الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ست وتسعين وسبعمائة
فيها وصل أحمد بن أويس إلى القاهرة في ربيع الأول فتلقاه الأمراء وخرج له السلطان إلى الريدانية فقعد بالمسطبة المبنية له هناك، فترجل له أحمد بن أويس من قدر رمية سهم فأمر السلطان الأمراء بالترجل له، ثم لما قرب منه قام له ونزل من المسطبة يمشي إليه فالتقاه وأراد أحمد تقبيل يده فامتنع، فطيب السلطان خاطره وأجلسه معه على مقعده، ثم خلع عليه وأركبه صحبته إلى القلعة فأنزله في بيت طقزدمر على بركة الفيل، ونزل جميع الأمراء في خدمته ثم أرسل له السلطان مالاً كثيراً وقماشاً ومماليك للخدمة، يقال قيمة ذلك نحو عشرة آلاف دينار، ثم حضر الموكب السلطاني فأذن له السلطان بالجلوس وأركبه معه إلى الجيزة للصيد، ثم تزوج السلطان بنت أخيه خوندتندي بنت حسين بن أويس وبنى عليها قرب السفر، ثم أمر السلطان بالتجهيز إلى الغزاة وطلب من القاضي الشافعي أن يقرضه ما في المودع من أموال الأيتام، فامتنع فسعى بدر الدين بن أبي البقاء في القضاء وبذل مالاً، وذلك في ربيع الآخر فعزل المناوي بعد أن خرج السلطان إلى الريدانية، وأعيد ابن أبي
البقاء في يوم الاثنين الرابع عشر من شهر ربيع الآخر وخلع عليه بالريدانية ودخل القاهرة ومعه قلمطاي الدويدار وغيره من الأمراء، وسافر مع السلطان في رابع عشريه بعد أن بذل ما أرادوا منه فقيل: كان ستمائة ألف، وعوض السلطان أصحابها أرضاً يستغلون خراجها إلى الآن، واقترض السلطان من ثلاثة من التجار ألف ألف درهم فضة، وهم برهان الدين المحلى ونور الدين الخروبي وشهاب الدين ابن مسلم، وكتب لهم بذلك مسطوراً ضمنه فيه محمود الاستادار، وكان ذلك بتدبيره، واستصحب السلطان معه القضاة والخليفة وشيخ الإسلام البلقيني، واستأذن البلقيني بعد وصوله إلى دمشق لولده جلال الدين في الرجوع لأنه كان قاضي العسكر، فأذن له فرجع وتوجه الشيخ صحبة الركاب إلى حلب، وخرج إلى السلطان وهو معسكر ظاهر القاهرة شخص يقال له أحمد بن عباس الحريري، فذكر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم تسليماً في المنام وأنه قال له: رح إلى برقوق وقل له إنك منصور بأمارة أنك تقرأ سورة الفاتحة على أصابعك العشرة عشر مرات عند الركوب ثم تقول " إن ينصركم الله فلا غالب لكم " فصدق الأمارة وبكى وأمر للرأي بمال فلم يقبل منه إلا نذراً يسيراً، والذي يظهر لي كذب هذا الرأي، وكأنه بلغ الأمارة من بعض خواص السلطان المطلعين على سره، وإلا فلو كان صدقاً لكان قد انتصر، والواقع أنه لم يقع له قتال مع أحد، وعزل موفق الدين عن الوزارة واستقر ناصر الدين ابن رجب فقرر في نظر الدولة سعد الدين ابن البقري.
وفيها كائنة الشريف العنابي - بضم العين المهملة والنون - كان السلطان يعتقده فاتفق مع جماعة من مماليك بركة على القيام عليه، فنم عليه موسى بن محمد بن عيسى العائدي شيخ عرب العائد، وكان في الحبس فأرسل إلى الوالي ورقة بخط العنابي، يقول فيها: يا موسى
أرسل إليّ عربك يجتمعوا ويعسكروا قرب القاهرة فإذا جاز السلطان قطية أركب أنا ومن معي من المماليك فنملك القاهرة وتخلص من الحبس ونتساعد على ذلك فإذا غلبنا قررنا سلطاناً نتفق عليه، وأستقر أنا خليفة وأحمد بن قايماز أتابك العساكر، فتوجه الوالي بالورقة إلى السلطان فأرسل يلبغا السالمي إلى الشريف العنابي ليسأله عن ذلك فأحس الشريف فهرب ثم أمسك الوالي عبداً من عبيده فأقر بأن سيده في بيت الصارم الحلبي بسويقة السباعين، فبادر الوالي فقبض عليه وعلى أحمد بن قايماز فأحضرهما إلى السلطان وهو بالريدانية قد برز بالعسكر للتوجه فاعترف العنابي بأن الورقة بخطه وأن ابن قايماز هو الذي رتبه فيما يفعل، فأنكر ذلك ابن قايماز وتبرأ منه فأمر السلطان بالتوكيل بهما، فسعى عمر بن قايماز أخو أحمد عند أخت السلطان حتى شفعت في أخيه على مال جزيل بذله وأطلق، وأمر السلطان بتوسيط الشريف العنابي فوسطه الوالي، وكذلك وسط موسى بن محمد بن عيسى بن موسى العائدي وعمه مهنا بن عيسى وجماعة من نفره كانوا في القبضة، وذلك بعد سفر السلطان، ووصل السلطان إلى دمشق في العشرين من جمادى الأولى فوصل له قاصد طقتمش خان ملك القفجاق يتضمن السؤال أن يكونوا يداً واحدة على الطاغي تمرلنك، فكتب أجوبتهم ثم وصلت إليه رسل أبي يزيد بن عثمان صاحب الروم تتضمن استئذان السلطان على الحضور إلى نصره على قصد تمرلنك لما بلغهم من سوء سيرته، فكتب أجوبته أيضاً.
وفي أول هذه السنة سار تمرلنك بنفسه وعساكره إلى تكريت فحاصرها بقية المحرم
كله ودخلها عنوة في آخر هذا الشهر فقتل صاحبها، وبنى من رؤوس القتلى منارتين وثلاث قباب، وخرب البلد حتى صارت قفرة، وكان استولى على قلعة تكريت وأميرها حسن بن يغمور ونزل بالأمان فأرسله اللنك إلى دار ثم دس عليه من هدمها، فمات تحت الهدم، ثم أثخن في قتل الرجال وأسر النساء والأطفال، ثم نازل الموصل وصاحبها يومئذ يار علي بن برد خجا فصالحه وصار في خدمته، ثم نزل إلى رأس عين فملكها، ونازل الرها فأخذها بغير قتال، ووقع النهب والأسر والسبي، وذلك في آخر صفر واتفق هجوم الثلج والبرد، ولما بلغ ذلك صاحب الحصن جمع خواصه وما عنده من التحف والذخائر وقصد تمرلنك ليدخل في طاعته فقرر ولده شرف الدين أحمد نائباً عنه، وسار إلى أن اجتمع به بالرها فقبل هديته وأكرم ملتقاه ورعى له لكونه راسله قبل جميع تلك البلاد، ثم خلع عليه وأذن له في الرجوع إلى بلاده وأصحبه بشحنة من عنده، ثم قصده صاحب ماردين فتنكر له لكونه تأخرت عنه رسله وتربص به حتى قرب منه فوكل به فصالحه على مال فوعده بإرساله إذا حضر المال فلما حضر زاد عليه في التوكيل والترسيم، ثم أخذ في نهب تلك البلاد بأسرها، واستولى على بلاد الجزيرة والموصل وسار فيهم سيرة واحدة من القتل والأسر والسبي والنهب والتعذيب ثم أقام على نصيبين في شدة الشتاء، فلما أتى الربيع نازل ماردين في جمادى الآخرة فحاصرها وبنى قدامها جواسق فحاصرها منها ففتحها عن قرب، وقتل من الناس من لا يحصى عددهم، وعصت عليه القلعة فرحل عنها
ثم رحل إلى آمد فحاصرها إلى أن ملكها وفعل بها نحو ذلك، ثم توجه إلى خلاط ففعل بها نحو ذلك، وسبب رجوعه عن البلاد الشامية أنه بلغه أن طقتمش خان صاحب بلاد الدشت والسراي وغيرها مشى على بلاده فانثنى رأيه فقصد تبرين وصنع في بلاد الكرج عادته في غيرها من البلاد، ثم رحل راجعاً إلى تبريز فأقام بها قليلاً، ثم توجه قاصداً إلى قتال طقتمش خان صاحب السراي والقفجاق، وكان طقتمش قد استعد لحربه فالتقيا جميعاً ودام القتال، وكانت الهزيمة على القفجاق والسراي فانهزموا وتبعهم الجقطاي في آثارهم إلى أن ألجؤهم إلى دخل بلادهم، وراسل اللنك صاحب سواس القاضي برهان الدين أحمد يستدعى منه طاعته فلم يجبه وأرسل نسخة كتابه إلى الظاهر صاحب مصر وإلى أبي يزيد ملك الروم.
وفي شوال غلب على غالب القلاع، وتوجه في ذي القعدة إلى جهة بلاده وأمر بسجن الطاهر في مدينة سلطانية، وفي غضون ذلك خرج من حلب أميران مقدمان ومعهما نحو ألف فارس لحفظ الرها فوجدوا اللنكية فتحوها، فوقع بهم جمع كبير من اللنكية، فحصل بينهم وقعة انهزم فيها اللنكية، وقتل منهم جمع عظيم، وصادف ذلك رحيل اللنك عن الرها، ورجع أهل حلب بالأسرى ورؤس القتلى، ووصل الخبر بذلك إلى الظاهر في ربيع الأول، ففرح به وأخذ في التجهيز بالعسكر المصري فخرج في ربيع الآخر وصحبته في هذه السفرة الشيخ سراج الدين البلقيني والشيخ شهاب الدين ابن الناصح وأبو عبد الله الكركي والشيخ محمد المغربي والشيخ إبراهيم بن زقاعة وغيرهم.
وفيها وصلت رسل تمرلنك إلى الظاهر يتضمن الإنكار على إيواء أحمد بن أويس والتهديد إن لم يرسل إليه فجهز السلطان إليهم من أهلكهم قبل أن يصلوا إليه وأحضر إليه ما معهم من الهدايا، فكان فيها ناس بزي المماليك، فسألهم السلطان عن أحوالهم، فقالوا إنهم من
أهل بغداد، ومن جملتهم ابن قاضي بغداد، وإن تمرلنك أسرهم واسترقهم، فسلمهم السلطان لجمال الدين ناظر الجيش فألبس ابن قاضي بغداد بزي الفقهاء، وكان في كتاب تمرلنك إيعاد وإرعاد وأوله:" قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون " اعلموا " أنا جند الله "، خلقنا من سخطه وسلطنا على من حل عليه غضبه لا نرق لشاكي ولا نرحم عبرة باكي " وهو كتاب طويل وفيه " ودعاؤكم علينا لا يستجاب فينا ولا يسمع، فكيف يسمع الله دعاؤكم وقد أكلتم الحرام وأكلتم أموال الأيتام وقبلتم الرشوة من الحكام " قلت: وأكثر هذا الكتاب منتزع من كتاب هولاكو إلى الخليفة ببغداد وإلى الناصر بن العزيز بدمشق وهو من إنشاء النصير الطوسي، وكتب جواب اللنك كاتب السر ابن فضل الله وهو كلام ركيك ملفق غالبه غير منتظم لكنه راج على أهل الدولة، وقريء بحضرة السلطان والأمراء فكان له عندهم وقع عظيم وعظموه جداً وأعادوه، وكان النائب بحلب أرسل رجلاً بعث به سالم الدوكاري فلما وصل إلى القاهرة أخبر السلطان أن المقاتلة مع اللنك عشرون ألفاً وأن له أختاً معه تضرب بالرمل، ثم حضر شخص آخر كان من مماليك الأشرف وخدم شكر أحمد التركماني وأنه توجه معه إلى اللنك فهرب منه فأخبر بمثل ما أخبر به التتري المذكور.
وفي رابع عشرين ربيع الأول قبض على شخص من الططر فعرض على السلطان فضربه فأقر على عدة جواسيس فقبض منهم على سبعة أنفس ما بين تجار وغيرهم وتجهز السلطان إلى السفر وأنفق في المماليك في ثالث ربيع الآخر لكل واحد ألفي درهم، فبلغه أنه تمنعوا فجلس بنفسه وأمر بالنفقة فأخذوا ولم يتكلم أحد منهم وأعطى لكل مقدم ألف ستين ألفاً وللخليفة عشرة آلاف، ويقال كان جملة النفقة تسعة آلاف ألف، كان ثمنها من الذهب الهرجة ثلاثمائة ألف وستين ألف دينار،
وكان اقترض من التجار ألف ألف، ومن موجود جركس الخليلي ثماني مائة ألف، ومن موجود أرغون شاه نحو النصف من ذلك، ومن موجود إينال اليوسفي نحو ذلك أو أكثر، فبرز في سابع الشهر وخرج من القلعة في عاشره وسافر من الريدانية في ثاني عشري الشهر وترك في الاصطبل بيبرس أمير آخور، وبالقاهرة سودون النائب ونائباه، وبالقلعة ارسطاي ومعه ثلاثمائة مملوك، ودخل دمشق ثاني عشرين جمادى الأولى فأقام بدمشق خمسة أشهر وعشرة أيام، واستبرأ الأخبار فتحقق رجوع اللنك فجهز أحمد بن أويس إلى بغداد ودفع له حين السفر خمسمائة ألف درهم قيمتها عشرون ألف دينار وخمسمائة فرس وستمائة جمل وجهزه أحسن جهاز، فخرج في مستهل شعبان وسافر في ثالث عشره وسار معه عدة من الأمراء الكبار إلى أطراف البلاد صحبه سالم الدوكاري، ثم جهز السلطان كمشبغا وجماعة من الأمراء إلى حلب فتوجهوا قبله ثم توجه بعدهم في أول ذي القعدة فدخلها في العاشر وأقام إلى عيد الأضحى، ورجع إلى الديار المصرية في الثاني عشر منه وكان أمر بعرض أجناد الحلقة وتجهز من له خبز ثقيل بعبرة ثقيلة إلى السفر وألزم مباشرو الخاص وغيرهم أن يؤخذ من كل واحد بغلة أو ثمنها ثم اختار من أجناد الحلقة أربعمائة فارس انتقاهم، ثم نادى للأجناد البطالين بالحضور لينفق فيهم ليسافروا فحضر منهم نحو الخمسمائة، فقبض قلطاي منهم بأمر السلطان على ثلاثمائة وسبعين فسجنهم وهرب الباقون، ثم عرضهم ابن الطبلاوي عند محمود وأفرج عن مائتين منهم، ولما دخل الشام شكوا من الباعوني فعزله ونكّل به وخلع على علاء الدين ابن أبي البقاء وأقام الظاهر بدمشق خمسة أشهر، وعزل المنجا الحنبلي، وولى عوضه شمس الدين النابلسي وعزل ابن الكشك، وولى عوضه ابن الكفري ثم وصل السلطان إلى حلب فوصل إليه ابن نعير فأخبره أن أباه غلب على بغداد بعد رحيل تمرلنك عنها وخطب فيها باسم الملك الظاهر فجهز أحمد بن أويس بجماعته إلى بغداد بعد أن جهزه جهازاً حسناً فأرسل عسكراً كثيراً فيهم كمشبغا الأتابكي وأحمد بن يلبغا وبكلمش وغيرهم إلى أطراف المملكة، وأقام، السلطان نازلاً على الفرات إلى أن وصل قاصد أحمد
بن أويس يخبره بأنه دخل بغداد وجلس على تخت ملكه وخطب باسم السلطان بها، فرجع السلطان إلى حلب وحضر إليه وهو بها سالم الدوكاري التركماني طائعاً فخلع عليه وعظمه وألبسه بزي الترك، ووصل إليه كتاب القاضي برهان الدين أحمد صاحب سيواس يبذل له الطاعة، وذكر أحمد بن أويس في كتابه أنه لما وصل إلى ظاهر بغداد خرج إليه نائب تمر فقاتله وأطلق الماء على عسكر ابن أويس فأعانه الله وتخلص، وفي هذه السفرة استقر بدر الدين محمود بن عبد الله الكلستاني العجمي في كتابة السر بعد موت بدر الدين بن فضل الله، وكان السلطان استدعى به من القاهرة بعد أن سافر ليقرأ له كتاباً ورد عليه من بلاد العجم بالعجمي، وذلك بإشارة جمال الدين ناظر الجيش، فتوجه وهو في غاية الخوف ظناً منه أنه وشى به بعض أعدائه، وما درى أنه نقل أمره إلى العز الزائد بعد الذل المفرط واستقر في نيابة حلب بعد رحيل السلطان بإمرة تغري بردى وفي نيابة طرابلس أرغون شاه، وفي نيابة صفد آقبغا الجمالي.
وفي هذه السنة كان بالقاهرة من الرخص ما يضرب به المثل حتى أن عنوانه أن البطيخ العبدلاوي بيع كل قنطار بدرهم، وقس على ذلك.
ثم في آخرها توقف النيل حتى مضى نصف أبيب ثم مضى نصف مسرى الأول، ثم فتح الله تعالى فزاد في أسبوع واحد نحو عشرة أذرع وتزايد بسبب التوقف سعر القمح إلى أن بلغ أربعين درهماً كل أردب ثم زاد ضعفها.
وفيها أرسل أبو فارس ابن أبي العباس المريني، بعد موت أبيه إلى تلمسان أبازيان بن