الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الرَّهن)
56 -
* أمر الله سبحانه بالرَّهْنِ وقَبْضِه عندَ عدمِ الكاتبِ في السفر.
وعلى هذا اتفق أهلُ العلم (1).
ولكنهم اختلفوا في شَرْطَيِ السفرِ وعَدَمِ الكاتب، هل جاءَ على التغليب؛ فإن السفرَ مَظِنَّةُ عَدَمِ الكاتبِ في الغالبِ، أو جاء على التقييد؟
- فذهب أهلُ الظاهر إلى أنهما للتقييد، ولا يجوز الرهنُ عندَ وجودِ الكاتب، ولا يجوزُ في الحضر (2).
= مسعود، والحسن، والضحاك، ومجاهد، وابن كثير. انظر:"تفسير الطبري"(6/ 87)، و"إعراب القرآن" للنحاس (1/ 301)، و"الكشاف" للزمخشري (1/ 169)، و "البحر المحيط" لأبي حيان (2/ 353). وانظر:"معجم القراءات القرآنية"(1/ 226).
(1)
فالرهن جائز بإجماع العلماء. انظر: "المغني" لابن قدامة (6/ 443).
(2)
انظر: "المحلى" لابن حزم (8/ 87).
ويروى اشتراطُ السفر عن مجاهدٍ والضَّحّاك (1).
- وخالفهم الجمهورُ في ذلك (2)، وتمسكوا بما وردَ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم رَهَنَ في الحَضَرِ.
وهذا يدلُّ على أنَّ الشرطَ للتغليب، وأنَّ ذِكْرَ هذهِ الخِصال: الكتابةِ والإشهادِ والرهنِ، على سبيل الإرشاد والحَزْمِ، لا على سبيل العَزْمِ، وإلَّا لَما جازَ الرهنُ في الحَضَر.
* واتفق أهلُ العلم على اشتراط قبضِ الرهن (3)؛ لقوله تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} ، فيصحُّ الرهنُ حيثُ يتصورُ القبضُ من المرتهن، ويبطُلُ حيثُ يمتنعُ القبضُ؛ كرهن المُصْحفِ والعبدِ المُسْلِمِ من الكافر (4)، حتى قال أبو حنيفة: لا يصحُّ رهنُ المَشاع (5)؛ لأنه لا يتصَوَّرُ عندَه قبضُه، وخالفه الشافعيُّ ومالكٌ (6).
(1) انظر: "تفسير الطبري"(3/ 139)، و"المحلى" لابن حزم (8/ 87)، و"أحكام القرآن" للجصاص (2/ 258)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (2/ 1/ 369)، و"فتح الباري" لابن حجر (5/ 175).
(2)
وهو قول فقهاء الأمصار وعامة السلف. انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي (1/ 343)، و"بداية المجتهد" لابن رشد (4/ 1436)، و"أحكام القرآن" للجصاص (2/ 258)، و"المغني" لابن قدامة (6/ 444)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (2/ 1/ 369).
(3)
انظر: "معالم التنزيل" للبغوي (1/ 396)، و"بداية المجتهد" لابن رشد (4/ 1435).
(4)
انظر: "الوسيط" للغزالي (3/ 470)، و "البيان" للعمراني (6/ 45)، و "المغني" لابن قدامة (6/ 470).
(5)
انظر: "الهداية" للمرغيناني (4/ 1564)، و "أحكام القرآن" للجصاص (2/ 260).
(6)
وهو قول ابن أبي ليلى والبتِّي وسوَّار والعنبري والأوزاعي وأبي ثور، وهو قول =
* ثم اختلفوا في وجه الاشتراط.
- فذهب الشافعيُّ وأبو حنيفةَ وغيرُهما إلى أنه شرط في لزومِ الرهنِ وصحتِه (1).
- وذهب مالكٌ إلى أن الرهنَ صحيحٌ لازمٌ، ولكنه لا يتمُّ إلا بالقبض، فيُجبر السلطانُ الراهنَ على الإقباض عندَ الامتناع (2)، وهو خلاف الظاهر.
قال الشافعي: لم يجعل الله تعالى الحكم إلا برهن موصوف بالقبض، فإذا عُدمت الصفةُ، وجب أن يعدم الحكم (3).
ثم عمل مالكٌ بظاهر الآية، فأوجب استدامةَ القبضِ، فمتى خرجَ إلى يدِ الراهن بعاريَّةٍ أو غيرها، خرج الرهنُ عن اللزوم (4).
ولم يشترطِ الشافعيُّ استدامةَ القبض (5).
= الحنابلة. انظر: "المحلى" لابن حزم (8/ 88)، و "البيان" للعمراني (6/ 32)، و"التفريع" لابن الجلاب (2/ 262)، و "المغني" لابن قدامة (6/ 455)، و"مغني المحتاج" للشربيني (3/ 46)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (2/ 1/ 372).
(1)
انظر: "الهداية" للمرغيناني (4/ 1555)، و "مغني المحتاج" للشربيني (3/ 58). وانظر:"أحكام القرآن" للجصاص (2/ 259)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (2/ 1/ 371).
وهو قول الحنابلة. انظر: "المغني" لابن قدامة (6/ 445).
(2)
انظر: "المقدمات الممهدات" لابن رشد الجد (2/ 363)، و"بداية المجتهد" لابن رشد الحفيد (4/ 1435).
(3)
انظر: "معرفة السنن والآثار" للبيهقي (8/ 221)، و "أحكام القرآن" لابن العربي (1/ 343)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (2/ 1/ 371).
(4)
وهو مذهب الحنفية والحنابلة. انظر: "بداية المجتهد" لابن رشد (4/ 1436)، و"المغني" لابن قدامة (6/ 448)، و"التفريع" لابن الجلاب (2/ 263).
(5)
انظر: "الحاوي" للماوردي (6/ 32)، و"البيان" للعمراني (6/ 21).
* ويستنبطُ (1) من الآية أن صاحبَ الدَّينِ إذا لم يكن له شاهدٌ أنه يجوزُ له أخذُ حقِّه من الرهنِ من غيرِ إذن السلطان، سواءٌ كان الرهن من جنس حقِّه، أو من غيرِ جنس حقه؛ إذ هو فائدة الرهن، لا فائدة له في هذا المكان غير الاستيفاء (2).
* إذا تمَّ هذا، فقد ذكر الله سبحانه الرهن في آية المُداينة، ووصله بدين السَّلَم، وألحقَ أهلُ العلم بدين السّلَم كلَّ دينٍ ثابت في الذمة (3)، إلا أهلَ الظاهر، فإنهم خَصُّوا جوازَ الرهنِ بدين السَّلَم (4)، وذلك لمنعهم القياس.
* * *
(1) في "ب": "واستنبط".
(2)
هذا الاستنباط لم أعثر عليه بعد بحث وتفتيش طويلين، لكن صورة المسألة هي في إيفاء الدين عند حلول الأجل؛ فإذا حلَّ الأجل وجب على المدين إيفاء الدين، فإن وفى انفكَّ الرهن ورجع إلى صاحبه، فإن لم يوف الدين عند حلول الأجل، فإن المرتهن يرفع الأمر إلى القاضي، فيكلف القاضي الراهن بقضاء الدين، فإن لم يفعل وأصرَّ، باعه القاضي ووفى دين المرتهن. وقال الحنفية: لا يبيعه القاضي، بل يحبس الرهن حتى يبيعه الراهن.
انظر: "الوسيط" للغزالي (3/ 517)، و"بداية المجتهد" لابن رشد (4/ 1437)، و"المغني" لابن قدامة (6/ 531)، و"رد المحتار" لابن عابدين (10/ 69)، و"حاشية الدسوقي"(3/ 385)، و"مغني المحتاج" للشربيني (3/ 69).
(3)
انظر: "بداية المجتهد" لابن رشد (4/ 1433)، و"رد المحتار" لابن عابدين (10/ 65)، و"حاشية الدسوقي"(3/ 356)، و"مغني المحتاج" للشربيني (3/ 55)، و"الإنصاف" للمرداوي (5/ 137).
(4)
في "المحلى" لابن حزم (8/ 87) ما نصه: لا يجوز اشتراط الرهن إلا في البيع إلى أجل مسمى في السفر خاصة، انتهى.
ولعلَّ المصنف رحمه الله نقل مذهب أهل الظاهر عن "بداية المجتهد"(4/ 1433)، أو يكون ابن حزم قد خالف جمهور الظاهرية فيما ذهبوا إليه، والله أعلم.