الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكتب الحافظ زين الدين عَبد الرحيم بن الحسين المعروف بالحافظ العراقي المتوفى سنة (806) بعض المستدركات على هامش نسخته أفاد منها ولده العلامة ولي الدين العراقي المتوفى سنة (826) حينما ألف جزءا مستدركا على المزي بعد أن أضاف إليه بعض ما جمعه مغلطاي (1) .
ويبدو أن الثلاثة: الزين العراقي وولده ومغلطاي لم يطلعوا في أول الامر على"لحق الاطراف"الذي استدرك به المزي على نفسه.
ثم جمع الحافظ ابن حجر كل هذه المستدركات، وأضاف إليها وأخرجها في كتاب سماه"النكت الظراف (2) ". وجمع الحافظ محمد بن فهد المكي المتوفي سنة (871) بين كتابي المزي وابن حجر بكتابه"الاشراف على الجمع بين النكت الظراف وتحفة الاشراف (3) .
أما كتاب المزي الثاني، فهو"تهذيب الكمال"وهو كتابنا هذا، فإنه يعد أعظم كتاب ألف في فنه غير مدافع أربى فيه على من تقدمه وكسب مؤلفاتهم، ولم يستطع أحد بعده حتى اليوم أن يبلغ شأوه بله أن يأتي بأحسن منه، وسيأتي الكلام عليه مفصلا في الفصل الثاني من هذه المقدمة.
2- مناصبه العلمية
ونتيجة لما بلغه المزي من منزلة مرموقة بين علماء عصره، وما عرف عنه من ديانة متينة وحفظ وإتقان وبراعة في الحديث وعلومه، فقد ولي دار الحديث الاشرفية في يوم الخميس الثالث والعشرين من
(1) مقدمة النكت الظراف لابن حجر، وكشف الظنون: 1 / 117.
(2)
يطبع في أسفل تحفة الاشراف.
(3)
يراجع في ذلك مقدمة المجلد الثاني من تحفة الاشراف.
ذي الحجة سنة (718)(1) ، وليها على الرغم من معارضة الكثيرين بسبب صحبته لشيخ الاسلام ابن تيمية وتأييده لآرائه، لكن علمه وفضله، وهما مما لا يستطيع أن ينكره الاشاعرة ولا غيرهم، جعلهم يضطرون إلى توليته هذه الدار التي كانت تعد من أكبر دور الحديث بدمشق (2) . وعلى الرغم من أنه كتب بخطه حين وليها بأنه أشعري (3) ، فقد أبانوا عن سخطهم، فلم يحضروا حفل الافتتاح كما جرت العادة آنذاك، قال العماد ابن كثير: ولم يحضر عنده كبير أحد، لما في نفوس بعض الناس من ولايته لذلك مع أنه لم يتولها أحد قبله أحق بها منه، وما عليه منهم إذا لم يحضروا؟ فإنه لا يوحشه إلا حضورهم عنده، وبعدهم آنس، والله أعلم (4) .
وقد جرت محاولات عدة لاخراجه من مشيخة هذه الدار باءت كلها بالفشل لما كان يتمتع به الحافظ المزي من المكانة الرفيعة بدمشق، تلك المكانة التي اعترف بها المخالف قبل الموافق. واستمرت المكائد تحاك ضده حتى وهوفي آخر شيخوخته، ففي سنة (739) ولى تقي الدين السبكي قضاء الشافعية بدمشق (5) ، وما إن وصل دمشق حتى حضر عنده الشيخ صدر الدين سُلَيْمان بن عبد الحكيم المالكي بعد ليلة واحدة من دخوله (6) ، وكان صدر الدين
(1) تذكرة الحفاظ: 4 / 1499، وأعيان العصر: 12 / الورقة: 123، والبداية: 14 / 89، 91، والدارس للنعيمي: 1 / 34.
(2)
منسوبة إلى الملك الاشرف مظفر الدين موسى ابن العادل الايوبي، ابتدأ عمارتها سنة 628 وافتتحت سنة 630 وأول من وليها محدث عصره الحافظ ابن الصلاح المتوفى سنة 643 (تاريخ الاسلام،
الورقة: 243 أيا صوفيا: 3012، والدارس: 1 / 19 فما بعد) .
(3)
طبقات السبكي: 10 / 398.
(4)
البداية: 14 / 89.
(5)
الذيل على العبر للذهبي: 204، وَقَال: وفرح المسلمون به"والبداية"14 / 184، وطبقات السبكي: 10 / 168.
(6)
طبقات السبكي: 10 / 398.
أشعريا جلدا متعصبا على المخالفين (1) ، ولكن التقي السبكي كان يحبه (2)، فروى التاج السبكي أن والده التقي قال: دخل إلي وقت العشاء الآخرة، وَقَال أمورا يريد بها تعريفي بأهل دمشق، قال: فذكر لي البرزالي وملازمته لي، ثم انتهى إلى المزي، فقال: وينبغي لك عزله من مشيخة دار الحديث الاشرفية، قال الشيخ الإمام (يعني التقي) ، فاقشعر جلدي، وغاب فكري، وقلت في نفسي: هذا إمام المحدثين، الله لو عاش الدارقطني استحيى أن يدرس مكانه. قال: وسكت، ثم منعت الناس من الدخول علي ليلا، وقلت: هذه بلدة كثيرة الفتن. فقلت أنا للشيخ الإمام: إن صدر الدين المالكي لا ينكر رتبة المزي في الحديث، ولكنه كأنه لاحظ ما هو شرط واقفها، من أن شيخها لابد أن يكون أشعري العقيدة، والمزي وإن كان حين ولي كتب بخطه بأنه أشعري إلا أن الناس لا يصدقونه في ذلك. فقال: أعرف أن هذا هو الذي لاحظه صدر الدين، ولكن من ذار الذي يتجاسر أن يقول: المزي ما يصلح لدار الحديث، والله ركني ما يحمل هذا الكلام (110) .
وقد استمر المزي متوليا لهذه الدار طيلة حياته، وكانت مسكنه، فكانت ولايته لها قرابة أربعة وعشرين عاما، ومنها نشر علمه الجم، وفيها حدث بكتابه العظيم تهذيب الكمال وغيره، وسمعها عليه الجلة من شيوخ العصر.
وكان المزي، إضافة إلى ذلك، شيخا لدار الحديث الحمصية المعروفة بحلقة صاحب حمص، وإن كنا لا ندري متى تولاها، ولكنه تنازل عنها لتلميذه الحافظ صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي
(1) الذيل على ذيل العبر للحسيني: 276، والدرر لابن حجر: 2 / 248، وذيول تذكرة الحفاظ: 119، وتوفي سنة 749.
(2)
طبقات السبكي: 10 / 397.
(3)
نفسه: 10 / 398 397.