المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(من أحكام المواريث) - تيسير البيان لأحكام القرآن - جـ ٢

[ابن نور الدين]

فهرس الكتاب

- ‌(من أحكام الأيمان)

- ‌(من أحكام الطلاق)

- ‌(عدد الطلاق التي يملك الزوج فيها الرجعة)

- ‌(أحكام الخلع)

- ‌(النَّهي عن مضارَّة المطلقة)

- ‌(النهى عن عَضْل المطلقات)

- ‌(من أحكام الرضاع)

- ‌(عدة المتوفى عنها زوجها)

- ‌(التعريض بخطبة المعتدَّة)

- ‌(طلاق المفوّضة)

- ‌(حكم المطلقة قبل المس وبعد الفرض)

- ‌(الصلاة الوسطى، وصلاة الخوف)

- ‌(عدَّةُ المتوفَّى عنها)

- ‌(متعة المطلقة)

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌(من أحكام الزكاة)

- ‌(صدقة التطوع)

- ‌(تحريم الرِّبا)

- ‌(وجوبُ تركِ التَّعامُل بالرِّبا)

- ‌(المُداينة)

- ‌(الرَّهن)

- ‌سُورَةُ آلَ عِمْرَانَ

- ‌(النَّهي عن اتخاذ الكافرين أولياء)

- ‌(فَرضُ الحجِّ)

- ‌(الشوري)

- ‌سُورَةُ النِّسَاءِ

- ‌(من أحكام اليتامي)

- ‌(من أحكام المواريث)

- ‌(من أحكام الوصية)

- ‌(من أحكام المواريث)

- ‌(من أحكام الحدود)

- ‌(من أحكام التوبة)

- ‌(من أحكام النكاح)

- ‌(من أحكام البيوع)

- ‌(من أحكام القضاء)

- ‌(من أحكام المواريث)

- ‌(من أحكام النكاح)

- ‌(من أحكام الطهارة والصلاة)

- ‌(من أحكام الإمامة)

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌(من أحكام السَّلام)

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌(من أحكام القصاص والديات)

الفصل: ‌(من أحكام المواريث)

(من أحكام المواريث)

67 -

(8) قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 11].

* ذكر اللهُ سبحانه في هذه الآية ميراثَ الأولادِ الذكورِ والإناثِ، فإن كانتْ واحدة، فلها النصفُ، وإن كنَّ فوق اثنتين، فلهنَّ ثُلُثَا ما تركَ، وقد علم بهذا ميراثُ المذكور إن تمحَضوا، فإن كانَ ابنا واحدًا فله الكلُّ؛ لأنه مثلُ حظِّ الأنثيين عند انفرادهما بأبوين، وإن كانوا أكثرَ من ذلك، فالمالُ بينهم بالتَّعْصيب، وهذا إجماعٌ من الأمة (1).

ويزيدُه بياناً ما رويناه في "الصحيحين" عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما-، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أَلْحِقُوا الفَرائِضَ بأَهْلِها، فما بقِيَ فهو لأوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ"(2).

(1) انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (15/ 389)، و"بداية المجتهد" لابن رشد (4/ 1558).

(2)

رواه البخاري (6351)، كتاب: الفرائض، باب: ميراث الولد من أبيه وأمه، =

ص: 256

فالبنون (1) أولى الرجال بالميت (2).

* وأجمعتِ الأمةُ أيضًا على أن للبنتين الثُّلُثين (3)، إلا ما رُوي عن ابنِ عباسٍ -رضي الله تعالى عنهما-: أنه قال: للبنتين النصفُ، والثلثان مختصٌّ بالثَّلاثِ، فصاعداً؛ أخذاً بَظاهر قوله تعالى:{فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} (4)[النساء: 6]، وأقلُّ الجمع عنده وفي لسانِ قومه ثلاثٌ، ولهذا لم تُحجَبُ الأمُّ من الثلثِ إلى السدسِ بالأخوين؛ لأنهما ليسا عنده بإخوة.

فإن قلتم: فكيف المَخْلَصُ من شبهته؟

قلت (5): يكون المخلصُ من ثلاثة أوجه:

أحدها: أن المراد بالنساء الاثنتين إما حقيقةً، وإما (6) مجازاً، وكلمة (فوق) صلة و (7) زيادةٌ (8)؛ لما روى عبدُ الله بنُ محمدِ بن عقيلٍ، عن جابر

= ومسلم (1615)، كتاب: الفرائض، باب: ألحقوا الفرائض بأهلها.

(1)

في "ب": "فالبنين".

(2)

قال النووي في "شرح مسلم"(11/ 53): وحكمته أن الرجال تلحقهم مؤن كثيرة بالقيام بالعيال والضِّيفان والأرقَّاء والقاصدين ومواساة السائلين وتحمل الغرامات وغير ذلك.

(3)

انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (5/ 323)، و"المحرر الوجيز" لابن عطية (2/ 15)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (5/ 60). قال ابن عبد البر: وما أعلم في هذا خلاف بين علماء المسلمين إلا رواية شاذة لم تصح عن ابن عباس.

(4)

المراجع السابقة.

(5)

في "ب": "قلنا".

(6)

في "ب": "و".

(7)

في "ب": "أو".

(8)

قال القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن"(5/ 63): وقيل: "فوق" زائدة؛ أي: إن كن نساء اثنتين، كقوله تعالى:{فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ} ؛ أي: الأعناق. وردَّ هذا القولَ النحاسُ وابنُ عطية وقالا: هو خطأ؛ لأن الظروف وجميع الأسماء=

ص: 257

-رضي الله تعالى عنه -: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أعطى البنتين الثلثين (1).

وثانيها: أنه من مجاز التقديم، والتقدير (2):(فإن كنَّ نساءً اثنتين فما (3) فوقَ ذلك)، و (فوق) كلمة تستعمل في ذلك كثيرًا؛ كقوله تعالى:{فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ} [الأنفال: 12]، أي: فاضربوا الأعناق فما فوقها، فأرشدَ إلى ضربِ الرأسِ والعنقِ؛ لما فيه من النكاية فيهما؛ لضعفهما، واجتماعِ العروق فيهما، وخفةِ لباسهما، وسكونِ العقل فيهما، وهذا أحسنُ مِنْ مجازِ الزيادةِ والصلة؛ لما ذكرتُه، ولما فيه من الدلالةِ على حكمِ الثلاث.

وثالثها: وهو أسدُّها -إن شاء الله تعالى-، وهو أن الألفاظَ باقية على حقائقِها من وقوعِ جميع النساءِ على الثلاث، ومن استعمال كلمة (فوق)

= لا يجوز في كلام العرب أن تزاد لغير معنى. قال ابن عطية: ولأن قوله تعالى: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ} هو الفصيح، وليست "فوق" زائدة، بل هي محكمة المعنى، انتهى.

قلت: ويظهر أن المؤلف رحمه الله قد جعل كلام القرطبي الذي ذكرته آنفًا مفرعًا على قولين؛ حيث جعل منه القول الثاني، وأنه من مجاز التقديم.

وانظر: "إعراب القرآن" للنحاس (1/ 439)، و"المحرر الوجيز" لابن عطية (2/ 15).

(1)

رواه أبو داود (2891)، كتاب: الفرائض، باب: في ميراث البنات، وابن ماجه (2720)، كتاب: الفرائض، باب: فرائض الصلب، والإمام أحمد في "المسند"(3/ 352)، وأبو يعلى الموصلي في "مسنده"(2039)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 395)، والدارقطني في "سننه"(4/ 79)، والحاكم في "المستدرك"(7954)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 229)، عن عبد الله بن محمَّد بن عقيل.

(2)

في "أ": "والتأخير" وهو خطأ.

(3)

"اثنتين فما": ليس في "أ".

ص: 258

فيما زاد على اثنتين من غيرِ تقديم وتأخير، وأن حكم الثنتين (1) مأخوذٌ من فَحوى الخطاب، لا من نصِّ الخطاب، فذكر (2) الله سبحانه أن فرضَ البنتِ الواحدة النصفُ، وذكر أن فرض البنات اللاتي هن فوق الاثنتين الثلثانِ، وأكد جَمْعَ النساء بقوله:{فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} ؛ لئلا يَظُنَّ ظانٌّ أن المرادَ بالجمعِ اثنتان فقط، فيتوهم أن للثلاثِ والأربعِ وما زادَ كلَّ المال؛ لكونهم زادوا على ضعف الواحدة، ولقوة البنوة، ولهذا قدَّمه في الذِّكر على الواحدة، اهتمامًا به، ولم يقصد به مخالفةَ حكمِ الثلاثِ حكمَ الاثنتين في مقدار النصيب، بل حكمُ اثنتين ملحقٌ بحكمِ الثلاثِ؛ لمفهوم قوله:{وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} ؛ فإنَّه يدلُّ على أن الاثنتين لهما أكثرُ من النصف، فألحقنا الاثنتين بالثلاث؛ كالأخوات، بل البنتين (3) أولى بأخذ الثلثين من الأختين، ولأن إلحاقَ البنتينِ (4) بالثلاثِ أولى من إلحاقهما بالواحدة؛ لمشاركتهما في وقوع الجمع عليهما، إما مجازًا، وإما حقيقة كالثلث.

وهذا أحسنُ جوابٍ؛ لما فيه من إبقاء الألفاظ على حقائقها، والسلامةِ من الوقوع في المجاز من غير ضرورة، ولما فيه من العمل بالمفهوم المعضود بالقياس، ولا شك أنَه خيرٌ من المجاز في الاستعمال، وأقوى في الاستدلال.

وظنِّي أن هذا النقلَ عن ابن عباسٍ غيرُ صحيحٍ (5)؛ فإنّ لا يُظَنُّ به أن

(1) في "ب ": "البنتين".

(2)

في "أ": "وذكر".

(3)

في "أ": "البنتان".

(4)

في "ب": "الثنتين".

(5)

قال ابن عبد البر "الاستذكار"(5/ 323): وهذه الرواية منكرة عند أهل العلم قاطبة، كلهم ينكرها ويدفعها بما رواه ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بيع مسعود، عن ابن عباس: أنه جعل للبنتين الثلثين، انتهى. =

ص: 259

يجعل نصيبَ البناتِ دونَ نصيبِ الأَخَوات، ولا أنه يجعلُ إلحاقَ الاثنتين بالواحدة أولى من الثلاث، ولكنه لما كان مذهبُه في الإخوة في نقصان الأم أنهم لا يقعون على الاثنتين؛ لكونهما ليسا بجمعٍ عنده وفي لسان قومه، اعتقد من اعتقد أن مذهبه هنا كذلك؛ لكون النساء جمعًا لا (1) يقعُ على الاثنتين؛ فنقل مَذْهباً له، وليس كذلك، فالطريق هنا غير الطريق هناك، والله أعلم.

* ثم ذكر الله سبحانه ميراث الأبوين، ففرض لهما السدس عند وجود الولد، وفرضَ للأم وحدَها الثلثَ عند عدم (2) الولد، وسكت عن الأب، ولا شك أنه يفهم من سياق ذلك أن له الباقي، مع ما روينا في "الصحيحين" عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:"اقْسِموُا المالَ بَيْنَ أَهْلِ الفَرائِضِ على كتابِ اللهِ تَعالى، فما تَرَكَتْ فَلأِوْلى رَجُلٍ ذَكَرٍ"(3).

فإن قلتم: فإذا كانَ الولد بنتاً، فإنَّه يقتضي أنه ليس للأب إلا السدسُ فقط، وهو يأخذ الجميع.

فالجواب: أنه يأخذ الجميع بجهتين مختلفتين، يأخذُ السدسَ بالفرضِ المذكور في الآية، والباقي بالتعصيب؛ للحديث السابق (4).

= قلت: وذهب القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن"(5/ 63) إلى تصحيح الرواية عن ابن عباس، وهو في ذلك تبعٌ للنحاس في "إعراب القرآن"(1/ 439).

إلا أن الصحيح ما قدمته عن ابن عبد البر، والله أعلم.

(1)

في "ب": "فلا".

(2)

في "ب": "وجود".

(3)

تقدم تخريجه بلفظ: "ألحقوا الفرائض

". وبلفظ: "اقسموا المال

" رواه مسلم (1615)، كتاب: الفرائض، باب: ألحقوا الفرائض بأهلها، عن ابن عباس.

(4)

انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (5/ 66).

ص: 260

ولهذا قال رجل للشعبيِّ لَمّا سأله عن رجل ماتَ وخلَّفَ بِنْتًا وأبًا، فقالَ: للابنةِ النصفُ، والباقي للأب: أصبتَ المعنى، وأخطأتَ العبارةَ، قل: للأبِ السدسُ، وللابنةِ النصفُ، والباقي للأب (1).

فإن قلتم: فهذا يؤدي إلى أن الأب لا يأخذ مِثْلَيْ ما تأخذ الأمُّ فيما إذا تركَ زوجةً وأَبَوَيْنِ، بل يؤدِّي إلى أنها تأخذُ أكثر من الأبِ فيما إذا تركتْ زوجًا وأبوين (2)، وجميعُ ذلك مخالفٌ لقياسِ الأصول.

والجوابُ (3) أن هذا سؤال قويٌّ ظاهرٌ، وقد أخذ به ابنُ عباس، فجعل (4) في الأولى للزوجة الربع، وللأم الثلث من رأس المال؛ لأنهن ذواتُ الفرض، وللأب ما بقي؛ لأنه ذو تعصيب، وجعل في الثانية للزوجِ النصف، وللأمِّ الثلث من رأس المال، وللأب ما بقي (5)، وتابعه شريحٌ القاضي، وداودُ، وابنُ شُبْرُمَةَ، وجماعةٌ، واختاره ابنُ اللَّبّان.

والذي عليه جمهورُ الصحابةِ وسائرُ الفقهاء أن للأمِّ ثُلُثَ الباقي بعدَ فرضِ الزوجِ والزوجة بالفرض، والثلثان للأب بالتعصيب؛ لشهادة الأصول

(1) ذكرها ابن مفلح في "المبدع"(6/ 119)، والبهوتي في "كشاف القناع"(4/ 407).

(2)

وهاتان الفريضتان تسمَّى بـ "الغراوان" وهما:

1 -

امرأة تركت زوجها وأبويها.

2 -

ورجل ترك امرأته وأبويه.

وإنما قيل لهما "الغراوان"؛ لأن الأم غرت بإعطائها الثلث لفظًا لا حقيقة.

انظر: "شرح آيات الوصية" للسهيلي (ص: 58)، و"شرح الزرقاني على الموطأ"(3/ 137).

(3)

في "ب": "فالجواب".

(4)

في "أ": "جعل".

(5)

رواه عبد الرزاق في "المصنف"(19018)، والدارمي في "سننه"(2876).

ص: 261

بذلك؛ كالابن والابنة، والأخ والأخت إذا انفردوا، للذكر مثلُ حَظ الأنثيين، وكذلك إذا اجتمعا مع الزوج والزوجة (1)، ونهاية ما استدلوا به أن يكون مطلقاً، وتقييدُ المطلَقِ جائزٌ في القياس والاستدلال؛ بشهادة الأصول.

روى (2) عكرمةُ قال: أرسل ابنُ عباسٍ إلى زيدِ بنِ ثابتٍ، فسأله عن امرأة تركَتْ زوجَها وأبويها، فقال: للزوجِ النصفُ، وللأم ثلث ما بقي، قال: تجدُه في كتاب الله، أو تقوله برأي؟ قال: لا أُفَضلُ أُمّا على أب (3)(4).

(1) انظر "الاستذكار" لابن عبد البر (5/ 332)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (5/ 56).

(2)

في "ب": "وروى".

(3)

رواه عبد الرزاق في "المصنف"(19020)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(31063)، والدارمي في "سننه"(2875)، والخطابي في "معالم السنن"(4/ 90)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 228).

(4)

قال الخطابي في "معالم السنن"(4/ 90): فهذا من باب تعديل الفريضة إذا لم يكن فيها نص، وذلك أنه اعتبرها بالمنصوص عليه، وهو قوله تعالى:{وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} ، فلما وجد نصيب الأم الثلث، وكان باقي المال وهو الثلثان للأب، قاس النصف الفاضل من المال بعد نصيب الزوج على كل المال إذا لم يكن مع الوالدين ابن أو ذو سهم، فقسمه بينهما على ثلاثة أسهم: للأم سهم، والباقي وهو سهمان للأب، وكان هذا أعدل في القسمة من أن يعطي الأم من النصف الباقي ثلث جميع المال، وللأب ما بقي وهو السدس، فيفضلها عليه، فيكون لها وهي مفضولة أصل المورث أكثر مما للأب، وهو المقدم والمفضل في الأصل، وذلك أعدل مما ذهب إليه ابن عباس من توفير الثلث على الأم وبخس الأب حقه برده إلى السدس، فترك قوله عليه، وصار عامة الفقهاء، إلى قول زيد، انتهى.

قال السهيلي في "شرح آيات الوصية"(ص: 59 - 60): وهذه إحدى المسائل=

ص: 262

وهذه عبارةُ أهلِ العلمِ من الخلفِ والسلف؛ اتباعًا لكتاب الله، وعملًا بالأصول.

ولقد أخطأ القاضي أبو الفتوح بنُ أبي عقامة حيث قال: لا يُقال: للأم ثلثُ ما بقي، وإنما يقال: لها سدسُ جميع المال، أو ربُعه؛ لمخالفة عبارة

= الخمس التي خالف فيها ابن عباس الصحابة.

والعجب أن الله جعل لها الثلث، كما جعل للزوج النصف، وزيد بن ثابت يقول بالعول خلافاً لابن عباس، ولم يجعلها عائلة ولا حط الأب، فيكون خلافاً لقوله:{لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} ، فلا هو نقص الزوج مما جعل لها، ولا هو سوّى الأم معه، فيعطيها من رأس المال كما أعطاه.

ولكن قوله منتزع من كتاب الله انتزاعاً تعضده الأصول، وذلك أن الأم تقول: لِمَ حططتموني عن الثلث الذي جعل الله لي؟ فيقال لها: ما أخرجت عن الثلث؛ لأن ميراثك مع أحد الزوجين الثلث مما يبقى، فلم تخرجي عن الثلث.

فتقول الأم: هلا أعطيتموني الثلث من رأس المال، فيكون للزوج نصف ما بقي، أو هلَّا جعلتموها عائلة فيدخل النقص عليه وعلى الأب كما دخل عليَّ؟ فيقال لها: إنما قال الله سبحانه: {فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} ، ولم يقل مما ترك كما قال في الزوجين وفي الأخت والأختين وفي الأبوين مع وجود الولد، ولفظ "ما" صيغة من صيغ العموم، فأعطى الزوج فرضه من كل ما ترك الميت، ولم تكوني أنت كذلك إلا مع عدم الزوجين وعند إحاطة الأبوين بالميراث.

فتقول الأم: أليس قوله سبحانه: {فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} معناه: مما ترك الولد؟ فيقال لها: صيغة العموم لا تؤخذ من المعنى، وإنما تؤخذ من اللفظ، وقد تقدم أن الدليل اللفظي أقوى من المعنوي: لأنه معقول ومسموع، فله مزية على المعقول غير المسموع، وهذا أصل متفق عليه عند حذاق الأصوليين.

وقد وفَّق الله زيد بن ثابت وفهمه عن الله.

فتأمل هذا الأصل، فقلَّ من يفطن له، وإنما المسألة تقليدية لا برهانية، وقد أوضحناها برهانية، والحمد لله.

ص: 263

القرآن، فهو نظر إلى المتحصَّل، ولم ينظر إلى الطريق المؤدية إليه.

* ثمَّ بيَّن اللهُ سبحانه أن فرضَ الأم مع الأخوة السدسُ، وذلك إجماعٌ من الأمة (1).

* واختلفوا في مقدار الإخوة.

فقال ابنُ عباسٍ -رضي الله تعالى عنهما-: هم ثلاثة؛ لأن الأخوين ليسا بإخوةٍ.

وقال سائرُ الصحابةِ وغيرُهم من الفقهاء: مقدارهم اثنان، إما لأنهما أقلُّ الجمعِ حقيقةً، وإما لأنه محمول عليهما مجازًا للدليل.

روي أن أبنَ عباسٍ دخل على عثمانَ -رضي الله تعالى عنهم-، فقال له: قال الله تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} وليس الأخوان إخوةً بلسانِ قومك، فقال له عثمانُ: لا أستطيع أن أردَّ ما كان قبلي، وانتشرَ في الأمصار، وتوارثَ به الناس (2). فاعتذرَ منهُ بالإجماع (3).

* إذا تمَّ هذا، فالإخوةُ في الآية تقع على الذكور والإناث، إلا عند بعض المتأخرين ممَنْ لا يرى دخولَ الإناث في خطاب الذكور، فقال: لا تنقصُ

(1) انظر: "مراتب الإجماع" لابن حزم (ص: 101)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (مسألة 19)، و"شرح الرحبية" لسبط المارديني (ص: 65).

(2)

رواه ابن جرير الطبري في "تفسيره"(4/ 278)، والحاكم في "المستدرك"(7960)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 227).

قال ابن كثير في "تفسيره"(1/ 460): وفي صحة هذا الأثر نظر، فإن شعبة مولى ابن عباس -الراوي للخبر- تكلم فيه مالك بن أنس، ولو كان هذا صحيحاً عن ابن عباس لذهب إليه أصحابه الأخصّاء به، والمنقول عنهم خلافه.

(3)

انظر: "تفسير الرازي"(9/ 174)، و"المغني" لابن قدامة (6/ 169)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (5/ 72).

ص: 264

الأم بالأخوات، إلا أن يكون معهنَّ أخ؛ لتغليب العربِ المذكرَ على المؤنث (1).

* وبيَّن الله سبحانه أنه لا يرثُ ولا يورث إلَّا من كانَ موافقًا في الدين، ولم يكنْ عبدًا، فقال تعالى:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} (2)[الأنفال: 73].

وروى أسامةُ بنُ زيدٍ: أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَرِثُ الكافِرُ المُسْلِمَ، ولا المُسْلِمُ الكافِرَ"(3)، وقال تعالى:{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: 75]، ولأن توريثه يؤدي إلى توريثِ الأجنبي؛ لأنَّ السيدَ يملك العبدَ واكتسابَه، والأجنبيّ لا يرثُ مَنْ لا نسبَ بينَه وبينَه، ولا زوجية، وقد يكونُ الأجنبيُّ مالكُ العبدِ قاتلًا، فيؤدي إلى توريث القاتل، وقد قطعَ اللهُ الموالاة بينهما، فقال تعالى:{وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33]، فجعل وليَّ المقتول غيرَ القاتل (4).

(1) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (5/ 73).

(2)

قلت: لم يبيِّن المؤلف رحمه الله من أين أخذ عدم توريث إلا من كان موافقًا في الدين في هذه الآية. قلت: وقد بيَّن ابن المنذر في "الإشراف على مذاهب العلماء"(4/ 354) في قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} الآية، قال: فكان الذي يجب على ظاهر هذه الآية: أن يكون الميراث لجميع الأولاد المؤمن منهم والكافر، فلما ثبت عن رسول صلى الله عليه وسلم:"لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم" علم أن الله أراد بعض الأولاد دون بعض، فلا يرث لمسلم الكافر، ولا الكافر المسلم على ظاهر الحديث.

(3)

رواه البخاري (6383)، كتاب: الفرائض، باب: لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم، ومسلم (1614)، في أول كتاب: الفرائض.

(4)

وهذا مذهب جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وذهبت طائفة إلى توريث المسلم من الكافر، وهو مذهب معاذ بن جبل ومعاوية وابن المسيّب ومسروق وغيرهم، وروي أيضًا عن أبي الدرداء والشعبي والزهري والنخعي=

ص: 265

وروى ابنُ عباسٍ -رضي الله تعالى عنهما-: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَرِثُ القاتِلُ شيئًا"(1).

* ثمَّ بيَّن الله سبحانه أن التوريثَ المذكور إنما يكون من بعدِ وصيةٍ يوصي بها، أو دينٍ.

فيحتمل أن يريد منهم أنهمِ لا يرثون شيئًا من التركة إلا بعدَ أداءِ الدَّين، وهو ظاهرُ الخطاب، وبه أخذ أبو سعيدٍ الإصطخريُّ من الشافعيةِ، فروي عنه منعُ الإرثِ بالدَّيْنِ مطلقًا، وروي عنه التفريقُ بين المستغرِق وغيرِه، فإن لم يكن مستغرِقًا، منع الإرث في القَدر (2) الذي يقابله (3).

ويحتملُ أن يريدَ أنه ليسَ لهم قسمةُ التركةِ والأخذُ منها إلا بعد أداءِ الوصيةِ والدَّيْنِ، وأما الملكُ فينتقلُ إليهم، ويكونُ من بابِ التعبيرِ عن المسبَّبِ بالسببِ؛ لأن القسمةَ مسببةٌ، وسببُها الإرثُ، والدليلُ على ذلك الإجماعُ فيما إذا خلفَ اثنين، فماتَ أحدُهما قبلَ قضاءِ الدين، وخلفَ ابناً، ثم أبرأ (4) من له الدينُ، فإن التركةَ تنقسمُ بين الابنِ وابنِ الابنِ، فلو لم يملكِ الابنُ الهالكُ، لما ورثَ ابنُه.

والدليل أيضًا أن من أسلمَ، أو أعتقَ بعد الموتِ وقبلَ قضاءِ الدين،

= نحوه على خلاف بينهم في ذلك، والصحيح عن هؤلاء كقول الجمهور. انظر:"شرح مسلم" للنووي (11/ 52)، وانظر:"الإشراف" لابن المنذر (4/ 354 - 355).

(1)

رواه البيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 220)، ونسبه ابن حجر في "الدراية"(2/ 298) إلى الدارقطني في "سننه" -ولم أجده فيه- من حديث ابن عباس، وقد رواه الدارمي في "سننه"(3080، 3086)، عن ابن عباس موقوفًا عليه من قوله.

(2)

في "أ": "للقدر".

(3)

انظر: "المهذب" للشيرازي (2/ 23)، و"الحاوي" للماوردي (18/ 67).

(4)

في "أ": "ثم أبرأ له".

ص: 266

لا يرثُ إجماعًا، ولو لم يورَّث قبل ذلك، لورثه هؤلاء.

والدليلُ أيضًا كونُ الوصيةِ الشائعةِ لا تمنعُ الإرثَ اتفاقًا، وإنما تمنعُ قسمةَ التركةِ، وهي قرينةُ الدَّيْنِ في الحكم الذي فرق بينهما لشأنه، فلا يجوز أن يختلفا في الحكم اتفاقًا، فيفوتُ بيانُ الحكم الذي قرن بينهما لأجله، ولأنه يؤدي إلى حملِ اللفظِ الواحدِ على معنيين مختلفين، وذلك غيرُ جائزٍ عندَ أكثر الأصوليين، ولا شكَّ في أن غيرَ المشترَكِ خيرٌ منه.

فإن قلت: الصحيحُ عند أهل العلم بالأصول أن المقارِنَ ليسَ له حكمُ قرينه، فكيف ادَّعيتَ الاتفاقَ (1) هنا؟

قلت: إن ذلك فيما إذا قَرَنَ بين أمرين في الذِّكر، وخَصَّ أحدَهما بالحكم دونَ الآخر، وأما إذا قَرَنَ بينهما، وقَصد بالحكم قصدًا إجمالياً، ثم بيَّن في أحدهما، فإن للآخر حُكْمَ قرينه، وهذا تحقيق حسنٌ لم يتنبَّهْ أحد عليه (2)، والحمدُ للهِ على نعمِه ومِنَنه.

وبعدم المنع للإرث قال سائرُ الشافعية (3).

وقال أبو حنيفة: إن كان الدَّيْنُ يستغرقُ التركةَ، منعَ الإرثَ، وإلا فلا يمنعُ من الإرث شيئاً (4).

فإن قلتم: الوصيةُ والدَّيْنُ مطلقان، وذلك يقتضي تقديمَ أيِّ وصيةٍ كانت، وأيِّ دينٍ كان لله سبحانه، أو للآدميين.

قلنا: أما الوصيةُ فهي مقيدَةٌ في قوله تعالى: {غَيْرَ مُضَارٍّ} [النساء: 12]،

(1) في "ب": "اتفاقًا".

(2)

في "ب": "له أحد علمته" بدل "أحد عليه".

(3)

انظر: "المهذب" للشيرازي (2/ 23)، و"مغني المحتاج" للشربيني (3/ 3).

(4)

انظر: "بدائع الصنائع" للكاساني (7/ 30).

ص: 267

وفي قوله تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا} [النساء: 9]، ولا يبطل حكمُ المقيدِ بتأخرِ المطلَقِ عنه، بل يقضى به عليه، وكذلك (1) التقييدُ مذكورٌ في حديثِ سعدِ بنِ أبي وقاص أيضًا (2).

وأما الدينُ، فإنَّه في عُرْفِ اللسانِ مختصٌّ بدين الآدميين، وأما الواجباتُ الشرعيةُ، فلا تسمى في اللغة دَيْناً، ولهذا ألحقها مالكٌ وأبو حنيفةَ بجنس الوصايا، فقالا: إن أوصى بها، أُخرجتْ من الثلث، وإن لم يوص، لم يلزم الورثةَ إخراجُها، وألحقها الشافعيُّ بدين الآدميين (3)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"أَرَأَيْتِ لَوْ كانَ على أمكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قاضِيتهُ؟ اقْضُوا اللهَ، فاللهُ أَحَق بالوَفاءِ"(4)، فهي لاحقة بالدينِ بالاستدلالِ، لا بالعموم.

* إذا تَمَّ هذا، فالدَّين مقدَّم على الوصية عندَ اجتماعهما، والدينُ معتبرٌ من رأسِ المالِ، والوصيةُ من الثلثِ اتفاقاً، وكلمة (أو) معناها التفصيل والتقسيم.

* ولم يذكر اللهُ سبحانه الكَفَنَ وتجهيزَ الميتِ؛ لوضوحِه عندَ الناس كما جرتْ عادتُهم بتقديمه على كل شيء، ولا شك أنَّه مقدَمٌ على الدِّيْنِ أيضًا بإجماعِ المسلمينِ، وإنما اختلفوا في مَحَلِّه، فقال بعضُ السَّلَف: محلُّه الثلثُ؛ لأنَّ المالَ ينتقلُ بالموت إلى الورثة، ولم يجعلِ اللهُ للميتِ إلا

(1) في "ب": "وكذا".

(2)

في حديث: "الثلث والثلث كثير".

(3)

وإليه ذهب الحنابلة. انظر: "الإفصاح" لابن هبيرة (1/ 442)، و"بداية المجتهد" لابن رشد (2/ 253)، و"المجموع" للنووي (5/ 302)، و"حاشية الدسوقي"(1/ 444)، و"كشاف القناع" للبهوتي (2/ 182). وانظر:"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (5/ 73).

(4)

تقدم تخريجه.

ص: 268

الثلثَ، فاختصت به مُؤْنتُهُ، ولم يجزِ التضييقُ عليهم في ملكهم.

وقال الزهريُّ: إن كان الميتُ موسِرًا، فمحلُّه رأسُ المال، وإن كان مُعْسِرًا، فالثلثُ (1).

وقال جمهورُ أهل العلم: محلُّه رأسُ المالِ مطلقًا، وبه قَالَ مالكٌ وأبو حنيفةَ، والشافعيُّ (2)؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال في المحُرِمِ الذي خَرَّ من بعيره:"كفِّنوهُ في ثَوْبَيْهِ اللَّذَيْنِ ماتَ فيهما"(3)، وكُفِّنَ مصعبُ بنُ عميرٍ في نَمِرَة ليس لهُ غيرُها (4)، ولم يسأل عن الثلث، ولو كان يختصُّ بالثلث، لسألَ وَبيَّنَ؛ لأنه موضع الحاجة، ولأن المالَ إنما نقل إلى الورثة؛ لاستغناء الميتِ عنه، وهو غيرُ مستغنٍ عن كفنه ومُؤْنَةِ تجهيزِه.

وهذا التعليلُ ضعيف، فللمخالفِ أن يقول: لا أسلِّمُ أنَّ المالَ إنما انتقل إلى الوارثِ (5) لذلك، بل إنما انتقل إلى الوارث؛ لأنه لا يتصور لمن

(1) انظر: "مصنف عبد الرزاق"(3/ 436 - 437)، و"فتح الباري" لابن حجر (3/ 141)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (4/ 67).

(2)

انظر: "شرح فتح القدير" لابن التمام (2/ 113)، و"البحر الرائق" لابن نجيم (2/ 191)، و"حاشية ابن عابدين"(2/ 502)، و "الذخيرة" للقرافي (2/ 455)، و"المهذب" للشيرازي (1/ 129)، و"المجموع" للنووي (5/ 145)، و"شرح مسلم" له أيضًا (6/ 7). وهو مذهب الحنابلة. انظر:"الكافي " لابن قدامة (1/ 255).

(3)

رواه البخاري (1206)، كتاب: الجنائز، باب: الكفن في ثوبين، ومسلم (1206)، كتاب: الحج، باب: ما يفعل بالمحرم إذا مات، والإمام الشافعي في "الأم"(2/ 203)، عن ابن عباس، وهذا لفظ الشافعي.

(4)

رواه البخاري (1216)، كتاب الجنائز، باب: إذا لم يوجد إلا ثوب واحد، عن عبد الرحمن بن عوف.

(5)

"انتقل إلى الوارث" ليس في "ب".

ص: 269

هو من أهل الآخرة أن يملك شيئًا من أغراض الدنيا، ولو قالوا: إذا كانَ الدينُ محلُّه رأس المال؛ فلا يكون (1) الكفنُ محلّه رأسُ المال (2)، لأنه مقدم عليه في الحياة قطعاً، ولو جاز أن يكون محلُّه الثلثَ، لما جاز أن يتقدم على الدين الذي محلُّه رأسُ المال؛ وهو خلاف الإجماع.

* * *

68 -

(9) قوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} [النساء: 12].

* بين الله سبحانه فيها ميراثَ الأزواج، فجعلَ للزوج النصفَ عندَ عدمِ الولد، والرُّبُعَ عندَ وجوده، وجعل لجنسِ الزوجاتِ نصفَ ذلكَ عندَ وجودِ الولد، وعندَ عدمه، وأجمع المسلمون على أنهم لا ينقصون عن النصفِ والربعِ والثمنِ، ولهذا خُصَّ النقصانُ بجانبِ الأُمّ في مسألة زوج وأبوين، وزوجةٍ وأبوين.

وبيَّن اللهُ سبحانه أن للأخِ أو الأختِ من الأم السدسَ في ميراثِ الكلالة، فقال:{وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} .

(1) في "ب": "فلأن".

(2)

في "ب" زيادة: "أولى".

ص: 270

وأجمع أهلُ العلم بالقرآن (1) أن المرادَ إخوةُ الأم (2)، وكان سعدُ بنُ أبي وَقّاصٍ -رضي الله تعالى عنه- يقرأ:(وله أخٌ أو أختٌ من أُمٍّ)(3).

فإن قيل: قراءةُ الصحابيِّ لا يقومُ بها حجة في التقييدِ لمطلَقِ القرآن، ولا تبلغُ رتبةَ خبرِ الواحدِ عند الشافعية، فهل نعلم للإجماع دليلًا أحسن (4)؟

قلنا: نعم، لمّا ذكرَ الله سبحانه في آيةِ الكَلالَةِ أن ميراثَ الأختِ الواحدةِ النصفُ، والبنتينِ الثلثان، وأن الأخَ يرثُها (5)، وبَيَّنَ في هذه الآية أن للأخ أو الأختِ السدسَ، فإن كانوا أكثرَ من ذلك، فهم شركاءُ في الثلث، علمنا أن المرادَ بالإخوة هنا غيرُ الإخوة هناك، وإلَّا لكانت إحدى الآيتين ناسخة للأخرى، والتشريكُ (6) بينهم في الثلثِ مُقتضاه التسويةُ بين الذكرِ والأنثى، وذلك إجماعٌ، وإنما استووا؛ لأنهم يُدلون بالرَّحِم، وسيأتي بيانُ الكَلالةِ -إن شاء الله تعالى-.

* وحرم الله سبحانه المضارَّةَ فقال: {غَيْرَ مُضَارٍّ} .

(1) في "ب" زيادة: "على".

(2)

انظر: "الإجماع" لابن المنذر (ص: 93)، و"أحكام القرآن" للجصاص (3/ 21)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (5/ 76).

(3)

انظر: "المصنف" لابن أبي شيبة (31604)، و"الكشاف" للزمخشري (1/ 255)، و"السنن الكبرى" للبيهقي (6/ 231)، و"البحر المحيط" لأبي حيان (3/ 190)، وانظر:"الدر المنثور" للسيوطي (2/ 448)، و"معجم القراءات القرآنية"(2/ 116).

(4)

في "ب": "آخر".

(5)

في "ب": "يورثهما".

(6)

في "ب": "والشريك".

ص: 271

قال ابنُ عباسِ -رضي الله تعالى عنهما-: الإضرارُ بوصيةِ الله تعالى من الكبائر (1).

وروي عن أبي هريرةَ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: "إن الرجلَ لَيَعْمَلُ، أو المَرأَةَ، بطاعةِ اللهِ سِتِّينَ سَنَةً، ثمَّ يَحضُرُهما المَوْتُ، فَيضارّانِ في الوَصِيةِ، فَتَجِبُ لَهُمُ النارُ"، ثمَّ قرأ أبو هريرة:{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ} إلى قوله: {غَيْرَ مُضَارٍّ} (2).

وقال عبدُ الله: هما المُرَتانِ: الإمساكُ في الحياة، والتبذيرُ عند الموت (3).

* وقوله تعالى: {غَيْرَ مُضَارٍّ} :

يحتمل أن يريدَ غيرَ مضارٍّ في الوصيةِ والدَّيْنِ، فلا يزيدُ على الثلث، ولا يوصي بَديْنِ ليس عليه، فيكون دليلًا على تحريمِ الوصيةِ بما زاد على الثلث.

- ويحتمل أن يريد غيرَ مضارِّ في الدَّيْنِ فقط، وهذا يرجعُ إلى قاعدةٍ أصولية، وهي الصفة إذا تعقبت جُملاً، فهل تعمُّها، أو تختصُّ بالأخير؟

(1) رواه عبد الرزاق في "المصنف"(16456)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(30933)، وابن جرير الطبري في "تفسيره"(4/ 288)، وابن أبي حاتم في "تفسيره"(3/ 888)، عن ابن عباس قال: الضرار في الوصية من الكبائر.

(2)

رواه أبو داود (2867)، كتاب: الوصايا، باب: ما جاء في كراهية الإضرار في الوصية، والترمذي (2117)، كتاب: الوصايا، باب: الضرار في الوصية، وابن ماجه (2704)، كتاب: الوصايا، باب: الحيف في الوصية، والبيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 271)، والديلمي في "مسند الفردوس"(723).

(3)

رواه عبد الرزاق في "المصنف"(16322)، والدارمي في "سننه"(3250)، والطبراني في "المعجم الكبير"(9722)، بلفظ: "تانك المرتان

".

ص: 272

والأولُ مذهبُ مالكٍ والشافعيِّ وأصحابِهما، والثاني مذهبُ أبي حنيفةَ وأصحابِه (1)، ولكن قد دلَّ حديثُ سعدٍ على رجوعِه إلى الوصية أيضًا (2).

* * *

فصل

وها أنا أذكر نُبذةً نافعة في علم المواريث؛ لشدة الحاجة إليها، وليتمَّ بها نفعُ كتابي هذا -إن شاء الله تعالى-، فنقول:

* أجمعَ أهلُ العلم على أن الابنَ يأخذ جميعَ المالِ عندَ الانفراد.

* وأجمعوا على إقامةِ ابنِ الابنِ مقامَ الابن، يرثُ كما يرثُ، ويَحجُبُ كما يَحجُبُ، إلا ما رُوي عن مجاهدٍ أنه قال: ولدُ الابنِ لا يحجُبُ الزوجَ من النّصفِ إلى الربع، ولا الزوجةَ من الرُّبُعِ إلى الثُّمُنِ، ولا الأمَّ من الثُّلُثِ إلى السُّدُسِ (3).

(1) انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي (1/ 453)، و"تفسير الرازي"(9/ 182)، و"أحكام القرآن" للجصاص (3/ 35)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (5/ 80).

(2)

قال أبو حيان في "البحر المحيط"(3/ 198) في قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ} : الضمير في {يُوصَى} عائد على {رَجُلٌ} ، كما عاد عليه في {وَلَهُ أَخٌ} ، ويقوي عود الضمير عليه أنه هو الموروث لا الوارث؛ لأن الذي يوصي أو يكون عليه الدين هو الموروث لا الوارث، ومن فسَّر قوله:{وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ} : أنه هو الوارث لا الموروث، جعل الفاعل في {يُوصَى} عائدًا على ما دلَّ عليه المعنى من الوارث، كما دل المعنى على الفاعل في قوله:{فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} ؛ لأنه علم أن الموصي والتارك لا يكون إلا الموروث لا الوارث، والمراد: غير مضار ورثته بوصيته أو دينه.

(3)

انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (8/ 97)، و"بداية المجتهد" لابن رشد =

ص: 273

* وأجمعوا على أنه ليسَ لبناتِ الابنِ مع البنتِ أكثرُ من السُّدُس تكملةَ الثلثين (1).

وقالت الشيعة: لا ترثُ بنتُ الابنِ مع بنتِ الصُّلْب شيئًا كابنِ الابنِ لا يرثُ مع (2) الابنُ شيئًا (3).

* وأجمعوا على أنَّه ليسَ لبناتِ الابنِ ميراثٌ بعد استكمالِ بناتِ الصُّلْبِ الثلثين، إلا أن يكونَ معهن ابنُ ابنٍ في درجتهن أو أسفلَ منهن؛ فإنه يعصبُهن، ويقتسمون (4) المالَ، للذكر مثلُ حظَ الأنثيين عندَ جمهور العلماء.

وهو قولُ علي وزيدِ بنِ ثابتٍ رضي الله تعالى عنهم (5).

وقال ابن مسعودٍ: يرثن معُه للذكرِ مثلُ حظ الأنثيين، إلا أن يكونَ الحاصلُ لهنَّ (6) أكثرَ من السدس، فلا يعطَيْنَ إلا السدسَ (7)؛ لأنهن لا يرثْنَ أكثرَ من السدسِ مع البنتِ عندَ عدمِ ابنِ الابنِ، فلا يَزيدونَ (8) عليه عند

= (2/ 255). قال الماوردي: وهذا قول مدفوع بالإجماع.

(1)

انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (3/ 15).

(2)

"مع" ليست في "أ".

(3)

انظر: "بداية المجتهد" لابن رشد (2/ 256).

(4)

في "ب": "ويقسمون".

(5)

وهذا قول عمر وابن عباس وغيرهما، وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي، وبه قال عامة أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم. انظر:"الاستذكار" لابن عبد البر (19/ 495)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (5/ 62).

(6)

في "أ": "له".

(7)

رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(31085)، والدارمي في "سننه"(2894).

وانظر: "بداية المجتهد" لابن رشد (2/ 256) و (2/ 259).

(8)

في "أ": "يزدن".

ص: 274

تعصيبه لهن، فإن كانت واحدةً، فالمقاسمة أحظُّ لابنِ الابن، وإن كنَّ ثلاثًا تعينَ لهنَّ السدسُ، وإن كنَّ اثنتين، استوى السدسُ والمقاسمةُ (1).

وقال أبو ثور (2) وداودُ (3): المال لابنِ الابن، دونَهن؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:"اقْسِمُوا المالَ بَيْنَ أَهْلِ الفَرائِضِ عَلى كِتابِ اللهِ، فَما تَرَكَتْ فَلأِوْلى رَجُلٍ ذَكرٍ"(4)(5).

وحجةُ الجمهورِ عمومُ قوله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} ، [فقد تعارض حينئذ عموم الآية وعموم الحديث، فيحتمل أن يريد: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}](6) فيما عدا هذه الصورة؛ بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "فما تركت فلأولى رجلٍ ذكرٍ".

ويحتمل أن يريد: فما تركت فلأولى رجلٍ ذكر فيما عدا هذهِ الصورةَ؛ بدليل قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ} ، فيحتمل أنَّ يرجحه عمومُ الحديثِ بالقياسِ على كونهنَّ لم يرثْنَ في الانفراد، فأولى ألَّا يرثْنَ في حال

(1) قال القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن"(5/ 62): هكذا ذكر ابن العربي هذا التفصيل عن ابن مسعود، والذي ذكره ابن المنذر والباجي عنه: أن ما فَضَل عن بنات الصلب لبني الابن دون بنات الابن، ولم يفصِّلا.

(2)

انظر: "الإشراف" لابن المنذر (4/ 319)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (19/ 395).

(3)

وروي مثله عن علقمة. انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (5/ 62).

(4)

تقدم تخريجه.

(5)

قال ابن عبد البر في "الاستذكار"(19/ 390): وإن احتج محتج لأبي ثور وداود أن بنت الابن ما لم ترث شيئًا من الفاضل من الثلثين منفردة ولم يعصبها أخوها، فالجواب: أنها إذا كانت معها أخوها قويت به وصارت عصبة معه بظاهر قوله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} ، وهي من الولد.

(6)

ما بين معكوفتين ليس من "أ".

ص: 275

الاجتماع، ويرجحُ عمومُ الآية بالقياسِ على كون ابن الابن يُعَصِّبُهُنَّ في حال حِيازةِ جملةِ المال، فأولى أن يعصبهنَ في حيازَةِ الفاضلِ.

ثمَّ يرجَّحُ هذا القياسُ بشهادةِ الأصول له في إقامةِ ابنِ الابنِ مقامَ الابن في التوريث والحَجْبِ؛ كتوريثِ الواحدةِ النصفَ، والبنتينِ الثلثين، وتكميلِ النصفِ بالسدسِ ممَنْ هو أسفلَ منهن، وكحَجْبِ الأمِّ والأبِ والزوجِ والزوجةِ، ومثلُ هذا المقام تتقاومُ فيه الأدلةُ، وتتعارضُ فيه الظنونُ، وهذا نهايةُ ما يصل إليه نظرُ المجتهِد.

* وأجمعوا على أن الأب يأخذُ جميعَ المالِ عند الانفراد، والباقي بعد الثلثِ مع وجود الأم.

* وأجمعوا على إقامةِ الجدَّ مقامَ الأبِ في حِيازة جميعِ المال عند انفراده، وفي فرَض السدس مع الابنِ وابنِ الابن، وفي حجب الإخوةِ لأمٍّ (1)(2).

* واختلفوا في إقامته مقامه في حَجْبِ الأخوة والأخوات، وفي كيفيةِ توريثه اختلافًا كثيرًا، وتحرَجَ الصحابةُ -رضي الله تعالى عنهم- من الكلام فيه.

فروي عن عليٍّ -رضي الله تعالى عنه -: أنه قال: من أحبَّ أن يقتحمَ جراثيمَ جهنمَ (3)، فليقضِ بين الجَدَّ والإخوة (4).

(1) في "ب": "للأم".

(2)

انظر: "الإجماع" لابن المنذر (ص: 93).

(3)

يعني: أصولها؛ أي: من أحب أن يرمي بنفسه في معاظم عذابها. انظر: "الفائق" للزمخشري" (3/ 162) و"النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (4/ 18).

(4)

رواه سعيد بن منصور في "سننه"(1/ 66)، وعبد الرزاق في "المصنف"(19048)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(31267)، والدارمي في "سننه"(2902).

ص: 276

وعن ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه-: أنه قال: سلونا عن كل شيء، ودَعونا عن الجَدِّ، لا حَيَّاهُ اللهُ ولا بيَّاه.

فذهبَ أبو بكرٍ، وابنُ عباسٍ، وعائشةُ، وأبو الدّرداءِ، وابنُ الزبير -رضي الله تعالى عنهم- إلى أنه يقوم مقامه في حَجْبِهم (1).

وبه قال أبو حنيفةَ، وداودُ، وإسحاقُ، واختارَهُ المزني وابنُ سُريج (2).

وذهب عمرُ، وعثمانُ، وعليٌّ، وزيدُ بنُ ثابتٍ، وابنُ مسعودٍ -رضي الله تعالى عنهم- إلى توريثِ الإخوة معه (3).

وبه قال مالكٌ، والشافعيُّ، وأحمدُ، والأوزاعيُّ، وأبو يوسفَ ومحمدُ بنُ الحسن (4).

واختلفوا في كيفيةِ التوريثِ، فذهب زيدٌ -رضي الله تعالى عنه- إلى أنه يُعْطى الأفضلَ من المقاسمة، أو ثلثَ جميع المالِ إن لم يكن هناك ذو فَرضٍ، فإن كان معهم ذو فرضٍ، فيُعطى الأَفضلَ من ثلاثةِ أشياءَ: ثلثِ ما يبقى بعدَ الفرض، أو سدسِ جميعِ المال، أو المقاسمة.

(1) وهو قول أُبيّ بن كعب ومعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري وأبي هريرة، وبه قال عطاء وطاوس والحسن وقتادة. انظر:"الإشراف على مذاهب العلماء" لابن المنذر (4/ 342)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (15/ 434)، و"الحاوي" للماوردي (8/ 122)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (5/ 68).

(2)

وبه قال أبو ثور ونعيم وحماد. انظر: "الإشراف" لابن المنذر (4/ 342)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (15/ 434).

(3)

وبه قال عمران بن الحصين، وابن شريح والشعبي ومسروق وعبيدة السلماني.

انظر: "الحاوي" للماوردي (8/ 122). وانظر: "شرح الرحبية" لسبط المارديني (ص: 97).

(4)

انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (15/ 436)، و"الحاوي" للماوردي (8/ 122)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (5/ 68).

ص: 277

وبقوله أخذ مالكٌ، والشافعيُّ (1).

وذهب على وابنُ مسعودٍ -رضي الله تعالى عنهما- إلى أنه يُعطى الأَحَظَّ من شيئين: المقاسمةِ، أو سدسِ جميع المال مطلقاً (2).

وسنبين حكمه بسِتّ مسائل -إن شاء الله تعالى-؛ لأنه لا يخلو من ثلاثةِ أحوالٍ (3):

1 -

إما أن يجتمعَ مع الإخوة الذكور فقط.

2 -

أو مع الإخوة والأخواتِ.

3 -

أو مع الأخوات.

ومع ذلك فلا يخلو:

إما أن يجتمعَ مع ذي فرضٍ أو لا، وذلك قسمان:

القسم الأول: إذا لم يكن معهم ذو فرض، وفيه (4) ثلاثُ مسائلَ:

المسألة الأولى: أن يجتمعَ مع الأخوة الذكورِ: فذهب زيدُ بنُ ثابتٍ -رضي الله تعالى عنه- إلى أن له الأوفرَ من المقاسمةِ، أو ثلثَ جميعِ المال.

(1) انظر: "الإشراف على مذاهب العلماء" لابن المنذر (4/ 345)، و"تفسير البغوي"(1/ 400)، و "أحكام القرآن" للجصاص (1/ 101). وانظر:"الكافي" لابن عبد البر (1/ 566)، و"شرح مختصر خليل" للخرشي (8/ 202)، و "المهذب" للشيرازي (2/ 32)، و "الحاوي" للماوردي (8/ 126).

(2)

انظر: "المغني" لابن قدامة (6/ 196).

(3)

انظر: "شرح الرحبية" لسبط المارديني (ص: 100).

(4)

في "ب": "ففيه".

ص: 278

وبه قال الشافعيُّ (1).

وذهبَ عليٌّ (2) إلى أنَّ له الأحظَّ من المقاسمة، أو سدَس جميع المال (3).

وعنه رواية غير مشهورة: أن له الأحظَّ من المقاسمةِ، أو سبعَ جميعِ المال (4).

المسألة الثانية: أن يجتمعَ مع الإخوة والأخوات، والحكمُ فيها كالتي قبلها.

المسألة الثالثة: أن يجتمعَ مع الأخواتِ:

فذهب زيدٌ -رضي الله تعالى عنه- إلى أن الحكم فيها كالتي قبلها، له الأحَظُّ من ثُلُثِ جميع (5) المال، أو المقاسمةُ، وإذا قاسمهنَّ كانَ له مثلُ حظ الأنثيين، ولا يفرض لهن مع الجَدِّ أصلًا.

وذهبَ عليٌّ وابنُ مسعودٍ -رضي الله تعالى عنهما- إلى أنَّه يفرضُ للأخواتِ فروضُهُنَّ، ويكونُ الباقي للجدِّ.

القسم الثاني: أن يكونَ معهم ذو فرضٍ، وفيه مسائل:

المسألة الأولى: أن يجتمعَ الجدُّ والأخوةُ الذكورُ مع ذوي الفروضِ:

فذهب زيدٌ -رضي الله تعالى عنه- إلى أنه يُعطى صاحبُ الفرضِ فرضَه،

(1) انظر: "الحاوي" للماوردي (8/ 127)، و"بداية المجتهد" لابن رشد (2/ 261)، و"المغني" لابن قدامة (6/ 196).

(2)

"علي" ليس في "أ".

(3)

انظر: "المغني" لابن قدامة (6/ 196).

(4)

انظر: "الإشراف" لابن المنذر (4/ 343).

(5)

"جميع" ليس في "أ".

ص: 279

ويعطى الجَدُّ الأوفرَ من ثلاثة أشياءَ: المقاسمةِ، أو ثلثِ ما بقيَ، أو سدسِ جميع المال، إلا أَلَّا يبقى بعد الفروض إلا السدسُ، فإن الجدَّ يأخذُه (1)، ويسقط الإخوة.

كما إذا ماتتِ المرأةُ وتركتْ زوجاً وأماً وأخاً وجداً، فإنَّ للزوجِ النصف، وللأمِّ الثلث، وللجدِّ السدس، ويسقط الأخ؛ لأنه ذو تعصيب.

وبقوله أخذَ الشافعيُّ -رحمه الله تعالى-.

وقياسُ مذهبِ علي -رضي الله تعالى عنه- أن له الأحظَّ من المقاسمةِ أو سدسِ جميع المال.

ومثالُ ذلك إذا ترك زوجة وأماً وأخاً وجَدًّا، فإنَّ للزوجة الربعَ، وللأم الثلث، وللأخ والجد ما بقي، وهو خمسةٌ من اثني عشرَ، وتصحُّ من أربعةٍ وعشرين.

وقال ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه- في هذه المسألة: للزوجة الربعُ، وللأم ثلثُ ما بقي، وللجد والأخ سهمان.

المسألة الثانية: أن يجتمع الجدُّ والإخوةُ والأخواتُ مع ذوي الفروض، فالحكمُ كالمسألة التي قبلها.

ومثالُه: إذا ترك زوجة وأماً وأخاً وأختاً وجَداً، فإن للزوجة الربعَ، وللأمِّ السدس، والباقي بين الجدَّ والأخ والأخت، للذكرِ مثلُ حَظِّ الأنثيين، وتصحُّ من ستين، للزوجة خمسةَ عَشَرَ، وللأم عشرةٌ، وللأخت سبعةٌ، وللجدّ أربعةَ عَشَرَ، وللأخ أربعةَ عَشَرَ.

المسألة الثالثة: أن يجتمع الجدُّ والأخوات مع ذوي الفروض.

فمذهبُ زيدٍ -رضي الله تعالى عنه-: أن للجدَّ الأحظَّ من الأمورِ الثلاثة

(1) في "ب" زيادة "بالفرض".

ص: 280

بعد عطاءِ ذوي الفروض فروضَهم، إلا ألا يبقى بعدَ سِهام ذوي الفروض إلا السدسُ، وكان في ذوي الفروض بنتٌ للبنت، فإنه لا شيِءَ للأخوات؛ لأنهن مع البناتِ عَصَبَةٌ، وقد استغرقَ ذَوو الفروض فروضهم؛ كما إذا تركتْ زوجًا وأماً وبنتًا وأختًا وجدًا، فأصلُها من اثني عشر، للزوج الربعُ، وللبنت النصفُ، وللأم السدسُ، وللجدِّ السدسُ، ولا شيءَ للأخت (1).

ومذهبُ عليٍّ -رضي الله تعالى عنه- بُيِّن فيما مضى، وفيما يأتي.

* وفي هذه المسألة صورٌ اختلفَ فيها الصحابةُ -رضي الله تعالى عنهم-:

الأولى: إذا ترك زوجة وأختًا وجدًا:

فذهب زيدٌ -رضي الله تعالى عنه- إلى أن للزوجة الربع، والباقي بين الجدّ والأخت، للذكرِ مثلُ حظ الأنثيين، ويصحُّ من أربعة.

وبه أخذ الشافعيُّ رحمه الله تعالى (2).

وذهب عمرُ وابنُ مسعود -رضي الله تعالى عنهما- إلى أن للزوجة الربعَ، وللأخت النصف، وللجدِّ ما بقي، وتعرفُ هذه المسألة بالمربَّعة؛ لأنهم اتفقوا على أنها من أربعة (3).

واختلفوا في كيفية التوريثِ، وقياسُ مذهبِ عليٍّ -رضي الله تعالى عنه- كمذهب ابن مسعود؛ لأنه يفرضُ للأخوات مع الجدِّ.

(1) انظر: "الحاوي" للماوردي (8/ 126) وما بعدها، و"المغني" لابن قدامة (6/ 201).

(2)

انظر: "المهذب" للشيرازي (2/ 32).

(3)

انظر: "المهذب" للشيرازي (2/ 32)، و"المغني" لابن قدامة (6/ 202).

ص: 281

الصورة الثانية: إذا ترك أماً وأختاً (1) وجدًّا.

فذهبَ زيدُ بنُ ثابت -رضي الله تعالى عنه- إلى أن للأم الثلثَ، والباقي بين الجدِّ والأخت، للذكرِ مثلُ حَظ الأنثيين، وأصلها من ثلاثة، وتصحُّ من تسعة.

وبه قال الشافعي رحمه الله تعالى.

وقال عمر -رضي الله تعالى عنه- في إحدى الروايتين عنه: للأختِ النصفُ، وللأم السدسُ، والباقي للجدّ

وقال في الرواية الأخرى: للأخت النصفُ، وللأم ثلثُ ما بقي، والباقي بين الجد والإخوة نصفين، أي: إن كانوا.

وقال ابنُ مسعود -رضي الله تعالى عنه-: للأخت النصفُ، والباقي بين الجدَّ والأم نصفين.

وعنه روايتان كروايتي عمرَ رضي الله تعالى عنهما.

وقال عثمانُ رضي الله تعالى عنه-: يقسم المال على ثلاثة أسهم، للأمِّ سهمٌ، وللجدِّ سهمٌ، وللأخت سهمٌ.

وقال علي -رضي الله تعالى عنه-: للأم الثلثُ، وللأخت النصفُ، وللجدّ السدسُ.

وهذه المسألة تسمى الخرقاءَ؛ لتخرُّقِ أقوالِ الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- فيها؛ فإنها تبلغ تسعةً بقول أبي بكرٍ وابنِ عباسٍ -رضي الله تعالى عنهم (2) -.

(1) في "أ": "وأخاً" وهو خطأ.

(2)

انظر آثار الصحابة واختلافاتهم في المسألة الخرقاء في "السنن الكبرى" للبيهقي (6/ 252) وما بعد، و"الاستذكار" لابن عبد البر (5/ 345 - 346)،=

ص: 282

الصورة الثالثة: إذا تركت زوجًا وأمًا وأختًا وجدًا، وهذه التي تسمى بالأكدريّة (1)، فكان (2) عمرُ وابنُ مسعود -رضي الله تعالى عنهما- يقولان: للزوجِ النصفُ، وللأختِ النصفُ، وللأمِّ السدسُ، وللجدِّ السدسُ، ويعولُ إلى ثمانية.

وكان عليّ وزيدٌ -رضي الله تعالى عنهما- يقولان: للزوج النصفُ، وللأخت النصفُ، وللأم الثلثُ، وللجد السدسُ، ويعول إلى تسعة.

إلا أن زيدًا كان يجمعُ الثلاثةَ التي للأختِ، والسهمَ الذي للجد، فيصير أربعة، يقسمها بينهم للذكر مثلُ حظ الأنثيين، وتصح من سبعة (3) وعشرين، للزوج تسعةٌ، وللأم ستة، وللجد ثمانيةٌ، وللأخت أربعةٌ.

وبه أخذ الشافعيُّ -رحمه الله تعالى-؛ لأنه لا سبيل إلى إسقاط الأخت؛ لأنه ليس هنا بنت تسُقطها، ففُرض لها النصفُ، ولا يمكن أن تأخذَ جميعَه؛ لأنه لا يجوز تفضيلُها على الجَدّ، فوجبَ أن يُجمع نصيبهما، فيقسمانِهِ.

= و"المحلى" لابن حزم (9/ 289) وما بعدها، و"الحاوي" للماوردي (8/ 133)، و"بداية المجتهد" لابن رشد (2/ 362)، و"المغني" لابن قدامة (6/ 202).

(1)

انظر المسألة الأكدرية وما جاء فيها من اختلافات وآثار عن الصحابة وغيرهم في: "السنن الكبرى" للبيهقي (6/ 251)، و "سنن سعيد بن منصور"(1/ 50)، و"المصنف" لعبد الرزاق (10/ 271)، و "المصنف" لابن أبي شيبة (6/ 262)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (5/ 344)، و"المحلى" لابن حزم (9/ 289) وما بعدها، و "بداية المجتهد" لابن رشد (2/ 261)، و"المغني" لابن قدامة (6/ 200)، و"شرح الرحبية" لسبط المارديني (ص: 108).

(2)

في "ب": "وكان".

(3)

في "أ": "تسعة" وهو تصحيف.

ص: 283

وضعف الجميعُ التشريكَ الذي قال به زيدٌ في هذه الفريضة، حتى زعمَ بعضُهم أنه ليسَ من قولِ زيدٍ.

روي عن الأعمش أنه قال: إنما سميت الأَكْدَرِيَّةَ؛ لأن عبدَ الملكِ بنَ مروانَ سأل عنها رجلًا يقال له: أَكْدَرُ، فذكر لهُ اختلافَ الصحابةِ فيها (1).

وقيل: سميت أكدرية؛ لأنَّ امرأةَ تسمى أكدرية ماتت وخلفت هؤلاء، فسميت أكدريةَ (2).

وقيل: لأنها كَدَّرَتْ على زيدٍ أصلهَ؛ لأنه لا يفرض للأخواتِ مع الجَدّ، وقد فرض، ولا يعيل مسائلَ الجد، وقد أعالها هنا (3).

ثم اختلفوا أيضًا:

فذهب زيدٌ -رضي الله تعالى عنه- إلى أن الإخوة للأب وللأم يعادون الجد بالأخ للأب، فيمنعونه بهم أكثر الميراث، ثم (4) يأخذونه من الأخ للأب، قياسًا على الأخ للأب والأم، والأخِ للأب؛ حيث ينقصون الأمَّ من الثلث إلى السدس، ويأخذ الأبُ ما في أيديهم، وبه أخذ الشافعيُّ رحمه الله تعالى.

وذهب على وابنُ مسعود -رضي الله تعالى عنهما- إلى عدم اعتبارهم؛ لأنهم محجوبون، والاحتسابُ بمن لا يرثُ مخالفٌ الأصولَ.

(1) انظر: "شرح آيات الوصية" للسهيلي (ص: 130)، و"المهذب" للشيرازي (2/ 33).

(2)

انظر: "مغني المحتاج" للشربيني (3/ 23).

(3)

انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (8/ 132). قال الشربيني في "مغني المحتاج"(3/ 23): وعلى هذا فينبغي تسميتها مكدّرة لا أكدرية.

(4)

في "أ": "من".

ص: 284

واختلفوا -أيضًا- (1) في إقامته مقامَ الأبِ في مسألةِ زوجٍ وأبوينِ، وزوجةٍ وأبوينِ، فإذا تركت زوجًا وأمًا وجدًا، فذهب زيدٌ -رضي الله تعالى عنه- إلى أن للزوج النصفَ، وللأم الثلث، وللجدِّ السدس.

وإن كان بدل الزوج زوجةٌ، كان للجدّ الباقي بعد الربع والثلث.

وبه أخذ الشافعيُّ رحمه الله تعالى.

واختلف أصحابه في العبارةِ، فقال بعضهم: للزوجةِ الربعُ، وللأمِّ الثلثُ، وللجدِّ السدسُ، وما بقي للجدِّ؛ لأنه أخذه بجهتين: جهةِ الفرض، والتعصيب.

وقال بعضهم: يجوز أن يُقال: والباقي للجدِّ.

وروي عن عمر -رضي الله تعالى عنه-: أن للزوج النصفَ، وللأمّ ثلث ما يبقى، والباقي للجدِّ، وأقامه مقامَ الأبِ.

وروي عنه أن للزوج النصفَ، وللأم السدس، والباقي للجدّ.

وتظهر فائدة العبارتين إذا كان بدلَ الزوجِ زوجةٌ.

وروي عن ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه-: أن للزوج النصفَ، والباقي بين الجد والأم، وهذه من مربَّعاتِ ابن مسعود، وعنه روايتان كروايتي عمر رضي الله تعالى عنه.

* وأجمعوا على توريثِ الجدةِ للأم (2) السدسَ عندَ عدمِ الأم (3)(4)،

(1)"أيضًا" ليس في "أ".

(2)

في "ب": "جدة أم الأب".

(3)

في "ب": "الأب".

(4)

انظر: "الإجماع" لابن المنذر (ص: 95).

ص: 285

ولا يقيمونها مقامَها، إلا ما شذَّ عنِ ابنِ عباسٍ: أنَّه جعلَ الجدةَ كالأمِّ، فورثَها الثلثَ (1).

* وأجمعوا على توريثِ الجدةِ أُمّ الأبِ السدسَ عندَ عدمِ الأبِ (2).

* وأجمعوا على أن السدسَ بينهما عندَ اجتماعِهما؛ لما رَوى قَبيصَةُ بنُ ذُؤيب: أن جَدَةً جاءتْ إلى أبي بكرٍ -رضي الله تعالى عنه- تسأله عن ميراثها، فقال أبو بكر: مالك في كتاب الله شيءٌ، وما علمتُ لكِ في سُنَّةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم شيئًا، فارجعي حتى أسألَ الناسَ، ثمَّ سألَ الناسَ، فقال المُغيرةُ بنُ شُعبةَ: شهدتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وقدْ أعطاها السُّدُسَ، فقال أبو بكر: من يشهدُ معك؟ فقام محمدُ بنُ مسلمةَ، فشهد بما شهدَ به المغيرةُ، فأنفذَهُ أبو بكر -رضي الله تعالى عنه- لها.

ثم جاءت الجدَّةُ الأخرى إلى عمرَ -رضي الله تعالى عنه- تطلب ميراثها، فقال: ما لكِ في كتابِ الله شيءٌ وما كان ذلكَ القَضاءُ الذي قُضي به إلَّا لغيركِ، ولستُ بزائدٍ في الفرائض؛ لأنما هو ذلك السدس، وإن (3) اجتمعتُما فهو بينَكُما، وأيتكما خَلَتْ به، فهو لها (4).

* واختلفوا في توريث مَنْ عدا هاتين الجدتين إذا اجتمعْنَ، كما إذا

(1) انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (5/ 350)، و"بداية المجتهد" لابن رشد (2/ 262)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (5/ 70).

(2)

انظر: "الإجماع" لابن المنذر (ص: 96).

(3)

في "ب": "فإن".

(4)

رواه أبو داود (2894)، كتاب: الفرائض، باب: في الجدة، والترمذي (2101)، كتاب: الفرائض، باب: ما جاء في ميراث الجدة، وابن ماجه (2724)، كتاب: الفرائض، باب: ميراث الجدة، والإمام مالك في "الموطأ"(2/ 513)، وابن الجارود في "المنتقى"(959)، والطبراني في "المعجم الكبير"(19/ 511)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 234).

ص: 286

ارتفعْنَ إلى المنزلة الثانية، فاجتمع اثنتان من جهةِ الأمِّ، وهما أمُّ (1) أمِّ الأمِّ، وأمُّ أب الأم، واثنتان من جهة الأب، وهما أمُّ أمِّ الأب، وأمُّ أبِ الأب، فكانَ زيدٌ وأهلُ المدينة لا يُوَرِّثون الاثنتين، وهما أمُّ أمِّ الأمِّ، وأمُّ أمًّ الأبِ، وإن عَلَوْنَ.

وبه قال مالكٌ والشافعيُّ في أحد قوليه؛ للحديث السابق.

وكان عليٌّ وابنُ عباس وزيدٌ -في إحدى الروايتين عنه- يورثون معها (2) أُمَ أبِ الأبِ.

وبه قال أهلُ الكوفة، وأبو حنيفةَ، والثوريُّ، والأوزاعيُّ، وأحمدُ، والشافعيُّ في أحد قوليه؛ لأنها تُدلي بوارثٍ، فهي كأمِّ الأمِّ، ولما روى ابنُ عيينة، عن منصورٍ عن إبراهيمَ: أن النبي صلى الله عليه وسلم وَرَّثَ ثلاثَ جَدّات: اثنتين من قِبَلِ الأبِ، وواحدةً من قِبَلِ الأم (3).

وكان ابنُ مسعود يورِّث الأربعَ، وبه قال الحسنُ وابنُ سيرينَ؛ تشبيهًا لجدةِ الأمِّ بجدةِ الأبِ.

ثم اختلفوا في صفةِ توريثهنَّ، فكان ابن مسعودٍ -رضي الله تعالى عنه- يُشْرِك بين الجدات في السدسِ؛ دُنياهُنَّ وقُصواهُنَّ، ما لم يحجُبْها ابنُ

(1)"أم" ليس في "أ".

(2)

في "ب": "معهما".

(3)

رواه عبد الرزاق في "المصنف"(19079)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(31276)، وأبو داود في "المراسيل"(355)، والدارمي في "سننه"(2935)، والدارقطني في "سننه"(4/ 91)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 236)، عن إبراهيم النخعي مرسلًا.

ص: 287

ابِنها، وبنتُ بنتِها، وروي عنه أنه كان يُسقط القُصوى بالدُّنيا، إذا كانتا من جهة واحدة (1).

والذي عليه سائرُ الناسِ من الصَّحابة وغيرِهم أن البُعْدى تَسقط بالقربى عند اتِّحاد جهتهما، وعند اختلافهما إذا كانتِ القُربى من جهة الأمِّ، والبُعدى من جهة الأب.

* واختلفوا في ما إذا كانت القربى من جهة الأب، والبعدى من جهة الأم، فكان عليٌّ -رضي الله تعالى عنه- يسقط البُعْدى بالقُرْبى.

وقال به أهلُ الكوفة، ورووه عن زيدٌ -رضي الله تعالى عنه-؛ لأنهن أمهاتٌ، فكما يقدم من الآباء أقربُهم، وكذلك هنَّ، واختاره ابن المنذر.

والرواية الثانية التي رواها المدنيون عنه أنه كان لا يُسقطها بها، وبه قَالَ مالكٌ والشافعيُّ في الأصحَّ من قوليه (2)؛ لأنَّ الأبَ لا يُسقط أُمَّ الأُمِّ، وهو أقربُ منها، فأولى ألَّا يسقط القُربى من جهة البُعدى من جهةِ الأم.

* واتفقوا على أنه لا ترثُ جدةٌ مع وجود الأمّ من أيّ جهةٍ كانت (3)، فالأم تحجُب أُمَّ نفسِها وأمَّ الأبِ؛ لأنها أقربُ منهن، ولا يحجُب الأبُ أمَّ الأمِّ لأنه لا يحجُبُ الأمَّ، فلم يحجُب أمَّها، كما لا يحجُبُ الأبُ ابنَ الابن.

(1) انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (5/ 349)، و"التمهيد" له أيضًا (11/ 100)، و"بداية المجتهد" لابن رشد (2/ 262)، وانظر:"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (5/ 70).

(2)

انظر: "التلقين" للقاضي عبد الوهاب (2/ 569)، و"المهذب" للشيرازي (2/ 26). وهو مذهب الحنابلة. انظر:"المغني" لابن قدامة (6/ 191).

(3)

انظر: "الإجماع" لابن المنذر (ص: 95).

ص: 288

* واتفقوا على أن الجدَّ لا يحجُب أمَّ الأبِ؛ لاستوائِهما في الدرجة (1).

* واختلفوا في الأبِ هل يحجبُ أمَّ نفسه؟

-فذهب زيدٌ، وعثمانُ، وعليّ -رضي الله تعالى عنهم- إلى أنَّه يحجُبُها.

وبه قال شريحٌ، والأوزاعيُّ، والليثُ، ومالكٌ، والشافعيُّ، وأبو حنيفة وأصحابه؛ قياسًا على الأمِّ، ولأنه لما كان الجدُّ محجوباً بالأب، أوجبَ أن تكونَ الجَدَّةُ أولى.

- وذهبَ عمرُ بنُ الخطاب، وابنُ مسعودٍ، وأبو موسى، وعمرانُ بن الحصينِ إلى أنه لا يحجُبُها.

وبه قَالَ عطاءٌ، وابنُ سيرينَ، وأحمدُ، وإسحاقُ، وابنُ المنذرِ، وبعضُ أصحاب مالكٍ؛ لما روى محمدُ بنُ سالمٍ، عن الشعبيِّ، عن مسروقٍ، عن عبدِ الله -رضي الله تعالى عنه -قال: أولُ جدَّةٍ أطعمها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم جَدَّةٌ مع ابنِها (2)، ولأنه لما كانتِ الأمُّ وأمُّ الأمِّ لا يُحجَبْنَ بالذكور، كُنَّ جميعُ الجداتِ كذلك.

وأجابوا عن الخبر بأنّه إنما رُوي منقطعاً عن الحسنِ بنِ أبي الحسن، ومحمد بنِ سيرين، وإنما تفرد بوصله هكذا محمدُ بن سالم، وهو غير محتجّ به، وبأنه يجوزُ أن يكون ابنُها الوارثَ من ابنِ أخته التي ورثت السدسَ منه، والله أعلم (3).

(1) انظر: "المبسوط" للسرخسي (29/ 169)، و "الوسيط" للغزالي (4/ 338).

(2)

رواه الترمذي (2102)، كتاب: الفرائض، باب: ما جاء في ميراث الجدة مع ابنها. وإسناده ضعيف. وانظر: "التمهيد" لابن عبد البر (11/ 105)، و"الاستذكار" له أيضًا (5/ 352).

(3)

انظر: "الإشراف على مذاهب العلماء" لابن المنذر (4/ 333 - 334)،=

ص: 289