الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وغالبا ما ينقل هؤلاء الواحد عن الآخر، لكننا وجدنا أكثر التراجم أصالة ومنفعة هي تراجم الذهبي والصفدي والسبكي وابن كثير وابن حجر لما حوته من معلومات متنوعة.
بيئة المزي ونشأته:
كانت بلاد الشام منذ النصف الثاني من القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) تعيش في ظل دولة المماليك البحرية التي قامت على أنقاض الدولة الايوبية، وأصبحت من أعظم مراكز القوى في العالم الاسلامي بسبب قدرتها على إيقاف التقدم المغولي المدمر الذي قضى على الخلافة العباسية ببغداد.
وعاشت دمشق آنذاك وهي تشهد عز الاسلام..عيدت أولا في سنة (658) على خير عظيم حينما تمكنت جيوشها من هزيمة جيوش المغول المدمرة شر هزيمة في "عين جالوت"غربي بيسان من أرض فلسطين الصابرة، وتنظيف البلاد الشامية من فلولهم المدحورة..
وعيدت ثانية في السنة نفسها بولاية مجاهد عظيم عليها هو السلطان العظيم الملك الظاهر ركن الدين أبو الفتوح بيبرس"658 676"، ثم شهدته بعد ذلك الانتصار وهو يكيل الضربات القوية للعدو الصليبي المخذول يحاول إزاحته من أرض العَرُوبَة والاسلام حتى أوهنه وأوهاه وأنحله وأضناه، وحرر القسم الاكبر من السواحل الشامية التي كانت بأيدي الغزاة الصليبيين (1) ، فأعاد بذلك سيرة السلطان المجاهد صلاح الدين يوسف الايوبي رضي الله عنه في الجهاد.
ثم شهدت هذه المدينة المجاهدة في سنة (690) تحرير آخر
(1) تاريخ الاسلام للذهبي، الورقة 35 34 (أيا صوفيا: 3014) .
شبر من أرض العَرُوبَة والاسلام وتنظيف البلاد من الغزاة الصليبيين على عهد السلطان الملك الاشرف صلاح الدين خليل (1)
..سمعت المنادي في مستهل ربيع الاول من السنة ينادي للغزاة في سبيل الله إلى عكا، وشاهدت المطوعة، وفيهم المحدثون والفقهاء والمدرسون والصالحون ينضمون إلى الجيش. قال الإمام الذهبي: وكان يومها شابا في السابعة عشرة من عُمَره: وجاءت إليه جيوش الشام بأسرها، وأمم لا يحصيهم إلا الله تعالى من المطوعة، فكانوا قدرالجندمرات" (2) ..شاهدت هؤلاء الأئمة الاعلام، وهم يجرون عجل المنجنيقات يرتلون القرآن الكريم، ويقرؤون أحاديث الجهاد، يتجهون نحو تحرير الارض، وصيانة حرمة الاسلام، فلم يلبث أن فتح المسلمون عكا في يوم واحد، كان يوم الجمعة المبارك السابع عشر من جمادى الاولى من السنة. وتوالت الانتصارات بعد فتح عكا، ففتحت صور، وصيدا، وبيروت، وغيرها حتى حررت جميع السواحل الشامية ونظفت من دنس الغزاة (3) .
وكانت بلاد الشام إلى جانب ذلك قد أصبحت مركزا كبيرا من مراكز الحركة الفكرية، فيها من المدارس العامرة، ودور القرآن والحديث العدد الكثير، عمل على تعميرها حكامها وبعض المياسير من أهلها، ونشطت في عهد الشهيد نور الدين محمود بن زنكي. وكانت العناية بالدراسات الدينية من تفسير وحديث وفقه وعقائد وما يتصل بها
(1) قال الذهبي في ترجمة من تاريخ الاسلام: جلس على تخت الملك سنة تسع وثماني وست مئة، واستفتح الملك بالجهاد فسار ونازل عكا وافتتحها ونظف الشام كله من الفرنج..ولو طالت حياته لاخذ العراق وغيرها، فإنه كان بطلا شجاعا مقداما مهيبا عالي الهمة يملا العين ويرجف القلب رأيته مرات.." (الورقة: 225 من مجلد أيا صوفيا ذي الرقم 3014) .
(2)
تاريخ الاسلام للذهبي، الورقة: 205 من المجلد المذكور.
(3)
البرزالي: المقتفي لتاريخ أبي شامة (حوادث سنة 690) من نسختي المصورة عن أحمد الثالث 2951، وتاريخ الاسلام للذهبي: 207 205 من المجلد المذكور، والبداية لابن كثير: 13 / 321.
من علوم العربية هي السمة البارزة لهذا العصر، فأنتجت هذه الحركة أكلها في القرن الثامن الهجري الذي تبوأت فيه دمشق السيادة العلمية والفكرية في جميع أنحاء العالم الاسلامي بما أنتجت من تراث فكري، وأنجبت من علماء بارزين في هذه الميادين.
لكننا لاحظنا، ونحن نرصد هذه الحركة تباينا شديدا في قيمة الانتاج الفكري لهذه الفترة وأصالته، فوجدنا الكثير من المؤلفات الهزيلة التي لم تكن غير تكرار لما هو موجود في بطون الكتب السابقة، ثم وجدنا بعض المؤلفات التي امتازت بالاصالة والابداع والمناهج العلمية المتميزة. وقد زاد من صعوبة الابداع وخاصة في العلوم الدينية أن الواحد من العلماء كان يجد أمامه تراثا ضخما ممتدا عبر القرون في الموضوع الذي يوم التأليف فيه، وهو في وضعه هذا يختلف عن المؤلفين الاولين الذي لم يجابهوا مثل هذا التراث الغزير (1) .
في هذه البيئة السياسية والفكرية ولد الحافظ جمال الدين أبو الحجاج يوسف ابن الزكي عَبْد الرَّحْمَنِ بْن يُوسُف بْن علي بن عبد الملك بن علي بن أَبي الزهر الكلبي القضاعي المزي في ليلة العاشر من شهر ربيع الآخر سنة (654) بظاهر حلب (2) من عائلة عربية الاصل ترجع إلى قبيلة كلب القضاعية التي استوطنت البلاد الشامية منذ فترة مبكرة.
وانتقل جماد الدين إلى دمشق، فسكن المزة (3) القرية الكبيرة الغناء الواقعة في وسط بساتين دمشق جنوب غربيها والظاهر أن الكلبيين كانوا يكونون القسم الاكبر من سكانها منذ العهود الاسلامية الاولى،
(1) ينظر كتابنا: الذهبي ومنهجه: 75 فما بعد (القاهرة: 1976) .
(2)
الذهبي في معجم الشيوخ: 2 / الورقة: 90، وعيون التواريخ لابن شاكر، الورقة: 59، وأعيان العصر للصفدي، الورقة: 123، وطبقات السبكي: 10 / 400.
(3)
انظر عن"المزة"معجم البلدان لياقوت: 4 / 532.
لذلك قيل فيها: مزة كلب"، قال الشاعرابن قيس الرَّقِّيّات:
حبذا ليلتي بمزة كلب • غال عني بها الكوانين غول
وبها على ما يروى قبر الصحابي دحية بن خليفة بن فروة الكلبي القضاعي (1) ، فلعل هذا هو الذي يفسر اختيار هذا المكان من دمشق سكنا له، إذ ربما كان له فيها بعض الاقرباء. ولا نعلم فيما إذا كان قدم دمشق وحده أم صحبة عائلته حيث تسكت المصادر عن ذلك، كما لا نعلم متى كان قدومه، ولكن يظهر أنه قدم منذ فترة مبكرة لقول تلميذه ورفيقه الإمام الذهبي: نشأ بالمزة" (2) .
وقرأ يوسف القرآن الكريم وشيئا من الفقه، لكن عائلته على ما يظهر، لم تعتن به العناية الكافية ولم توجهه إلى طلب الحديث منذ فترة مبكرة كما فعلت عائلة رفيقه وتلميذه الإمام الذهبي (3) ، ويبدو أنها لم تكن عائلة مشهورة بالعلم والطلب، ولم يكن والده من العلماء المشهورين (4) ، فلم يكن له إلا أن يطلبه هو بنفسه حينما بلغ الحادية والعشرين من عُمَره، فكان أول سماعه في سنة (675)(5) ، فلو كان له من يعتني به، ويستجيز له، ويوجهه، لادرك إسنادا عاليا، قال تلميذه
(1) معجم البلدان: 4 / 532، وراجع الاسيتعاب لابن عَبد الْبَرِّ: 2 / 461.
(2)
تذكرة الحفاظ: 4 / 1498، ومعجم الشيوخ: 2 / الورقة: 90.
(3)
انظر كتابنا: الذهبي ومنهجه: 81 78. ووجدنا أخا الذهبي من الرضاعة أبا الحسن بن العطار"724 654"يستجيز للذهبي جملة من مشايخ عصره في سنة مولده"الدرر لابن حجر: 3 / 426) . وقد انتفع الذهبي بهذه الاجازة انتفاعا شديدا (وراجع معجم شيوخ الذهبي: م 1 / الورقة: 8 و12 و18 و80 و90 م 2 / الورقة: 6 و31 و59 و60 و87 و88 وغيرها) .
(4)
وصف الذهبي في معجم شيوخه والد المزي بأنه"الشيخ العالم المقرئ زكي الدين عبد الرحمن"، لكن الكتب المعنية بالقراء لم تترجم له! (5) أعيان العصر: 12 / الورقة: 123، وتذكرة الحفاظ: 4 / 1498، ومعجم الشيوخ: 2 / الورقة: 90. وذكر الشيخ عبد الصمد شرف الدين في مقدمة تحفة الاشراف أن ذلك كان سنة 674 (1 / 22 من المقدمة) ولم نجد لذلك أصلا.