الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة خمس وتسعين وسبعمائة
في ثامن المحرم استقر صدر الدين المناوي في قضاء الشافعية عوضاً عن القاضي عماد الدين الكركي، وكان عزل في سادس عشرين ذي الحجة.
وفي التاسع منه أعيد موفق الدين إلى الوزراة وصرف تاج الدين ابن أبي شاكر.
وفيها استقر قلمطاي دويداراً عوضاً عن أبي يزيد بحكم انتقاله إلى نيابة دمشق ومات أبو يزيد فيها.
وفيها هجم جنتمر أمير الركب الشامي على بعض أهل المدينة من الجند الأشراف بسبب صقر يصطاد به فدافعوه عنه فوقع الشر وقتل منهم اثنان فركب ثابت بن نعير فسكن الفتنة.
وفيها عاث تمرلنك بالعراق وخرب بغداد وتبريز وشيراز وغيرها كما سيأتي، واتصل شرر فتنته إلى الشام ووصل خبر ضرره إلى مصر، فارتاع لما يحكى عنه كل قلب، فكان مسيره إلى السلطانية فنازل السلطانية فقتل صاحبها، ثم قصد تبريز فدخلها عنوة ونهبها كعادته، وأرسل إلى جميع البلاد نواباً من قبله، ثم طلب بغداد، وذلك في أواخر شوال فنازلها في ذي القعدة، فلم يلبث صاحبها أحمد أن أخذ حريمه وخزائنه وهرب، فبلغ ذلك تمر فأرسل ابنه مرزا في طلبه فأدركه، فلما كاد أن يقبض عليه رمى بنفسه في الماء، فسبح إلى الجهة الأخرى فسلم هو ومن
معه، واحتيط بأهله وخزائنه، وهجم تمر على بغداد فملكها قهراً، ثم شن الغارات على بلاد بغداد وما حولها وما داناها، ثم تمادوا إلى البصرة والكركر والحلة وغيرها، وأوسعوا القتل والفتك والسبي والأسر والنهب والتعذيب، وفر من نجا من أهل بغداد، فوصل الشيخ غياث الدين العاقولي إلى حصن كيفا هارباً فأكرمه صاحبها، ثم سار عسكر تمر إلى إربل فحاصروها فأطاعه صاحبها، ثم صاروا إلى تكريت، فعصت عليهم فنازلها فصبر لهم أهلها فراسلوا تمرلنك بذلك فأمدهم بأمير شاه ملك وأردفه بخواجا مسعود صاحب خراسان وأقام هو ببغداد إلى آخر السنة، وكان دخول اللنك بغداد في شوال، ثم توجه نحو الشمال فوصل إلى ديار بكر، وعصت عليه قلعة تكريت فحاصرها من ذي الحجة إلى أن أخذها بالأمان في صفر سنة ست وتسعين.
وفيها مات كمشبغا الأشرفي نائب الشام فاستقر عوضه تاني بك الحسني.
وفي أول هذه السنة عصى نعير على السلطان لكونه أجار منطاش لما استجار به فاجتمع عليهما من العرب والتركمان عسكر كثير فقصدوا سلمية، فخرج إليهم محمد بن قارا التركماني فقتل منهم جماعة، وجرح منطاش وسقط وهو لا يعرف، لأنه كان حلق شواربه فأردفه ابن نعير خلفه وانهزموا، ثم طرق منطاش ونعير حماة فنهبوها، فبلغ ذلك نائب حلب وكان قد استقر آقبغا الصغير فكبس على بيوت العرب وسبى نساءهم وساق أموالهم وأكمن لهم في بيوتهم الكمناء، فلما بلغهم سبي نسائهم رجعوا على وجوههم إلى بيوتهم فخرج عليهم الكمناء فقتلوهم وأسروا خلقاً كثيراً وانهزم الباقون،
فلما رأى أولاد نعير ذلك جنحوا إلى طاعة السلطان وملوا من الحرب وكرهوا منطاشاً لما فيه من الهوج فراسلوا السلطان في طلب الأمان والتزموا له بمسك منطاش فأكرم رسلهم، فلما بلغ ذلك أباهم أذعن للطاعة وراسل نائب حلب ليسلم له منطاش، فلما تحقق منطاش ذلك ضرب نفسه ليقتلها فلم تمت، وتسلمه قصاد نائب حلب، ثم تسلمه نائب القلعة، ثم أرسل السلطان فأمر بقتله وحمل رأسه فحملت بعد أن طيف بها جميع البلاد الشامية التي يقع المرور عليها، فلما وصلت إلى القاهرة طاف بها الوالي ابن الطبلاوي على قناة ثم علقها على باب زويلة ثلاثة أيام، ثم دفنت وأرسل السلطان إلى نعير بالخلع وبتحليفه على الطاعة.
وفي شعبان وصل عامر بن ظالم بن حيار بن مهنا ابن أخي نعير مغاضباً لعمه، فأكرمه السلطان، ثم قدم أبو بكر وعمر ولدا نعير مفارقين لأبيهما فأكرما بدمشق.
وفي شوال أمطرت السماء مطراً غزيراً حتى خاض الناس في المياه، وذلك في أول يوم من توت والشمس في برج السنبلة.
وفيها حضر رسل صاحب دهلك ومعه فيل وزرافة وغير ذلك هدية.
وفي شعبان وصل رسل تمرلنك إلى الظاهر يظهر له الوداد والكتب على لسان طقتمش خان سلطان الدشت.
وفيها هرب أحمد بن أويس من بغداد، وذلك لأنه كان شديد العسف بالرعية والأمراء، فلما قصده تمرلنك كان إذا أرسل أحداً من الأمراء بكشف خبره يعيد إليه جوابا غير شاف،
فعميت عليه الأخبار إلى أن دهمه فلم يكن له به طاقة فخرج من أحد أبواب البلد، وفتح أهل البلد الباب الآخر لتمرلنك، فأرسل في طلب أحمد ففات الطلب ودخل الشام، وكان تمرلنك قد غلب قبل ذلك على تبريز وكاتب أحمد أن يذعن له بالطاعة ويخطب باسمه، فأجاب لذلك لعلمه بأن لا طاقة له بمحاربته، فكاتب أهل بغداد تمرلنك في الوصول إليهم فوصل، وكان أحمد أرسل الشيخ نور الدين الخراساني إلى تمر فأكرمه، وقال أنا أتركها لأجلك ورحل، فكتب الشيخ نور الدين الخراساني إلى أحمد يبشره بذلك، وسار تمر من ناحية أخرى فلم يشعر أحمد وهو مطمئن إلا وتمر قد نزل بغداد في الجانب الغربي فأمر أحمد بقطع الجسر ورحل وهرب أحمد لكن لم يعامل تمرلنك البغداديين بما قصدوه، فإنه سطا عليهم واستصفى أموالهم وهتك عسكره حريمهم، وخلا عنها كثير من أهلها وأرسل عسكراً في أثر ابن أويس فأدركه بالحلة فنهبوا ما معه وسبوا حريمه وهرب هو ووضع السيف في أهل الحلة ليلاً ونهبوها وأضرم فيها النار، ولما وصل أحمد في هربه إلى الرحبة أكرمه نعير وأنزله في بيوته ثم تحول إلى حلب فنزل الميدان وأكرمه نائبها وطالع السلطان بخبره، فأذن له في دخوله القاهرة.
وفي ذي القعدة رجع حسن الكجكني من بلاد الروم من عند أبي يزيد بن عثمان بعد أن أصلح بينه وبين ابن قرمان بأمر السلطان ووصل صحبته بهدايا ابن عثمان مع رسله فأكرمهم السلطان وأرسل صحبتهم بسؤالهم محمد بن محمد الصغير الطبيب وجهز صحبته كثيراً من العقاقير وغيرها، ثم جهز اللنك ولده بعسكر حافل إلى صالح ابن جيلان صاحب البصرة والبحرين فقاتلوه فهزمهم وأسر ولد تمرلنك
وخرج في إحضاره عز الدين ازدمر وجهز السلطان إليه ثلاثمائة ألف درهم فضة برسم النفقة فبعث إليه عسكراً آخر فظفر بهم.
وفيها كانت وقعة عظيمة للفرنج بنستروه، طرقوها في رمضان في أربعة غربان فنهبوها وقتلوا النساء والأطفال وأقاموا بها ثلاثة أيام.
وفيها كانت وقعة عظيمة بالمدينة بين جماز بن شيحة الذي كان أمير المدينة النبوية وبين ثابت بن نعير المستقر فيها، وقتل بينهم خلق كثير.
وفيها في شوال كانت محنة القاضي ناصر الدين ابن الميلق، فقرأت بخط قاضي القضاة تقي الدين الزبيري وأجازنيه قال: لما كان ابن الميلق قاضياً طلب أمين الحكم وقت الصرّ إلى الحجاز وكان من بالقاهرة من أهل الحجاز شكوه للقاضي وقالوا إنه يقول إنه ما يصرّ إلا بحكم النصف، فأنكر عليه القاضي وقال تعمل هذا في أيامي وألزمه بتكملة الصرّ ولم يكن عنده ما يكمل به الصرّ لتأخر حضور مال الوقف من الشام، وكان منطاش ختم على مودعي الحكم بالقاهرة والحسينينة وصار يحط على القاضي لامتناعه من إقراضه مال المودع فحضر بدر الدين القلقشندي أمين الحكم وأخوه جمال الدين موقع الحكم وذكرا للقاضي أنه حضر من وقف البرج والغازية قدر أربعين ألفاً من جهة علم دار وهي في جهة شخص هو زوج ابنة تمنتمر ناظر المارستان وأنهم لم يجتمعوا به والمبلغ حاضر معه لا غيبة له وسألوه أن يقترضوا الأربعين من مودع مصر وكان لم يختم ليكمل بذلك الصر ويعيدوها إذا قبضوها من القاصد فأذن لهم فكتبوا قصة سألوا فيها أن تنقل أربعين ألفاً
من مودع مصر إلى مودع القاهرة فكتب لهم بالنقل على الوجه الشرعي فقبضوه وصرّره وطالبوا القاصد فمطلهم وخرج منطاش والعسكر وذاك متجوه عليهم بتمنتمر إلى أن انفصل ابن الميلق ولما استقر عماد الدين الكركي أوفوا من المبلغ عشرة آلاف، فلما أن ولى المنادي ذكروا له ذلك فأمر أمين الحكم بمصر وهو شهاب الدين البيدقي أن يرفع الأمر إلى السلطان فقدم قصة قرئت فأمر بإحضار ابن الميلق فحضر فأوقفه ثم عقد له مجلس وهو واقف فألزموه بغرامتها فخرج فباع من وظائفه وأملاكه واقترض إلى أن وفاها " وعند الله تجتمع الخصوم " انتهى ما نقلته، وبلغني أنه في أول حضوره المجلس على تلك الصورة أنه خرّ مغشياً عليه فما أفاق حتى رشوا عليه الماء، ومع ذلك لم يرحمه أحد ممن حضر ولم ينصفه أحد من هذه المظلمة ولعل ذلك يكون كفارة له وتوجع لابن الميلق بسبب ذلك جماعة كانوا يكرهون المناوي لبأو كان فيه فبسطوا ألسنتهم فيه وذموه بكل وجه فلم ينزعج لهم وصار ينتقم منهم واحداً بعد واحد ولله الأمر.
وفي ذي الحجة شكا بعض التجار لنائب الكرك نوف القشتمري أن جماعة من العشير أخذوا لهم مالاً من الغنم وغيرها فركب وتحدث معهم وسألهم أن يعيدوا ما أخذوا فأخذوا البعض فطلب البقية فذكروا أنهم لم يأخذوا إلا ذلك، فجمع مشايخهم ليحلفهم فاجتمعوا فقبض عليهم فغضب الباقون فوقعوا فيه فقتلوه وكان في ناس قلائل.
وفي ربيع الآخر حصل سيل عظيم بحلب فساق جملة كثيرة من الوحوش والأفاعي فوجد فيها ثعبان عظيم يسع فمه ابن آدم إذا ابتلعه وكان طوله نحو سبعة أذرع أو أكثر.
وفيه وقع الفناء بالإسكندرية فيقال مات في مدة يسيرة عشرة آلاف.
وفيها استقر الشيخ سيف الدين السيرامي في تدريس الفقه والمشيخة بالشيخونة عوضاً عن جمال الدين محمود لاشتغاله بوظيفة نظر الجيش، وأذن له السلطان أن يستنيب عنه من يحضر وقت العصر في الظاهرية ويحضر هو بالشيخونية ويدرس بالمكانين ولم يتفق ذلك لغيره.
وفيها استقر أبو يزيد الدويدار في نظر جامع ابن طولون انتزعه من القاضي المناوي، فلما مات استعاده المناوي ولبس لأجله خلعة.
وفيها كان الطاعون الشديد بحلب فقرأت في تاريخها للقاضي علاء الدين: بلغت عدة الموتى كل يوم خمسمائة نفس وأكثر، ثم تناقص في أواخر السنة، قال: ومات فيه جمع من الأعيان ولكن كان غالبه في الصغار.
وفي هذه السنة أكملت مدرسة أينال اليوسفي خارج باب زويلة، ونقل إليها فدفن بها.
وفي تاسع عشرين ذي الحجة نودي بأمر السلطان في الناس بمصر والقاهرة أن يتجهزوا إلى القتال لتمرلنك وطرده عن بلاد الإسلام فإنه قتل العباد وأخرب البلاد وهتك الحريم وقتل