصر.
وفي ربيع الأول أفرج عن يلبغا الناصري من الإسكندرية وأذن له بالإقامة في دمياط.
وفيها قتل خليل بن قراجا بن دلغادر التركماني، فتك به إبراهيم بن يغمر التركماني بمواطأة السلطان وكان قتله خارج مرعش، توجه إليه إبراهيم في جماعة، فلما قرب منه أرسل إليه يعلمه أنه يريد الاجتماع به لإعلامه بأمر له فيه منفعة، فاغتر بذلك ولاقاه فرآه وحده فأمن ونزل عنده فتحدثا طويلاً فخرج جماعة إبراهيم فقتلوه، وركب إبراهيم ومن معه هاربين فاستبطأ أصحاب خليل صاحبهم فوجدوه قتيلاً، فتتبعوا القوم فلم يلحقوهم وذهب دمه هدراً، وكان في ربيع الأول.
وفيها استقر أمر السلطان بتعمير الأغربة وتجهيزها لقتال الفرنج.
وفيها قيل للسلطان أن جماعة أرادوا الثورة عليه، فقيض على تمربغا الحاجب ومعه عشرة مماليك وأمر بتسميرهم وتوسيطهم لكون تمربغا اطلع على أمرهم ولم يعلم السلطان بذلك ثم تتبع السلطان المماليك الأشرفية فشردهم قتلاً ونفياً إلى أن شفع الشيخ خلف في الباقين فقطعت إمرتهم وتركوا بطالين.
وفيها انتهت عمارة السلطان لمدرسته الجديدة بين القصرين في ثالث شهر رجب، وكان الشروع فيها في رجب سنة ست وثمانين، وكان القائم في عمارتها جركس الخليلي وهو يومئذ أمير آخور ومشير الدولة، وقال الشعراء في ذلك كثيراً فمن أحسن ما قيل:
الظاهر الملك السلطان همته
…
كادت لرفعتها تسمو على زحل.
وبعض خدامه طوعاً لخدمته
…
يدعو الجبال فتأتيه على عجل.
وأخذه ابن العطار فحسنه فقال:
يكفي الخليلي إن جاءت لخدمته
…
شم الجبال لها تأتي على عجل.
قد أنشأ الظاهر السلطان مدرسة
…
فاقت على إرم مع سرعة العمل.
ومن رأى الأعمدة التي بها عرف الإشارة، نزل إليها في الثاني عشر من شهر رجب، وقرر أمورها ومد بها سماطاً عظيماً وتملك فيها المدرسون، واستقر علاء الدين السيرامي مدرس الحنفية بها وشيخ الصوفية بها وبالغ السلطان في تعظيمه حتى فرش سجادته بيده وحضر جميع الأعيان وأخذ الشيخ في قوله تعالى:" قل اللهم ملك الملك تؤتي الملك من تشاء "، ونقل السلطان أولاده ووالده من الأماكن التي دفنوا بها إلى القبة التي أنشأها بها ثم أقيمت بها خطبة في عاشر شهر رمضان، وفوض الخطابة إلى جمال الدين المحتسب وكان قد أمر ابنه صدر الدين أحمد بالصلاة بها في رمضان وهو ابن اثنتي عشرة سنة، وعمل له مهماً حافلاً.
واستقر بها الشبخ أوحد الدين الرومي السنوي مدرس الشافعية بعناية الشريف الأخلاطي والشيخ شمس الدين بن مكين نائب الحكم بمصر مدرس المالكية والشيخ صلاح الدين بن الأعمى مدرس الحنابلة والشيخ أحمد زاده العجمي مدرس الحديث، والشيخ فخر الدين الضرير إمام الجامع الأزهر مدرس القراءات، فلم يكن فيهم من هو فائق في فنه على غيره من الموجودين غيره، ثم بعد مدة قرر فيها شيخنا البلقيني مدرس التفسير وشيخ الميعاد.
وفيها ثار المنتصر وأبو زاين أبناء أبي حمو على أخيهما أبي تاشفين بسبب أبيهما فحصرهما أبو تاشفين بجبل قطري وبعث ولده أبا زيان لقتل أبي حمو بمعتقله بمدينة وهران فلما أحس أبو حمو بذلك نظر من شق في الجدار وصاح بأهل البلد فأتوه من كل جهة فتدلى بحبل وصله بعمامته وسقط إلى الأرض سالماً فبلغ الذين حضروا لقتله فهربوا واجتمع عليه أهل البلد وسار إلى تلمسان فكان ما سنذكره في التي تليها.
وفيها مات الخليفة عمر بن إبراهيم بن الواثق بن محمد بن الحاكم، واستقر في الخلافة أخوه المعتصم زكريا في شوال.
وفي ربيع الأول منها رخص اللحم جداً حتى بلغ الضأني السميط كل قنطار بخمسين درهماً.
وفي جمادى الآخرة زلزلت الأرض زلزلة لطيفة.
وفي ربيع الآخر قبض على بهادر المنجكي الاستادار الكبير.
وفيها وقع الفناء بالإسكندرية فمات في كل يوم مائة نفس.
وفيها تولى كريم الدين بن مكانس نظر الدولة بعد الوزارة، وعلم الدين سن إبرة نظر الأسواق بعد الوزارة أيضاً وتعجب الناس منهما.
وفيها حضر أمير زاد بن ملك الكرج إلى السلطان فادعى أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال له: أسلم على يد خادم الحرمين، فأصبح فسأل عن خادم الحرمين فقيل له: إنه صاحب مصر، فهاجر إليه فأخبره بذلك، فتلقاه بالإكرام وأمر بالإسلام،
فأسلم بمحضر من القضاة الأربعة في دار العدل، فأعطاه إمرة عشرة وأسكنه القاهرة، وكان ذلك في جمادى الأولى.
وفيها عزل شهاب الدين أحمد بن ظهيرة عن قضاء مكة، ونقل إلى قضائها محب الدين بن أبي الفضل النويري، وقرر في قضاء المدينة عوضاً عنه الشيخ زين الدين العراقي، واستقر الشيخ سراج الدين بن الملقن مدرساً بالكاملية عوضاً عن العراقي.
وفيها توجه نواب الشام إلى قتال التركمان فانكسر العسكر وفتك فيهم التركمان وقتلوا سودون العلائي نائب حماة وغيره، وكان أصل ذلك أن السلطان أمر نواب الشام بالتوجه إلى قتال سولى بن دلغادر ومن معه من التركمان، فوصلوا إلى طنون وهي بين مرعش وابلستين فالتقى بهم سولى، فقتل سودون نائب حماة في المعركة وكذا سودون نائب بهسنا، وكان ذلك في أول جمادى الآخرة فبلغ السلطان فشق عليه ولم يزل يعمل الحيلة حتى دس على سولى من قتله كما قتل أخاه كما سيأتي بيانه.
وفي جمادى الآخرة وصلت رسل الفرنج بهدايا جليلة.
وفي أواخر السنة وصلت رسل الحبشة بهدايا جليلة أيضاً.
وفي أواخر رمضان عز الفستق عزة شديدة إلى أن بيع الرطل منه بمثقال ذهب ونصف، ثم وصل منه شيء كثير إلى أن بيع بعد العيد بربع مثقال الرطل.
وفي شعبان أسلم نصراني صبان يقال له ميخائيل من أهل مصر فقرر ناظر المتجر السلطاني وحصل للناس منه ضرر كبير، وسيأتي ما آل إليه أمره في سنة تسع وثمانين.
وفيها أمسك شهاب الدين أحمد بن الرهان ومن معه من الشام، وأحضروا إلى القاهرة وكانوا أرادوا القيام على السلطان فطاف أحمد البلاد داعياً إلى ذلك ثم استقر بدمشق، فدعا الناس إلى القيام فأطاعه خلق كثير إلى أن فطن بهم ابن الحمصي والي قلعة دمشق، فنم عليهم عند السلطان، وكان يبغض بيدمر نائب الشام فوجد من ذلك سبيلاً إلى الافتراء عليه، فكاتب السلطان بالاطلاع على أمرهم وأن بيدمر معهم، فأمره السلطان بالقبض عليهم وعلى بيدمر، فقبض عليهم وجهزهم إلى القاهرة، فعاقب السلطان الشيخ أحمد ومن معه من الفقهاء فضربوا بين يده بالإصطبل بالمقارع وحبسهم في حبس الجرائم بعد أن قررهم على من كان متفقاً معهم في ذلك.
وفيها وصل إبراهيم بن قراجا بن دلغادر إلى القاهرة طائعاً، وكان صاحب خرت برت هي قلعة حصينة بقرب ملطية، وكان له أولاد عدة فعصى عليه بعضهم، ففر منهم فأعطاه السلطان إمرة طلبخاناة، وسكن ظاهر القاهرة، ثم وصلت رأس خليل بن دلغادر من عند نائب حلب، فقبض على إبراهيم وعلى عمه عثمان.
وفيها في صفر سرق الجملون الذي في سوط القاهرة، وأخذ من حوانيت البزازين مال كثير إلى الغاية، فقام حسن بن الكوراني في تتبع الحرامية إلى أن ظفر بعشرين منهم فسمرهم وطاف بهم.
وفيها أمر السلطان بإحضار الشيخ شهاب الدين بن الجندي الدمنهوري، فاحضر فضرب بين يديه لأنه كان بدمنهور يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فشكى منه مقطع دمنهور إلى السلطان فأمر بإحضاره فضرب، ثم شفع فيه بعض الأمراء وعرف السلطان قدره وأنه طلب للقضاء فامتنع فخجل السلطان وأرسل إليه فخالله وخلع عليه وأذن له في الرجوع إلى بلده على عادته.
وفيها حج بالناس آقبغا المارداني وحج فيها جركس الخليلي أميراً على الركب الأول، فلما وصل إلى مكة وأراد صاحبها محمد بن أحمد بن عجلان أن يقبل رجل الجمل الذي عليه المحمل السلطاني على العدة، بدر إليه شخص فداوى فقتله وزعم أن السلطان أذن له في ذلك، وفطن كبيش لذلك فجمع عساكره وخرج من مكة بهم خوفاً على نفسه وخوفاً على الحاج من النهب وقرر جركس الخليلي عنان بن مغامس في الإمرة وحج الناس آمنين، ثم التقى كبيش ببطا الخاصكي رأس المبشرين فقال له: اعلم السلطان أنني طائع وإنني منعت العرب من نهب الحاج وأنني لا أرجع عن طلب ثأري من غريمي عنان، وفرق الخليلي بمكة صدقات كثيرة جداً.
وفيها اشتد أذى الوزير للتجار حتى رمى عليهم من القمح مائة ألف أردب وأزيد كل أردب بدينار وكانت خسارتهم فيها جملة مستكثرة.
وفيها سعى شهاب الدين بن الأنصاري في مشيخة سعيد السعداء والتزم بتكفية الخانقاه وعمارة أوقافها وبذل لهم ثلاثين ألف درهم من ماله لذلك من غير رجوع عليهم بها فأجيب
سؤاله.
وفيها طرق اللنك شيراز فحاربه شاه منصور وثبت ثباتاً عظيماً وأنكأ في عسكر اللنك وهجم على المكان الذي فيه تمرلنك ففر منه واختفى بين النساء، فوصل شاه منصور في حملته فتلقاه النساء فقلن له: ليس علينا قدرة ونحن في طاعتك، فكف عنهن ورجع فقاتل، فخذله بعض أمرائه ففت في عضده ولم يقاتل حتى ارتث في المعركة وانهزم بقية من معه، فقامت في قيامة اللنك على فقده لأنه لم يجده في القتلى، ثم ظفر به بعض الجند فعرفه فحز رأسه وأحضره إلى اللنك، فلما تحققه فرح في الباطن وأظهر الأسف عليه في الظاهر وأمر بقتل قاتله، واستولى على شيراز وأكرم زين العابدين وقرر له رواتب، ولما بلغ السلطان أحمد صاحب كرمان الخبر راسل اللنك بالطاعة وأرسل مع رسله هدية جليلة وكذلك صنع شاه يحيى صاحب يزد، فقبل الهدية وتوجه بعسكره إلى أصبهان فنازلها وحاصرها، فلما لم يكن لهم به طاقة صالحوه على كال له صورة فتوزعوه بينهم، فأرسل اللنك أعوانه فعاثوا وأفسدوا ومدوا أيديهم إلى الأموال والحرم، فشكوا ذلك إلى ملكهم، فواعدهم أنه يضرب الطبل عند العشاء، فإذا سمعوه قتل كل منهم من عنده من الأعوان، فلما فعلوا ذلك وكانوا نحواً من ستة آلاف عظم ذلك على اللنك، ورجعوا إلى المدينة فتحصنوا فحضرهم حتى اشتد الحصار، فأشار عليهم بعض عسكره أن يجمعوا أطفالهم ويقفوا بهم على طريق اللنك، فاجتاز بهم فسأل عنهم فقال له المشير عليهم: هؤلاء أطفال لا قدرة عليهم ولا عقاب بجناية آبائهم وهم يسترحمونك، فمال بعنان فرسه عليهم وتبعه العسكر فصاروا طعمة لسنابك الخيل، ثم هجم البلد واستخلص الأموال وخرب البلد ورجع إلى سمرقند وحين وصوله أمر حفيده محمد سلطان بن جهانكير إلى أقصى ما يبلغ مملكته وهو من وراء سيحون آخذاً مشرقاً إلى نحو شهر في ممالك المغل والخطا، فمهدوا تلك الأراضي وبنوا فيها عدة قلاع وبنوا مدينة على طرف سيحون من ذلك الجانب سماها اللنك شاه