الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد حدث بكتبه مرات عديدة، وحدث بصحيح البخاري مرات، وبالمسند للامام أحمد، وبالمعجم الكبير للامام الطبراني، وبدلائل النبوة للبيهقي، وبكتب كثيرة جدا، كما حدث بسائر أجزائه العالية، وبكثير من أجزائه النازلة (1) .
ويكفيه فخرا وفضلا أن عظماء العلماء من أساتيذه ورفاقه وتلامذته النجب قد أخذوا عنه، فسمع منه من العلماء الاعلام: شيخ الاسلام ابن تيمية الحراني (ت 728) ، وفتح الدين ابن سيد الناس اليعُمَري (ت 734) ، وإما المؤرخين والمحدثين شمس الدين الذهبي (ت 748) سمع منه سنة (694) وأخذ عنه صحيح البخاري غير مرة، والإمام العلامة تقي الدين السبكي (ت 756) وغيرهم. وبه تخرج أعاظم الرواة والمحدثين والمؤرخين من أعلامهم: علم الدين البرزالي (ت 739) ، وشمس الدين أبو عَبْد اللَّه بْن عَبْد الهادي (ت 744) ، وصلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي (ت 761) ، وعلاء الدين مغلطاي الحنفي (ت 762) ، وتقي الدين ابن رافع السلامي (ت 774) ، والشيخ عماد الدين ابن كثير صهره (ت 774) ، وخلق يطول ذكرهم.
4- آراء العلماء فيه
ونرى من المفيد أن نقتطف هنا آراء العلماء والنقاد المعاصرين فيه، لما لذلك من أهمية في توثيقه وبيان فضله ومنزلته. وقد نقلنا لك قبل قليل رأي شيخ الاسلام ابن تيمية واعترافه له، وأنبأناك بثنائه عليه غير مرة.
وقد اتصل به العلامة فتح الدين ابن سيد الناس اليعُمَري بعد
(1) أعيان العصر: 12 / الورقة: 126.
سنة 690، فقال في حقه: ووجدت بدمشق من أهل العلم الإمام المقدم والحافظ الذي فاق من تأخر من أقرانه ومن تقدم أبا الحجاج المزي، بحر هذا العلم الزاخر وحبره القائل من رآه: كم ترك الاوائل للاواخر، أحفظ الناس للتراجم، وأعلم الناس بالرواة من أعارب وأعاجم، لا يخص بمعرفته مصرا دون مصر ولا ينفرد علمه بأهل عصر دون عصر..وهو في اللغة أيضا إمام..فكنت أحرص على فوائده لاحرز منها ما أحرز..وهو الذي حداني على رؤية شيخ الاسلام ابن تيمية" (1) .
وترجم له الذهبي في معجم شيوخه الكبير، فقال: العلامة الحافظ البارع أستاذ الجماعة جمال الدين أبو الحجاج، محدث الاسلام الكلبي القضاعي، المزي الدمشقي، الشافعي..طلب هذا الشأن سنة خمس وسبعين وهلم جرا إلى اليوم، فماونى، ولا فتر، ولا لها ولا قصر، وعني بهذا الشأن أتم عناية، وقرأ العربية، وأفاد، وأكثر من اللغة والتصريف. وصنف وأفاد..وكتب الكثير ورواه، مع السمت الحسن، والاقتصاد، والتواضع، والحلم، وعدم الشر، والله يصلحه وإياي. أخبرنا يوسف ابن الزكي الحافظ.. (2) .
وَقَال في "تذكرة الحفاظ": شيخنا الإمام العالم الحبر الحافظ الاوحد محدث الشام..وأما معرفة الرجال، فهو حامل لوائها، والقائم بأعبائها، لم تر العيون مثله..وأوضح مشكلات ومعضلات ما سبق إليها في علم الحديث ورجاله..وكان ثقة حجة، كثير العلم، حسن الاخلاق، كثير السكوت، قليل الكلام جدا، صادق
(1) أجوبة ابن سيد الناس، وهي مما أجاب به أبالحسين بن أيبك الحسامي الدمياطي المتوفى سنة 749 نسخة الاسكوريال: 1160، ونقل قوله هذا أيضا الصفدي في أعيان العصر: 121 / الورقة: 127، وابن حجر في الدرر: 5 / 235 234. وعندي نسخة مصورة من أجوبة ابن سيد الناس وهي نسخة نفيسة.
(2)
معجم الشيوخ: 2 / الورقة: 90.
اللهجة، لم تعرف له صبوة. وكان يطالع وينقل الطباق إذا حدث وهو في ذلك لا يكاد يخفى عليه شيء مما يقرأ، بل يرد في المتن والإسناد ردا مفيدا يتعجب منه فضلاء الجماعة (1) .
وَقَال الذهبي أيضا في معجمه المختص بمحدثي العصر (2) : كان خاتمة الحفاظ، وناقد الأسانيد والالفاظ، وهو صاحب معضلاتنا، وموضح مشكلاتنا..ولو كان لي رأي للازمته أضعاف ما جالسته، فإنني أخذت عنه هذا الشئ بحسبي لا بحسبه، وكان لا يكاد يعرف قدره إلا من أكثر مجالسته". وَقَال أيضا: وقد (3) كان مع حسن خطه ذا إتقان قل أن توجد له غلطة، أو تؤخذ عليه لحنة". وَقَال أيضا: وكان مأمون الصحبة، حسن المذاكرة، خير الطوية، محبا للآثار، معظما لطريقة السلف، جيد المعتقد، وكان اغتر في شبيبته وصحب العفيف التلمساني، فلما تبين له ضلاله، هجره، وتبرأ منه"
وكان الإمام الذهبي يورد سلسلة أعاظم الحفاظ، وكتبها بخطه وعنه أخذها الصلاح الصفدي، والتاج السبكي، وقراها عليه (4)، قال الذهبي: ما رأيت أحدًا في هذا الشأن أحفظ من الإمام أبي الحجاج المزي، وسمعته يقول في شيخنا أبي محمد الدمياطي (5) إنه ما رأى أحفظ منه، وكان الدمياطي يقول: إنه ما رأى شيخا أحفظ من
(1) تذكرة الحفاظ: 4 / 1499 1498.
(2)
لم تصل إلينا ترجمته في المعجم المختص لكنها وصلت بما نقل منه الصفدي في أعيان العصر: 12 / الورقة: 125 وابن حجر في الدرر: 5 / 236 235 وان صرح يصرح باسم الكتاب، والتاج السبكي في الطبقات: 10 / 296.
(3)
في الدرر: ولو"وهو تصحيف فاحش غير المعنى بالكلية وانظر ماذا يفعل الناشر الجاهل الذي يدعي معرفة التحقيق، اللهم نسألك العافية!
(4)
أوردها السبكي في ترجمة والده: 10 / 223 220، والصفدي في أعيان العصر: 12 / الورقة: 125.
(5)
توفي سنة 705، وهو أشهر من أن يذكر.
زكي الدين عبد العظيم (1) ..الخ.
ونقل الصفدي عن الذهبي قوله: لم يسألني ابن دقيق العيد إلا عنه" (2) .
وَقَال الذهبي نفسه في ترجمة الضياء المقدسي المتوفي سنة (643) من تاريخ الاسلام: سألت الحافظ أبا الحجاج المزي، وما رأيت مثله (3) .."
وَقَال شمس الدين الحسيني المتوفى سنة (765) : وكان مع تبحره في علم الحديث رأسا في اللغة العربية والتصريف، له مشاركة جيدة في الفقه وغيره، ذا حظ من زهد وتعفف، ويقنع باليسير. وقد شهد له بالإمامة جميع الطوائف، وأثنى عليه الموافق والمخالف (4) .
وَقَال الصلاح الصفدي: الشيخ الإمام العالم العلامة الحافظ الفريد الرحلة، إمام المحدثين..خاتمة الحفاظ، ناقد الأسانيد والالفاظ". وَقَال: كان شيخنا الحجة جمال الدين أبو الحجاج شيخ الزمان، وحافظ العصر، وناقد الاوان، لو عاصره ابن ماكولا، كان له مشروبا وماكولا، وجعل هذا الامر إليه موكولا".ثم أطنب في تعداد فضائله ومحاسنه وزهده وَقَال في حفظه: وسمعت صحيح مسلم على ذالبندنيجي وهو حاصر بقراءة ابن طغريل وعدة نسخ صحيحة حاضرة يقابل بها، فيرد الشيخ جمال الدين رحمه الله على ابن طغريل اللفظ، فيقول ابن طغريل: ما في النسخة إلا ما قرأه، فيقول من بيده بعض
(1) يعني المنذري صاحب الترغيب والترهيب، والتكملة لوفيات النقلة الذي حققته ويطبع الآن الطبعة الثانية المنقحة في مؤسسة الرسالة.
(2)
أعيان العصر: 12 / الورقة: 125.
(3)
وفيات سنة 643 (أيا صوفيا: 3014)، وفي مثل هذا انظر أيضا الاوراق: 111، 161، 162 من مجلد أيا صوفيا 3014.
(4)
الذيل على ذيل العبر: 230 229.
تلك النسخ الصحيحة: هو عندي كما قال الشيخ..أو في الحاشية تصحيح ذلك، ولما تكرر ذلك قلت أنا له: ما النسخة الصحيحة إلا أنت! " (1) .
وَقَال التاج عبد الوهاب السبكي مع مخالفة المزي له في العقائد: شيخنا وأستاذنا وقدوتنا الشيخ جمال الدين أبو الحجاج المزي، حافظ زماننا، حامل راية السنة والجماعة والقائم بأعباء هذه الصناعة، والمتدرع جلباب الطاعة، إمام الحفاظ، كلمة لا يجحدونها، وشهادة على أنفسهم يؤدونها، ورتبة لو نشر أكابر الأعداء، لكانوا يودونها، واحد عصره بالاجماع، وشيخ زمانه الذي تصغي لما يقول الاسماع (2)".ثم أورد طائفة من مناقبه وفضائله، وثناء العلماء عليه، ولاسيما والده التقي السبكي، ثم قال: وبالجملة كان شيخنا المزي أعجوبة زمانه، يقرأ عليه القارئ نهارا كاملا، والطرق تضطرب والأسانيد تختلف وضبط الأَسماء يشكل، وهو لا يسهو ولا يغفل، يبين وجه الاختلاف، ويوضح ضبط المشكل، ويعين المبهم، يقظ لا يغفل عند الاحتياج إليه، ولقد شاهدته الطلبة ينعس، فإذا أخطأ القارئ، رد عليه كأن شخصا أيقظه، َقَال له: قال هذا القارئ كيت وكيت، هل هو صحيح؟ وهذا من عجائب الامور. وكان قد انتهت إليه رئاسة المحدثين في الدنيا."(3) .
وفاته
انتاب المزي المرض في أوائل صفر من سنة (742) أياما يسيرة، وكان مرضه في أوله خفيفا لم يشغله عن شهود الجماعة، وحضور الدروس، وإسماع الحديث، وقد وصلت إلينا طبقة سماع
(1) أعيان العصر: 22 / الورقة: 127 123.
(2)
الطبقات: 10 / 396 395.
(3)
المصدر نفسه: 10 / 397.
الجزء الثالث من"تهذيب الكمال"عليه لجملة من الفضلاء في يوم الخميس العاشر من صفر (1) ، فلما كان يوم الجمعة حادي عشره أسمع الحديث إلى قريب وقت الصلاة، ثم دخل منزله ليتوضأ، ويذهب للصلاة، فاعترضه في باطنه مغص عظيم، ظن أنه قولنج، وما كان إلا طاعون، فلم يقدر على حضور الصلاة، قال صهره ابن كثير: فلما فرغنا من الصلاة، أخبرت بأنه منقطع، فذهبت إليه. فدخلت عليه، فإذا هو يرتعد رعدة شديدة من قوة الالم الذي هو فيه، فسألته عن حاله، فجعل يكرر"الحمدلله"ثم أخبرني بما حصل له من المرض الشديد، وصلى الظهر بنفسه، ودخل إلى الطهارة، وتوضأ على البركة وهو في قوة الوجع، ثم اتصل به هذا الحال إلى الغد من يوم السبت، فلما كان وقت الظهر لم أكن حاضره إذ ذاك، لكن أخبرتنا بنته زينب زوجتي أنه لما أذن الظهر، تغير ذهنه قليلا، فقالت: يا أبة أذن الظهر، فذكر الله، وَقَال: أريد أن أصلي، فتيمم وصلى، ثم اضطجع فجعل يقرأ آية الكرسي حتى جعل لا يفيض بها لسانه، ثم قبضت روحه بين الصلاتين رحمه الله يوم السبت ثاني عشر صفر، فلم يمكن تجهيزه تلك الليله، فلما كان من الغد يوم الاحد ثالث عشر صفر صبيحة ذلك اليوم، غسل وكفن وصلي عليه بالجامع الأُمَوِي، وحضر القضاة والاعيان وخلائق لا يحصون كثرة، وخرج بجنازته من باب النصر، وخرج نائب السلطنة الامير علاء الدين ألطنبغا (2) ومعه ديوان السلطان، والصاحب، وكاتب السر وغيرهم من الامراء، فصلوا عليه خارج باب النصر، أمهم عليه القاضي تقي الدين السبكي الشافعي، وهو الذي صلى عليه بالجامع الأُمَوِي، ثم ذهب به إلى مقابر الصوفية،
(1) نسخة دار الكتب المِصْرِية: 25 مصطلح الحديث، المجلد الاول: اللوحة: 65 من نسختي المصورة وانظر أيضا أدناه صورتها المنشورة مع النماذج.
(2)
في الاصل: طنبغا"محرف، والتصحيح من مصادر ترجمته في كتب القرن الثامن ومنها الدرر لابن حجر: 1 / 436 وكان قد ولي نيابة دمشق في محرم سنة 741.
فدفن هناك إلى جانب زوجته المرأة الصالحة الحافظة لكتاب الله، عائشة بنت إبراهيم بن صديق غربي قبر الشيخ تقي الدين ابن تيمية" (1) .
وكانت زوجته عائشة قد توفيت قبله بتسعة أشهر تقريبا في مستهل جمادى الاولى سنة (741) ، وكانت عديمة النظير في نساء زمانها لكثرة عبادتها وتلاوتها وإقرائها القرآن الكريم بفصاحة وبلاغة وأداء صحيح، وختمت نساءا كثيرات، وقرأ عليها من النساء خلق، وانتفعن بها وبصلاحها ودينها وزهدها في الدنيا، وتقللها منها مع طول العُمَر حيث بلغت ثمانين سنه، وكان المزي محسنا إليها مطيعا لا يكاد يخالفها لحبه لها طبعا وشرعا (2) .وكانت والدة أمة الرحيم زينب زوج العلامه ابن كثير رحمهم الله.
وقد عني المزي بأهل بيته، فكان يحضرهم مجالس السماع لا يستثني من ذلك حتى الجواري (3) ، واشتهر من أولاده عبد الرحمن ابن يوسف الذي ولد له سنة (687) وتوفي بالطاعون العام سنة (749) وكان شيخا لشرف الدين الحسيني (4) .وولي مشيخة دار الحديث النورية، ودفن بمقابر الصوفية على والده (5) .
(1) البداية 14 / 192، وقد جمع تلميذه الحافظ صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي جزءا سماه سلوان التعزي عن الحافظ المزي. ابن حجر الدرر 5 / 237.
(2)
البداية: 14 / / 72، 189.
(3)
كما هو مثبت في خطه في كثير من أجزاء تهذيب الكمال انظر أدناه نموذجا من ذلك.
(4)
البداية: 14 / 227.