الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(من أحكام المواريث)
81 -
(22) قولهم جَلَّ ثناؤه: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا} [النساء: 33].
* جعل الله سبحانه لكلٍّ من الرجالِ والنساء مَواليَ.
وهم العَصَبَةُ في قولِ ابنِ عباسِ ومجاهدٍ وقتادةَ (1)، أو جميعُ الورثة في قول السديِّ وابنِ عباسٍ في روايةِ سعيدِ بنِ جُبير (2).
* وجعل لهم حقاً فيما تركَ الوالدانِ والأقربون، وذلك الحَقُّ مجهولٌ هنا، مبيَّنٌ في أول السورة، بين الله تعالى قَدْرَهُ وشَرْطَهُ، ونَسَخَ بها -في قولِ ابن عباس- ما كانوا يتوارثون به في صدرِ الإسلام من المؤاخاة والمعاقدة (3).
روى البخاريُّ عن سعيدِ بن جُبير، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه: كان المهاجرون لمّا قدِموا المدينة، يرثُ المهاجريُ الأنصاريَّ دونَ ذوي
(1) وهو قول ابن زيد، انظر:"تفسير الطبري"(5/ 50 - 52)، و"معاني القرآن" للنحاس (2/ 75).
(2)
انظر: "تفسير الطبري"(5/ 50 - 53)، و"تفسير ابن أبي حاتم"(3/ 937).
(3)
انظر: "تفسير الطبري"(10/ 52)، و"تفسير ابن أبي حاتم"(3/ 1739).
رَحِمِه؛ للأُخُوَّةِ التي آخى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بينهم، ولما نزلتْ:{وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} ، نُسِخَتْ.
ثم قال: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء: 33] منَ النُّصرةِ والرِّفادَةِ (1) والنصيحةِ (2)(3).
ومنهم من قال: إنها نازلة في الحليف، وكان له السُّدُسُ في صَدْرِ
(1) الرِّفادة: رَفَدَه وأرفده: أعانه بعطاء أو قول أو غير ذلك. "أساس البلاغة"(مادة: رفد)(ص: 240).
(2)
رواه البخاري (2170)، كتاب: الكفالة، باب: قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} .
(3)
قد بين تفصيل الموالاة والمؤاخاة أثرٌ روي عن ابن عباس قال فيه: إن المؤمنين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثلاث منازل، منهم المؤمن المهاجر المباين لقومه في الهجرة خرج إلى قوم مؤمنين في ديارهم وعقارهم وأموالهم وآووا ونصروا وأعلنوا ما أعلن أهل الهجرة وشهروا السيوف على من كذب وجحد فهذان مؤمنان جعل الله بعضهم أولياء بعض، فكانوا يتوارثون بينهم إذا توفي المؤمن المهاجر ورثه الأنصاري بالولاية في الدين، وكان الذي آمن ولم يهاجر لا يرث من أجل أنه لم يهاجر ولم ينصر، فبرأ الله المؤمنين المهاجريني من ميراثهم وهي الولاية التي قال الله:{مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} وكان حقا على المؤمنين الذين آووا ونصروا إذا استنصروهم في الدين أن ينصروهم إن قاتلوا إلا أن يستنصروا على قوم بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم ميثاق فلا نصر لهم عليهم إلا على العدو الذين لا ميثاق لهم، ثم أنزل الله بعد ذلك أن ألحق كل ذي رحم برحمه من المؤمنين الذين هاجروا والذين آمنوا ولم يهاجروا فجعل لكل إنسان من المؤمنين نصيباً مفروضًا بقوله:{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ، وبقوله:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} .
رواه الطبري (10/ 52)، وانظر:"الدر المنثور" للسيوطي (4/ 113).
الإسلام، ثم نسخ الله سبحانه ذلك بقوله:{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} (1)[الأحزاب: 6].
وقيل: إنها في نصيب الزوجين؛ لأنه يبذُلُ يمينَهُ في عقد النكاح، فليستْ بمنسوخة، والله أعلم (2).
* * *
(1) وقد رجح هذا القول الطبري، وهو قول قتادة حيث قال في قوله تعالى:{وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} قال: هم الأولياء، قال:{وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} قال: كان الرجل في الجاهلية يعاقد الرجل فيقول: دمي دمك وهدمي هدمك وترثني وأرثك وتطلب بدمي وأطلب بدمك، فلما جاء الإسلام بقي منهم ناس، فأمروا أن يؤتوهم نصيبهم من الميراث وهو السدس، ثم نسخ ذلك بالميراث بعدُ فقال تعالى:{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} . رواه عبد الرزاق في "المصنف"(19197)، والطبري في "التفسير"(5/ 52، 55).
(2)
انظر: "تفسير البيضاوي"(2/ 183).