الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة إحدى وتسعين وسبعمائة
في المحرم حضرت رسل على باي بن قرمان صاحب قونية وغيرها من بلاد الروم ومعهم هدية فقبلت وأكرموا.
وفي عاشوراء مطرت السماء على الحجاج مطراً عظيماً واشتد البرد جداً في حال رجوعهم.
وفي تاسع عشر من المحرم حضر رسل صاحب جنوة ومعهم خواجا على أخو عثمان الذي كان الفرنج نهبوا مركبه وأسروا منه أخت قجماس بنت عم السلطان، فأعادوا المركب بما فيه وقدموا هدية فقبلت منهم.
وفيها انكسر منطاش من التركمان وبقي في نفر يسير، وذلك أن ناصر الدين بن خليل بن دلغادر ونائب سيس جمعا التركمان الذين في طاعة السلطان وأوقعا بمنطاش فانهزم فاتفق مع الناصري بحلب، وكان الناصري قد وقع الخلف بينه وبين سودون المظفري أحد الأمراء الكبار بحلب، وكان قبله نائباً بحلب فتكاتبا إلى السلطان وحط كل منهما على الآخر، فأرسل السلطان إلى الناصري هدية جليلة وكتاباً فأمره فيه بالحضور فقبل الهدية وماطل في الحضور وتعلل بالخوف من منطاش والتركمان، فأرسل السلطان إلى تلكتمر المحمدي أن يصلح بين يلبغا الناصري وسودون المظفري بحضرة الأمراء والقضاة، وكتب السلطان إلى سودون في الباطن أن يقبض على يلبغا ويفتك به وكان مملوك الناصري بالقاهرة قد أخر الظاهر أجوبته ليسبقه تلكتمر ففر حتى دخل حلب قبل تلكتمر وأعلم الناصري بصورة الحال فاحترز، ويقال إن تلكتمر كان صهر حسن رأس نوبة يلبغا الناصري، فاطلع يلبغا على القصة من هذه الجهة،
فلما وصل تلكتمر إلى حلب تلقاه الناصري وقبل الكتب التي معه وامتثل ما فيها وجمع القضاة والأمراء بدار العدل ليقرأ عليهم مرسوم السلطان، فلما حضر سودون المظفري لذلك لمس قازان أمير آخور الناصري قماش سودون فأحس أنه لابس الحرب فأنكر عليه وقال: من يطلب الصلح يدخل في آلة الحرب، فشتمه سودون فسل قازان سيفه وضرب به سودون في المجلس فقتله ولم يكن الناصري حاضراً بل وقع ذلك قبل أن يخرج من مكانه إلى القاعة التي اجتمعوا فيها وهي القاعة الحمراء فتناوش مماليكه ومماليك الناصري وقامت الفتنة فقتل من مماليك سودون أربعة وأمسك الناصري الحاجب الكبير بحلب وركب بمن معه إلى القلعة فحصنوا عليه قليلاً، ثم سلها له نائبها وانهال الناس عليه بالدخول معه والمخامرة على السلطان ورجع تلكتمر من حلب فأخبر السلطان بما اتفق، فأرسل إلى إينال اليوسفي وهو يومئذ أتابك دمشق أن يتوجه إلى نيابة حلب وأن يمسك الناصري، وتجهز السلطان بالعساكر لقصد حلب واهتم لذلك ولما بلغ من بطرابلس من الأمراء الذين نفاهم السلطان تحالفوا ووثبوا على باب اسندمر نائب طرابلس فامسكوه وقتلوا جماعة من الأمراء وأرسلوا إلى الناصري يعلمونه باتفاقهم على طاعته، فكان ممن قام في ذلك من المشهورين كمشبغا الخاصكي الأشرفي وبزلار العمري ودمرداش اليوسفي وآقبغا قبجق وممن قتل خليل بن سنجر وولده ثم دخل كمشبغا المنجكي نائب بعلبك في طاعة الناصري ثم خرج ثلاثة عشر أميراً من دمشق على حمية طالبين حلب فأوقع بهم النائب فانهزموا بعد أن خرج منهم عدة واستمروا ذاهبين إلى حلب، ثم اتفق من بحماة من المماليك على قتل النائب بها فبلغه ذلك فهرب، فقام بيرم العزي الحاجب فاستولى هو ومن معه على القلعة فتوجه منطاش وكان قد حضر عند الناصري إلى حلب فسار إلى حماة فتسلمها وأرسلوا إلى الناصري بالطاعة، ثم توجه سنقر نائب سيس إلى طاعة الناصري فعارضه خليل بن دلغادر التركماني وقبض عليه وأرسل سيفه إلى السلطان، ثم دخل سوط بن دلغادر أمير التركمان ونعير أمير العرب في طاعة الناصري فأقام سناجق خليفته ودعا إلى نصر الخليفة،
ولما تواردت هذه الأخبار إلى السلطان حبس الخليفة في البرج فضيق عليه، ثم أفرج عنه في اليوم الثاني في ربيع الأول واعتذر إليه ووعده بمواعيد جميلة لما بلغه أن الناصري ينقم عليه حبس الخليفة ثم أرسل إليه دراهم وثياباً وضيق على ذرية الناصري بالحوش وأنفق النفقات الكثيرة حتى حمل إلى كل واحد من الأمراء الكبار مائة ألف درهم فضة قيمتها يومئذ أكثر من أربعة آلاف دينار وأحواله مع ذلك مضطربة وتغيرت النيات عليه وشرع في إبطال الرمايات والمظالم، ونادى في هذا الشهر بإبطال السلف على البرسيم والشعير وكان الناس يقاسون من ذلك شدة عظيمة، وأمر بإبطال مكس القصب والقلقاس وقياس ذلك، ثم أعيد بعد قليل وعزل موفق الدين ناظر الخاص عن نظر الجيش، وولاه جمال الدين المحتسب في ربيع الآخر واستقر شرف الدين الأشقر في قضاء العسكر عوضاً عن جمال الدين، فلم تطل مدته بل مات في ربيع الآخر كما سيأتي، فاستقر ابن خلدون عوضه في مشيخته البيبرسية، واستقر سراج الدين محتسب مصر في قضاء العسكر عوضاً عنه أيضاً واستقر في الحسبة همام الدين، واستقر شمس الدين البلالي في مشيخة سعيد السعداء عوضاً عن ابن أخي الجار، ثم توجه
الجاليش السلطاني صحبة ايتمش وجركس الخليلي وينس الدوادار وغيرهم فوصلوا إلى غزة فأمسكوا نائبها آقبغا الصفوي وحبسوه بالكرك، واستقر حسن بن باكيش في نيابة غزة، ثم توجهوا إلى دمشق فتلقاهم نائبها، فأرسلوا جماعة من العلماء غلى الناصري في الصلح فتوجهوا إليه، فأكرمهم وسار من حلب إلى دمشق بمن معه من العساكر، فالتقاهم في تاسع عشر ربيع الآخر على خان لاجين، فانكسر الناصري مرتين، فخامر أحمد بن يلبغا وايدكار الحاجب وجماعة معهما وقاتلوا رفقتهم إلى أن كسروهم، وقتل جاركس الخليلي في المعركة، وفر يونس فقتل بعد ذلك بالخربة، قتله عنقاء بن شطي من آل فضل، ووقع في العسكر المصري النهب الشديد والقتل الذريع، وملك الناصري دمشق وحبس أيتمش بالقلعة واحتاط على موجوده وراسل حسن بن باكيش الناصري بالطاعة، وغمى
الناصري الأخبار على السلطان وواطأه مامور نائب الكرك وحسن بن باكيش على ذلك، ومر أينال اليوسفي وأينال أمير آخور وغيرهما بحسن بن باكيش هاربين إلى مصر فأمسكهم وحبسهم بالكرك، وكان أينال اليوسفي قد هرب هو وأينال أمير آخور وصحبتهم نحوثمانين من المماليك فوصلوا إلى غزة، فأكرمهم نائبها ثم كبس عليهم لما رقدوا فأمسكهم جميعاً، ثم راسل الناصري بذلك، ولما بلغ السلطان ذلك أمر الخليفة والقضاة وسودون النائب والحاجب الكبير بالركوب ومعهم موقع حكم يقرأ ورقة فيها أن السلطان رفع المظالم وعرض الصلح على الباغي فامتنع فاحترسوا على أنفسكم واعملوا في كل حارة درباً، ونادى في كل يوم بإبطال مكس من المكوس المشهورة ثم لا يصح شيء من ذلك، وأمر بتحصين القلعة واستعد للحصار وحصل مؤنة شهرين وأجرى الماء إلى الصهريج الذي بناه بالقلعة، وخرج الناصري من دمشق بعد أن قرر في نيابتها جنتمر وهو أخو طاز في سادس جمادى الأولى، فلما شاع ذلك راسل السلطان أمراء العرب من الوجه البحري ومن الوجه القبلي فتباطؤا عنه، ثم حضر بعضهم وشرع في حفر خندق تحت باب القلعة عند باب القراقة، وسدت خوخة أيدغمش وعملت الدروب بالقاهرة فاستكثروا منها وأرسل إلى الأمير محمد بن علي أمير عرب العائد يأمره بتحويل الإقامات التي كان جهزها لأجل العسكر ويخبره أنه وهبها له، وكان مراده أن يلبغا الناصري تضيق عليه الأقوات والعليق فانعكس الأمر ولم يتمكن المذكور من تحويل ذلك، ووصلت العساكر فلم يسعه إلا تمكينهم من ذلك، وكان في الحواصل أربعة عشر ألف إردب شعير وثمانية آلاف حمل تبن ونحو مائتي حمل حطب
وخطب في يوم الجمعة عاشر جمادى الأولى باسم الخليفة المتوكل قبل السلطان، وتحالف الخليفة والسلطان على الموالاة والمناصحة، ثم قدم على البشلاقي والي قطية منهزماً من عسكر الناصري في أواخر جمادى الأولى فسد ابن الكوراني باب المحروق وباب الجديد فلما قرب الناصري من الديار المصرية تسلل إليه الأمراء أولاً فأولاً فسار إليه ابن سلار اللفاف رأس نوبة بركة ومحمد بن سندمر وقريبه جبريل وإبراهيم بن قطلقتمر، ثم تسلل إليه محمد بن أيتمش ونزل الناصري بعساكره ظاهر القاهرة في الثالث من جمادى الآخرة فخرج إليه سودون باق وقرقماش الخزندار وجمهور الأمراء حتى لم يبق عند السلطان إلا ابن عمه قجماش وسودون النائب وتمربغا المنجكي وسودون الطرنطاي وأبو بكر بن سنقر وصواب السعدي مقدم المماليك في نفر يسير واختفى حسين بن الكوراني والي القاهرة فعاث أهل الفساد بسبب ذلك وكسروا السجون وخزانة شمائل، وأرسل السلطان إلى الناصري يطلب منه الأمان لنفسه، وذلك في يوم السبت ثالث جمادى الآخرة فجاءه أبو بكر ابن أخت بهادر، فأمره أن يختفي قدر جمعة لينكسر عنه حدة الأعداء ففعل ذلك واختفى ليلة الاثنين خامس جمادى الآخرة، ووقع النهب في الحواصل التي بالقلعة وبالقاهرة وضواحيها قليلاً، وكان أهل مصر أقل نبهاً من أهل القاهرة ودخل منطاش يوم الاثنين إلى القلعة فأخذ الخليفة وتوجه إلى يلبغا الناصري بقبة النصر فطلعوا جميعاً إلى القلعة وعرضوا المملكة على الناصري فامتنع، فاتفق الرأي على إعادة حاجي ابن الملك الأشرف إلى السلطنة، وقيل إنهم رموا قرعة فخرج اسمه فغيروا لقبه الأول ولقب المنصور، واستقر يلبغا الناصري مدبر المملكة وسكن الاصطبل والطنبغا الجوباني رأس نوبة كبير ودمرداش الأحمدي أمير سلاح وأحمد بن يلبغا أمير مجلس وتمرباي الحسني حاجب كبير
وآقبغا الجوهري استادار وقرقماش خزندار وظهر حسين بن الكوراني وأعيد إلى ولاية القاهرة وأمسك جماعة من الأمراء فسجنوا بالإسكندرية، ووقع النهب بالقاهرة يومين فندب الناصري له تنكزبغا فنزل عند الجملون وسط القاهرة، ونزل أبو بكر الحاجب عند باب زويلة فسكن الحال قليلاً، ثم نودي: من نهب من التركمان شيئاً شنق، وظهر بعد ذلك المباشرون والقضاة وهنؤا الناصري والخليفة، ثم ظهر محمود الاستادار وقدم تقاديم عظيمة فأعيد إلى وظيفته، ثم غضب عليه منطاش بعد ذلك فضربه وأهانه وصادره، ثم اشتد الطلب على الملك الظاهر ونودي: من أحضره أعطي ألف دينار، فشاع ذلك فخشي على نفسه فراسل الناصري فأرسل إليه الجوباني فأحضره من بيت شخص خياط مجاور لبيت أبي يزيد صهر أكمل الدين، وكان أبو يزيد حينئذ أمير عشرة فكان الظاهر قد أمن إليه فأخفاه فطلع به الجوباني نهاراً إلى القلعة فحبس بقاعة الفضة، وأراد منطاش قتله فدافع عنه الناصري، وأرسله إلى الكرك، فتوجه في ثاني عشرين جمادى الآخرة صحبة ابن عيسى فسار به على طريق عجرود إلى الكرك، وصحبته ثلاثة صغار من مماليكه وهم قطلوبغا واقباي وسودون فتسلمه حسن الكجكي نائب الكرك، وأنزله في قاعة تعرف بقاعة النحاس، وكان بالقلعة امرأة مامور نائب الكرك وهي بنت يلبغا الكبير فعرفته فخدمته أتم خدمة وأعدت له جميع ما يحتاج إليه، وتلطف به الكجكي نائب الكرك، ووعده بأن يخلصه، ثم خلع على الخليفة في خامس عشر جمادى الآخرة ونزع الأمراء السلاح وأقروا القضاة وأصحاب الوظائف على ما كانوا عليه، واستقر بزلار نائب الشام، وكمشبغا الحموي نائب حلب، وشنجق نائب طرابلس، وأحمد ابن المهمندار نائب حماة، وقطلوبغا الصفوي نائب صفد، واستقر كريم الدين بن مكانس مشير الدولة، وأخوه فخر الدين ناظرها، وأخوهما زين الدين صاحب ديوان الناصري، وأعيدت المكوس كلها كما كانت، ونودي بأمان الجراكسة، ومن ظهر منهم فهو باق على أقطاعه ومن اختفى شنق، ثم قبض على جمع كثير من الأمراء الكبار والصغار وجميع من عرف بالانتماء للملك الظاهر وسجن بالإسكندرية نحو ثلاثين من الأمراء، وبالقلعة خلق كثير من المماليك، وبخزانة شمائل خلق كثير من المماليك أيضاً. االجوهري استادار وقرقماش خزندار
وظهر حسين بن الكوراني وأعيد إلى ولاية القاهرة وأمسك جماعة من الأمراء فسجنوا بالإسكندرية، ووقع النهب بالقاهرة يومين فندب الناصري له تنكزبغا فنزل عند الجملون وسط القاهرة، ونزل أبو بكر الحاجب عند باب زويلة فسكن الحال قليلاً، ثم نودي: من نهب من التركمان شيئاً شنق، وظهر بعد ذلك المباشرون والقضاة وهنؤا الناصري والخليفة، ثم ظهر محمود الاستادار وقدم تقاديم عظيمة فأعيد إلى وظيفته، ثم غضب عليه منطاش بعد ذلك فضربه وأهانه وصادره، ثم اشتد الطلب على الملك الظاهر ونودي: من أحضره أعطي ألف دينار، فشاع ذلك فخشي على نفسه فراسل الناصري فأرسل إليه الجوباني فأحضره من بيت شخص خياط مجاور لبيت أبي يزيد صهر أكمل الدين، وكان أبو يزيد حينئذ أمير عشرة فكان الظاهر قد أمن إليه فأخفاه فطلع به الجوباني نهاراً إلى القلعة فحبس بقاعة الفضة، وأراد منطاش قتله فدافع عنه الناصري، وأرسله إلى الكرك، فتوجه في ثاني عشرين جمادى الآخرة صحبة ابن عيسى فسار به على طريق عجرود إلى الكرك، وصحبته ثلاثة صغار من مماليكه وهم قطلوبغا واقباي وسودون فتسلمه حسن الكجكي نائب الكرك، وأنزله في قاعة تعرف بقاعة النحاس، وكان بالقلعة امرأة مامور نائب الكرك وهي بنت يلبغا الكبير فعرفته فخدمته أتم خدمة وأعدت له جميع ما يحتاج إليه، وتلطف به الكجكي نائب الكرك، ووعده بأن يخلصه، ثم خلع على الخليفة في خامس عشر جمادى الآخرة ونزع الأمراء السلاح وأقروا القضاة وأصحاب الوظائف على ما كانوا عليه، واستقر بزلار نائب الشام، وكمشبغا الحموي نائب حلب، وشنجق نائب طرابلس، وأحمد ابن المهمندار نائب حماة، وقطلوبغا الصفوي نائب صفد، واستقر كريم الدين بن مكانس مشير الدولة، وأخوه فخر الدين ناظرها، وأخوهما زين الدين صاحب ديوان الناصري،
وأعيدت المكوس كلها كما كانت، ونودي بأمان الجراكسة، ومن ظهر منهم فهو باق على أقطاعه ومن اختفى شنق، ثم قبض على جمع كثير من الأمراء الكبار والصغار وجميع من عرف بالانتماء للملك الظاهر وسجن بالإسكندرية نحو ثلاثين من الأمراء، وبالقلعة خلق كثير من المماليك، وبخزانة شمائل خلق كثير من المماليك أيضاً.
وفي حادي عشرين جمادى الآخرة عرض الجوباني المماليك الظاهرية فأفرد لخدمة السلطان مائة، نزلهم بالطباق وفرق البقية على الأمراء.
وفي وسط جمادى الآخرة ثار آقبغا الصغير بدمشق في أربعمائة فأوقع بهم جنتمر فهزمهم على آقبغا فسجنه.
وفي سادس عشرين جمادى الآخرة أعيد شرف الدين علي بن قاضي العسكر إلى نقابة الأشراف عوضاً عن الطباطبي.
وفي سلخ جمادى الآخرة كسرت جرار الخمر بالرميلة حملت من بيوت أسارى الأرمن التي بالكوم قرب الجامع الطولوني.
وفي رجب جردت العساكر لردع عرب الشرقية الزهيرية لكثرة فسادهم.
وفي أول يوم منه ادعى على ابن سبع شيخ العرب بزفته بأشياء تنافي الشريعة، وشهدت عليه جماعة عند قاضي القضاة ابن خير المالكي، فسعى له جماعة إلى أن خلص ونقل إلى الشافعية فحكم بحقن دمه، ثم سعى به إلى أن
عقد له مجلس عند الناصري، فقال له ابن خلدون الذي كان قاضي المالكية: يا أمير أنت صاحب الشوكة وحكمك نافذ، فحكم بحقن دمه وغطلاقه فأطلق، وذلك في سادس هذا الشهر، وكان في الأيام الظاهرية قد وقع له نظير ذلك فيقال إنه برطل بأربعمائة ألف درهم حتى خلص، وكان القائم في أمره كريم الدين بن مكانس وهو يومئذ متولي أمر ديوان الناصري، ومحب الدين ابن الإمام وهو شاهده، وغيرهم من خاصكيته فاخرجوا ابن سبع من حبس ابن خير، وكان ممن حضر المجلس المعقود له في الإصطبل الشيخ سراج الدين البلقيني والقضاة يومئذ ابن الميلق والطرابلسي وابن خير ونصر الله، فجهد بهم الناصري أن يحكم أحد منهم بقبول إسلامه وحقن دمه، فامتنع لكون ابن خير سبق بالحكم بإراقة دمه، فلما أطلق ابن سبع بعد أن حكم الناصري بحقن دمه بحكم إسلامه ونفذه القضاة توجه إلى بلاده، فاتفق إلى بلاده، فاتفق أنه دخل الحمام فدخل عليه جماعة فقتلوه وذهب ذمه هدراً.
وفي هذا الشهر استقر شهاب الدين أحمد بن عمر القرشي في قضاء الشافعية بدمشق عوضاً عن سري الدين.
وفي ربيع الآخر مات الشيخ شرف الدين ابن الأشقر فاستقر في قضاء العسكر عوضاً عنه سراج الدين القيصري، ثم انفصل منه في شهر رجب واستقر بدر الدين محمود الكلستاني، وعزل همام الدين عن حسبة مصر، واستقر شمس الدين بن العلاف فيها، وكان ابن العلاف يؤدب الأطفال بمصر وهو أحد من أقرأني القرآن، ثم سافر إلى حلب واتصل بيلبغا الناصري، واستقر في إمامته ووصل معه إلى القاهرة فولاه الحسبة، واستقر علاء الدين البيري موقع يلبغا الناصري في توقيع الدست.
وفي ثامن رجب خلع على نعير أمير العرب خلعة السفر، وكان قد قدم بعد العسكر على السلطان، وكان الظاهر برقوق قد عجز فيه أن يحضر إلى مصر وهو يمتنع فحضر في هذه الدولة طوعاً، وشفع قبل أن يسافر في جماعة من الأمراء فقبلت شفاعته وأطلقوا من السكندرية.
وفي ثامن رجب خلع السلطان على شخص خياط وقرره خياط السلطان، فبلغ ذلك الناصري فأمر بإحضاره فنزع منه الخلعة وضربه ضرباً مبرحاً، فغضب السلطان من ذلك ولم ينفعه غضبه، ثم أمر الناصري بتفرقة المماليك الذين رتبوا في أطباق القلعة لخدمة المنصور على الأمراء، وأبطل المقدمين والسواقين والطواشية ونحو ذلك وأراد انحلال أمر المنصور، فلما أن كان في سادس عشر شعبان أظهر منطاش أنه ضعيف وكان خاطره قد تغير بسبب أشياء سأل فيها فلم يجبه الناصري إليها وفهم من الناصري أنه يطلب السطلنة لنفسه، فلما شاع ضعفه عاده الجوباني فقبض عليه، وركب إلى مدرسة حسن في سبعة وثلاثين نفساً فنهب الخيول التي على باب السلسلة وأركبها المماليك الذين معه فمر من عليهم آقبغا الجوهري، فأمر الزعر أن ينهبوا بيته فهجموا إصطبله ونهبوا جميع ما فيه من خيل وقماش، وفر هو ولم يلبث منطاش إلا وقد اجتمع إليه نحو خمسمائة نفس والتفت عليه من المماليك الأشرفية والظاهرية وساعده العوام والزعر فنهب بيوت من خالفه، واشتد الحصار على من بالإصطبل والقلعة ورموا عليهم من مأذنتي مدرسة حسن. ثم راسله الناصري مع الخليفة في الصلح فامتنع وقال: هو الذي بدأ بالغدر ونكث ما اتفقنا عليه فقويت شوكة منطاش وتابعه أكثر الأمراء فهرب الناصري وملك منطاش الإصطبل وطلع إلى القلعة يوم الخميس تاسع عشر شعبان فاجتمع بالسلطان فقال له: أنا مملوكك
ومطيع أمرك، وجلس حيث كان يجلس الناصري، ثم أمسك الناصري من سرياقوس أو من ربهون في ذلك اليوم فأرسل إلى الإسكندرية، وأرسل معه جماعة من الأمراء مثل الطنبغا المعلم ومأمور الحاجب وآقبغا الجوهري وغيرهم، وأنفق منطاش على الذين قاتلوا معه وساعدوه نحو عشرة آلاف درهم فضة جمعها من الحواصل الظاهرية، ومن المصادرات، منها من جهة محمود وحده ألف ألف وخمسمائة ألف، ومن جهة جاركس الخليلي ألف ألف وسبعمائة ألف، وجدت مودوعة له بخان مسرور في حاصل مفرد، وكان أصل منطاش واسمه تمربغا وأخوه تمرباي عند تمراز الناصري وكانا من أولاد الجند فخدما عند تمراز في دولة حسن وتربيا عنده مع أبيهما وكان اسم تمرباي محمداً واسم منطاش أحمد، ثم خدم تمرباي عند الأشرف وكبر في دولته، ثم من بعده إلى أن ولي نيابة حلب، ومات وتولى منطاش نيابة ملطية، وكان الظاهر كلما هم بالقبض عليه فيخلصه منه قجماس ابن عم السلطان لكونه لما مر عليه وهو مع التاجر الذي جلبه بالغ في الإحسان إليه فكافأه، وكان ممن تعصب له أيضاً سودون باق لأنه كان في خدمة تمرباي، ثم كاتب منطاش بالعصيان إلى أن كان منه ما كان، وقد تقدم أن برقوق اشتراه من أولاد أستاذه واعتقه فكان ذلك عند منطاش لم يصادف محلاً لأنه يعرف أصل نفسه.
وفي العشرين من شعبان قبض على ابن مكانس وعصر وصودر واختفى أخوه فخر الدين، ثم ظهر ووعد بمال فأطلق على وظيفته، وأمر منطاش بصندل، فعذب على ذخائر الظاهر، وعصر مراراً حتى دل عليها
وأخذ منطاش في تتبع المماليك الظاهرية فأبادهم قتلاً وحبساً، وقرر في ولاية القاهرة حسين بن الكوراني بسؤال العامة في ذلك بعد أن كان اختفى، وتولى نائبه محمد بن ليلى فعظم الضرر بالزعر، فظهر حسين والتزم بتحصيل المماليك الظاهرية، فأعيد خامس شهر رمضان بعد أن سأل العوام منطاش في إعادته بسبب الزعر ثم تتبع الزعر فأبادهم، وكانت شوكتهم قد اشتدت لنصرتهم لمنطاش في قتال الناصري، وكان قربهم وعرف فيهم عرفاء، وأنفق فيهم مالاً، ثم جهز منطاش أحمد البريدي إلى الكرك لقتل برقوق، فلم يوافق النائب حسن الكجكني على ذلك، فاجتمع أهل الكرك على نصر برقوق وبايعوه في تاسع شهر رمضان، فحصن الكرك وحكم بها، فتسامع به أصحابه ومن كان يحبه فتسللوا إليه، فاجتمع له جمع كثير نحو ألف فارس، وكاتبه نعير أمير آل فضل بالطاعة، وحضر إليه العشير من عرب الكرك.
وفي تاسع رمضان خلع على محمود الاستادار، واستقر في وظيفته بعد أن أخذ له من الأموال من عدة ذخائر ما يفوق الوصف ما بين كنابيش ذهب وطرز ذهب وفرى سمور وسنجاب وفضة طوب، ومن الذهب البهرجة والفلوس شيء كثير، فلما رأى ذلك وهو مختفي وفي كل يوم يظهر له ذخيرة ويحول إلى منطاش، ظهر فأمسك وضرب وصودر على ألفي ألف درهم فضة، ثم أفرج عنه وأعيد إلى وظيفته.
وفي سلخ رمضان جاء كتاب ابن باكيش نائب غزة إلى منطاش صحبة بدوي وجندي أرسلهما إليه برقوق يدعوه إلى طاعته فسلمهما منطاش للوالي فقبلهما وعين منطاش خمسة أمراء مقدمين وثلاثمائة مملوك للتوجه إلى الكرك لمحابة برقوق.
وفي شوال عصى كمشبغا نائب حلب على منطاش، فركب عليه إبراهيم بن قطلقتمر وشهاب الدين أحمد بن أبي الرضي قاضي حلب مع جماعة من أهل بانقوسا، فانتصر عليهم وقتل الأمير والقاضي صبراً يعد أن أحضره إلى جهة الشام وقتل جماعة ممن ساعدهم.
وفي ذي لبقعدة توجه برقوق من الكرك ومن أطاعه، وقام علاء الدين المقيري الذي ولي بعد ذلك السر، وهو أخو قاضي الكرك، فخدمه ووقع عنه في تلك الأيام، وأعانه أخوه عماد الدين قاضي الكرك بالمال، ثم ندم أخوهما ناصر الدين واجتمع بأخيه عماد الدين وأكابر أهل الكرك وخشوا من عاقبة برقوق وإنكار السلطان عليهم ما فعلوه فاتفقوا على أن يقبضوا على برقوق وأن يكون ذلك عذراً لهم عند السلطنة، فأغلقوا باب الكرك بعد أن أخرج برقوق إيناته وعسكره وتأخر هو ليكمل بقية مهماته، فلما وصل إلى الباب وجده مغلقاً، فاستعان بعلاء الدين على إخوته حتى فتح له، وتوجه إلى جهة غزة في أواخر شوال فالتقاهم حسين بن باكيش نائب غزة فقاتلهم فهزموه، وتوجه برقوق إلى دمشق ليحاصرها، فبلغ ذلك جنتمر نائب الشام فجمع العساكر فالتقى بالظاهر بشقحب فكسره، ثم رجع الظاهر عليهم بكمين فكسرهم وقتلت بينهم مقتله عظيمة، وساق خلفهم إلى دمشق، فهرب جنتمر إلى القلعة وتحصن بها وتوجه خلق كثير من المهزومين إلى جهة القاهرة، واستمر الحصار على دمشق، ونزل الظاهر بقبة يلبغا وهو في غاية الوهن من قلة الشيء، فبلغ كمشبغا نائب حلب خروجه من الكرك، فأرسل إليه مائتي مملوك فقوي بهم ثم حضر ابن باكيش وقد جمع من العشير والترك شيئاً كثيراً، فواقعه الظاهر فكسره واحتوى على جميع أثقاله، فقوي بذلك قوة ظاهرة وتسامع به مماليكه، ومن كان له فيه هوى فتواتره عليه حتى كثر
جمعه ثم هجم برقوق ومن معه على دمشق فدخلوها، فرمى عليهم العوام الحجارة والمماليك السهام فكسروهم، ونهب العامة وطاقه في الميدان حتى لم يبق لهم خيمة واحدة، وباتوا في تلك الليلة تحت السماء، وكل واحد قد أمسك عنان فرسه بيده، فأصبحوا في شدة عظيمة ويئسوا من أنفسهم، فوصل إليهم في تلك الحالة إينال اليوسفي وقجماس ابن عم السلطان ومعهم نحو مائتي نفس من مماليك الظاهر مستعدين بالسلاح وصلوا إليه من صفد، وكان السبب فيه أن يلبغا السالمي وهو من مماليك الظاهر خدم دوادارا عند قطلوبك النظامي النائب بصفد، فلما بلغه توجه الظاهر من الكرك ووقعته بشقحب وتوجهه إلى دمشق اتفق مع من كان هناك من مماليك الظاهر أنهم يتوجهون إلى الظاهر، فتجهزوا وأعانهم، فبلغ ذلك النائب فخرج من ورائهم ليردهم، فعمد يلبغا إلى الحبس فأخرج منه اينال اليوسفي وجمعاً من المسجونين فملكوا القلعة فلما رجع النائب سقط في يده وهرب، فنهبوا حواصله وتوجهوا إلى برقوق فوجدوه نازلاً على قبة يلبغا في الحالة المذكورة فكانوا له فرجاً عظيماً، فقوي بهم ورجعوا إلى حصار دمشق.
وفي الثاني عشر من ذي الحجة وصل كمشبغا الحموي من حلب فنزل مرج دمشق، فتلقاه مماليك الظاهر فحضر عند الظاهر وقدم له أشياء كثيرة، فقويت أحوال الظاهر بعد أن كادت تتلاشى، ومن جملة من قدم معه بكلمش العلاي وبهادر مقدم المماليك.
وفي شعبان قبض منطاش على عنان بن مغامس أمير مكة وحبسه مقيداً، ولما بلغ نعير بن حيار أمير العرب مسك الناصري اتفق هو وسولى بن دلغادر وخرجا عن الطاعة.
وفي عاشر رمضان قتل أهل الكرك الشهاب أحمد البريدي، وكان من أولاد أهل الكرك، فتزوج بنت العماد أحمد بن عيسى قاضي الكرك، ثم طلقها أبوها منه، فوصل حتى خدم عند منطاش، فجهزه بعد أن حكم بقتل برقوق، فقدم الكرك فتوعد قاضيها وأهلها بكل سوء،
فاتفق أن النائب بها لم يوافق على قتل الظاهر، وماطله بذلك أياماً، فبلغ ذلك أهل الكرك، فتعصبوا للظاهر وهجموا على أحمد البريدي، فقتلوه واشتد الأمر على منطاش لما سمع هذه الأخبار وتهيأ للتجهيز وخرج بجمع عظيم من القاهرة، واخرج معه القضاة والخليفة والسلطان وفرق الحواصل وباع جميع الغلال وغيرها بأبخس ثمن وحصل للناس من ذلك شر كبير، ثم اقترض من مال الأيتام خمسمائة ألف درهم، ورتبت فتيا صورتها: رجل خرج على الخليفة والسلطان وشق العصا وقتل شريفاً في الحرم الشريف واستحل الأموال والأنفس إلى غير ذلك، فكتب عليها العلماء والقضاة بجوار قتاله ودفعه عن ذلك، وامتنع الركراكي من الكتابة، وناظر على ذلك فغضب منه منطاش وأهله وسجنه في البرج مع مماليك الظاهر بالقلعة.
وفي ذي الحجة استقر عبد الله العجمي في قضاء العسكر عوضاً عن سراج الدين عمر.
وفيها اعتقل زكريا الذي كان الظاهر عمله خليفة، وكتبوا عليه إشهاداً بأنه لا يسعى في الخلافة بعد، وانسلخت هذه السنة والظاهر على حصار دمشق ومنطاش سائر بالعساكر إلى جهته، وبالغ القاضي شهاب الدين القرشي في التحريض على برقوق، وكان يرتب من يسبه على الأسوار، وكان لا ينزل من مخيمه، بل كان اينال اليوسفي ومن معه يباشرون القتال وخرب ما حول دمشق.
وفي غضون ذلك وصل إليهم كمشبغا من حلب ومعه عسكر ضخم، فنزل بالمرج شرقي دمشق، ثم وصل إلى برقوق في ثاني عشر ذي الحجة كما تقدم، ففرح به وقدم له خيمة سلطانية وخيولاً وأمتعة وجمالاً فاستقام أمره.
وفيها كانت الوقعة بين التركمان فتحارب كبيرهم قرا محمد صاحب تبريز وقرا حسن بن حسين بك، فقتل قرا محمد في المعركة، وانهزم أصحابه وغنم يار حسين ومن معه ما كان معهم وذلك في ربيع الآخر، وتأمر يار حسين على التركمان، ثم اجتمع الكل وأمروا عليهم نصر خجا بن قرا محمد واستنجدوا بصاحب ماردين وغيره.
وفي ثالث عشرين المحرم استقر جلال الدين بن نصر الله البغدادي في تدريس الحديث بالظاهرية الجديدة عوضاً عن الشيخ زاده، واستقر ولي الدين بن خلدون في تدريس الحديث بالصرغتمشية عوضاً عن ابن نصر الله المذكور.
وفي أول شعبان أمر نجم الدين الطنبذي المحتسب أن يزاد بعد كل أذان الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، كما يصنع ذلك ليلة الجمعة بعد العشاء فصنعوا ذلك إلا في المغرب لضيق وقتها بزعمهم.
وفي سادس شعبان وهو سادس مسرى أو في نيل مصر.
وفيها اجتمع الأمراء والمماليك الذين نفوا إلى قوص، فأمسكوا والي قوص وساعدهم حسين بن قرط والي أسوان ومبارك شاه الكاشف، فأرادوا التوجه من البر الشرقي إلى جهة السويس ليتوصلوا إلى الكرك، لما بلغهم خروج الظاهر وخلاصه من السجن، وكان ذلك في شوال، ففر منهم حسين بن قرط ووصل في سادس ذي القعدة وأخبر أن مبارك شاه إنما وافقهم خوفاً على نفسه، وانه فر منهم، وأرسل منطاش جماعة من الأمراء إليهم فأمسكوا نحو الثلاثين
منهم، وتفرق من بقي شذر مذر وأحضروا المأسورين، فأمر بحبسهم وتجهز منطاش بالعساكر في أواخر ذي القعدة، وكان سفرهم في سادس عشر ذي الحجة.
وفي الحادي عشر من شوال اجتمع العوام فشكوا من المحتسب، فأحضره منطاش وضربه مائتي عصا وعزله، وقرر عوضه سراج الدين عمر القيصري.
وفي شوال تزوج منطاش ستيتة بنت الملك الأشرف أخت السلطان المنصور فزفت عليه، وكان جهازها على خمسمائة جمال، وعلق برأسها ليلة الزفاف ديناراً زنته مائتا مثقال، ثم ديناراً زنته مائة مثقال.
وفي ثالث عشر شوال استقر شمس الدين السلاوي الدمشقي في قضاء الشافعية بالمدينة عوضاً عن الشيخ زين الدين العراقي.
وانتهت زيادة النيل هذه السنة إلى ثمانية عشر إصبعاً من عشرين ذراعاً وثبت إلى تاسع بابه، وذلك في شوال منها.
وفي ثالث عشرين شوال قبض على نور الدين الحاضري، وضرب وعصر وسجن لكونه كان مباشراً عند أخت الملك الظاهر وأفحش حسين الوالي ابن الكوراني في أخت الملك الظاهر وأولادها، ومن يقوم من جهتهم.
وفي حادي عشرين شوال استقر أبو الفرج في الوزارة وكريم الدين بن الغنام في نظر الخاص بعد استدعاء شمس الدين بن المقسي، وعرضت عليه الوظيفتان معاً فامتنع، ثم استعفى ابن الغنام وقبض عليه وصودر على ثلاثمائة ألف وأضيف نظر الخاص إلى موفق الدين.
وفي إمارة منطاش ثارت الفتنة بين أمراء العرب وأمراء التركمان والمماليك المنفيين، ثم اتفقوا كلهم على العصيان فقاتلهم مبارك شاه نائب الوجه القبلي فهزمهم.
وفي سلخ شوال استقر القاضي صدر الدين المناوي أحد نواب الشافعية في القضاء عوضاً عن ناصر الدين ابن بنت الميلق، وقرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري، وأجازنيه أن السبب في ذلك أن ديناراً اللالا الأشرفي كان وقف رزقه على جامع المارداني، وكان القاضي ناصر الدين يومئذ يعمل فيه الميعاد للعامة ففوض إليه نظرها، فلما غلب منطاش على الملك استعظمها لأنها كانت قديماً أقطاعه فعارضه فيها القاضي وكرر السؤال في أمرها، فقيل لمنطاش إن الحدود التي في كتاب الوقف مغايرة لحدود الطين المذكور، فعرض ذلك على القاضي فصمم على أنها وقف، فغضب وعزله وولي المناوي وكان أحد من ينوب في الحكم عن ابن بنت الميلق فأقام أربعين يوماً، ثم حصلت حركة منطاش إلى الشام فرام من المناوي أن يقترض ما في المودع من الأموال فامتنع فعزله، وقرر بدر الدين بن أبي البقاء بعد أن كان بدر الدين سعى في قضاء دمشق وكتب توقيعه عوضاً عن سري الدين وأفردت لسري الدين المشيخة وخطابة الجامع، ثم بطل أمر بدر الدين عن دمشق، واستقر في قضاء الشم شهاب الدين القرشي، قرأت بخط القاضي تقي الدين الزبيري، عزل المناوي بعد أن نزل منطاش بالريدانية، وخلع على بدر الدين هناك، فدخل القاهرة وهو بالخلعة، واستناب صدر الدين ابن رزين في غيبته، وكان صاهر عنده وقرر ولده جلال الدين في إفتاء دار العدل فكانت مدة ولاية المناوي وهي الأولى نحو أربعين يوماً.