الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
فيما روي عن الأئمة في فضيلة هذه الكتب الستة
قال مُحَمَّد بْن أَبي نصر الحميدي: سمعت الفقيه أبا محمد علي ابن أحمد بن سَعِيد الحافظ بالاندلس وقد جرى ذكر"الصحيحين"فعظم منهما، ورفع من شأنهما.
وحكي أن سَعِيد ابن السكن (1) اجتمع إليه قوم من أصحاب الحديث، فقالوا له: إن الكتب في الحديث قد كثرت علينا، فلو دلنا الشيخ على شيء نقتصر عليه منها. فسكت عنهم، ودخل إلى بيته، فأخرج أربع رزم، فوضع بعضها على بعض، فقال: هذه قواعد الاسلام: كتاب البخاري وكتاب مسلم، وكتاب أبي داود، وكتاب النَّسَائي.
وروينا عن إبراهيم بن معقل النسفي قال: سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: خرجت كتاب"الجامع"في بضع عشرة سنة وجعلته فيما بيني وبين الله حجة.
وروينا عنه أنه قال: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: ما
(1) في هامش النسخ المعتمدة جميعها تعليق نصه: هو أَبُو علي سَعِيد بْن عُثْمَانَ ابن السكن الحافظ. "قال بشار بن عواد: هو بغدادي نزل مصر، وكان حافظا حجة توفي سنة 353 (الذهبي: تذكرة الحفاظ: 3 / 937، ووفيات سنة 253 من تاريخ الاسلام مجلد أيا صوفيا: 3008 بخط المؤلف) .
أدخلت في كتاب"الجامع"إِلا مَا صح، وتركت من الصحاح لحال الطول.
وَقَال أَبُو عَبْد اللَّهِ بْن مندة الْحَافِظ: سمعت أَبَا علي الحسين بن علي النيسابوري يَقُول: ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم بن الحجاج في علم الحديث.
وَقَال محمد بن الحسين الماسرجسي عَن أبيه (1) : سمعت مسلم بْن الحجاج يَقُول: صنفت هذا المسند الصحيح من ثلاث مئة ألف حديث مسموعة.
وَقَال أَحْمَد بْن سَلَمَة النَّيْسَابُورِيّ: رأيت أبا زرعة وأبا حاتم يقدمان مسلم بْن الحجاج في معرفة الصحيح على مشايخ عصرهما.
وَقَال أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن عبد العزيز الهاشمي المكي: سمعت أبا داود السجستاني بالبصرة، وسئل عن رسالته التي كتبها إلى أهل مكة جوابا لهم، فأملى علينا: سلام عليكم، فإني أحمد إليكم اللَّهَ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هو، وأسأله أن يصلي على محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم. أَمَّا بعد: عافانا الله وإياكم، فهذه الأربعة آلاف والثمان مئة حديث كلها من الاحكام، فأما أحاديث كثيرة من الزهد والفضائل وغيرها من غير هذا، فلم أخرجها، والسلام عليكم ورحمة الله وصلى الله على محمد النبي وآله.
(1) في حاشية النسخ: هو أَبُو علي الحسين بْن مُحَمَّدِ". قال بشار: هو أَبُو علي الحسين بْن مُحَمَّدِ بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الحسين بن عيسى بن ماسرجس وإليه نسبوا النيسابوري صاحب المسند العظيم الذي قال الحاكم: إنه في ألف وثلاث مئة جزء لم يصنف في الاسلام مثله. توفي سنة 365. وهذه العبارة التي رواها عَن أبيه في صحيح مسلم أوردها الحاكم في تاريخ نيسابور كما جاء في تذكرة الحفاظ: 3 / 956، وتاريخ الاسلام للذهبي، الورقة 68 (أيا صوفيا: 3008) .
وَقَال أَبُو بكر بْن داسة: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ يَقُولُ: كَتَبْتُ عن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خمس مئة أَلْفِ حَدِيثٍ انْتَخَبْتُ مِنْهَا مَا ضَمّنته هذا الكتاب، يعني كتاب السنن، جمعت فيه أربعة آلاف حديث وثمان مئة حديث ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه، ويكفي الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث: أحدها قوله صلى الله عليه وسلم: الأعمال بالنيات"، والثاني قوله صلى الله عليه وسلم": مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ ما لا يعنيه" (1) ، والثالث: قوله صلى الله عليه وسلم: لا يكون المرء (2) مؤمنا حَتَّى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه"(3)، والرابع: قوله صلى الله عليه وسلم: الحلال بين، والحرام بين، وبين ذلك أمور مشتبهات..الحديث" (4) .
وَقَال أبو بكر الصولي: سمعت زكريا بن يحيى الساجي يقول: كتاب الله أصل الاسلام، وكتاب السنن لابي داود عهد الاسلام.
وَقَال إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد الصفار: سمعت محمد بن إسحاق
(1) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ (2318) ، وابْنُ مَاجَهْ (3976) مِنْ حديث أبي هُرَيْرة وفي سنده ضعف لكن له شاهد من حديث الحسين بن علي عند أحمد 1 / 201، والطبراني، ومن حديث أبي بكر عند الحاكم في الكنى، ومن حديث أبي ذر عند الشيرازي، ومن حديث علي بْن أَبي طالب عند الحاكم في تاريخه، ومن حديث زيد بن ثابت عند الطبراني في الاوسط، ومن حديث الحارث بن هشام عند ابن عساكر، فهو صحيح بهذه الشواهد. (ش)
(2)
في "د": المؤمن.
(3)
أخرجه البخاري 1 / 53 في الايمان: باب من الايمان أن يحب لاخيه ما يحب لنفسه، ومسلم (44) في الايمان: باب وجوب محبة رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
…
، والطيالسي (2004) ، وأحمد 3 / 177، 207، 275، 278، والدارمي 2 / 307، وابن ماجه (65)، وأبو عوانة 1 / 33 من حديث أَنَس بْن مَالِك بلفظ"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه". وزاد أحمد وأبو عوانة والنَّسَائي والإِسماعيلي: من الخير". (ش)
(4)
أخرجه البخاري 1 / 116، 119 في الايمان: باب فضل من استبرأ لدينه، و4 / 248 في البيوع: باب الحلال بين والحرام بين، ومسلم (1599) في المساقاة: باب أخذ الحلال وترك الشبهات من حديث النعمان بن بشير ولفظه بتمامه عن مسلم:
"إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس. فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه. ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام. كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يرتع فيه.
الا وإن لكل ملك حمى. ألا وإن حمى الله محارمه. ألا وإن في الجسد مضغة، إذ صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب". (ش)
الصغاني يقول: ألين لأبي داود الحديث كما ألين داود الحديد.
وَقَال أبو سُلَيْمان الخطابي: سمعت ابن الاعرابي يقول ونحن نسمع منه هذا الكتاب يعني كتاب السنن وأشار إلى النسخة وهي بين يديه: لو أن رجلا لم يكن عنده من العلم إلا المصحف الذي فيه كتاب الله عزوجل، ثم هذا الكتاب لم يحتج معهما إلى شيء من العلم بتة. قال الخطابي: وهذا كما قال لا شك فيه، لان الله تعالى أنزل كتابه تبيانا لكل شيء، وَقَال: {ما فرطنا في الكتاب من شئ) {1) ، فأخبر سبحانه وتعالى وبحمده أنه لم يغادر شيئا من أمر الدين لم يتضمن بيانه الكتاب. إلا أن البيان على ضربين: بيان جلي، تناوله الذكر نصا، وبيان خفي اشتمل على معنى التلاوة ضمنا، فما كان من هذا الضرب كان تفصيل بيانه موكولا إِلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وهو معنى قوله سبحانه وتعالى: {لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) {2) . فمن جمع بين الكتاب والسنة فقد استوفى وجهي البيان. وقد جمع أبو داود في كتابه هذا من الحديث في أصول العلم، وأمهات السنن، وأحكام الفقه ما لا نعلم متقدما سبقه إليه، ولا متأخرا، لحقه فيه.
قال أبو سُلَيْمان: واعلموا رحمكم الله أن كتاب السنن لابي داود كتاب شريف لم يصنف في حكم الدين كتاب مثله، وقد رزق القبول من كافة الناس فصار حكما بين فرق العلماء وطبقات الفقهاء. على اختلاف مذاهبهم، ولكل فيه ورد، ومنه مشرب، وعلى معول أهل العراق وأهل مصر وبلاد المغرب وكثير من مدن أقطار الارض فأما أهل خراسان فقد أولع أكثرهم بكتاب محمد بن إسماعيل، ومسلم ابن الحجاج ومن نحا نحوهما في جمع الصحيح على شرطهما في
(1) سورة الانعام: الآية: 38.
(2)
سورة النحل، الآية:44.
السبك والانتقاد، إلا أن كتاب أبي داود أحسن وضعا، وأكثر فقها، وكتاب أبي عيسى أيضا كتاب حسن، والله تعالى يغفر لجماعتهم، ويحسن على جميل النية فيما سعوا له مثوبتهم برحمته.
ثم اعلموا أن الحديث عند أهله على ثلاثة أقسام: حديث صحيح، وحديث حسن، وحديث سقيم.
فالصحيح عندهم: ما اتصل سنده وعدلت نقلته.
والحسن منه: ما عرف مخرجه، واشتهر رجاله، وعليه مدار أكثر الحديث، وهو الذي يقبله أكثر العلماء ويستعمله عامة الفقهاء. وكتاب أبي داود جامع لهذين النوعين من الحديث.
فأما السقيم منه، فعلى طبقات شرها الموضوع، ثم المقلوب (1) ، ثم المجهول. وكتاب أبي داود خلي منها، برئ من جملة وجوهها، وإن وقع فيه شيء من بعض أقسامها لضرب من الحاجة تدعوه إلى ذكره، فإنه لا يألو أن يبين أمره، ويذكر علته، ويخرج من عهدته.
قال: ويحكى لنا عَن أبي داود أنه قال: ما ذكرت في كتابي حديثًا اجتمع الناس على تركه.
قال: وكان تصنيف علماء الحديث قبل زمان أبي داود الجوامع والمسانيد ونحوهما، فتجمع تلك الكتب إني ما فيها من السنن والاحكام أخبارا وقصصا ومواعظ وآدابا (2) . فأما السنن المحضة فلم
(1) المقلوب نوعان، الاول: أن يكون الحديث مشهورا براو فيجعل في مكانه آخر في طبقته، والثاني: أن يؤخذ إسناد متن فيجعل على متن آخر وبالعكس. (انظر التفاصيل في تدريب الراوي: 191 فما بعد) .
(2)
تضم كتب"الجوامع"جميع أبواب الحديث المعروفة وهي: العقائد، والاحكام، والرقائق، وآداب الطعام والشراب، والتفسير والتاريخ والسير، والشمائل، والفتن، والمناقب: أما المسانيد جمع مسند فهي تضم جميع أبواب الحديث أيضا لكنها مرتبة على أسماء الصحابة، لذلك قال الخطابي هذه المقالة.
يقصد واحد منهم جمعها واستيفاءها ولم يقدر على تحصيلها واختصار مواضعها من أثناء تلك الاحاديث الطويلة ومن أدلة سياقها على حسب ما اتفق لابي داود، ولذلك حل هذا الكتاب عند أئمة الحديث وعلماء الاثر محل العجب، فضربت فيه أكباد الابل، ودامت إليه الرحل.
وَقَال أبو سَعْد عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد الادريسي الحافظ: مُحَمَّد بْن عيسى بْن سورة التِّرْمِذِيّ الحافظ الضرير، أحد الأئمة الذين يقتدى بهم في علم الحديث، صنف كتاب"الجامع"والتواريخ والعلل تصنيف رجل عالم منتق، كان يضرب به المثل في الحفظ.
وَقَال أَبُو الفضل مُحَمَّد بْن طاهر المقدسي الحافظ: سمعت الإمام أبا إِسْمَاعِيل عَبد اللَّهِ بْن مُحَمَّد الأَنْصارِيّ بهراة، وجرى بين يديه ذكر أبي عيسى التِّرْمِذِيّ وكتابه، فقال: كتابه عندي أنفع من كتاب البخاري ومسلم، لان كتابي البخاري ومسلم لا يقف على الفائدة منهما إلا المتبحر العالم، وكتاب أبي عيسى يصل إلى فائدته كل أحد من الناس.
وَقَال أبو الفضل بن طاهر أيضا: سألت الإمام أبا القاسم سعد ابن علي الزنجاني بمكة عن حال رجل من الرواة فوثقه، فقلت: أن أبا عَبْد الرحمن النَّسَائي ضعفه، فقال: يا بني إن لابي عبد الرحمن في الرجال شرطا أشد من شرط البخاري ومسلم.
وَقَال الحاكم أَبُو عَبْد اللَّهِ بن البيع الحافظ: سمعت أبا الحسن أحمد بْن محبوب الرملي بمكة يَقُول: سمعت أَبَا عَبْد الرَّحْمَنِ أحمد بن شعيب النَّسَائي يقول: لما عزمت على جمع كتاب السنن استخرت الله تعالى في الرواية عن شيوخ كان في القلب منهم بعض الشئ، فوقعت الخيرة على تركهم، فنزلت في جملة من الحديث كنت أعلو فيه عنهم.
وَقَال عبد الغني بْن سَعِيد المِصْرِي الحافظ: سمعت أَبَا علي الْحَسَن بْن خضر السيوطي يَقُولُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم في النوم وبين يدي كتب كثيرة فيها كتاب السنن لابي عبد الرحمن، فقال لي صلى الله عليه وسلم: إِلَى متى وإلى كم، هذا يكفي، وأخذ بيده الجزء الاول من كتاب الطهارة من السنن لابي عبد الرحمن، فوقع في روعي أنه يعني كتاب السنن لابي عبد الرحمن أحب إليه.
وَقَال أبو الفضل بن طاهر المقدسي: رأيت على ظهر جزء قديم بالري حكاية كتبها أبو حاتم الحافظ المعروف بخاموش يعني أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بن خاموش الرازي الواعظ قال أبو زُرْعَة الرازي: طالعت كتاب أبي عَبد الله بن ماجة، فلم أجد فيه إلا قدرا يسيرا مما فيه شيء، وذكر قريب بضعة عشر، أو كلاما هذا معناه.
وَقَال الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم بْن عساكر: قرأت بخط أبي الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عُبَيد اللَّه بْن الْحَسَن بْن الْحُسَيْن بْن بابويه (1) الرازي شاب كان يسمع معنا الحديث بالري سنة تسع وعشرين وخمس مئة قال أَبُو عَبد اللَّهِ بْن ماجة: عرضت هذه النسخة على أبي زرعة فنظر فيه، وَقَال: أظن إن وقع هذا في أيدي الناس تعطلت هذه الجوامع كلها أو قال: أكثرها ثم قال: لعله لا يكون فيه تمام ثلاثين حديثًا مما في إسناده ضعف، أو قال: عشرين أَوْ نَحْوَ هَذَا مِنَ الْكَلامِ، قال: وحكي أنه نظر في جزء من أجزائه وكان عنده في خمسة أجزاء (2) .
هذا بعض ما حضرنا من أقوال الأئمة في فضيلة هذه الكتب الستة. وأما مناقب مصنفيها وفضائلهم، فسيأتي ما تيسر من ذلك في ترجمة كل واحد منهم في مواضعها من الكتاب إن شاء الله تعالى.
(1) قيد الذهبي بابويه في "المُشْتَبِه": 38.
(2)
علق الذهبي على هذه الحكاية بقولة: سنن أبي عَبد الله كتاب حسن لولا ما كدره أحاديث واهية ليست بالكثيرة" (تذكرة 2 / 636) .