المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌(فَرضُ الحجِّ) 58 - (2) قوله عز وجل: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ - تيسير البيان لأحكام القرآن - جـ ٢

[ابن نور الدين]

فهرس الكتاب

- ‌(من أحكام الأيمان)

- ‌(من أحكام الطلاق)

- ‌(عدد الطلاق التي يملك الزوج فيها الرجعة)

- ‌(أحكام الخلع)

- ‌(النَّهي عن مضارَّة المطلقة)

- ‌(النهى عن عَضْل المطلقات)

- ‌(من أحكام الرضاع)

- ‌(عدة المتوفى عنها زوجها)

- ‌(التعريض بخطبة المعتدَّة)

- ‌(طلاق المفوّضة)

- ‌(حكم المطلقة قبل المس وبعد الفرض)

- ‌(الصلاة الوسطى، وصلاة الخوف)

- ‌(عدَّةُ المتوفَّى عنها)

- ‌(متعة المطلقة)

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌(من أحكام الزكاة)

- ‌(صدقة التطوع)

- ‌(تحريم الرِّبا)

- ‌(وجوبُ تركِ التَّعامُل بالرِّبا)

- ‌(المُداينة)

- ‌(الرَّهن)

- ‌سُورَةُ آلَ عِمْرَانَ

- ‌(النَّهي عن اتخاذ الكافرين أولياء)

- ‌(فَرضُ الحجِّ)

- ‌(الشوري)

- ‌سُورَةُ النِّسَاءِ

- ‌(من أحكام اليتامي)

- ‌(من أحكام المواريث)

- ‌(من أحكام الوصية)

- ‌(من أحكام المواريث)

- ‌(من أحكام الحدود)

- ‌(من أحكام التوبة)

- ‌(من أحكام النكاح)

- ‌(من أحكام البيوع)

- ‌(من أحكام القضاء)

- ‌(من أحكام المواريث)

- ‌(من أحكام النكاح)

- ‌(من أحكام الطهارة والصلاة)

- ‌(من أحكام الإمامة)

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌(من أحكام السَّلام)

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌(من أحكام القصاص والديات)

الفصل: ‌ ‌(فَرضُ الحجِّ) 58 - (2) قوله عز وجل: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ

(فَرضُ الحجِّ)

58 -

(2) قوله عز وجل: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97].

أقول:

* أوجب الله سبحانه في هذه الآية على الناس حَجَّ البيتِ (1).

ولا خَفاءَ في (2) أنه ركنٌ من أركان الإسلام، فمن جحدَ وُجوبَهُ فهو كافرٌ مرتَدٌّ (3)؛ لقوله تعالى:{وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} .

قال ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما-: المعنى: ومَنْ كفر بفَرْضِ الحج، ولم يَرَهُ واجبًا (4).

(1) انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي (1/ 374)، و"معالم التنزيل" للبغوي (1/ 473)، و"أحكام القرآن" للجصاص (2/ 307)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (2/ 2/ 134).

(2)

"في " ليست في "ب".

(3)

انظر: "معالم التنزيل" للبغوي (1/ 476)، و"زاد المسير" لابن الجوزي (2/ 9)، و"أحكام القرآن" للجصاص (2/ 312)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (2/ 2/ 145).

(4)

رواه ابن جرير الطبري في "تفسيره"(4/ 19).

ص: 195

ويؤخذ من هذا (1) أن كُل من جَحَدَ حُكْمًا معلومًا من (2) دينِ الله ضَرورةً، فهو كافرٌ.

وأما من ترك الحجَّ مع الاستطاعةِ تَهاوُنًا أو بُخْلًا أو تسويفًا، فهو عاصٍ بفعله، وليس بكافرٍ، بإجماع المسلمين، إلا الحسنَ؛ فإنه قال بتكفيره (3)، واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ مَلَكَ زادًا وراحِلَةً تُبْلِغُهُ إلى بَيْتِ اللهِ، ولم يَحُجَّ، فَلا عليهِ أَنْ يَموتَ (4) يَهودِيًا أو نَصْرانِيًا، وذلك لأن الله سبحانه يقول في كتابه: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} "(5).

وأجيبَ عن الحديث بأنه ضعيف، وإن صحَّ فهو متروكُ الظاهر،

(1) في "ب" زيادة: "كله".

(2)

في "ب": "في ".

(3)

قلت: كذا نقله المصنف رحمه الله عن القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (2/ 2/ 145)، والله أعلم.

ونَقْلُ القرطبي مخالفٌ لنقلِ من سبقهُ من المفسرين؛ فقد روى الطبري في "تفسيره"(3/ 2/ 19) عن الحسن أنه قال: من أنكره ولا يرى أن ذلك عليه حقًا، فذلك كفر.

وكذا نقله عن الحسنِ البغويُّ في "معالم التنزيل"(1/ 476)، وابن الجوزي في "زاد المسير"(3/ 9)، وابن عطية في "المحرر الوجيز"(3/ 238).

نعم القول بتكفير من ترك الحج مع الاستطاعة منقول عن السدي، كما رواه الطبري عنه في "تفسيره" (3/ 2/ 21). وكذا نقل عنه ابن عطية وعن جماعة من أهل العلم أن معنى الآية: ومن كفر بأن وجد ما يحج به ثم لم يحج فهو كافر.

(4)

في "ب" زيادة "إما".

(5)

رواه الترمذي (812)، كتاب: الحج، باب: ما جاء في التغليظ في ترك الحج، والبزار في "مسنده"(861)، وابن جرير الطبري في "تفسيره"(3/ 2)، والعقيلي في "الضعفاء"(4/ 348)، وابن عدي في "الكامل في الضعفاء"(7/ 120)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(3978)، عن علي بن أبي طالب.

ص: 196

محمولٌ على الغالب؛ فإن المؤمن إذا استطاع الفريضةَ لا يترُكها، ولا سيما إذا كانتْ من دعائمِ الإسلامِ، إلا إذا اتصف باليهودية والنصرانية من عدم الإيمان، منافقًا بالإسلام، وقد كان المؤمنون في العصرِ الأول خيرُهم محضٌ، إلا المنافقين؛ فإنهم يشوبون الحقَّ بالباطل، فجعلَ تَرْكَ الحجِّ عنوانًا لهم، وخَصَّ اليهود والنصارى بالذكر؛ لأنهم لا يُعَظِّمونَ المسجدَ الحرامَ، وإنما يعظِّمونَ المسجدَ الأقصى خاصَّةً، بخلاف مشركي العرب.

* وذكر الله سبحانه في هذه الآية الحَجَّ مُجْمَلًا، وذكر أركانَهُ مفرَّقَةً.

فقال سبحانه وتعالى في الإحرام: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ} [البقرة: 197].

وقال في الطواف: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29].

وقال في السعي: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158].

وقال في الوقوف: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198].

وبين النبيُّ صلى الله عليه وسلم كيفية هذه الأركان، ومواقيتَها وواجباتِها ومسنوناتِها، وما يحلُّ في الحج وما يحرُم.

ثم خصَّ اللهُ سبحانه عمومَ أولِ الآية في آخرِها، فشرطَ الاستطاعةَ في وُجوبِ الحج؛ لطفًا بعباده، ورحمة لهم؛ لأنه يجمع فيه مشقة الأبدان، وبذل الأموال.

والاستطاعةُ تقع على حالين: استطاعة مباشرة، واستطاعة نيابة.

فأما المباشرة، فقد اتفق عليها أهلُ العلم، واختلفوا في تفصيلها،

ص: 197

فخصها الشافعيُّ وأبو حنيفةَ وأحمدُ بالزاد والراحلة (1)، ولم يوجبوا الحج على المستطيع بالمشي، أو بالاكتساب في الطريق؛ لما روى ابنُ عمرَ -رضي الله تعالى عنهما- قال: قام رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما يوجبُ الحَجَّ؟ قال: "الزاد والراحلة"(2)، خَرَّجَهُ الترمذيُّ وحَسَّنه.

وعمَّمَ مالكٌ وُجوبَ الحَجِّ على كل مستطيع بالقوةِ والاكتساب، ولو بالسؤال (3)، وتمسَّكَ بعُموم الآيةِ، وجعله مخصِّصا لعُموم الحديثِ، فخصَّه بمنْ لا يستطيع المشيَ أو الاكتسابَ؛ بدليلِ عموم قوله تعالى:{مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} .

وهذا ضعيف؛ فإن العُمومَيْنِ إذا تعارضا، وأمكن أن يُخَصَّ بكل واحدٍ منهما عُمومُ الآخر، لم يجز أن يخص بأحدِهما الآخرُ إلا بدليلٍ آخر،

(1) وهو قول الحسن ومجاهد وابن جبير وعطاء وعبد العزيز بن أبي سلمة وابن حبيب وإسحاق، وروي عن عمر وابنه عبد الله، وابن عباس رضي الله عنهم، وهو قول أكثر العلماء. انظر:"أحكام القرآن" للجصاص (2/ 310)، و "المغني" لابن قدامة (5/ 8)، و"المحرر الوجيز" لابن عطية (3/ 230)، و "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (2/ 2/ 140)، و"المجموع" للنووي (7/ 61)، و"البحر المحيط" لأبي حيان (3/ 276)، و"البناية" للعيني (4/ 11).

(2)

رواه الترمذي (813)، كتاب: الحج، باب: ما جاء في إيجاب الحج بالزاد والراحلة، وابن ماجه (2896)، كتاب: المناسك، باب: ما يوجب الحج، وابن جرير الطبري في "تفسيره"(4/ 16)، وابن أبي حاتم في "تفسيره"(3/ 713)، والدارقطني في "سننه"(2/ 217)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(4/ 327)، وهذا لفظ الترمذي، وابن ماجه.

(3)

وهو قول ابن الزبير والشعبي وعكرمة والضحاك. انظر: "المقدمات الممهدات" لابن رشد (1/ 380)، و"المغني" لابن قدامة (5/ 8)، و"التفريع" لابن الجلاب (1/ 315)، و"المجموع" للنووي (7/ 62)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (2/ 2/ 140).

ص: 198

والأولى أن يخصَّ بالحديث عمومُ الآية؛ لأنه لو كان الزادُ والراحلة مختصين بغير المستطيع، لبيَّنه النبيُّ صلى الله عليه وسلم عندَ السؤال، لأن تأخير البيان في هذه الحالة غيرُ جائز.

ولهم أن يقولوا: الحديثُ ضعيفٌ عندُ جمهورِ أهل العلم بالحديث، فتضعفُ معارضتهُ لعمومِ الآية.

ويحكى القولُ بمثل مذهبِ مالك عن عبد الله بن الزبير، والشعبيِّ.

وقال الضحاك: إن كان شابًا قويًّا صحيحًا، ليس له مال، فعليه أن يُؤَاجِرَ نفسَهُ بأَكْلِهِ أو عَقِبهِ (1)، حتى يقضيَ حَجَّهُ، فقال له مقاتل: كلفَ اللهُ الناسَ أن يمشوا إلى البيت؟، فقال: لو أن (2) لبعضِهم ميراثاً بمَكَّة (3)؟ أكانَ تارِكَهُ؟ بل ينطلقُ إليه ولو حَبْوًا، كذلك يجبُ عليه الحجُّ (4).

وقولُ الشافعيِّ وأبي حنيفةَ عندي أولى؛ لوجوه:

أحدها: لما فيه من التيسير والسماحة الموافق لقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، ولقوله تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، ولقوله صلى الله عليه وسلم:"بُعِثْتُ بالحنيفيةِ السَّمْحَةِ السَّهْلَة"(5).

(1) العُقْبة: الموضع الذي يركب فيه، وتعاقب المسافران على الدابة: ركب كل واحد منهما عقبه، وفي الحديث:"فكان الناضح يعتقبه منا الخمسة"؛ أي: يتعاقبون في الركوب واحدًا بعد واحد. انظر: "تاج العروس" للزبيدي (3/ 401)، (مادة: عقب).

(2)

في "ب": "كان".

(3)

في "ب": "في مكة".

(4)

رواه ابن جرير الطبري في "تفسيره"(4/ 17).

(5)

رواه الخطيب البغدادي في "تاريخه"(7/ 209)، عن جابر بن عبد الله، بهذا =

ص: 199

ثانيها: فتوى ابنِ عباس وابنِ عمرَ -رضي الله تعالى عنهم-، وهي مقبولة في مثل هذا المَقام التعبديِّ اتفاقًا.

ثالثها: موافقة سائر أصول العبادات؛ كالطهارة والصلاة والصيام؛ فإن المشاقَّ والسَّفرَ يبيح فيها التأخير والتخفيف.

2 -

وأما استطاعة النيابة، وذلك في حقِّ المعضوب (1) إذا وجد قريبًا أو أجيرًا يحج عنه، وفي حقِّ المَيِّتِ إذا مات وقد وجب عليه الحجُّ.

- فأوجب الشافعيُّ معها الحج (2)؛ لبيان النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

روينا في "صحيح البخاري" عن ابن عباسٍ -رضي الله تعالى عنهما - قال: جاءت امرأةٌ من خَثْعَمٍ، فقالت: يا رسول الله! إن فريضةَ الله على عباده في الحجّ أدركَتْ أبي شيخًا كبيرًا، لا يَثْبُتُ على الراحلة، أَفَأَحُجُّ عنه؟ قال:"نعم"، وذلك في حجة الوداع (3).

= اللفظ، ورواه الإمام أحمد في "المسند"(5/ 266)، والطبراني في "المعجم الكبير"(7883)، والروياني في "مسنده"(2/ 317)، عن أبي أمامة، دون قوله:"السهلة".

(1)

المعضوب: من كان به علة لا يرجى زوالها؛ لكبر أو مرض لا يرجى زواله، أو زمانةٍ، أو كان كبيرًا لا يثبت على الراحلة إلا بمشقة شديدة، أو كان شابًا نِضْوَ -نحيل- الخَلْق لا يثبت على الراحلة إلا بمشقة شديدة. انظر:"الاستذكار" لابن عبد البر (2/ 62)، و"النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (3/ 251)، و"المغني" لابن قدامة (5/ 19)، و"المجموع" للنووي (7/ 76).

(2)

وهو قول جمهور العلماء منهم الحنفية والحنابلة. انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (12/ 62)، و "المغني" لابن قدامة (5/ 19)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (2/ 2/ 143)، و"المجموع" للنووي (7/ 84)، و "البناية" للعيني (4/ 10).

(3)

رواه البخاري (1442)، كتاب: الحج، باب: وجوب الحج وفضله، ومسلم=

ص: 200

وروينا فيه -أيضًا- عن ابنِ عباسٍ -رضي الله تعالى عنهما -: أن امرأة من جُهينةَ جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إنَّ أمي نذرت أن تحجَّ، فلم تَحُجَّ حتى ماتَتْ، أفأحجُّ عنها؟ فقال:"حُجِّي عَنْها، أَرَأَيْتِ لَوْ كانَ على أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قاضِيَتَهُ؟ اقْضُوا اللهَ؛ فإنَّ اللهَ (1) أَحَقُّ بالوفاء"(2).

- وقال مالكٌ وأبو حنيفةَ: لا يجبُ الحَجُّ على المستطيع بغيرهِ (3)؛ أخذًا بالقياسِ على سائر الأصولِ في منع النيابة في العبادات، والخبرُ مخصوصٌ بحالةِ الموتِ، ومقصورٌ عليها؛ ولأن الخبرَ إذا خالفَ القياسَ أو قياسَ الأصول، فهو مردودٌ عندَ أبي حنيفةَ ومالكٍ (4).

واختلف قولُ الشافعيِّ -رضي الله تعالى عنه- في جواز النيابة في حَجِّ

= (1334)، كتاب: الحج، باب: الحج عن العاجز لزمانة وهرم ونحوهما، أو للموت.

(1)

في "ب": "فالله".

(2)

رواه البخاري (1754)، كتاب: الإحصار وجزاء الصيد.

(3)

انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (12/ 62)، و"التفريع" لابن الجلاب (1/ 315).

وقد اختلف الحنفية في وجوب الحج على المعضوب الذي يستطيع الحج بغيره: فروي عن أبي حنيفة: أنه يجب عليه الحج، وينيب غيره في ذلك، وهو ظاهر الرواية عن أبي يوسف ومحمد، وهو الذي نقله عنه أصحاب المذاهب الأخرى، كما تقدم.

وروي عنه في المشهور: أنه لا يجب عليه، وهو رواية عن أبي يوسف ومحمد، وهو الذي مشى عليه أكثر الحنفية، كما أن القول الأول قد رجحه الكثير منهم.

انظر: "بدائع الصنائع" للكاساني (2/ 295)، و"البحر الرائق" لابن نجيم (2/ 335)، و"البناية" للعيني (4/ 10)، و "رد المحتار" لابن عابدين (3/ 405).

(4)

قلت: فيما نقله المصنف رحمه الله عنهما نظر.

ص: 201

التطوُّعِ، والأصحُّ الجواز (1).

* وفي الآيةِ عندي دليلٌ على وجوب الحَجِّ على الكافرِ المستطيعِ؛ لتناولِ العُموم له، وظهوره فيه، وتعقيبه بقوله تعالى:{وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} .

وقد قدمت الخلاف فيه في مقدمة هذا الكتاب، والصحيحُ وقوعُ التكليفِ عليه (2)، ولا خلافَ بينَ أهلِ العلم أنَّ الإسلامَ شرطٌ للصحة، وإن اختلفوا في كونِه شَرْطًا للوجوب؛ لقوله تعالى:{وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} ، فخطابه سبحانه بكونه غنيًا عن عباده في مَعْرِضِ الإهانةِ والتوبيخ دليلٌ على بطلانها (3).

* وتمسكَ بعضُ أهل الظاهر في وجوب الحجِّ على العبد بالآية (4)، وخالفهم (5) عامة أهلِ العلم؛ لأنه غير مستطيع، بدليل قوله:{لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: 75]، وللإجماع (6).

(1) الاستنابة في حج التطوع عن حي ليس بمعضوب: لا تجوز عند الشافعية بلا خلاف.

أما النيابة عن المعضوب: ففيه قولان عندهم، أصحهما الجواز. انظر:"المجموع" للنووي (7/ 96).

(2)

الكافر في حال كفره لا يطالب بفعل الحج، لكنه واجب عليه، متوجه التكليف عليه به، وهذا مبناه على مسألة أصولية وهي: هل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة أم لا؟ والصحيح أنهم مخاطبون بذلك. وقد تقدمت المسألة والتحقيق فيها في مقدمة الكتاب.

(3)

أي: بطلان عبادته.

(4)

انظر: "المحلي" لابن حزم (7/ 36).

(5)

في "ب": "وخالفه".

(6)

انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (13/ 332)، و"المغني" لابن قدامة (5/ 44)،=

ص: 202

* ولا خلافَ في تناولِ العمومِ للمرأة الحرَّة (1)، وإنما اختلفوا في حقيقةِ استطاعتها.

- فجعل مالكٌ والشافعيُّ -في أحد قوليه- استطاعَتَها كاستطاعة الرجل، فيجب عليها الحجُّ إذا وجدت رُفْقَةً تأمنُ معها على نفسها (2).

- وشرطَ أبو حنيفةَ وأحمدُ للوجوب مصاحبةَ زَوْجٍ أو مَحْرَمٍ (3)، واحتجوا بما رويناه في "صحيح البخاري" من قوله صلى الله عليه وسلم:"لا يحلُّ لامرأةٍ تؤمنُ بالله واليومِ الآخِرِ أنْ تسافرَ مسيرةَ يومٍ إلا مع ذي مَحْرَمٍ"(4).

ويظهر ترجيحُ قولِ مالكٍ وصاحبه؛ لأن الدليلين إذا تعارضا، وكان كلُّ واحد منهما عامًّا من وجه، وخاصّا من وجه، وأمكن أن يخصَّ بكل واحد منهما عمومُ الآخر، كان الحكم للدليل الخارجي.

وبيان ذلك أن قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ} عامٌّ في الرجال والنساء،

= و "المجموع" للنووي (7/ 40).

(1)

انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (13/ 368)، و"أحكام القرآن" لابن العربي (1/ 376)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (2/ 2/ 137).

(2)

وهو مذهب عائشة رضي الله عنها. وهو قول ابن سيرين والأوزاعي. انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (13/ 368)، و"بداية المجتهد" لابن رشد (2/ 628)، و"المجموع" للنووي (7/ 68)، و"حاشية الدسوقي"(2/ 13).

(3)

وهو قول الحسن والنخعي وإسحاق وأبي ثور وابن المنذر. انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (13/ 369)، و"بداية المجتهد" لابن رشد (2/ 628)، و"أحكام القرآن" للجصاص (2/ 308)، و"المغني" لابن قدامة (5/ 30)، و "بدائع الصنائع" للكاساني (2/ 299).

(4)

رواه البخاري (1038)، كتاب: تقصير الصلاة، باب: في كم يقصر الصلاة؟ ومسلم (1339)، كتاب: الحج، باب: سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره، عن أبي هريرة، وهذا لفظ مسلم.

ص: 203

وقوله تعالى: {حِجُّ الْبَيْتِ} خاص في السفر الواجب إلى البيت، وقوله صلى الله عليه وسلم:"لا يحل لامرأة" خاصٌّ بالنساء، وقوله:"أن تسافر مسيرة يوم" عامٌّ في سفرِ الحج وغيره، فيفزع الناظر حينئذ إلى الأدلة الخارجة؛ إذ ليس أحدُ التخصيصين أولى من الآخَرِ.

فنظرنا فوجدنا حديثًا رواه عديُّ بنُ حاتمٍ -رضي الله تعالى عنه-: أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: "لَتوشِكُ الظعينةُ (1) أن تَخْرَجَ مِنْها- أي: الحِيْرةِ (2) - بغير جِوارٍ حَتَّى تَطوفَ بالكَعْبَةِ"، قال عديٌّ: فلقد رأيتُ الظعينةَ تخرجُ من الحيرةِ حتى تطوفَ بالكعبةِ بغير جوارٍ (3).

وتأوله مخالفُهما على أن ذلك شرطٌ للجواز، لا للوجوب، والمعنى يردُّ هذا التأويلَ؛ لأنه إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سفرها بغير محرم؛ للخوفِ عليها، فإذا أمنتْ على نفسها، وزال خوفُها، جاز لها السفرُ، ووجب عليها الحجُّ.

فإن قلت: فما حكمُ السفر الجائزِ عندَ الأمنِ، هل يكونُ كسفرِ الحجِّ الواجبِ أو لا؟

(1) أصل الظعينة: الراحلةُ التي يُرحَلُ ويُظعَنُ عليها أي يُسَارُ، وقيل: الظعينةُ هي المرأَةُ في الهودج، ثم قيل للهودج بلا امرأة، وللمرأة بلا هودجٍ: ظعينة. "اللسان"(مادة: ظعن)(13/ 271).

(2)

"أي الحيرة" ليست في "ب".

(3)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 377)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(36606)، والطبراني في "المعجم الأوسط"(6614)، وفي "الأحاديث الطوال"(196)، وابن حبان في "صحيحه"(6679)، والدارقطني في "سننه"(2/ 222)، والحاكم في "المستدرك"(8582)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(40/ 74).

ص: 204

قلت: قد سوى بعضُهم بينهما، فجوَّزَ لها السفرَ عندَ الأمنِ (1).

وجمهورُ أهل العلمِ على إيجاب المَحْرَمِ في السفرِ الجائزِ دون السفرِ الواجبِ؛ جمعًا بين الآية والأحاديث (2).

وادعى القاضي عياضٌ الاتفاقَ عليه (3).

وأما سفرُ الهجرةِ فيجبُ على المرأةِ بكلِّ حالٍ؛ لما في الوقوف من فساد الدينِ (4)، والله أعلم.

* وخص الله سبحانه الوجوبَ بالحجِّ، وأطلقهَ، فبيَّنَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقوله:"إنَّهُ لِلأبَدِ"(5)، فلا يجب أكثر من مرة، وذلك إجماع (6).

وبَيَّنَ بفعلِه أن وجوبَهُ على التراخي؛ لأنه لم يحجَّ إلا بعد سنتين من

(1) نقله النووي عن بعض الأصحاب. انظر: "شرح مسلم"(9/ 104)، و"المجموع"(8/ 311).

(2)

انظر: "شرح مسلم"(9/ 104)، و"المجموع "(7/ 70)، (8/ 311).

قال ابن عبد البر في "التمهيد"(21/ 55): ويجمع معاني الآثار في هذا الباب وإن اختلفت ظواهرها: الحظر على المرأة أن تسافر سفرًا يخاف عليها الفتنة بغير محرم قصيرًا كان أو طويلًا. وانظر: "الاستذكار"(27/ 274).

(3)

انظر نقل الاتفاق على ذلك في: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 446)، و"شرح مسلم" للنووي (9/ 104)، و"المفهم" للقرطبي (3/ 450)، و"فتح الباري" لابن حجر (2/ 723).

(4)

وهذا متفق عليه بين العلماء، وكلام الحافظ ابن حجر يوهم أنه فيه خلافًا. انظر:"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 445)، و"شرح مسلم" للنووي (9/ 104)، و"المفهم" للقرطبي (3/ 450)، و"فتح الباري" لابن حجر (2/ 723).

(5)

رواه البخاري (1693)، كتاب: العمرة، باب: عمرة التنعيم، ومسلم (1216)، كتاب: الحج، باب: بيان وجوه الإحرام، عن جابر بن عبد الله.

(6)

انظر: "المغني" لابن قدامة (5/ 6)، و"المجموع" للنووي (7/ 13)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (2/ 2/ 135).

ص: 205

فريضة الحج، ولو كان تأخيرُه لعذرٍ، لَبَيَّنَهُ ونُقِل إلينا، وبه أخذ الشافعي (1)، واختلف قولُ مالكٍ وأبي حنيفة.

والصحيحُ عند الحنفيةِ أنه على الفَوْرِ (2).

والصحيحُ عند متأخري المالكية أنه على التراخي (3).

وأما تخصيصُ الوجوب بالحجِّ دون العُمْرَةِ، فقد مضى الكلامُ عليه.

* * *

(1) وهو متفق عليه بين الشافعية إلا المزني فإنه قال بالفور.

والقول بالتراخي قول الأوزاعي والثوري ومحمد بن الحسن، ونقل عن ابن عباس وأنس وعطاء وطاوس. انظر:"المجموع"(7/ 86)، و "روضة الطالبين" كلاهما للنووي (3/ 33).

(2)

انظر: "بدائع الصنائع" للكاساني (2/ 292)، و "رد المحتار" لابن عابدين (3/ 402) وهو قول الحنابلة. انظر "المغني" لابن قدامة (5/ 36).

(3)

اختلف المالكية في الحج هل هو على الفور أم على التراخي؟ فرجح بعضهم الفور، وبعضهم التراخي، لكن الذي رجحه المتأخرون من شراح خليل وغيرهم هو كون الحج على الفور لا على التراخي.

انظر: "المقدمات الممهدات" لابن رشد (1/ 381)، و"الذخيرة" للقرافي (3/ 180)، و "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (2/ 2/ 136)، و"مواهب الجليل" للحطاب (3/ 420)، و "جواهر الإكليل"(1/ 160)، و"حاشية الدسوقي"(2/ 3).

ص: 206