المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة إحدى وثماني وسبعمائة - إنباء الغمر بأبناء العمر - جـ ١

[ابن حجر العسقلاني]

فهرس الكتاب

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة من الأعيان

- ‌سنة أربع وسبعين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة أربع وسبعين وسبعمائة من الأعيان

- ‌سنة خمس وسبعين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة خمس وسبعين وسبعمائة من الأعيان

- ‌سنة ست وسبعين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ست وسبعين وسبعمائة من الأعيان

- ‌سنة سبع وسبعين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة سبع وسبعين وسبعمائة من الاعيان

- ‌سنة ثمان وسبعين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتسنة ثمان وسبعين وسبعمائة من الأعيان

- ‌سنة تسع وسبعين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة تسع وسبعين وسبعمائة من الأعيان

- ‌سنة ثمانين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثمانين وسبعمائة من الأعيان

- ‌سنة إحدى وثماني وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة إحدى وثمانين وسبعمائة

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة من الأعيان

- ‌سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثلاث وثماني وسبعمائة من الأعيان

- ‌سنة أربع وثمانين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة أربع وثمانين وسبعمائة من الأعيان

- ‌سنة خمس وثمانين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة خمس وثمانين وسبعمائة من الأكابر

- ‌سنة ست وثمانين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ست وثمانين وسبعمائة

- ‌سنة سبع وثمانين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة سبع وثمانين وسبعمائة

- ‌سنة ثمان وثمانين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثمان وثمانين وسبعمائة

- ‌سنة تسع وثمانين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة تسع وثمانين وسبعمائة من الأعيان

- ‌سنة تسعين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة تسعين وسبعمائة من الأعيان

- ‌سنة إحدى وتسعين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة إحدى وتسعين وسبعمائة من الأعيان

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة من الأعيان

- ‌سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة

- ‌ذكر بقية الحوادثالكائنة في هذه السنة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة من الأعيان

- ‌سنة أربع وتسعين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة أربع وتسعين وسبعمائة من الأعيان

- ‌سنة خمس وتسعين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة خمس وتسعين وسبعمائة من الأعيان

- ‌سنة ست وتسعين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ست وتسعين وسبعمائة من الأعيان

- ‌سنة سبع وتسعين وسبعمائة

- ‌ذكر من توفىمن الأعيان سنة سبع وتسعين وسبعمائة

- ‌سنة ثمان وتسعين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثمان وتسعين وسبعمائة

- ‌سنة تسع وتسعين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة تسع وتسعين وسبعمائة من الأعيان

الفصل: ‌سنة إحدى وثماني وسبعمائة

‌سنة إحدى وثماني وسبعمائة

فيها وصل الحجاج إلى الأزلم فلم يجدوا بها الإقامة على العادة فوقع فيهم الغلاء الشديد، وكان السبب في تأخير الإقامة أن العرب الذين جرت عادتهم بحملها نقل لهم عن عرب بلى أنهم أرادوا نهب الإقامة فتأخروا بمغارة شعيب، فوصل الحاج إلى المويلحة فلم يجدوا شيئاً ثم إلى عيون القصب فلم يجدوا شيئاً فغلا الشعير حتى بيعت الويبة الشعير باثنين وتسعين درهماً قيمتها حينئذ تزيد على خمسة دنانير هرجة، ومات من الجمال شيء كثير، وقاسى الحجاج مشقة شديدة وتأخروا عن العادة خمسة أيام.

وفي رابع عشرين المحرم استقر قرط نائب السلطنة بالوجه القبلي وابنه حسين والي قوص، وأوقع قرط في ربيع الآخر بالعرب فكسروه وقتلوا عدداً من مماليكه ثم عاد فانتصر عليهم وقتل منهم مقتلة وأرسل رؤوساً إلى القاهرة فعلقت.

وفيها توجه فخر الدين إياس في طلب برهان الدين بن جماعة لشكوى الناس من سيرة ابن أبي البقاء فوصل في أواخر صفر فخرج بركة لملتقاه وطلع صحبته إلى برقوق ونزل في آخر النهار في صهريج منجك، ثم طلب صبيحة قدومه إلى القلعة وخلع عليه ونزل في موكب حافل فيه ثلاثة عشر من الأمراء الكبار وارتجت له القاهرة بحيث كان أعظم من يوم المحمل وباشر بحرمة ومهابة أعظم من المرة الأولى، واستعاد من البلقيني تدريس الشافعي،

ص: 190

وكان انتزعه البلقيني لما استقر ابن أبي البقاء في القضاء، ثم إن ابن جماعة اصطلح مع البلقيني وعوضه نظر وقف السيفي ووقف المدرسة الطقجية، وكانت مدة ولاية ابن أبي البقاء هذه الأولى سنة وأربعة أشهر. وقرأت بخط الزبيري أن العظمة المذكورة لابن جماعة كانت من جهة بركة، فلما تلاشى أمره لم ينفق لابن جماعة مثل الصورة التي كانت في أيام الأشرف بعناية ابن آقبغا آص.

وفيها أمر بركة بمسك الكلاب ونفيهم إلى الجيزة وقرر على كل أمير وعلى صاحب دكان منهم شيئاً كثيراً.

وفيها قيس المديان وجعل على كل أمير فدان فأحضر كل أمير رجالاً من عنده فعزقوه وأصلحوه، وفي صفر قبض على مثقال الجمالي الزمام الأشرفي وسئل عن ذخائر الأشرف بعد أن عرض على العقوية فدل على ذخيرة وجدرا فيها ثلاثين ألف دينار ثم هدد فأقر بأخرى فيها نصف الأولى وفيها برنية فصوص من جملتها فص عين هر زنته ستة عش درهماً ثم ضرب وسعط مراراً فلم يقر بشيء، ثم وجدت ورقة بخط الأشرف فيها فهرسة ذخائره فاعتبرت فتحققوا أنه ما بقي عند مثقال شيء فأطلق.

وفي ربيع الآخر أمر بركة بتسمير جماعة من قطاع الطريق فسمروا وكانوا نحو الستة عشر نفساً.

وفيها شاع بين العامة أن بركة يريد أن يركب عليهم فتحدثوا في ذلك فأمر بركة والي

ص: 191

القاهرة أن يقبض على الزعر والعبيد فتتبعهم واشتد خوف العامة فأمر برقوق الوالي أن ينادي للعامة بالأمان فاطمأنوا.

وفيها قبض على مملوكين بدمشق كانا يأخذان النساء قهراً فصلبا، وذلك في ربيع الأول.

وفيها ثار آقبغا عبد الله وجماعة معه على نائب الشام وكان قد تجرد مع نائب حلب في عسكري البلدين بسبب التركمان فوقعت بينهم وبين آقبغا المذكور ومن معه وقعة فكسرهم نائب الشام وهرب آقبغا إلى نعير فاستجار به وصادف موت أخيه قارا أمير عرب آل فصل نعير عمه صول بن حيار إلى مصر يطلب الأمان لآقبغا ويخطب الإمرة لنفسه ويلتزم الطاعة فلم يقع ذلك الموقع وسجن صول المذكور.

وفيها أعيد اشقتمر إلى نيابة حلب فسافر في ربيع الآخر أو جمادى الأولى وأمر برفع المكس عن أهس عزاز وأرسل الأمان إلى آقبغا فأرسله نعير فوصل إلى حلب ثم إلى دمشق ثم استقر نائب غزة فأقام بها، وقسمت الإمرة بين نعير وبين ابن عمه زامل.

وفيها أرسل تمر باي نائب حلب إلى الدس بطالا في جمادى الأولى.

وفي جمادى الأولى أرسل بيدمر إلى القدس بطالا أيضاً فوصلا إلى القدس جميعاً في جمادى الآخرة.

وفيها أوفي النيل، فنزل بركة إلى كسر الخليج فحلق العامود بالمقياس ورجع في الحراقة فصدمه مركب مقلع فكسر مقدم الحراقة ووقع شاش بركة عن رأسه فنزل من الحراقة إلى شختور لطيف فكسر الخليج ثم رجع إلى منزله فتشأموا له بذلك.

ص: 192

وفيها أمر بركة بسلسلة القناطر لئلا يدخل فيها الشخاتير بالمتفرجين في بركة الرطلى وغيرها فعمل على قنطرة فم الخور سلسلة وعلى قنطرة الفخر أخرى، ووكل بهما من يفتح السلسلة للمراكب الكبار التي تجلب البضائع من الوجه البحري ويمنع المتفرجين. وفي ذلك يقول ابن العطار:

هم سلسلوا البحر لا لذنب

وأرسلوا للحجاز باشه.

وأشار بذلك إلى إرسال سودون باشا إلى الحجاز لإصلاح الطرقات في هذه السنة.

وفيها أمر بركة بكسر جرار الخمر بحارة الأسارى فكسر منها شيء كثير على يد مأمور الحاجب الكبير.

وفيها فاض الخليج الناصري من يحمون الجمالي فأغرق البساتين وقنطرة الحاجب وكوم الريش والتاج ومنية الشيرج وشبرا وانقطعت الطرق.

وفيها تكلم جار الله قاضي الحنفية في إعادة ما كان السراج الهندي سعى فيه من إحداث مودع للحنفية وفي استنابة القضاة في البر في لبس الطرحة في المواكب، وكان ذلك مما جرت به العادة القديمة بانفراد الشافعي به، واتفق أن السراج أجيب إلى ذلك فشغله الضعف عنه إلى أن مات فأجيب سؤال جار الله إلى ذلك ولبس خلعة لذلك وعين شخصاً يكون أمين الحكم ومكاناً يكون مودعاً، فشق ذلك على برهان الدين بن جماعة وسعى في إبطاله وساعده

ص: 193

الشيخ أكمل الدين وغيره من أرباب الدولة فعقد لذلك مجلس حافل عند برقوق في نصف جمادى الأولى، فتكلم أكمل الدين وبالغ في مساعدة الشافعي وجرى بينه وبين جار الله مقالات كثيرة وإساءات، وفي آخر الأمر قال أكمل الدين لبرقوق: إن في هذا الذي يطلبه جار الله شناعة عظيمة على الحنفية وإنهم يطلبون منك ذلك تحيلاًمنهم على إبطال الزكاة، فنفر برقوق من ذلك وأمر بإبطال ذلك، وقام مع الشافعية الشيخ خلف الطوخي وكان برقوق يحبه ويعتقده، فلما كان في الثاني والعشرين من جمادى الأولى خلع على ابن جماعة واستقر على قاعدته وأن لا يخرج شيء من الأوقاف الحكمية والمودع عن أمره وحصل للعجم من ذلك غم عظيم وشنع العامة عليهم بما ذكره أكمل الدين من قصدهم إبطال الزكاة حتى قال ابن العطار:

أمرت تركنا بمودع حكم

حنفي لأجل منع الزكاة.

رب خذهم فإنهم إن أقاموا

نخش أن يأمروا بترك الصلاة.

وقال في ذلك أيضاً:

ظهر البرهان لما

لعبت عجم بترك.

واستقام الدست حتى

صرف الجار يبكي.

وفيها عزر جمال الدين عبد الرحيم بن الوراق وعزل من نيابة الحكم للحنفية، وذلك أن امرأة أقرت عنده بانقضاء عدتها بسقط مخلق فحكم بذلك، ثم ادعت أنها حامل فكتب لها فرض حمل، فاستفتى عليه فأفتى علماء مذهبه بأن ذلك مخالف لهم فأمر برقوق بعزله وتعزيره.

وفيها أمر برقوق بعزل زين الدين الإسكندري نائب الحكم من الحكم أيضاً أو ذلك بشكوى مأمور الحاجب لبرقوق منه أنه يمنع منه الخصوم، وأمر برقوق بشخص من العامة احتمى عند زين الدين المذكور من مأمور فضرب بالمقارع وجرس.

ص: 194

وفيها أحضر قاضي الحنفية جار الله إبراهيم الحلواني الوعظ فعزره وسجنه ومنعه من الكلام، وذلك أنه كان يوماً في ميعاده يقرأ بالجامع الأزهر فأحضر له شخص يقال له القدسي كتاباً فيه من مناقب الشافعي، فقال له: أمرك القاضي برهان الدين بن جماعة أن تقرأ هذا الكتب على الناس، فقرأه فمر فيه أن شخصاً رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يقرأ هذه الآية:" فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين "، وأشار عند قوله:" هؤلاء " إلى أبي حنيفة وأصحابه وبقية الآية إلى الشافعي وأصحابه، فبلغ ذلك بعض الحنفية فشكوه إلى جار الله، فأحضره وعزره وأحضر القدسي فحلف أن ابن جماعة لم يأمره بشيء من ذلك وإنما اقترح هو ذلك من قبل نفسه وأراد أن تسمع الناس مناقب الشافعي ولم يعرف أن فيها هذه القصة فعزره الحنفي أيضاً وسجنه، ثم سعى الشيخ سراج الدين البلقيني في أمر الحلواني إلى أن اخرج من السجن وأقام في منزله ممنوعاً من قراءة البخاري، ثم سعى هو حتى أذن له في الكلام على عادته، وأعانه برهان الدين بن جماعة.

وفيها سعى كمال الدين سبط صلاح الدين الخروبي في الوزارة وذلك أنه نشأ يجب الكتابة والمباشرة فتكلم مع فقيه الأمير خضر استادار بركة فأحضره خضر عند بركة وقرر أمره وأن يكون كمال الدين وزيراً وزوج خالته ابن السقطي ناظر الدولة وفقيه خضر ناظر الخاص وكراي بن خاص ترك شاد الدواوين وشخص دلال بالوراقين كان يصحبهم مقدم الدولة وضمن للأمير بركة تكفية الدولة ستة أشهر بشرط أن يسلم له خاله

ص: 195

تاج الدين الخروبي وقريبهم ركن الدين الخروبي وغيرهما، وضمن لبركة أن يخلص منهم مائة ألف دينار، فأجابه إلى جميع ذلك، فبلغ ذلك أقاربه فسعوا عليه عند القبط، فوصل الأمر إلى برقوق فأنكر ذلك وطلب المذكور وضرب بحضرته بالمقارع وضرب معه فقيه خضر وجرسا بطراطير، وذلك في أوائل شهر رمضان بمصر والقاهرة، ونودي عليهما جزاء من يتحدث فيما لا يعنيه، وهرب ابن خاص ترك، ثم نفي كمال الدين المذكور إلى قوص فتغرب هناك إلى أن مات.

وفيها ادعى شخص فقير أنه محمد بن عبد الله النبي الأمي فقبض عليه وسجن بالمارستان، وكان سئل عن معجزته فقال: إن أحرف القرآن تنطق لي، وسئل أيضاً فاعترف بنبوة محمد بن عبد الله رسول الله، وأنه أرسل بعده ليقرر شرعه وأنه وعد بالسلطنة والحكم بالعدل، فشهد رؤساء المارستان أن في عقله اختلالاً، فقيد زماناً ثم أطلق، وقد رأيته بعد ذلك بمدة طويلة يستعطي الناس فلا يذكر شيئاً مما تقدم ويتأذى ممن يذكر له ذلك.

وفي جمادى الآخرة عقد مجلس بسبب عز الدين الرازي حين ولي تدريس الحديث بالمنصورية، فقام في ذلك الشيخ برهان الدين الأبناسي والشيخ زين الدين العراقي وغيرهما وقالوا: إن هذا لا يعرف شيئاً من الحديث، فلما حضروا أعطى جزأ من صحيح البخاري ليقرأ فيه بالحاضر فقرأ شيئاً فصحف في مواضع واضحة فافتضح وانفصل الأمر على ذلك، فأراد جمال الدين المحتسب ستر القضية فأخذ التدريس لنفسه من الناظر وخشي الشناعة فأحضر بعض المحدثين إلى منزله وقرأ عليه الحديث، وواظب على سماع الحديث على بعض المشايخ كالآمدي والدجوي فصاروا يحضرون إلى منزله، واستمر تدريس الحديث بيده ثم استقر فيه ولده بعده إلى أن صار إلى كاتبه.

ص: 196

وفيها استنجز بركة مرسوماً من السلطان بالاستيلاء على تركة بن الأنصاري قاضي دمنهور وعلى تركة محمد بن سلام التاجر، فاجتمع به برهان الدين بن جماعة فوعظه وسأله أن يترك ذلك لله تعالى ووعده أن الله تعالى يعوضه خيراً من ذلك فأجاب سؤاله.

وفي أوائل ذي القعدة ادعى على الشيخ زين الدين عمر بن مسلم القرشي الواعظ أنه مجسم وشهد عليه جماعة بكلام قاله يتعلق بالصفات، فرسم عليه جمال الدين المحتسب فقام القاضي برهان الدين بن جماعة في أمره إلى أن أطلق بعد ستة أشهر.

وفيها عكر بركة الميضاة المنسوبة له بمكة المشرفة وأمر بإصلاح بئر زمزم وبإجراء الماء في القناة من عين الأرزق إلى الفساقي في باب المعلاة.

وفيها طب بركة الوزراء المعزولين، فنفي ابن الرويهب إلى طرسوس وابن الغنام إلى القدس، وضرب ابن مكانس بالمقارع وهرب أخوه فخر الدين، ثم شفع يلبغا الناصري في ابن مكانس فأطلق.

وفيها في ذي الحجة حضر جماعة من الرجال والناسء وذكروا أنهم كانوا نصارى فأسلموا ثم اختاروا الرجوع إلى دينهم فأرادوا التقرب إلى ربهم بسفك دمائهم ندماً على ما فعلوا، فعرض عليهم القاضي علم الدين المالكي الرجوع إلى الإسلام فامتنعوا، فأمر بعض نوابه بسفك دمائهم فضربت أعناق الرجال عند اللصالحية وأعناق النساء تحت القلعة في الرميلة.

ص: 197

وفيها جاء رجل جندي إلى الصالحية فنزل عن فرسه وسأل عن القاضي المالكي وقال: أريد أن يطهرني فإني مرتد عن الإسلام، فأمسك وأحضر إلى جمال الدين المحتسب، فضربه وسجنه وسأل الأطباء أن كان مختل العقل أولاً فيقال، إنهم شهدوا أنه مجنون فسجن بالمارستان.

وفيها في أوائل رجب شاع بين الناس أن شخصاً يتكلم من وراء حائط فافتتن الناس به، واستمر ذلك في رجب وشعبان، واعتقدوا أن المتكلم من الجن أو الملائكة، وقال قائلهم: يا رب سلم! الحيطة تتكلم.

وقال ابن العطار:

يا ناطقاً من جدار وهو ليس يرى

أظهر وإلا فهذا الفعل فتان.

لم تسمع الناس للحيطان ألسنة

وإنما قيل للحيطان آذان.

ثم تتبع جمال الدين المحتسب القصة وبحث عن القضية إلى أن وقف على حقيقتها، فتوجه أولاً إلى البيت فسمع الكلام من الجدار فرسم على الجندي جار المكان وضرب غلامه وقرره وأمر بتخريب الدار فخربت، ثم عادوا بعد ذلك وسمعوا الكلام على العادة، فحضر مرة أخرى فأمر من يخاطب المتكلم فقال: هذا الذي تفعله فتنة للناس فإلى متى؟ قال: ما بقي بعد هذا اليوم شيء، فمضى ثم بلغه أنه عاد وقوي الظن وأن القصة مفتعلة، فلم يزل يبحث حتى عرف باطن الأمر وهو أنه وجد شخصاً يقال له الشيخ ركن الدين عمر مع آخر يقال له أحمد الفيشي قد تواطأا على ذلك وصارا يلقنان زوج أحمد الفيشي ما تتكلم به من وراء الحائط من قرعة تصير الصوت مستغرباً لا يشبه صوت الآدميين، فانتهى الأمر إلى برقوق فسمرهم بعد ضرب الرجلين بالمقارع والمرأة تحت رجلها وحصل لكثير من الناس عليهم ألم عظيم، وخلع على جمال الدين خلعة بسبب ذلك، وقيل إن أصل ذلك أن المرأة كانت تغار من زوجها فرتبت مع الشيخ عمر أن يتكلم لها من وراء الحائط من القرعة وينهاه عن أذاها، فنقب الحائط إلى أن لم يصر منه سوى قشرة

ص: 198

وركب القرعة وتكلم من ورائها فقال له في الليل بذلك الصوت المنكر: يا أحمد! اتق الله وعاشر زوجتك بالمعروف فإنها امرأة صالحة وكرر ذلك، فارتاع الرجل وصالحها. فلما طالت المدة وتراضيا أطلعته المرأة على الحيلة فانفتح لهم دكان تحصيل فصار الناس يهرعون إلى بيت أحمد الفيشي ليسمعون الكلام واستقرت المرأة هي التي تتكلم وأعان المحتسب على الاطلاع على أمرهم أن الكلام الذي كان يسمع ليس فيه إخبار عن مغيب ولا عن حادث يأتي. وكان الركن عمر قد أقام بجامع عمرو ثلاثين سنة على قدم جيد والناس يتبركون به ويزورونه، وكانت الواقعة منهم في ثاني رجب وكان أحمد المذكور أحد العدول الجالسين بالقرب من الجامع الأزهر وسكن بالقرب من زاوية ابن عطاء.

وفيها وقع الخلف بين الأمراء الثلاثة فتواطأ برقوق وبركة على أينال اليوسفي فبلغه ذلك فأضمر الشر، فاتفق أن خرج بركة في شعبان إلى البحيرة للصيد على العادة فانقطع أينال في بيته وأظهر أنه ضعيف فسلم عليه برقوق مرة بعد مرة ثم إنه ركب مرة إلى المطعم فبلغ ذلك أينال فركب إلى الإصطبل وذلك يوم الاثنين رابع عشرين شعبان فملك الإصطبل ونهب أصحابه بيت برقوق واستولى على ما في خزائن برقوق وألبس من وجده من مماليك برقوق السلاح ووعدهم بالمال والإقطاعات، وقبض على جركس الخليلي وأمر بضرب الكوسات وطلب أينال من الزمام أن ينزل له السلطان إلى الإصطبل فامتنع فطار إلى برقوق فخاف فقوي أيتمش عزمه وأنزله في إصطبله وألبس مماليكه وركبوا في خدمته وطلعوا من باب الوزير وقصدوا القاعة على حين غفلة من أصحاب أينال لاشتغالهم بالنهب فأحرقوا بابا السرو ودخلوا منه واجتمع معهم من العامة ما لا يحصى، فساعدوهم بالعصى والحجارة لما قاتلهم أصحاب أينال فانكسر الأينالية وأظهر أينال من الشجاعة ما لا مزيد عليه، ووقعت في أينال نشابة من بعض مماليك برقوق فجرح فانهزم إلى بيته مكسوراً، فأرسل برقوق في أثره فأسر وأحضر إليه فقرره ليلاً عمن تواطأ معه من الأمراء فلم يعترف بشيء وحلف له أنه ما كان غرضه إلا الذب عن نفسه

ص: 199