الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني
تهذيب الكمال في أسماء الرجال
منهجه وأهميته
توطئة:
عني العلماء منذ فترة مبكرة بتأليف الكتب التي تتناول رواة الحديث للافادة منها في بيان صحيح الحديث من سقيمه. وحينما وضعت الكتب الستة في الحديث وهي: صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وجامع التِّرْمِذِيّ، وسنن النَّسَائي، وسنن أبي داود، وسنن ابن ماجة القزويني، عدها جهابذة المحدثين دواوين الاسلام فعنوا بها وبروايتها وتدقيقها، فاشتهرت في بلاد الاسلام، وذاع صيتها بين الانام. ونتيجة لذلك ألفوا الكتب المعنية بتناول الرجال الواردين في أسانيدها منذ القرن الرابع الهجري.
ابن عساكر أول من ألف في شيوخ أصحاب الكتب الستة.
ولكن أحدًا لم يجمع شيوخ أصحاب الستة على ما حققناه قبل حافظ الشام أبي القاسم ابن عساكر (571 499)(1) في كتابه المختصر النافع"المعجم المشتمل على ذكر أسماء شيوخ الأئمة النبل (2) "الذي ألفه بعد كتابه "الاطراف" وسار فيه على المنهج الآتي:
1-
اقتصر فيه على شيوخ أصحاب الستة دون الرواة الآخرين.
(1) راجع عن ابن عساكر بحثنا: ابن عساكر: أخذ وعطاء"مجلة التراث العربي، السنة الاولى، العدد الاول، ص: 17 فما بعد.
(2)
نسختي المصورة عن النسخة المحفوظة في مكتبة الاوقاف العراقية، وعندي نسخة محققة غير منشورة منه. وما ذكرناه عن منهجه متأت عن دراستنا للكتاب نفسه.
2-
رتب الكتاب على حروف المعجم المشرقية، وابتدأ كتابه بمن اسمه"أحمد.
3-
أورد التراجم على سبيل الاختصار فذكر اسم المترجم ونسبته، ثم من روى عنه من أصحاب الكتب الستة، ثم توثيقه، وأتبع ذلك بتاريخ وفاته إن وقع له. وأشار في نهاية الترجمة فيما إذا وقع له من حديثه ما كان موافقة أو بدلا عاليا ونحو ذلك من رتب العلو في الرواية.
4-
ومن أجل التخفيف على النساخ استعمل لاصحاب الستة علامات تدل عليهم، وهي:(خ) للبخاري و (م) لمسلم، و (د) لابي داود، و (ت) للترمذي، و (ن) للنسائي، و (ق) لابن ماجة القزويني. الكمال في أسماء الرجال.
ثم جاء الحافظ الكبير أَبُو مُحَمَّد عبد الغني بْن عبد الواحد المقدسي الجماعيلي الحنبلي (600 544)(1) فألف كتابه"الكمال في أسماء الرجال"وتناول فيه رجال الكتب الستة.
وإذا كان الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِمِ ابن عساكر أول من ألف في شيوخ أصحاب الكتب الستة، فإن الحافظ عبد الغني أول من ألف في رواة الكتب الستة حيث لم يقتصر على شيوخهم بل تناول جميع الرواة المذكورين في هذه الكتب من الصحابة والتابعين وأتباعهم إلى شيوخ أصحاب الكتب الستة.
أما نطاق الكتاب ومنهجه فيمكن تلخيصه بما يأتي:
1-
اجتهد أن يستوعب جميع رجال هذه الكتب غاية الامكان، لكنه قال: غير أنه لا يمكن دعوى الاحاطة بجميع ما فيها، لاختلاف
(1) التقييد لابن نقطة، الورقة: 158، والذيل لابن الدبيثي، الورقة:179 (مجلد باريس 5922) ، والتكملة للمنذري، الترجمة: 778 وتعليقنا عليها.
النسخ، وقد يشذ عن الانسان بعد إمعان النظر وكثرة التتبع ما لا يدخل في وسعه" (1) .
2-
بين أحوال هؤلاء الرجال حسب طاقته ومبلغ جهده، وحذف
كثيرا من الاقوال والأسانيد طلبا للاختصار"إذ لو استوعبنا ذلك، لكان الكتاب من جملة التواريخ الكبار"(2) .
3-
استعمل عبارات دالة على وجود الرجل في الكتب الستة أو في بعضها، فكان يقول"روى له الجماعة"إذا كان في الكتب الستة، ونحو قوله: اتفقا عليه"أو"متفق عليه"إذا كان الراوي ممن اتفق على إخراج حديثه البخاري ومسلم في "صحيحيهما"وأما الباقي فسماه تسمية.
4-
ابتدأ كتابه بترجمة قصيرة لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم أخذها بسنده من كتاب"السيرة"لابن هشام استغرقت صفحة واحدة فقط، وَقَال في نهايتها"وقد أفردنا لاحواله صلى الله عليه وسلم مختصرا لا يستغني طالب الحديث ولا غيره من المسلمين عن مثله".وأتبع ذلك بفصل من أقوال الأئمة في أحوال الرواة والنقلة، أورده بالأسانيد المتصلة إليه استغرق ثمان أوراق (3) .
5-
أفرد الصحابة عن باقي الرواة، فجعلهم في أول الكتاب، وبدأهم بالعشرة المشهود لهم بالجنة، فكان أولهم الصديق أبو بكر رضي الله عنهم، وأفرد الرجال عن النساء، فأورد الرجال أولا، ثم أتبعهم بالنساء، ورتب الرواة الباقين على حروف المعجم، وبدأهم بالمحمدين لشرف هذا الاسم.
وقد امتدحه العلماء، وأثنوا عليه، فقال ياقوت الحموي (ت
6) : جوده جدا (4) ". وَقَال الحافظ المزي: وهو كتاب نفيس،
(1) مقدمة الكمال (نسخة خدابخش) .
(2)
نفسه.
(3)
الكمال: 1 / الورقة: 11 2.
(4)
معجم البلدان: 2 / 113.
كثير الفائدة، لكن لم يصرف مصنفه رحمه الله عنايته إليه حق صرفها
ولا استقصى الأَسماء التي استملت عليها هذه الكتب استقصاءا تاما، ولا تتبع جميع تراجم الأَسماء التي ذكرها في كتابه تتبعا شافيا، فحصل في كتابه بسبب ذلك إغفال وإخلال (1) .
محاولة فاشلة على "الكمال" قبل المزي:
وأشار المزي في مقدمة التهذيب إلى أن أحد أولاد الحافظ عبد الغني"ممن لم يبلغ في العلم مبلغه، ولا نال في الحفظ درجته، رام تهذيب كتابه وترتيبه واختصاره واستدراك بعض ما فاته من الأَسماء"فلم ينجح في ذلك، ولم يزد سوى بعض تراجم أخذها من أسماء كتاب "الاطراف" لابي القاسم ابن عساكر، وبعض أسماء التابعين من ذلك الكتاب أيضا، ثم أضاف إليهم بعض شيوخ أصحاب الستة من كتاب"المعجم المشتمل"لابن عساكر أيضا، ولم يزد في عامة ذلك على ما ذكره ابن عساكر، فضلا عن وقوع خلل كثير ووهم شنيع فيما اختصره من كتاب والده (2) .
ولم يصرح المزي باسم هذا"الولد"ولا أشار أحد غيره إليه فيما وقفت عليه من مصادر، لكنني وقعت على ثلاثة أولاد للحافظ عبد الغني ممن عني بالحديث وطلبه وروايته، وهم:
1-
عز الدين أبو الفتوح محمد بن عبد الغني (613 566) وهو ممن دخل بغداد غير مرة، وسمع بها، كما سمع بدمشق وأصبهان (3) .
2-
جمال الدين أَبُو مُوسَى عَبد اللَّهِ بْن عبد الغني (581
(1) مقدمة التهذيب.
(2)
المصدر نفسه.
(3)
الذيل لابن الدبيثي، الورقة: 73 (مجلد باريس 5922) ، والتكملة للمنذري، الترجمة: 1501،والذيل لابي شامة: 99، وتلخيص مجمع الآداب لابن الفوطي: 4 / الترجمة: 436، وتذكرة الحفاظ: 4 / 1401، وتاريخ الاسلام، الورقة: 204 (باريس 1582)، والذيل لابن رجب: 2 / 92 90 وغيرها.
629) . سمع بدمشق وبغداد وأصبهان ومصر، وحدث بدمشق ومصر وغيرهما، فتكلم فيه بعضهم بسبب تقربه من السلطان (1) .
3-
محيي الدين أبو سُلَيْمان عبد الرحمن بن عبد الغني (583 أو 584، 643) . سمع بدمشق وبغداد ومصر، وحدث، وكان فقيها زاهدا (2) .
ومن دراسة سير أولاده الثلاثة هؤلاء دراسة مستفيضة في جميع الموارد التي ترجمت لهم لم أجد أحدًا ذكر هذا"المختصر"أو"التهذيب"الذي عمله لكتاب والده، ولكنني في الوقت نفسه أرجح أن يكون المقصود بهذا هو عز الدين أبا الفتح محمد بن عبد الغني، لان الذين ترجموا له ذكروا له عناية بهذا الفن، أعني رجال الحديث، قال محدث بغداد الحافظ ابن النجار (ت 643) : وكان من أئمة المسلمين حافظا للحديث متنا وإسنادا، عارفا بمعانيه وغريبه ومشكله، متقنا لاسامي المحدثين وكناهم، ومقدار أعمارهم، وما قيل فيهم من جرح وتعديل، ومعرفة أنسابهم واختلاف أسمائهم (3) "ولم يذكروا لغيره مثل هذه المعرفة.
التهذيب ليس مختصرا للكمال
درس الحافظ جمال الدين المزي كتاب "الكمال" للحافظ عبد الغني، فوجد فيه نقصا وإخلالا وإغفالا لكثير من الأَسماء التي هي من
(1) مرآة الزمان للسبط: 8 / 675، والتكملة للمنذري، الترجمة: 2416، والذيل لابي شامة: 161، وتاريخ الاسلام للذهبي، الورقة: 79 (أيا صوفيا: 3012)، وتذكرة الحفاظ: 4 / 1408 ونثر الجمان للفيومي: 2 / الورقة: 43، والذيل لابن رجب: 2 / 187 185، وذيل التقييد للتقي الفاسي، الورقة: 173 وغيرها.
(2)
صلة التكملة للعز الحسيني: 1 / الورقة: 25 من نسختي المصورة، وتاريخ الاسلام في وفيات: 643 (أيا صوفيا: 3013)، والذيل لابن رجب: 2 / 231.
(3)
لم تصل إلينا ترجمته في تاريخ ابن النجار لضياع هذا القسم منه، ولكن قوله هذا نقله الذهبي في تاريخ الاسلام، وهو في هامش التي بخطه، الورقة: 117 (أيا صوفيا: 3011)، والذيل لابن رجب: 2 / 91 وغيرهما.
شرطه بلغت مئات عديدة، وقرر تأليف كتاب جديد يستند في أسسه على كتاب "الكمال" وسماه"تهذيب الكمال في أسماء الرجال". والظاهر أنه اشتغل بمادة الكتاب منذ فترة مبكرة، فقد أشار الذهبي في مقدمة كتابه"تاريخ الاسلام"إلى أنه طالع مسودة كتاب"التهذيب"قبل قيامه بتأليف كتابه، ثم طالع المبيضة كلها (1) . وقد بدأ المزي يضع كتابه بصيغته النهائية المبيضة في اليوم التاسع من محرم سنة (705) ولم ينته منه إلا يوم عيد الاضحى من سنة (712)(2) ، وبذلك يكون قد قضى في تبييضه وإعادة النظر فيه ثمانية أعوام إلا شهرا.
وقد ظن بعضهم غلطا أن الحافظ المزي إنما اختصر كتاب "الكمال" لعبد الغني حينما ألف كتابه"تهذيب الكمال"(3) ، وكأنهم ربطوا بين كلمتي"الاختصار"و"التهذيب"مع أن الاخيرة تدل في الاغلب على التنقية والاصلاح (4) . والحق أن المزي قد تجاوز كتاب "الكمال" في كتابه هذا تجاوزا أصبح معه التناسب بينهما أمرا بعيدا، سواء أكان ذلك في المحتوى، أم التنظيم، أم الحجم، وإليك بيان ذلك على وجه الاختصار:
(1) انظر مقدمة تاريخ الاسلام، وقد ابتدأ الذهبي كتابه قبل بدء المزي بإخراج كتابه بصيغته النهائية، راجع كتابنا: الذهبي: 24 فما بعد.
(2)
نص المؤلف على ذلك في آخر كتابه، ولعل من أبرز الادلة على أن هذه كانت المبيضة.
1-
عدم وجود إضافات ذات بال في حواشي الاصل.
2-
أن المؤلف لم يعد النظر في أية مسألة من مسائله طوال ثلاثين عاما مع أنه حدث به خمس مرات.
3-
أن ابن المهندس كان ينقل نسخته الاولى حينما ينتهي المؤلف من تبييض قسم منها، وهذا هو الذي يفسر لنا ما يبدو متناقضا لاول وهلة بين ما ذكره المؤلف في ابتداء تأليفه الكتاب وانتهائه منه وبين ما وجدناه بخط ابن المهندس من أنه نسخ المجلد الاول سنة 706.
(3)
انظر مثلا مقدمة خلاصة تذهيب تهذيب الكمال للشيخ عبد الفتاح أبي غدة: 6.
(4)
راجع"هذب"في معجمات اللغة.