المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌(من أحكام الأيمان)

- ‌(من أحكام الطلاق)

- ‌(عدد الطلاق التي يملك الزوج فيها الرجعة)

- ‌(أحكام الخلع)

- ‌(النَّهي عن مضارَّة المطلقة)

- ‌(النهى عن عَضْل المطلقات)

- ‌(من أحكام الرضاع)

- ‌(عدة المتوفى عنها زوجها)

- ‌(التعريض بخطبة المعتدَّة)

- ‌(طلاق المفوّضة)

- ‌(حكم المطلقة قبل المس وبعد الفرض)

- ‌(الصلاة الوسطى، وصلاة الخوف)

- ‌(عدَّةُ المتوفَّى عنها)

- ‌(متعة المطلقة)

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌(من أحكام الزكاة)

- ‌(صدقة التطوع)

- ‌(تحريم الرِّبا)

- ‌(وجوبُ تركِ التَّعامُل بالرِّبا)

- ‌(المُداينة)

- ‌(الرَّهن)

- ‌سُورَةُ آلَ عِمْرَانَ

- ‌(النَّهي عن اتخاذ الكافرين أولياء)

- ‌(فَرضُ الحجِّ)

- ‌(الشوري)

- ‌سُورَةُ النِّسَاءِ

- ‌(من أحكام اليتامي)

- ‌(من أحكام المواريث)

- ‌(من أحكام الوصية)

- ‌(من أحكام المواريث)

- ‌(من أحكام الحدود)

- ‌(من أحكام التوبة)

- ‌(من أحكام النكاح)

- ‌(من أحكام البيوع)

- ‌(من أحكام القضاء)

- ‌(من أحكام المواريث)

- ‌(من أحكام النكاح)

- ‌(من أحكام الطهارة والصلاة)

- ‌(من أحكام الإمامة)

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌(من أحكام السَّلام)

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌(من أحكام القصاص والديات)

الفصل: ‌(من أحكام البيوع)

(من أحكام البيوع)

79 -

(20) قوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29].

* نهانا الله سبحانه عن أكلِ أموالِ بعضِنا بعضاً بالباطل، والمراد بالأكل الأخذُ؛ لأن الأخذَ يُراد للأكل، فعبر بالمسبَّب عن سببِه، وأباحَ أكلَها بالتجارة إذا كانتْ عن تراضٍ (1).

* ولما كان الرضا أمراً يتعلق بالباطن، لا يطَّلعُ عليه أحد في الظاهرِ إلا ببيانِ اللسان، اشترطنا النطقَ، واكتفينا به دليلاً على الرضا، صريحاً كان النطقُ أو كناية؛ لقيام الكنايةِ بالدلالةِ على الرضا (2).

ولأجل هذا اشترطنا (3) كونَ اللفظِ ماضياً؛ كقول البائع: بِعْتُك بكذا، أو قول المشتري: اشتريتُ، و (4) ابتعتُ منك بكذا؛ لتحقيق الدلالة.

(1) انظر: "الحاوي" للماوردي (5/ 5).

(2)

انظر: "المهذب" للشيرازي (1/ 257)، و"الوسيط" للغزالي (5/ 77)، و"بدائع الصنائع" للكاساني (5/ 135).

(3)

في "ب": "شرطنا".

(4)

في "ب": "كذا".

ص: 364

ومنعنا انعقادَهُ بالألفاظ المستقبلة؛ لعدم تحقق الرضا، فإن اللفظ متردِّدٌ بين الوعد والإنشاء (1).

* ولما كان البيعُ يقعُ عن بصيرةٍ ومعرفة، ويقع بغتة من غير تروٍّ ومعرفةِ حقيقته، بمنَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مدةً تندفع بها معرةُ (2) الندامة والخداع، ويستدرَكُ بها الغبنُ والظُّلامَةُ؛ لِيُتَحقَّقَ بهذه المدَّةِ الرضا الباطني.

فروى ابنُ عمرَ -رضي الله تعالى عنهما- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه قال: "إذا تَبايعَ الرَّجُلانِ، فَكُلُّ واحِدٍ منهُما بالخِيارِ على صاحِبِه ما لم يَتَفَرَّقا، وكانا جَميعاً، أو يُخَيِّرْ أحدُهما الآخَرَ"(3).

وروى حكيمُ بنُ حزامٍ -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البيعانِ بالخِيارِ ما لم يَتَفرَّقا -أو قال: حَتّى يَتَفَرَّقا- فإنْ صَدَقا وصبيَنا، بورِكَ لهما في بَيْعِهما، وإن كتما وكَذَبا، مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهما"(4). خرجهما الشيخان.

وبه عمل ابنُ (5) عمرَ وسائرُ الصحابة (6)، وجمهورُ

...

(1) انظر: "الحاوي" للماوردي (5/ 41)، و"شرح فتح القدير" لابن الهمام (251/ 6).

(2)

معرَّة: المَعَرَّةُ على وزن (المبرَّة): الإثم، والأذى، والغُرمُ، والديةُ، والجنايةُ. "القاموس" (مادة: عرر) (ص: 395).

(3)

رواه البخاري (2006)، كتاب: البيوع، باب: إذا خيّر أحدهما صاحبه بعد البيع فقد وجب البيع، ومسلم (1531)، كتاب: البيوع، باب ثبوت خيار المجلس للمتبايعين.

(4)

رواه البخاري (1973)، كتاب: البيوع، باب: إذا بيّن البيِّعان ولم يكتما ونصحا، ومسلم (1532)، كتاب: البيوع، باب: الصدق في البيع والبيان.

(5)

"ابن" ليس في "ب".

(6)

وروي هذا عن عمر وعلي وابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وأبي برزة. انظر: =

ص: 365

الفقهاء (1) -رضي الله عن جميعهم-.

وخالف في ثبوته أبو حنيفةَ، ومالكٌ، وربيعهُ (2).

وهم محجوجون بما تقدَّمَ من الأحاديثِ الصحيحةِ الموافقةِ لاعتبارِ الرِّضا الذي جعلهُ اللهُ سبحانه في حَقِّنا معياراً.

وليس للمخالفين دليل مستقيمٌ، وإطلاقُ الآيةِ محمولٌ على ما بينه النبيُّ صلى الله عليه وسلم من شروطِ البيع، والتجنبِ لمفسداته، والسلامةِ من البيوع المنهيِّ عنها، وإلا فذلك باطل وإن تراضى به المتبايعان.

فإن قال قائل: فاشتراطُ التلفُّظِ في البيع أمرٌ زائدٌ على ما وردَ به القرآنُ الكريم؛ إذ لم يردْ إلا باشتراطِ التراضي، ولم تردِ السنة باشتراطه أيضاً، ومقتضى هذا أنه يجوزُ البيعُ بالمعاطاة إذا دَلتِ القرائنُ وشواهدُ الأحوال على الرضا.

قلنا: التجارةُ والبيعُ أمرٌ معتاد في الوجود، وهو التعاوضُ، ومعلومٌ أنه لا ينفكُّ عن مساوَمَةٍ وخِطاب، فلما وجدنا النبيَّ صلى الله عليه وسلم فَرَّقَ بين السَّوْمِ والبيعِ في قوله صلى الله عليه وسلم:"لا يَسُمْ أَحَدُكُمْ على سَوْمِ أَخيهِ، ولا يَبعْ على بَيع أَخيهِ"(3)،

= "المغني" لابن قدامة (4/ 5)، و"شرح مسلم" للنووي (10/ 173).

(1)

وهو مذهب الشافعي وأحمد. انظر: "الأم"(3/ 4)، و"الرسالة" كلاهما للشافعي (ص: 314)، و"عمدة الفقه" لابن قدامة (ص: 49).

(2)

وفسر بعضهم التفرق في الحديث بتفرق القول دون المكان. انظر: "المدونة الكبرى"(10/ 188)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (6/ 475)، و"المبسوط" للسرخسي (13/ 156 - 158)، و"الهداية شرح البداية" للمرغيناني (3/ 21)، و"شرح مسلم" للنووي (10/ 173).

(3)

لم أجده بهذا السياق، وقد روى الشطر الأول منه:"لا يَسُمْ أحدكم على سوم أخيه": البخاري (2577)، كتاب: الشروط، باب: الشروط في الطلاق، ومسلم (1413)، كتاب: النكاح، باب: تحريم الخطبة على خطبة أخيه حتى =

ص: 366

علمنا أنَّ البيعَ هو التعاقدُ الناقلُ لملك أحدِهما إلى الآخر، وأن التساومَ من مقدِّمات البيعِ، ولما وجدْنا الإشارةَ إليه في الحديثِ كثيرةً؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم لحبانَ بن مُنْقِذٍ:"إذا بِعْتَ، فَقُلْ: لا خِلابَةَ، وأنتَ بالخِيارِ ثَلاثاً"(1)، وكما قدمنا في حديثِ ابنِ عُمر -رضي الله تعالى عنهما- من قوله صلى الله عليه وسلم:"أَوْ يُخَيِّرْ أَحَدُهما الآخَرَ"(2)، وغير ذلك من الإشارات المستلزمةِ للتعاقد، فدل على أنه من عادِتهم، فخاطبهم اللهُ سبحانه وتعالى بلُغَتِهم الجاريةِ على عادتهم (3).

نعم جرتِ العادةُ بعدمِ التساومِ والتعاقدِ في المالِ الحقير، فينبغي أن يُكْتفى فيه التعاطي؛ لأنه يسمى بيعاً لغةً وعرفاً.

واختاره جماعةٌ من الشافعيةِ (4).

وأما أبو حنيفةَ، فلم يشترطِ التعاقُدَ في التبايُعِ؛ أخذاً بظاهرِ الخطاب (5).

= يأذن أو يترك، عن أبي هريرة، وهذا لفظ مسلم.

وروى الشطر الثاني منه "ولا يبع على بيع أخيه": البخاري (2032)، كتاب: البيوع، باب: لا يبيع على بيع أخيه، ولا يسوم على سوم أخيه، حتى يأذن له أو يترك، ومسلم (1412)، كتاب: النكاح، باب: تحريم الخطبة على خطبة أخيه حتى يأذن أو يترك، عن عبد الله بن عمر.

(1)

تقدم تخريجه.

(2)

تقدم تخريجه.

(3)

انظر: "المجموع" للنووي (9/ 154).

(4)

انظر: "المجموع" للنووي (9/ 155).

(5)

وكذلك صحح بيع المعاطاة الإمام مالك والإمام أحمد. انظر: "المغني" لابن قدامة (4/ 4)، و"الإنصاف" للمرداوي (4/ 263)، و"الفروق" للقرافي (3/ 264)، و"المبسوط" للسرخسي (19/ 61)، و"بدائع الصنائع" للكاساني (5/ 134).

ص: 367

* ثم حرم الله سبحانه علينا قتلَ النفسِ المؤمنة فقال: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29]، وسيأتي الكلام عليه -إن شاء الله تعالى-.

* * *

ص: 368