الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(حكم المطلقة قبل المس وبعد الفرض)
45 -
(45) قوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)} [البقرة: 237] الآية.
* أوجب الله سبحانه في هذه الآية للمرأة إذا طُلِّقت بعد الفرض، وقبلَ المَسيس نصفَ المفروض (1).
واختلفَ القائلون بوجوبِ المُتعة هلْ تجبُ لها المتعةُ مع نصفِ المفروض؟
- قال ابنُ عباسٍ وابنُ عمرَ -رضي الله تعالى عنهم-: لها نصفُ صَداقِها، ليس لها أكثرُ من ذلك (2).
وبه قال الشافعيُّ -رضي الله تعالى عنه - (3).
(1) وهو إجماع. انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (16/ 119)، و"أحكام القرآن" لابن العربي (1/ 292)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (2/ 1/ 186).
(2)
روى أثر ابن عباس: سعيد بن منصور في "سننه"(1782)، وابن حزم في "المحلى"(10/ 246).
وروى الإمام مالك في "الموطأ" أثر ابن عمر رضي الله عنهما.
(3)
وهو قول القاسم بن محمد وشريح والنخعي وقتادة ومجاهد وعطاء ونافع، =
- وقال بعضُ أهل الظاهر: لها المتعةُ (1)؛ لعموم قوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 241]، وتخصيصُ بعضِ أفراد العموم بالذكرِ لتعليقِ حكمٍ آخرَ لا يكون تخصيصاً لعمومه، بل يجب لها نصفُ المفروضِ بهذه الآية، والمتعةُ بالآية (2) الأُخرى.
ولمخالفه أن يقول: ليس هذا تخصيصاً لبعض أفراد العموم [بالذكر مع السكوت عن باقيه، بل هو تخصيص لبعض أفراد العموم](3) بوجوبِ نصفِ المفروض.
والمُفَوِّضَةُ التي لم يُفْرَضَ لها مخصوصةٌ بذكرِ وجوبِ المُتْعَةِ، وتَخَصصهما بحكمينِ مختلفين يدلُّ على تغايُرِهما (4).
= وأبي حنيفة ومالك وأحمد. وهو قول جمهور العلماء. انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (17/ 279)، و"المقدمات الممهدات" لابن رشد (1/ 550)، و"الاختيار" للموصلي (2/ 137)، و"روضة الطالبين" للنووي (7/ 331) و"المغني" لابن قدامة (10/ 140)، و"زاد المسير" لابن الجوزي (1/ 247).
(1)
وهو قول الحسن وابن المسيب والزهري وأبي العالية وأبي قلابة وقتادة والضحاك وأبي ثور، وروي عن علي بن أبي طالب، وهو رواية عن أحمد، وهو قول ابن حزم.
انظر: "المحلى" لابن حزم (10/ 245)، و"السنن الكبرى" للبيهقي (7/ 257)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (17/ 280)، و"زاد المسير" لابن الجوزي (1/ 247)، و"المغني" لابن قدامة (10/ 140).
(2)
"بالآية" ليست في "ب".
(3)
ما بين معكوفتين ليس في "أ".
(4)
هذه الحجة في كلام ابن قدامة أوضح فقد قال: لنا قوله تعالى: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُم
…
وَمَتِّعُوهُنَّ} ثم قال: {وَإن طَلَّقتُمُوهُن مِن قَتلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ
…
فَنِصْفُ مَا فَرضْتُم} فخص الأولى بالمتعة، والثانية بنصف المفروض، مع تقسيمه للنساء قسمين وإثباته لكل قسم حكماً، فيدل ذلك على اختصاص كل=
وتخصيصُ العموم بمن خالفه منهما.
ومما يدل لبعض أهل الظاهر قولُه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ} (1)[الأحزاب: 49]، فذكر لهن المتعة في هذه الآية.
إلا أن يصحَّ ما رُوي عن ابن المسيّبِ بتوقيفٍ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه روي عنه: أنه قال: كانَتِ المتعةُ لمنْ لم يُدخَلْ بها من النساء؛ لقوله تعالى في سورة الأحزاب: {فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ} [الأحزاب: 49]، فنسخ ذلك بقوله تعالى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} (2) [البقرة: 237]، فيبطل هذا الدليل (3).
وبعيد أن يثبتَ مثلُ هذا النسخِ بتوقيفٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (4).
فإن قلتم: فما الجوابُ عن آيةِ الأحزاب؟
قلنا: لا تَعارضَ بينها وبين آية البقرة؛ فإن آية الأحزاب عامة، والمرادُ
= قسم بحكمه. انظر: "المغني"(10/ 140).
(1)
انظر الاستدلال بها في "المقدمات الممهدات" لابن رشد (1/ 550).
(2)
رواه ابن جرير الطبري في "تفسيره"(2/ 533). وانظر: "الدر المنثور" للسيوطي (1/ 698) وفيهما: أن سعيد بن المسيب قال في التي طلقت قبل الدخول وقد فرض لها: كان لها المتاع في الآية التي في سورة الأحزاب، فلما نزلت الآية التي في البقرة، جعل لها النصف من صداقها، ولا متاع لها، فنسخت آية الأحزاب.
وانظر: "الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه" لمكي (ص: 186)، و"الناسخ والمنسوخ" للنحاس (ص: 75)، و"نواسخ القرآن" لابن الجوزي (ص: 429).
(3)
أي: الاحتجاج به، وإلا فهو لا يبطل؛ لأنه آية قرآنية.
(4)
وقد ردَّ كلٌّ من النحاس وابن العربي أن يكون بين الآيتين نسخ. انظر: "الناسخ والمنسوخ" للنحاس (ص: 75)، و"الناسخ والمنسوخ" لابن العربي (2/ 99).
بها المُفَوِّضَةُ؛ إذا طُلِّقَتْ قبلَ الفَرْضِ والمَسيس؛ بدليلِ البيانِ والتقييدِ في آية البقرة، والمرادُ بآية البقرة مَنْ سُمِّي لها مَهرٌ أو فَرْضٌ (1).
فإن قلتم: فما الحكمُ فيما إذا طُلِّقَتْ قبلَ المسيسِ، ولكنه قَدْ سمَّى لها مهراً صحيحاً، وفيما إذا طُلِّقَتْ بعدَ المسيس؟
قلنا: سيأتي الكلام عليها (2) قريباً إن شاء الله تعالى.
* وفي الآية دليلٌ على أن المهرَ يستقرُّ بالدخولِ والمَسيسِ، وذلك إجماعُ (3)، وعلى أنه لا يستقرُّ قَبلَ المَسيسِ.
* والمسيسُ يقع في وضع اللغة على المَسِّ (4) مُطْلَقاً، ويقع في العرْفِ على الجِماع (5).
واختلفوا في المراد به:
- فقال قوم: الخَلْوَةُ كالإصابَةِ.
- وروي عن عمرَ -رضي الله تعالى عنه-: أنه قال: إذا أُرخيَ السترُ، وأُغلقَ البابُ، فقد وجبَ المَهْرُ، ما ذنبهنَّ إن جاءَ العجزُ من قِبَلِكم؟ (6)
وهو قول عليٍّ، وابنِ عمرَ، وزيدِ بنِ ثابتٍ -رضي الله تعالى عنهم- (7)،
(1) وانظر: "الناسخ والمنسوخ" لابن العربي (2/ 99).
(2)
"عليها" ليست في "أ".
(3)
انظر: "بداية المجتهد" لابن رشد (3/ 972).
(4)
في "ب": "اللمس".
(5)
انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 388)، و"النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (4/ 329)، و"لسان العرب" لابن منظور (6/ 219).
(6)
انظر: "الأم" للإمام الشافعي (7/ 44)، و (7/ 233)، و"مصنف عبد الرزاق"(10873)، و "السنن الكبرى" للبيهقي (7/ 256).
(7)
روى أثر علي رضي الله عنه: عبد الرزاق في "المصنف"(10863).=
والزّهْرِيِّ، والأوزاعيِّ، وأبي حنيفةَ، والشافعيِّ في القديم (1).
- وقال قوم: لا تأثيرَ للخَلْوَة، وهو قولُ ابن عباسٍ وابنِ مسعود، -رضي الله تعالى عنهم-.
قال ابن مسعود: لها نصف الصَّداقِ ما لم يُجامِعها، وإن جَلَسَ بين رِجْليها (2).
وروى طاوسٌ عن ابن عباس: أنه قالَ في الرجل يتزوجُ المرأة، فيخلو بها، ولا يمسُّها، ثم يطلقُها: ليس لها إلا نصفُ الصَّداقِ؛ لأن الله تعالى يقول: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} (3)[البقرة: 237].
قال الشافعي: وبهذا أقول (4).
= وروى أثر ابن عمر رضي الله عنهما: البيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 255).
وروى أثر زيد رضي الله عنه: الإمام مالك في "الموطأ"(2/ 527)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 255).
(1)
وقد روي ذلك عن الخلفاء الراشدين، وهو قول على بن الحسين وعروة وعطاء وإسحاق وقتادة وابن أبي ليلى، وهو مذهب الحنابلة.
انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (16/ 125)، و"معالم التنزيل" للبغوي (1/ 321)، و"أحكام القرآن" لابن العربي (1/ 192)، و"بداية المجتهد" لابن رشد (3/ 972)، و"أحكام القرآن" للجصاص (2/ 147)، و"المغني" لابن قدامة (10/ 153)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (3/ 1/ 90)، و "الاختيار" للموصلي (2/ 138).
(2)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(16704)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 255)، وابن حزم في "المحلى"(9/ 484).
(3)
رواه الإمام الشافعي في "مسنده"(ص: 298)، وفي "الأم"(5/ 215)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 254).
(4)
انظر: "الأم" للإمام الشافعي (5/ 215). =
وهو ظاهرُ الكتاب.
وصحَّ عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما-: أنه قال: يُحْمَلُ اللمسُ والمسُّ في كتاب الله تعالى على الجماع (1).
وهذا القولُ أختاره؛ لموافقته ظاهرَ القرآن، وشهادة الأصول، فإنه عاقدٌ لم يستوفِ المنفعةَ المقصودةَ بالعَقْدِ، فلم يجبْ عليه عِوَضُها (2) كسائرِ العُقود.
* ثم استثنى الله سبحانه من نصفِ المفروض، فقال:{إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} ، وهنَّ النساء، {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237].
* وقد اختلفوا في الذي بيده عقدة النكاح:
- فقال عليّ، وجُبَيْرُ بنُ مُطْعِمٍ وابن عَبّاسٍ في روايةِ عَمّارِ بنِ أبي عامرٍ، ومجاهدٌ، والضحاكُ، وابنُ سيرين، وسعيدُ بنُ المسيِّبِ، وابنُ جُبَيْرٍ، والشعبيُّ، ومقاتلُ بن حَيّانَ، وشُرَيْح، وأهلُ الكوفة، والشافعيَّ في الجديد: هو الزوجُ.
= وهذا هو قول الجديد المعتمد عند الشافعية، وهو قول جماعة من التابعين، وقال به الإمام مالك إن ادعت أنه قد مسها وكانت الخلوة خلوة بناء.
انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (16/ 129)، و"معرفة السنن والآثار" للبيهقي (10/ 245)، و"معالم التنزيل" للبغوي (1/ 321)، و"أحكام القرآن" لابن العربي (1/ 292)، و"بداية المجتهد" لابن رشد (3/ 972)، و"أحكام القرآن" للجصاص (2/ 147)، و"المغني" لابن قدامة (10/ 153)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (3/ 1/ 90)، و "الذخيرة" للقرافي (4/ 375)، و "مغني المحتاج" للشربيني (4/ 373).
(1)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(1770)، وابن جرير الطبري في "تفسيره"(5/ 102)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 424).
(2)
في "ب": "عوضاً".
وروي (1) عن الحسنِ وطاوس (2)؛ لأن الذي بيده إمساكُ العقدة وحلُّها بالطلاق هو الزوجُ، ولأن الوليَّ لا يعفو عن أموالها، فكذلك صداقُها، ولأنَّ الولي لو أُبْرِئَ من صَداقها قبل الطلاقِ، لم يَجُزْ، فكذلك بعدَه، ولأن في الأولياء مَنْ لا يجوز عفوُه؛ كابن العمِّ.
* وعفوُ الزوجِ هو أن يعطيَها الصَّداقَ كاملاً من عَفْو المُساهلَة.
وقيل: الذي بيده عُقدةُ النكاح هو الوليُّ، وبه قال ابنُ عباسٍ، والزهريُّ، وطاوسٌ، والحسنُ، وعطاءٌ؛ وعلقمةُ، وإبراهيمُ، وربيعةُ، ومالكٌ، وأحمدُ، والشافعيُّ في القديم؛ لأن ذكر العفو وردَ بعدَ الطلاق، والذي بيده عقدةُ النكاحِ عليها حينئذٍ هو الوليُّ دونَ الزوج (3).
* واتفقوا -واللهُ أعلمُ- أن قوله تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237] خطابٌ للأزواج خاصَّةً (4).
(1) في "ب": "ويروى".
(2)
"وطاوس" ليس في "ب".
(3)
انظر القولين في المصادر التالية: "الاستذكار" لابن عبد البر (16/ 118)، و "معرفة السنن والآثار" للبيهقي (10/ 240)، و"معالم التنزيل" للبغوي (1/ 321)، و "أحكام القرآن" لابن العربي (1/ 293)، و"تفسير الرازي"(3/ 2/ 154)، و"زاد المسير" لابن الجوزي (1/ 247)، و"أحكام القرآن" للجصاص (2/ 151)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (2/ 188/1)، و"المغني" لابن قدامة (10/ 160).
(4)
قلت: ليس في هذه المسألة اتفاق، بل في ذلك اختلاف؛ فهناك من قال: المراد بالخطاب: الزوجان جميعاً. قاله ابن عباس ومقاتل. وهناك من قال: الخطاب للزوج وحده، قاله الشعبي.
انظر: "تفسير الطبري"(2/ 551)، و"معالم التنزيل" للبغوي (1/ 322)، و"تفسير الرازي"(3/ 2/ 157)، و"زاد المسير" لابن الجوزي (1/ 248)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (2/ 1/ 289). =
ويدلُّ له ما روي: أن جبيرَ بنَ مطعم طلق امرأةً تزوجَها، وأرسلَ إليها بالمَهْرِ تاماً، فقيلَ لهُ: ما دعاكَ إلى هذا، إنما عليكَ نصفُ المَهْرِ؟ فقال: وأينَ (1) قولُ اللهِ عز وجل: {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237].
وفي رواية: أنا أولى بالعفو (2).
(1) في "ب": "فأين".
(2)
رواه الإمام الشافعي في "الأم"(5/ 74)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 251)، وفي "معرفة السنن والآثار"(10/ 240).