الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(النهى عن عَضْل المطلقات)
40 -
* الخطاب للمؤمنين، والأولياءِ منهم، وإن كان الأولياءُ لا يُطَلِّقون؛ فالمؤمنون كنفس واحدة.
قال أبو الحسن الواحديُّ: وأجمع المفسرون على أن هذا الخطابَ للأولياء (1) وبلوغ الأجل هاهنا هو انقطاع العدة (2)؛ لأن النكاح لا يكون إلا بعدها، فنهى اللهُ جل جلاله الأولياء عن عَضْل النساء عن أن يَنْكِحْنَ أزواجَهن، وكذا غيرُ الأزواج في معنى الأزواج.
والآية نزلت في مَعْقِل بنِ يسارٍ المُزَنِيِّ قال: كانت لي أختٌ اسمها جمل (3) تُخْطَبُ إليَّ، وأنا (4) أمنعها الناس، حتَّى
…
...
…
...
…
...
…
...
…
.
(1) انظر: "الوسيط" للواحدي (1/ 334).
(2)
انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي (1/ 271)، و"زاد المسير" لابن الجوزي (1/ 239)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (2/ 1/ 146).
(3)
في "أ": "جبع". قال الحافظ ابن حجر: اسمها جميل - بالجيم مصغر - بنت يسار، وقع في "تفسير الطبري"(2/ 485) من طريق ابن جريج، وبه جزم ابن ماكولا، وسماها ابن فتحون كذلك لكن بغير تصغير. انظر:"فتح الباري"(9/ 233).
(4)
في "ب": "وكنت".
أتاني (1) ابنُ عَمٍّ لها (2)، فخطبها إليّ، فزوجتُها إياه، واصطحبا ما شاء الله أن يصطحبا، ثم طلَّقها طلاقًا له عليها رجعةٌ، ثم تركها حتَّى انقضتْ عِدَّتُها، فخطبها مع الخُطَّابِ، فقلت: يا لُكَعُ (3)! خُطِبَتْ إليَّ أختي، فمنعتُها الناسَ، وخطبتَها إليَّ، فآثرتك بها، وأنكحتُكَ، فطلقتَها، ثم لم تخطِبْها حتَّى انقضت عدَّتُها، فلما جاءني الخاطب يخطبها، جئْتَ تخطبها! لا واللهِ الَّذي لا إله إلا هو ما أنكحتُكَها أبدًا.
وقال: ففيَّ نزلت هذه الآية، فقلت: سمعًا وطاعة، فزوجتها إياه، وكَفَّرْتُ عن يمينى (4).
* فإن قلتم: فهل في الآية دليلٌ على أن أمر النكاح إلى الأولياء؛ لأن اللهَ سبحانَه نهاهم عن عَضْلهن، ولو تُصُوِّر نكاحٌ بدون وليٍّ، لم يتصور عَضْلٌ؟
قلنا: نعم، قال الشافعيُّ -رحمه الله تعالى-: إنما يؤمر بألّا يعضلَ المرأةَ من له سببٌ إلى العَضْل؛ بأن يتمَّ به نكاحُها، وهذا أبين ما في القرآنِ أنَّ للأولياءِ مع المرأةِ في نفسِها حقًا، وأن على الوليِّ ألَّا يعضلها إذا رضيت أن تنكَحَ بالمعروف (5).
(1) في "ب": "أتى".
(2)
في "ب": "لي".
(3)
اللُّكَعُ: اللئيم، والعبد، والأحمق، ومَنْ لا يتّجه لمنطقٍ ولا غيره، والمهر، والصغير، والوسخ، ويقال في النداء: يا لُكَع، وللاثنين: يا ذَوَيْ لُكَع. "القاموس"(مادة: لكع)، (ص: 685).
(4)
رواه أبو داود الطيالسي في "مسنده"(930)، ومن طريقه النسائي في "السنن الكبرى"(11041). وقد رواه البخاري (4837)، كتاب: النكاح باب: لا نكاح إلا بولي، بلفظ نحوه.
وانظر: "أسباب النزول" للواحدي (ص: 74 - 76)، و"العجاب في بيان الأسباب" لابن حجر (ص: 405 - 407).
(5)
انظر: "الأم" للشافعي (5/ 12)، و"معرفة السنن والآثار" للبيهقي (10/ 27).
فإن قلتم: فقد قيل: إن هذه الآية لا دليلَ فيها؛ لأنه ليس فيها أكثر من نهي قرابة المرأة عن منعها النكاحَ، وذلك لا يقتضي اشتراط إذنهم في صحة العَقْد، بل يفهم من النهي أن الأولياء ليس لهم سبيلٌ على من يلونهم، فهل نجد في السنَّةِ دليلًا يبيِّن ما قلت؟
قلت: نعم، حديثُ مَعْقِلِ بنِ يسارٍ؛ لأنه لو كان بيدها عقدُ النكاح، لم يكن ليمينه فائدة، ولكان لها أن تزوج نفسها، ولم يحتجْ إلى الحِنْثِ والتكفير.
فإن قلتم: فهل نجد في السنةِ دليلًا أبينَ من هذا؟
قلت: نعم، قال الشافعي: أنا سعيد بن سالم وعبد المجيدِ، عن ابن جُرَيْجٍ، عن سليمانَ بنِ موسى، عن ابنِ شهاب، عن عروةَ بنِ الزبير، عن عائشةَ -رضي الله تعالى عنها -: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أَيُّما امرأةٍ نكحتْ بغيرِ إذْنِ وليِّها فنكاحُها باطلٌ، فنكاحُها باطلٌ، فنكاحُها باطلٌ، فإنْ أصابَها، فلها الصَّداقُ بما استحلَّ من فرجها"(1).
قال الشافعيُّ: قال بعضهم في الحديث: فإن اشتجروا، وقال غيره منهم: فإن اختلفوا، فالسلطان وليُّ مَنْ لا وليَّ له (2)، فهذا حديثٌ رواته كلُّهم ثقات.
قال شعيبُ بن أبي حَمْزَة: قال لي الزهريُّ: إن مكحولًا يأتينا،
(1) رواه الإمام الشافعي في "مسنده"(ص: 275) وفي "الأم"(5/ 13)، والترمذي (1102)، كتاب: النكاح، باب: ما جاء لا نكاح إلا بولي، وابن ماجة (1879)، كتاب: النكاح، باب: لا نكاح إلا بولي، والإمام أحمد في "المسند"(6/ 47)، والدارمي في "سننه"(2184)، والحاكم في "المستدرك"(2706)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 105).
(2)
انظر: "الأم" للشافعي (5/ 13).
وسليمان بن موسى، وايم الله! إن سليمانَ بنَ موسى لأَحفظ الرجلين (1).
فإن قلتم: قد (2) طعن في هذا الحديث قومٌ، وضعفوه بأنَ ابنَ عُلَيَّة حكى عن ابن جريج: أنَّه سأل الزهريَّ عنه، فأنكر معرفته (3).
قلنا: هذا الطعنُ غيرُ مقبولٍ مع عدالةِ رواة الحديث، ونسيانُ الراوي لا يَقْدَحُ في الحديث، وكذا فتواه بخلافه.
وإن سلم، فقد قال جعفرٌ (4) الطيالسيُّ: سمعتُ يحيى بنَ معينٍ يوهِّن رواية ابنِ عُلَيَّةَ، عنِ ابنِ جريجٍ، عن الزهريِّ: أنَّه أنكرَ معرفةَ سليمان بنِ موسى، ولم يذكر ذلك عن ابن جريج غيرُ ابن علية، وإنما سمعَ ابنُ عليةَ من ابنِ جريج سماعًا ليس بذاك، إنما صحَّح كتبه على كتب عبد المجيد بن عبد العزيز، وضعَّف (5) يحيى بنُ معين روايةَ إسماعيلَ عن ابنِ جُريج جدًا، فقالَ يحيى بنُ معين أيضًا: ليس يصحُّ في هذا الباب شيء إلَّا حديثُ سليمانَ بنِ موسى (6).
وكذلك أحمدُ بنُ حنبل ضَعَّفَ حكايةَ ابنِ عليةَ هذهِ عن ابن جريج، وقال: ابنُ جريجٍ له كتبٌ مدونة، وليس هذا في كتبه (7).
(1) رواه الحاكم في "المستدرك"(2709)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء"(6/ 87)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 105)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(22/ 384).
(2)
في "أ": "قد".
(3)
انظر: "معرفة السنن والآثار" للبيهقي (10/ 30).
(4)
في "ب": "أبو جعفر".
(5)
في "ب": "وهَّى".
(6)
رواه البيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 107).
(7)
رواه الحاكم في "المستدرك" عقب حديث (2709)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 105). وقوله:"وليس هذا في كتبه" يعني: حكاية ابن علية، عن ابن جريج.
فإن قالوا: هذا أمر تعمُّ به البلوى، ولو كان الوليُّ شرطًا في صحة النكاح، لنُقِلَ عن النبي صلى الله عليه وسلم بطريق التواتر، وهو لم ينقل، والأصل عدم الاشتراط حتَّى يقومَ الدليل.
قلنا: اشتراط التواتر في مقام البلوى غير مُسَلَّمٍ، وإن سُلِّم، فالأصل تحريم الأبضاع إلا بشرطها، فلا يجوز الإقدامُ عليها إلا بشرطها، ولو أنكحت امرأة نفَسها بغير وفي، لنقل إلينا إما تواترًا أو آحادًا، ولم ينقل.
نعم نقل إلينا أن امرأةً نكحتْ بغير وليٍّ، فردَّ نكاحَها عُمر -رضي الله تعالى عنه -.
وعن مالك أنَّه بلغه أن ابن المسيِّبِ كان يقول: قال عمرُ بنُ الخَطَّاب: لا تُنْكَحُ (1) المرأةُ إلا بإذن وليِّها، أو ذي الرأي من أهلها، أو السلطان (2).
فإن قلتم: فهل نجدُ بيانًا في السنَّةِ يعضِدُ ما ذكرتَ؟
قلت: نعم، روينا في "الصحيحين" عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تُنْكَحُ الثَّيِّبُ حتَّى تُسْتَأْمَرَ، ولا البكْرُ حتَّى تُسْتأذَنَ" قيل: يا رسول الله! كيف إذنها؟ قال: "إذا سكتتْ فهو رضًا (3) "(4).
(1) في "ب": "تنكحوا".
(2)
رواه الإمام مالك في "الموطأ"(2/ 525)، ومن طريقه الإمام الشافعي في "الأم"(7/ 222)، والدارقطني في "سننه"(3/ 228)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 111).
(3)
في "ب": "رضاها".
(4)
رواه البخاري (4843)، كتاب: النكاح، باب: لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها، ومسلم (1419)، كتاب: النكاح، باب: استئذان الثيب في النكاح بالنطق
…
عن أبي هريرة بلفظ: لا تنكح الأيم حتَّى تستأمر، ولا تنكح البكر حتَّى تستأذن" قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: "أن تسكت".
فلما نهى الأولياء عن الاستبداد عليهن حتَّى يؤامروهنَّ في أنفسهن دلَّ (1) ذلك بطريق الإشارة على أن للأولياء حقًّا في نكاحِهن عند إذنهن؛ إذ لا مُنْكِحَ لهن غيرُهم، ولا يجوز أن يُحمل على الخاطِب؛ لأنه لا يتصور منه بغير إذن المرأة بحال، فلم يتصور النهيُ عنه، ولا نفيه أيضًا.
وثبتَ عن عائشةَ -رضي الله تعالى عنها -: أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجارية يُنْكِحُها أهلُها، أتستأَمرُ أم لا؟ فقال لها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"نَعَمْ تُسْتأمَرُ"، قالت عائشة: فإنها تستحيي فتسكتُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذنُها إذا سَكَتَتْ"(2)، فأسندت الإنكاح إلى أهلها، ولم يعترضْ عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء.
ومن استقرأ السُّنَنَ والسِّيَرَ، وجدَ ذلك أمرًا متقررًا من عادتهم، فقد أنكح أبو بكر وعمر -رضي الله تعالى عنهما- بنتيهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقرَّهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على عادتهم؛ لكونها من مكارم أخلاقهم.
فإن قلتم: لو كان الأمر كما قلتَ، لبيَّنَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مراتب الأولياءِ ودرجاتِهم وصفاتِهم المعتبرة؛ فإن الحاجةَ داعيةٌ إلى ذلك، وتأخير البيانِ عن وقت الحاجةِ غيرُ جائز.
قلت (3): البيان في ذلك موجودٌ من فعلهِ صلى الله عليه وسلم، وإقرارهِ لما كانوا عليه، فمعلومٌ أنَّه لا يُنكحُ رجل منهم امرأةً، وهناك من هو (4) أقربُ منه، فلا يُقْدِم الابنُ على نكاح أخته وهناك أبوه، ولا ابنُ العم مع وجود أبيه، ولا الأبعدُ
(1) في "ب": "دلَّنا بذلك".
(2)
رواه أبو عوانة في "مسنده"(4246)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 122).
(3)
في "ب": "قلنا".
(4)
"من هو" ليس في "أ".
مع وجود الأقرب، كلُّ ذلك كان سبيلَهم في كلِّ (1) مقام عظيم؛ كوراثة الأموالِ وطلبِ الدماء، وقد أنكح خالدُ بنُ سعيدِ بنِ العاصِ بنِ أمية. أمَّ حبيبةَ بنتَ أبي سفيانَ بنِ حَرْبِ بن أُمَيَّةَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
وكذلك رُويَ عن عُمَرَ بنِ أبي سلمةَ بنِ عبدِ الأسدِ بنِ هلالِ بنِ عبد اللهِ بنِ عمرَ بنِ مخزوم: أنَّه أنكح أُمَّهُ أُمَّ سلمةَ هِنْدًا بنتَ أبي أميةَ بنِ المغيرةِ بنِ عبدِ الله بنِ عُمر بنِ مخزومٍ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع صِغر سِنِّه؛ لكونهِ أقربَ الناسِ إليها (3).
فإن قلتم: فقد روى ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما-: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "الأَيِّمُ أحق بنفسها من وليِّها، والبِكْرُ تُسْتأذَنُ في نَفْسِها، وإذْنُها صُماتُها"(4)، ففرق بين الثيّب والبكر، مع وجوب استئذانهما في حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-، فدلَّ على أن الَّذي تميَّزَتْ به الثيِّبُ هو الاستقلال بنفسها.
قلت: قد أخذ بهذا الظاهرِ أهلُ الظاهر (5)، وهو قويٌّ، لكنه يعارضُه قوله صلى الله عليه وسلم: "أَيُّما امرأةٍ نكحتْ بغيرِ إذن وليِّها فنكاحُها باطل، فنكاحُها باطل،
(1)"كل" ليست في "أ".
(2)
رواه ابن سعد في "الطبقات"(8/ 97)، والحاكم في "المستدرك"(6770)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(69/ 143)، عن إسماعيل بن عمرو بن سعيد بن العاص.
(3)
انظر: "التحقيق في أحاديث الخلاف" لابن الجوزي (2/ 266).
(4)
رواه مسلم (1421)، كتاب: النكاح، باب: استئذان الثيب في النكاح بالنطق، والبكر بالسكوت.
(5)
الَّذي في "المحلى" لابن حزم (9/ 451): لا يحل للمرأة نكاح، ثيبًا كانت أو بكرًا إلا بإذن وليها
…
، ومعنى ذلك أن يأذن لها في الزواج، فإن أبي أولياؤها من الإذن لها، زوَّجها السلطان.
فنكاحها باطل" (1)؛ فإنه لفظ عامٌّ مستغرق و (2) مؤكَّد بما يقتضي أن يقع على جميع أفراد النساء، ولا يجوز حملُه على الأبكار فقط، فعلمنا أن أحقية الثيب هو ألا يُعْقَدَ النكاحُ عليها إلا بأمرها، ولا يجوز بغير أمرها في حال من الأحوال؛ بدليل أن البِكْرَ قد تنُكح بغير إذنها؛ كما أنكح أبو بكر -رضي الله تعالى عنه- عائشةَ -رضي الله تعالى عنها- من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي بنتُ ست سنين (3)، أو سبعِ سنين، وهي لا إذن لها حينئذِ، فعلمنا أن قوله: "والبِكْرُ تُسْتأذَنُ في نَفْسِها" أنَّه لفظ عامٌّ أريدَ به الخُصوص ببعض الأبكار؛ بدليل قوله صلى الله عليه وسلم في بنتِ عثمانَ بنِ مَظْعون: "إنها يتيمةٌ، ولا تنكح إلا بإذنها" (4)، فمفهومه أن غيرَ اليتيمة تنكحُ بغير إذنها.
فإن قلتم: دلالته ضعيفة؛ لأنها:
- إما تخصيصٌ لبعض أفراد العموم بالذكر، وهو لا يخصِّصُ العمومَ عند الجمهور؛ خلافًا لأبي ثور.
- أو مفهوم خطاب، وقد خالف في دلالته بعضُ أهل العلم بالاستدلال، فلا يخصّ بهذا المفهوم العمومُ.
قلنا: قد ثبت في بعض طرق حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اليتيمة تُستأمرُ في نفسها، فإن سكتَتْ، فهو إذْنُها، وإن أبتْ، فلا جوازَ عليها"(5).
(1) تقدم تخريجه.
(2)
الواو ليست في: "ب".
(3)
"سنين" ليس في "ب".
(4)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 130)، والدارقطني في "سننه"(3/ 230)، ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 120)، وابن الجوزي في "التحقيق في أحاديث الخلاف"(2/ 265)، عن ابن عمر.
(5)
رواه أبو داود (2093)، كتاب: النكاح، باب: في الاستئمار، والنسائي =
وكذلك روي من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تُسْتَأُمَرُ اليتيمةُ في نَفْسِها، فإنْ سَكَتَتْ فقد أَذِنَتْ، وإن كَرِهَتْ، لم تُكْرَهْ"(1).
وكذلك روي من حديث ابنِ عباسٍ -رضي الله تعالى عنهما- أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "الأَيِّمُ أولى بأمرها، واليتيمةُ تُستأمر في نفسها، وإذنُها صُماتُها"(2).
فعلمنا بمجموع هذه السنن وما أشبهها: أن للوليِّ حقًّا مع الثيِّبِ؛ بدليل حديث أبي هريرة، وأن الثيِّبَ لا بدَّ من إذنها، ولا تُجبر بحالٍ من الأحوال؛ بدليل حديث ابنِ عباس، وأن اليتيمةَ لا بدَّ من استئذانها كالثيِّبِ؛ بدليلِ حديثِ بنتِ عُثمان بنِ مظعون، وأحاديث أبي هريرة، وأبي موسى، وابن عباس التي قدمتها قريبًا، وأن البكرَ الصغيرةَ التي ليست يتيمةً لا تستأذن أصلًا؛ بدليل زواج عائشةَ.
واحتملت البِكْرُ البالغةُ التي لها أبٌ أن تلحق بالصغيرة، فلا يفتقر إلى إذنها؛ بدليل مفهومِ قوله صلى الله عليه وسلم:"تُستأمر اليتيمةُ في نفسها"، وإن (3) احتملت أن تلحق بالبالغة اليتيمة لكمالها، وفي هذا المقام وقفةٌ للمجتهد.
= (3265)، كتاب: النكاح، باب: استئمار الثيب في نفسها، والترمذي (1109)، كتاب: النكاح، باب: ما جاء في إكراه اليتيمة على التزويج، وهذا لفظ الترمذي.
(1)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 394)، والدارمي في "سننه"(2185)، والبزار في "مسنده"(3118)، وأبو يعلى الموصلي في "مسنده"(7327)، وابن حبان في "صحيحه"(4085)، والدارقطني في "سننه"(3/ 241)، والحاكم في "المستدرك"(2702)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 120).
(2)
رواه النسائي (3262)، كتاب: النكاح، باب: استئذان البكر في نفسها، ورواه أيضًا الإمام أحمد في "المسند"(1/ 261)، والدارقطني في "سننه"(3/ 238).
(3)
"إن" ليست في "ب".
وأما ما رواه سُفيانُ بنُ عُيَيْنَةَ في حديثِ ابنِ عباس -رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الثَّيِّبُ أحقُّ بنفسِها من وليِّها، والبِكْرُ يستأذنها أبوها في نفسِها، وإذنُها صُماتُها"(1)؛ فإنَّ الحافظَ أبا الحسنِ علي بنَ عُمرَ الدَّارَقُطْنِي قال: لا نعلمُ أحدًا وافق ابنَ عُيينةَ على هذا اللفظ، ولعله ذكرهُ من حفظِهِ، وسبقَ إليه لسانُه (2).
وقال أبو داود: "أبوها" ليسَ بمحفوظ (3)، وهذا مسلكٌ سلكتُهُ في تقريرِ الوِلايةِ للرجلِ في النِّكاحِ، وفي الجَمْعِ بين حديثِ ابن عباسٍ الَّذي أخذ به أهل الظاهر وغيره.
وسلك الشافعيُّ في الاستدلال مَسْلكًا آخر، فخصَّصَ الوليَّ المذكورَ في قوله صلى الله عليه وسلم:"الثيِّبُ أَحَقُّ بنفسِها من وليِّها" بالأب، وحمل استئذان البكْرِ على الاختيار، لا على الفرض؛ لأجل استطابةِ نفسِها، قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم فَرَّقَ بين الثَّيِّبِ والبِكْرِ، ولم أعلم أن أهلَ العلمِ اختلفوا في أنَّه ليسَ لأحدٍ من الأولياءٍ غير الأب أن يزوجَ بِكرًا ولا ثَيِّبًا إلا بإذنها، فإذا كانوا لم يفرِّقوا بين البكرِ والثيِّبِ البالِغَتَيْنِ -يعني: في غير الأب - لم يجز إلا ما وصفتُ (4).
ولكنَّ هذا الاستدلالَ يبطلُه قولُه صلى الله عليه وسلم: "لا تُنْكَحُ الثيِّبُ حتَّى تُسْتَأمَرَ، ولا البِكْرُ حَتَّى تُسْتأذنَ"(5)، وتخصيصهُ بالأب لا دليلَ عليه، وكذلك حملُهُ الاستئذانَ على الاختيارِ لا على الفرض قد ثبتَ الدليلُ على بطلانه.
* * *
(1) رواه مسلم (1421)، كتاب: النكاح، باب: استئذان الثيب في النكاح بالنطق، والبكر بالسكوت.
(2)
انظر: "السنن" للدارقطني (3/ 241).
(3)
انظر: "سنن أبي داود"(2/ 232).
(4)
انظر: "الأم" للإمام الشافعي (5/ 19).
(5)
تقدم تخريجه.