المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة أربع وثمانين وسبعمائة - إنباء الغمر بأبناء العمر - جـ ١

[ابن حجر العسقلاني]

فهرس الكتاب

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة من الأعيان

- ‌سنة أربع وسبعين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة أربع وسبعين وسبعمائة من الأعيان

- ‌سنة خمس وسبعين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة خمس وسبعين وسبعمائة من الأعيان

- ‌سنة ست وسبعين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ست وسبعين وسبعمائة من الأعيان

- ‌سنة سبع وسبعين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة سبع وسبعين وسبعمائة من الاعيان

- ‌سنة ثمان وسبعين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتسنة ثمان وسبعين وسبعمائة من الأعيان

- ‌سنة تسع وسبعين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة تسع وسبعين وسبعمائة من الأعيان

- ‌سنة ثمانين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثمانين وسبعمائة من الأعيان

- ‌سنة إحدى وثماني وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة إحدى وثمانين وسبعمائة

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة من الأعيان

- ‌سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثلاث وثماني وسبعمائة من الأعيان

- ‌سنة أربع وثمانين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة أربع وثمانين وسبعمائة من الأعيان

- ‌سنة خمس وثمانين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة خمس وثمانين وسبعمائة من الأكابر

- ‌سنة ست وثمانين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ست وثمانين وسبعمائة

- ‌سنة سبع وثمانين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة سبع وثمانين وسبعمائة

- ‌سنة ثمان وثمانين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثمان وثمانين وسبعمائة

- ‌سنة تسع وثمانين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة تسع وثمانين وسبعمائة من الأعيان

- ‌سنة تسعين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة تسعين وسبعمائة من الأعيان

- ‌سنة إحدى وتسعين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة إحدى وتسعين وسبعمائة من الأعيان

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة من الأعيان

- ‌سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة

- ‌ذكر بقية الحوادثالكائنة في هذه السنة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة من الأعيان

- ‌سنة أربع وتسعين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة أربع وتسعين وسبعمائة من الأعيان

- ‌سنة خمس وتسعين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة خمس وتسعين وسبعمائة من الأعيان

- ‌سنة ست وتسعين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ست وتسعين وسبعمائة من الأعيان

- ‌سنة سبع وتسعين وسبعمائة

- ‌ذكر من توفىمن الأعيان سنة سبع وتسعين وسبعمائة

- ‌سنة ثمان وتسعين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة ثمان وتسعين وسبعمائة

- ‌سنة تسع وتسعين وسبعمائة

- ‌ذكر من ماتفي سنة تسع وتسعين وسبعمائة من الأعيان

الفصل: ‌سنة أربع وثمانين وسبعمائة

‌سنة أربع وثمانين وسبعمائة

فيها في المحرم وقع الطاعون بدمشق، وتزايد في صفر حتى قارب الثلاثمائة، ثم تناقص، ويقال: جاوز الأربعمائة، ثم تناقص في ربيع الآخر إلى ثمانين.

وفيها في المحرم وقع الغلاء بمصر، وارتفع السعر إلى أن بيع القمح بمائة درهم الأردب، وعدمت الأقوات، ثم فرج الله تعالى عن قرب، ودخل الشعير الجديد وانحط القمح إلى أربعين.

وفي المحرم استقر كمشبغا الحموي في إمرته.

وفيها لما كثر الغلاء أمر برقوق الحكام أن لا يحبس أحد على دين لأجل الغلاء وأفرج عن المحابيس.

وفيها رضي برقوق على بيدمر ورده إلى نيابة الشام وذلك في صفر، وهي المرة السادسة، وكان الذي أجضره من الإسكندرية بكلمش العلائي فوصل في الحادي والعشرين من المحرم فخلع عليه بنيابة الشام.

وأرسل اشقتمر النائب الذي كان قبله إلى دمشق بطالاً. ودخل بيدمر الشام في شهر ربيع الأول فاحتفل به أهل الشام وفرحوا بولايته جداً، وكان يوم دخوله يوماً مشهوداً وجاوزوا الحد في ذلك.

وفيها شرع جركس الخليلي في عمل جسر بين الروضة ومصر كان طوله مائتي قصبة في عرض عشرة، وحفر في وسط البحر خليجاً إلى فم الخليج الناصري عنده موردة الجيش وكان غرضه بذلك أن يستمر النيل في جهة بر مصر فلم يتم مراده، بل كان ذلك أعظم الأسباب في عكس ما قصده وانطرد النيل عن بر مصر حيث كان ينشف نصفه فنشف كله إلى قرب المقياس. ثم بعد عشرين سنة حفر النيل بغير سعي أحد وصار يلبث قليلاً قليلاً إلى هذه

ص: 253

الغاية، ولم يلزم الخليلي أحداً من الناس فيما انفقه على هذا الجسر بغرامة درهم فما فوقه، فأنشد ابن العطار في ذلك:

شكت النيل ارضه

للخليلي فأحضره.

ورأى الماء خائفاً

أن يطأها فجسره.

وفيها عمل الخليلي على النيل طاحوناً تدور في الماء فاستأجرها منه بعض الطحانين فحصل منها مالاً عظيماً لكثرة من كان يأتي إليه برسم الفرجة.

وفيها في ثالث المحرم استقر سودون الشيخوني حاجب الحجاب، وأعطى إمرة تغرى برمش وأرسل تغرى برمش إلى القدس بطالاً، واستقر أيدكار حاجب الميسرة.

وفيها حضر الشيخ علي الروبي من الفيوم إلى مصر، وحصل للناس فيه محبة زائدة واعتقاد مفرط، وسارعوا إلى الاجتماع به وهو في الجيزة.

وفيها امتنع القاضي برهان الدين بن جماعة من الحكم، وذلك في صفر، والسبب فيه أن تجراً مات وخلف ملاً كثيراً فثبت عند القاضي برهان الدين أن له ورثة، فمنع أهل المواريث من التعرض للمال فغضب برقوق من ذلك وراسله في تسليم المال، فصمم وبلغه أن برقوق طلب من يوليه القضاء، فذكر له الشيخ برهان الدين الأبناسي، فاختفى، فوقف البرهان عن الحكم بين الناس، وسعى بدر الدين بن أبي البقاء في العود إلى المنصب وبذل مالاً، وأن لا يتعرض للتركة المذكورة فأجيب واستقر في سلخ صفر وتوجه برهان الدين بن جماعة إلى القدس في ثالث عشر ربيع الأول. وقرر ابن أبي البقاء في أمانة الحكم بالقاهرة شهاب الدين الزركشي مضافاً إلى أمانة الحكم بمصر وقرر في نظر

ص: 254

الأوقاف بمصر شمس الدين بن الوحيد عوضاً عن زين الدين الزواوي، وفي نظر الأوقاف بالقاهرة جمال الدين العجمي عوضاً عن تقي الدين الأسنائي.

وقرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري وأجازنيه: في أول سنة أربع وثمانين سأل برقوق من يختص به أن يطلب له رجلاً جيداً يوليه قضاء الشافعية فذكر له جماعة منهم الشيخ برهان الدين الأبناسي، فطلبه مع موقعه أوحد الدين وعرفه القصة فواعده على أن يجيء إليه ويتوجه معه إلى الإصطبل، فهرب واختفى، فأقام على ذلك أياماً وابن جماعة لا يعرف بشيء من ذلك بل يظن أن ذلك لأمر آخر، فلما أيسوا منه طلب القاضي بدر الدين بن أبي البقاء فأعيد إلى القضاء في يوم الخميس تاسع عشرين صفر، واستمر معه تدريس الشافعي، وتوجه ابن جماعة إلى القدس انتهى.

ويقال: إن برقوق كان يعرف قوة نفس برهان الدين بن جماعة فخشي أن لا يوافقه إذا رام أن يتسلطن ويعارضه فلا ينتظم امره، فعمل على عزله وتولية من لا يخالفه لكونه هو الذي أنشأ ولايته، وكان الشيخ برهان الدين الأبناسي يقول إنه لما واعد أوحد الدين ودخل إلى منزله ففتح المصحف فخرج:" قال رب السجن أحب لي مما يدعونني إليه ". فأطبقه وتغيب.

وفيها صرف همام الدين ابن الشيخ الاتقاني من قضاء الحنفية بدمشق، وأعيد نجم الدين بن الكشك، وكان وصل الخبر بعزله وولاية النجم فامتنع النواب من الحكم، فأنكر عليهم الهمام واستمر يحكم حتى قدم النجم فتوجه الهمام إلى النائب، وكان غائباً عن البلد ثم رجع معزولاً. وكان الهمام من عجائب الدهر في الجهل والخبط وقلة الدين.

وفيها استقر تقي الدين الزبيري في نيابة الحكم بالقاهرة، وقد تولى القضاء استقلالاً بعد ذلك.

ص: 255

وفيها انكسر الجسر من جهة المنشية عند المريس فنزل الماء إلى البركة التي هناك، ففاضت على الميدان، فلم يركب السلطان تلك السنة إلا ميدانين خاصة.

وفيها حضر رسل صاحب إشبيلية من عند ملك الكيتلان يسألون السلطان الشفاعة في صاحب سيس، فأرسله إليهم مكرماً.

وفيها حضر رسول سيس ومعه كتاب يخبر فيه بأن الأرمن الذين هناك مات كبيرهم فأمروا عليهم زوجته فحكمت فيهم مدة ثم عزلت نفسها فاتفق رأيهم على أن يفوضوا أمرهم لصاحب مصر فيختار لهم من يوليه عليهم، فانتقى لهم برقوق واحداً من الأرمن الأسارى الذين يسكنون بالكوم ظاهر القاهرة ويبيعون الخمور، فأخذوه معهم فملكوه عليهم.

وفيها في ربيع الآخر ولي بدر الدين محمد بن أحمد بن مزهر كتابة السر بدمشق عوضاً عن فتح الدين بن الشهيد، وهرب ابن الشهيد بعد أن طلب، فأمسك ولده تاج الدين ورسم عليه، ثم ظهر لما ولي بيدمر فقرر عليه مال ورسم عليه بالعذراوية ثم بالدماغية، ثم أطلق وهرب ابن منهال الذي استقر كاتب لكونه ألزم بوزن ما التزم به من المال فلم يقدر على ذلك فاستقر عوضه ابن مزهر.

وفيها ولي القضاء بالقدس خير الدين الحنفي، وهو أول حنفي قضى به.

وولي القضاء بغزة موفق الدين رسول الحنفي، وهو أول حنفي قضى بها، وهذان من طلبه الحنفية بالشيخونية، وكان الثاني أولاً ينوب عن الهمام الاتقاني بدمشق.

ص: 256

وفي رمضان من هذه السنة خلع الملك الصالح حاجي من السلطنة، وكانت مدة مملكته سنة ونصفاً ونصف شهر وبويع برقوق بالسلطنة ولقب الملك الظاهر وكني أبا سعيد، ولم تنتطح في ذلك عنزان وكان يعمل في تدبير المملكة من بعد مسك بركة إلى أن أفنى المماليك الأشرفية نفياً وقتلاً، وقرب الجراكسة وأبعد الترك. ثم طلب القضاة والعلماء والأمراء واستشارهم في أمر المملكة وأن الأمور اضطربت لصغر سن السلطان وطمع المفسدون في الأمر، فاجمعوا على طاعته وبايعوه، وذلك يوم الأربعاء تاسع عشر شهر رمضان، وخطب له بالجامع يوم الجمعة حادي عشرة، وتوجه البريد إلى البلاد فبويع له بدمشق في يوم الخميس سابع عشريه، وخطب له يوم الجمعة ثامن عشريه، واستقر أيتمش أتابك العساكر، والجوباني أمير مجلس، وجركس الخليلي أمير آخور وسودون الشيخوني نائب السلطنة، وقزدمر الحسني رأس نوبة ويونس في الدويدارية.

وفي يوم سلطنته انحط سعر القمح فاستبشر الناس بذلك. وأدخل الملك الصالح داخل الدور وقرأ تقليد الظاهر يوم الاثنين رابع عشريه.

وفي ربيع الأول هرب ابن مكانس الوزير من الترسيم، فبلغ برقوق فغضب على شاد الدواوين بهادر الأعسر وحبسه بخزانة شمائل ثم شفع فيه فأطلق، وبالغ في أذية أخوة ابن مكانس وأقاربه، وبسط عليهم العذاب وضربوا بالمقارع وهجموا على حريمهم وهجموا على بيوت معارفهم، واستقصوا في التفتيش عليه من الكنائس والديور فلم يقعوا به.

وفي شعبان أراد جماعة من مماليك برقوق ومماليك أولاد السلاطين الفتك ببرقوق، وأنذره

ص: 257

الشيخ الصفوي وهو يكبسه، فقعد، فدخل أحدهم، فوثب برقوق فضربه ضربة انقلب، ثم نزل إلى باب الإصطبل وطلب الأمراء وتتبع الذين أرادوا الفتك به، فسجن منهم ونفي، وغضب على الأبغا العثماني لأنه بلغه أنه اطلع على القضية وأخفاها عنه، فنفاه إلى طرابلس، وأعطى إمرته لشخص من أقاربه قدم عليه من الجراكسة وهو قجماس.

وفي ربيع الآخر منها جهزت التجريدة إلى الفيوم بسبب صد عرب البحيرة عن الدخول إلى الصعيد، فتجهز خمسة أمراء من المقدمين ومن تبعهم، فتوجهوا إلى أن تحققوا أن العرب توجهوا إلى جهة برقة، فرجعوا في جمادى الأولى.

وفيها كائنة الشيخ صدر الدين على ابن العز الحنفي بدمشق، وأولها أن الأديب علي بن أيبك الصفدي عمل قصيدة لامية على وزن بانت سعاد وعرضها على الأدباء والعلماء فقرظوها ومنهم صدر الدين علي بن علاء الدين بن العز الحنفي، ثم انتقد فيها أشياء فوقف عليها علة ابن أيبك المذكور فساءه ذلك ودار بالورقة على بعض العلماء فأنكر غالب من وقف عليها ذلك وشاع الأمر فالتمس ابن أيبك من ابن العز أن يعطيه شيئا ويعيد إليه الورقة فامتنع، فدار على المخالفين وألبهم عليه، وشاع الأمر إلى أن انتهى إلى مصر، فقام فيه بعض المتعصبين إلى أن انتهت القضية للسلطان فكتب مرسوماً طويلاً، منه: بلغنا أن علي بن أيبك مدح النبي صلى الله عليه وسلم بقصيدة وأن علي بن العز اعترض عليه وأنكر أموراً منها التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم والقدح في عصمته وغير ذلك وأن العلماء بالديار المصرية خصوصاً أهل مذهبه من الحنفية أنكروا ذلك، فتقدم بطلبه وطلب القضاة والعلماء من أهل المذاهب ونعمل معه ما يقتضيه الشرع من تعزير وغيره، وفي المرسوم أيضاً بلغنا أن جماعة بدمشق ينتحلون مذهب ابن حزم وداود ويدعون إليه، منهم القرشي

ص: 258

وابن الجائي والحسباني والناسوفي، فتقدم بطلبهم فإن ثبت عليهم منه شيء عمل بمقتضاه من ضرب ونفي وقطع معلوم، ويقرر في وظائفهم غيرهم من أهل السنة والجماعة وفيه وبلغنا أن جماعة من الشافعية والحنابلة والمالكية يظهرون البدع ومذهب ابن تيمية فذكر نحو ما تقدم في الظامرية، فطلب النائب القضاة وغيرهم فحضر أول مرة القضاة ونوابهم وبعض المفتين فقرأ عليه المرسوم، وأحضر خط ابن العز فوجد فيه قوله: حسبي الله، هذا لا يقال إلا لله، وقوله: اشفع لي، قال: لا يطلب منه الشفاعة، ومنها: توسلت بك، قال: لا يتوسل به، وقوله: المعصوم من الزلل، قال: إلا من زلة العتاب، وقوله: يا خير خلق الله، الراجع تفضيل الملائكة، إلى غير ذلك فسئل فاعترف ثم قال: رجعت عن ذلك وأنا الآن أعتقد غير ما قلت أولاً: فكتب ما قال وانفصل المجلس، ثم طلب بقية العلماء فحضروا المجلس الثاني وحضر القضاة أيضاً، وممن حضر: القاضي شمس الدين الصرخدي، والقاضي شرف الدين الشريشي، والقاضي شهاب الدين الزهري، وجمع كثير، فأعيد الكلام فقال بعضهم: يعزر، وقال بعضهم: ما وقع معه من الكلام أولاً كاف في تعزير مثله، وقال القاضي الحنبلي: هذا كاف عندي في تعزير مثله، وانفصلوا ثم طلبوا ثالثاً وطلب من تأخر وكتب أسماؤهم في ورقة، فحضر القاضي الشافعي، وحضر ممن لم يحضر أولاً: أمين الدين الأتقى، وبرهان الدين بن الصنهاجي، وشمس الدين بن عبيد الحنبلي وجماعة، ودار الكلام أيضاً بينهم، ثم انفصلوا ثم طلبوا، وشدد الأمر على من تأخر فحضروا أيضاً وممن حضر: سعد الدين النووي، وجمال الدين الكردي، وشرف الدين الغزي، وزين الدين بن رجب، وتقي الدين بن مفلح، وأخوه، وشهاب الدين بن حجي، فتواردوا على الإنكار على ابن العز في أكثر ما قاله ثم سئلوا عن قضية الذين نسبوا إلى الظاهر وإلى ابن تيمية فأجابوا كلهم أنهم لا يعلمون في المسمين من جهة الاعتقاد إلا خيراً، وتوقف ابن مفلح في بعضهم، ثم حضروا خامس مرة واتفق رأيهم على أنه لا بد من تعزير ابن العز إلا الحنبلي،

ص: 259

فسئل ابن العز عما أراد بما كتب؟ فقال: ما أردت إلا تعظيم جناب النبي صلى الله عليه وسلم وامتثال أمره أن لا يعطى فوق حقه، فأفتى القاضي شهاب الدين الزهري بأن ذلك كاف في قبول قوله وإن أساء في التعبير، وكتب خطه بذلك، وأفتى ابن الشريشي وغيره بتعزيره، فحكم القاضي الشافعي بحبسه فحبس بالعذراوية، ثم نقل إلى القلعة، ثم حكم برفع ما سوى الحبس من التعزيرات، ونفذه بقية القضاة، ثم كتبت نسخة بصورة ما وقع وأخذ فيها خطوط القضاة والعلماء وأرسلت مع البريد إلى مصر، فجاء المرسوم في ذي الحجة بإخراج وظائف ابن العز، فأخذ تدريس العزية البرانية شرف الدين الهروي، والجوهرية على القليب الأكبر: واستمر ابن العز في الاعتقال إلى شهر ربيع الأول من السنة المقبلة. وأحدث من يومئذ عقب صلاة الصبح التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، أمر القاضي الشافعي بذلك المؤذنين ففعلوه.

وفي الرابع من ذي القعدة طلب ابن الزهري شمس الدين محمد بن خليل الحريري المنصفي فعزره بسبب فتواه بمسألة الطلاق على رأي ابن تيمية وبسبب قوله: الله في السماء، وكان الذي شكاه القرشي فضربه بالدرة وأمر بتطويفه على أبواب دور القضاة، ثم اعتذر ابن الزهري بعد ذلك وقال: ما ظننته إلا من العوام لأنهم أنهوا إلى أن فلاناً الحريري قال كيت وكيت، حكى ذلك ابن حجي، وهذا العذر دال على أنه تهور في أمره ولم يثبت فلله الأمر.

ومن اطرف ما يحكي عن المنصفي أن بعض الناس اغتم له مما جرى فقال: ما أسفي إلا على أخذهم خطي بأني أشعري فيراه عيسى بن مريم إذا نزل.

وفيها كان الحاج بمكة كثيراً بحيث مات من الزحام بباب السلام أربعون نفساً أخبر الشيخ ناصر الدين بن عشائر أنه شاهد منهم سبعة عشر نفساً موتى بعد أن ارتفع الزحام

ص: 260

وان شيوخ مكة ذكروا أنهم لم يروا الحاج أكثر منهم في تلك السنة، وكانت الوقفة يوم الجمعة بلا ارتياب عندهم، ولكن وقع للشيخ زين الدين القرشي أنه قيل عنه انه ضحى يوم الجمعة لأجل شهادة من شهد برؤية هلال ذي الحجة ليلة الأربعاء فلم يصم يوم الخميس وضحى يوم الجمعة، وشاع عنه أنه أمر بذلك فبلغ القضاة فشق عليهم ورفعوا أمره للنائب فطلبه النائب فتغيب ثم حضر واخبر بأنه لم يضح واعترف بأنه لم يصم احتياطاً للعبادة واستدل بأشياء تدل على قوة ما ذهب إليه وخالفه جماعة في ذلك وانفصل الحال، وكان استجار بالأمير تمرباي فأرسل إلى القضاة فكفوا عنه، ثم أحضر النقل من مصنف ابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي أنهم كانوا يرون صوم يوم عرفة إلا أن يتخوفوا أن يكون يوم النحر وأنه أفطر لذلك الأمر وذكر لهم أن ابن تيمية نقل الإجماع أنه لا يعتبر بذلك الشك وأن هذا الأثر يرد عليه فعورض بأن الأخذ بالأثر المذكور يخالف مذهب الشافعي لعدم قوله بصوم يوم الشك من رمضان ولم يلتفتوا إلى الاحتياط المذكور.

وفي شعبان انتهت زيادة النيل إلى إصبع من أحد وعشرين ذراعاً.

وفي رمضان استعفى طشتمر الدويدار من نيابة صفد فأعفى وتحول إلى القدس بطالاً.

وفيها استقر محمود شاد الدواوين وكان قبل ذلك استادار سودون باق.

وفيها حججت مع زكي الدين الخروبي، وكانت وقفة الجمعة وجاورنا، فصليت بالناس في السنة التي تليها، وقد كنت ختمت من أول السنة الماضية واشتغلت بالإعادة في هذه السنة فشغلنا أمر الحج إلى أن قدر ذلك بمكة، وكانت فيه الخيرة.

وفي تاسع شوال صرف بدر الدين بن فضل الله من كتابة السر بمصر، واستقر أوحد الدين عوضه فيها، وكان أوحد الدين موقع برقوق وله به معرفة قديمة فجازاه.

ص: 261

وفيه قدم الشيخ أبو زيد بن خلدون من المغرب فأكرمه السلطان.

وفي ذي القعدة أسلم أبو الفرج الأسعد كاتب الحوائج خاناة فسماه السلطان: موفق الدين، وولاه نظر ديوان أولاده، وتقدم واشتهر ذكره.

وفيها وقع بين الشيخ سراج الدين البلقيني والشيخ بدر الدين بن الصاحب في الخشابية بجامع مصر بحث ألزمه فيه البلقيني بالكفر، فجرى بينهما كلام كثير وتولد منه شر كبير، فقام على ابن الصاحب جماعة وادعوا عليه عند المالكي، فسعى له آخرون عند اكمل الدين، حتى نقل القضية إلى القاضي الشافعي، وأقام مدة في الترسيم حتى حكم بحقن دمه، واستمر في وظائفه وعاش بعدها مدة. فحدثني بعض من سمع الشيخ سراج الدين يجهر بصوته بين القصرين وابن الصاحب مع الرسل الموكلين به سائراً مع البلقيني وهو يقول: يا معشر المسليمن! هذا كفر، فيقول ابن الصاحب: يا معشر المسلمين! هذا رأى الشيخ ذلك عدل إلى قوله: يا معشر المسلمين! هذا قال: غن نبيكم مت هو مدفون بالمدينة، وكان البحث بينهما في شيء من ذلك، وتعصب له جماعة منهم الفاضل محمد النحاس المصري فقال فيه:

لبدر الدين بين الناس فضل

فمذهبه الصحيح بلا اعوجاج.

فأشرق في سماء العلم بدرا

فأطفأ نوره نور السراج.

وفي ذي القعدة توجه السلطان إلى بولاق التكرور فاجتاز من الصليبة وقناطر السباع وفم الخور، وكان عادة السلاطين قبله من زمن الناصر لا يظهرون إلا في الأحيان ولا يركبون إلا من طريق الجزيرة الوسطانية، ثم تكرر ذلك منه وشق القاهرة مراراً، وجرى على ما ألف في زمن الإمرة. وأبطل كثيراً من رسوم السلطنة، وأخذ من بعده بطريقته في ذلك إلى أن لم يبق من رسمها في زماننا إلا اليسير جداً.

وفيه استسلم الظاهر أبا الفرج الذي استوزره بعد ذلك، وكان كاتب الحوائج خاناة

ص: 262