الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ست وسبعين وسبعمائة
فيها طلع النيل على عادته وأوفى في ربيع الأول رابع عشرى مسرى، واستهلت والغلاء قد تزايد جداً إلى أن بلغ الأردب بمائة وعشرة ثم بلغ في شعبان مائة وخمسة وعشرين، وقيمتها بالذهب إذ ذاك خمسة مثاقيل وربع، وبيع إذ ذاك دجاجة واحدة بأربعة دراهم، وصار أكثر الناس لا يقدر إلا على النخالة كل قرص أسود بنصف درهم، وأكل الفقراء السلق والطين، وكادت الدواب أن تعدم لكثرة الموت بها، وأكلوا الميتات، وأمر السلطان بتفرقة الفقراء على الأغنياء، فكان على الأمير المقدم على الألف مائة فقير، وعلى كل أمير بعدد ممالكيه ونحو ذلك، وعلى الدواوين كل واحد بحسبه، وعلى التجار كذلك، ونودي في البلد بأن من سأل في الأسواق صلب، ومن تصدق عليه ضرب.
وفيها عقب الغلاء وزيادة النيل وتكامل الزرع وقع الفناء فتزايد في الفقراء لا سيما لما دخل البرد، وزاد ذلك إلى أن بلغ في اليوم من الحشريين مائتي نفس ومن الطرحاء نحو خمسمائة، ثم بلغوا إلى نحو الألف، وتصدى الأمير ناصر الدين بن آقبغا آص والأمير سودون الشيخوني لدفن الطرحاء من أموالهما. وبلغ ثمن الفروج خمسة وأربعين، والسفرجلة خمسين، والرمانة عشرة، والبطخية سبعين، ثم ارتفع الفناء وتراجع السعر إلى أن بيع القمح في ذي القعدة سعر سبعين وفي آخرها إلى عشرين.
وفيها أعيد ابن الغنام إلى الوزارة في شهر رجب، وسلم له التاج الملكي فصادره إلى ثمانين ألف دينار، ونفاه إلى الشام على حمار، وخرب داره بمصر إلى الأرض.
وفيها صرف كمال الدين المعري من قضاء حلب، وأعيد الفخر الزرعي.
وفيها شغر قضاء الحنفية بموت قاضيه صدر الدين بن التركماني، فطلب الأشرف القاضي شرف الدين بن منصور لذلك من دمشق فحضر فلم يتم له أمر، وعرض السلطان القضاء على الشيخ جلال الدين التباني فامتنع فألح عليه وأحضرت الخلعة فأصر على الامتناع وقال: العجم لا يعرفون أوضاع أهل مصر، فآل الأمر إلى استقرار صدر الدين بن الكشك.
وفي ربيع الأول تحدث السلطان بسفر الحجاز وأمر الأمراء بالتجهيز.
وفي آخر السنة قبض على الوزير ابن الغنام وأبطل من الوزارة، واستقر شرف الدين موسى الأزكشي مشيراً، وسعد الدين بن زيشه ناظر الدولة.
وفيها حضر إلى الطاعة أحمد بن يغمر التركماني أحد الشجعان وكان يقطع الطريق على تجار العراق فطلبه السلطان فهرب، فشدد عليه الطلب فاستشفع بأم سالم الدوكاري التركماني، فحضرت صحبته إلى القاهرة وشفعت فيه عند السلطان فقبلها وأقطعه أقطاعاً بمصر وأمره بالإقامة بها.
وفي رابع عشرين ذي الحجة عزل القاضي برهان الدين بن جماعة نفسه من القضاء بسبب تثقيل بعض الأمراء عليه في أمر بعض الموقعين، فراسله السلطان فامتنع، فأرسل إليه بهادر أمير آخور فخلف عنده بالطلاق أن السلطان حلف بالطلاق أنه إن لم يجب إلى العود نزل إلى بيته وألزمه به، ولم يزل به إلى أن ركب معه إلى القلعة فاجتمع بالسلطان فسأله أن يعود وألح عليه، فكان آخر كلامه الإمهال إلى أن يستخير الله تعالى في الليلة، فلما أصبح طلع إلى القلعة في الخامس والعشرين من ذي الحجة واشترط شروطاً أجابه السلطان إليها، ونزل في أبهة عظيمة إلى الغاية، وازدادت مهابته وتصميمه في الأمور.
وفيها أمطرت بشيرز ثعابين على ما قيل.
وفيها أحضر عيسى بن بانجك وإلى الأشمونين، وكان يسكن عند جامع آل
ملك بالحسينية إلى الأمير منجك بنتاً له عمرها خمس عشرة سنة فذكر أنها لم تزل بنتاً إلى هذه الغاية فانسد الفرج فظهر لها ذكر وانثيان واحتلمت، فشاهدوها وأمر بإلباسها لبس الرجال وسماها محمداً، وأمرها بلزوم خدمته وأقطعها أقطاعاً، وشاهدها جماعة من أصحابنا.
رأيت بخط ابن دقماق: رأيته غير مرة وتكلمت معه، وقصتها شبيهة بالقصة التي ذكرها ابن كثير في أواخر ذيل تاريخه من وقوع نحو ذلك بدمشق، وأنه كدمها بعد أن صار رجلاً، ووجد في كلامها أنوثة ووفور الحياء الذي طبع عليه النساء باق.
قلت: ووقع في عصرنا نظير ذلك في سنة اثنتين وأربعين وثماني مائة.
وفيها بعد موت السلطان أويس صاحب تبريز وبغداد استقر في السلطنة ولده حسين، وكان له حسن وحسين وأحمد وعلي وغيرهم، وأكبرهم حسن فقتله الأمراء خشية من شره، وسلطنوا حسيناً لضعفه، فتشاغل باللهو واللعب، وصار يخطف النساء من الأعراس وغيرها، فقتلوه أيضاً وسلطنوا أحمد، فجاء أخوهم شيخ على منكراً قتل أخيه حسن، فاجتمع لكل جماعة من الأمراء، فوقعت بينهم مقتلة بناحية أربل، فقتل شيخ علي في المعركة.
وفيها وثب شاه شجاع صاحب شيراز بعد موت أويس إلى تبريز، فملكها وأساء السيرة، فراسل أهل تبريز حسين بن أويس، فتجهز إليه في العساكر، فلما بلغ ذلك شاه شجاع تقهقر عن تبريز ودخلها حسن ومن معه بغير قتال.
وفيها فتحت سيس وكانت قد بقيت في يد الأرمن النصارى على يد اشقتمر المارديني
نائب حلب، وكان قد تجهز إليها بعسكر حلب فنازاها شهرين إلى أن قلت عندهم الأقوات، فنصب عليها المجانيق وقدم في القتال التركمان من جميع الأصناف الأرج فيه واليورقية، وكان الذي نصب المنجنيق يقال له: المعلم خليل الغساني، وهو ممن اشتهر بالمعرفة فيه فأبلى فيهم فأحسوا بالبوار، فطلب صاحبها تكفور الأمان وسلم القلعة، فعلت كلمة أهل التوحيد بتلك البقعة بعد دهر طويل، وجهز اشقتمر صاحب سيس وجنده إلى القاهرة، ودقت البشائر بسبب ذلك، ومدح الشعراء اشقتمر فأكثروا فمن ذلك قول أبي بكر بن زين الدين بن الوردي:
يا سيد الأمراء فتحك سيسا
…
سر المسيح وأحزن القسيسا.
وبك الإله أعز دين محمد
…
وأذل قوماً تابعوا إبليسا.
لله درك من مليك حازم
…
ضحك الزمان به وكان عبوساً.
وهي طويلة. وقال جمال الدين سليمان بن داود المصري عم صاحبنا شمس الدين محمد بن الخضر بن داود الموقع.
لقد أذعنت للأخذ سيس وجئتها
…
بيوم خميس بينهم سر إلى الصبح.
سفحت دماء المشركين بسفحها
…
فسالت بسيف الله في ذلك السفح.
وفوض الأشرف نيابة سيس ليعقوب شاه، وهو أول من حكم فيها من ملوك الترك، ثم استقر عوضه في هذه السنة آقبغا عبد الله، واستقر نجم الدين بن الشهيد كاتب السر بها، ثم جعلت مملكة برأسها وسميت الفتوحات الجاهانية وأضيفت إليها طرسوس وأذنة وإياس وغيرها واستقر في إمرتها شرف الدين موسى بن محمد بن شهرى واستقر بها.
وفيها كائنة الشيخ محمد المقارعي، كان عامياً يقول الشعر ويدعى العرفان، ويجتمع إليه العوام فيتكلم بكلمات فظيعة، فثار عليه جماعة من الحنابلة، وادعى عليه عند صدر الدين بن العز قاضي الحنفية بدمشق بأشياء قبيحة تشتمل على الاتحاد والطعن في القرآن والشريعة وإنكار البعث، وشهد عليه ببعضها فسجن، ثم سعى بعض من تعصب له، فنقل إلى القاضي أبي البقاء وجددت عليه الدعوى، فأجاب بأنه أشعري وأن من شهد عليه حنبلي وأنهم تعصبوا عليه، وأحضروا كتاباً زعموا أنه من تأليفه وأنه يشتمل على زندقة، فتأمله القاضي، فذكر أنه ليس فيه شيء من ذلك ورده إلى السجن، ثم أخرج في المحرم من السنة المقبلة وجددت عليه الدعوى وشهد بعض الشهود، ثم آل الأمر إلى أن حقن دمه وأطلق.
وفيها صادف الحاج سيل عظيم بخليص، اتلف شيئاً كثيراً في الذهاب، ثم صادفهم في الرجعة هواء عاصف. وكان الشعير في الطلعة قد غلا جداً حتى بيع الكيل بمائة.
وفيها وقع الغلاء بحلب وأعمالها كنحو ما وقع بمصر.
وفيها كان الطاعون فاشياً بدمشق من رمضان من السنة الماضية، فتزايد في المحرم إلى أن بلغ خمسمائة، ثم تناقص بعد ذلك، ومات فيه جماعة من الأعيان، فذكر الشهاب بن حجى أن يعقوب الدلال بسوق الخيل أخبره أنه رأى الجن عياناً على خيل كالجراد المنتشر