الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في محياه ومماته، كما قال صلى الله عليه وسلم:"ألا إن آل أبي -يعني فلانًا- ليسوا لي بأولياء، إنما وليي الله وصالحو المؤمنين"1. رواه مسلم. وروى عبد بن حميد عن الحسن. أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع أهل بيته قبل موته فقال: "ألا إن لي عملي ولكم عملكم، ألا إني لا أغني عنكم من الله شيئا، ألا إن أوليائي منكم المتقون، ألا لا أعرفنكم يوم القيامة تأتون بالدنيا تحملونها على رقابكم ويأتي الناس يحملون الآخرة".
1 البخاري: الأدب (5990)، ومسلم: الإيمان (215) ، وأحمد (4/203) .
باب قول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}
، [سبأ، من الآية: 23] .
ش: أراد المصنف رحمه الله بهذه الترجمة بيان حال الملائكة الذين هم أقوى وأعظم مَن عبد مِن دون الله، فإذا كان هذا حالهم مع الله تعالى، وهيبتهم منه، وخشيتهم له، فكيف يدعوهم أحد من دون الله؟! وإذا كانوا لا يدعون مع الله تعالى لا استقلالا، ولا وساطة بالشفاعة، فغيرهم ممن لا يقدر على شيء من الأموات والأصنام أولى أن لا يدعى، ولا يعبد، ففيه الرد على جميع فرق المشركين الذين يدعون مع الله من لا يداني الملائكة ولا يساويهم في صفة من صفاتهم. وقد قال تعالى فيهم:{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَاّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} 1. فهذه حالهم وصفاتهم، وليس لهم من الربوبية
1 سورة الأنبياء آية: 26-29.
والإلهية شيء، بل ذلك لله وحده لا شريك له، وكذا قال في هذه الآية:{حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} ، أي: زال الفزع عنها " قاله ابن عباس، وابن عمر، وأبو عبد الرحمن السلمي، والشعبي والحسن وغيرهم. والضمير عائد على ما عادت عليه الضمائر التي للغيبة في قوله: (لا يملكون) ، (وفي أموالهم) ، (وما له منهم) . و "حتى" تدل على الغاية، وليس في الكلام ما يدل على أنه غاية له، فقال ابن عطية: في الكلام حذف يدل عليه الظاهر، كأنه قال: ولا هم شفعاء كما تزعمون أنتم، بل هم عبدة مسلمون أبدًا، يعني: منقادون، حتى إذا فزع عن قلوبهم، والمراد الملائكة على ما اختاره ابن جرير وغيره.
قال ابن كثير: وهو الحق الذي لا مرية فيه، لصحة الأحاديث فيه والآثار. وقال أبو حيان: تظاهرت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قوله: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} ، إنما هي في الملائكة، إذا سمعت الوحي إلى جبريل يأمر الله به، سمعت كجر سلسلة الحديد على الصفوان، فتفزع عند ذلك تعظيما وهيبة. قال: وبهذا المعنى من ذكر الملائكة في صدر الآيات تتسق هذه الآية على الأولى، ومَنْ لم يشعر أن الملائكة مشار إليهم من أول قوله:(الذين زعمتم) لم تتصل له هذه الآية بما قبلها.
وقال ابن كثير: هذا مقام رفيع في العظمة، وهو أنه تعالى إذا تكلم بالوحي، فسمع أهل السماوات كلامه، أُرْعِدُوا من الهيبة حتى يلحقهم مثل الغشي قاله ابن مسعود ومسروق وغيرهما.
وقوله: {قَالُوا الْحَقَّ} أي: قالوا: قال الله الحق، وذلك لأنهم إذا سمعوا كلام الله وصعقوا ثم أفاقوا، أخذوا يتساؤلون، فيقولون:{مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟} فيقولون: قال {الْحَقُّ} .
قوله: {وَهُوَ الْعَلِيُّ} أي: العالي، فهو فوق كل شيء، فهو تعالى على العرش الذي هو فوق السماوات كما قال:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 1.
قال: في "الصحيح" عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا لقوله. كأنه سلسلة على صفوان ينفذهم ذلك {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} 2 فيسمعها مسترق السمع، ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض" وصفه سفيان بكفه فحرقها وبدد بين أصابعه، فيسمع الكلمة فيلقيها إلى مَنْ تحته، ثم يلقيها الآخر إلى مَنْ تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر والكاهن فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة، فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا، فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء"
ش: قوله: في "الصحيح" أي "صحيح البخاري"
قوله: إذا قضى الله الأمر في السماء. أي: إذا تكلم الله بأمره الذي قضاه في السماء مما يكون، كما روى سعيد بن منصور، وأبو داود، وابن جرير عن ابن مسعود قال: إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماوات صلصلة كجر السلسلة على الصفوان. وروى ابن أبي حاتم، وابن مردوية عن ابن عباس قال:"لما أوحى الجبار إلى محمد صلى الله عليه وسلم دعا الرسول من الملائكة ليبعثه بالوحي، فسمعت الملائكة صوت الجبار يتكلم بالوحي، فلما كُشِفَ عن قلوبهم سألوا عما قال الله، فقالوا: الحق، وعلموا أن الله لا يقول إلا حقًا".
قوله: "ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله"3. أي:
1 سورة طه آية: 5.
2 سورة سبأ آية: 23.
3 البخاري: تفسير القرآن (4701)، والترمذي: تفسير القرآن (3223)، وابن ماجه: المقدمة (194) .
لقول الله تعالى؟ قال الحافظ: خضعانًا بفتحتين من الخضوع، وفي رواية بضم أوله وسكون ثانيه، وهو مصدر بمعنى خاضعين.
قوله: كأنه سلسلة على صفوان. أي: كأن الصوت المسموع سلسلة على صفوان، وهو الحجر الأملس. قال الحافظ: هو مثل قوله في بدء الوحي: صلصلة كصلصلة الجرس، وهو صوت الملك بالوحي. وقد روى ابن مردويه من حديث ابن مسعود رفعه: "إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماوات صلصلة كصلصلة السلسلة على الصفوان
…
" 1 الحديث.
قوله: ينفذهم ذلك هو بفتح التحتيه وسكون النون وضم الفاء والذال المعجمة، ذلك، أي القول، والضمير في (ينفذهم) عائد على الملائكة. أي ينفذ الله ذلك القول إلى الملائكة، أي: يلقيه إليهم. وقيل: وهو أظهر. أي: يخلص ذلك القول، ويمضي في قلوب الملائكة حتى يفزعوا من ذلك، كما في حديث النواس وفي حديث ابن عباس عن ابن مردويه من طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عنه:"فلا ينْزل على أهل سماء إلا صعقوا" وفي حديث ابن مسعود عند أبي داود وغيره مرفوعًا: "إذا تكلم الله بالوحي، سمع أهل السماء الدنيا صلصلة كجر السلسلة على الصفا، فيصعقون، فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل" الحديث.
قوله: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} أي: أزيل عنها الخوف والغشي. قوله: {قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} أي: قال الملائكة بعضهم لبعض: ماذا قال ربكم. قوله: {قَالُوا الْحَقَّ} ، أي: قالوا: قال الله الحق، علموا أن الله لا يقول إلا حقا.
1 أبو داود: السنة (4738) .
قوله:"فيسمعها مسترق السمع"أي: يسمع الكلمة التي قضاها الله مسترق السمع، وهم الشياطين يركب بعضهم بعضًا، فيسمعون أصوات الملائكة بالأمر يقضيه الله، كما قال تعالى:{وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ إِلَاّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ} ، [الحجر الآيتان: 17-18] .وفي "صحيح البخاري" عن عائشة مرفوعًا: "إن الملائكة تنْزل في العنان وهو السحاب، فتذكر الأمر قضي في السماء، فتسترق الشياطين السمع فتسمعه، فتوحيه إلى الكهان فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم"1. وظاهر هذا أنهم لا يسمعون كلام الملائكة الذين في السماء الدنيا، وإنما يسمعون كلام الملائكة الذين في السحاب.
قوله: (وصفه سفيان بكفه) . أي: وصف ركوب بعضهم فوق بعض. وسفيان هو ابن عيينة أبو محمد الهلالي الكوفي ثم المكي، ثقة حافظ فقيه
إمام حجة، إلا أنه تغير حفظه بأخرة، وربما، دلس لكن عن الثقات. مات سنة ثمان وتسعين ومائة وله إحدى وتسعون سنة. قوله: فحرفها. بحاء مهملة وراء مشددة وفاء.
قوله: (وبدد) . أي: فرّق بين أصابعه.
قوله: (فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته) . أي: يسمع المسترق الفوقاني الكلمة من الوحي، فيلقيها إلى الشيطان الذي تحته، ثم يلقيها الآخر مَنْ تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر والكاهن، وحينئذ يقع الرجم.
قوله: (فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها) . الشهاب: هو النجم الذي يرمى به. أي: ربما أدرك المسترق الشهاب إذا رمي به قبل أن يلقي الكلمة إلى من تحته، وربما ألقاها المسترق قبل أن يدركه الشهاب، وهذا يدل على أن الرجم بالنجوم كان قبل المبعث، كما روى أحمد ومسلم والترمذي والنسائي عن معمر عن الزهري عن علي بن حسين عن ابن عباس قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في نفر من أصحابه فرمي بنجم فاستنار، فقال
1 البخاري: الأحكام (7144)، ومسلم: الإمارة (1839)، والترمذي: الجهاد (1707)، وأبو داود: الجهاد (2626)، وابن ماجه: الجهاد (2864) ، وأحمد (2/17 ،2/142) .
ما كنتم تقولون إذا كان هذا في الجاهلية قالوا: كنا نقول: يولد عظيم، أو يموت عظيم، قال فإنها لا يرمى بها لموت أحد، ولا لحياته، ولكن ربنا إذا قضى أمرًا سبح حملة العرش، ثم سبح أهل السماء الذين يلون حملة العرش، فيقول الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: ماذا قال ربكم؟ فيخبرونهم، ويخبر أهل كل سماء سماء حتى ينتهي الخبر إلى هذه السماء، وتخطف الجن السمع فيرمون، فما جاؤوا به على وجهه فهو حق ولكنهم يحرفونه ويزيدون فيه" قال معمر: قلت للزهري: "أكان يرمى بها في الجاهلية؟ قال نعم. قال أرأيت: {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً} ، [الجن:9] .
قال: غلظت، وشدد أمرها حين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيه الرد على المنجمين الذين ينسبون الخير والشر والإعطاء والمنع إلى الكواكب بحسب السعود منها والنحوس، وعلى حسب كونها في البروج الموافقة، أو المنافرة، ونحو ذلك لما في الرمي بها من الدلالة على تسخيرها لما خلقت له، كما قال تعالى:{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} 1.
قوله: فيكذب معها مائة كذبة، أي: يكذب الكاهن أو الساحر مع الكلمة التي ألقاها إليه وليّه من الشياطين مائة كذبة، بفتح الكاف وسكون الذال المعجمة، أو يكذب الشيطان مع الكلمة التي استرقها مائة كذبة، ويخبر بالجميع وليّه من الإنس، فما جاؤوا به على وجهه فهو صدق، وما خلط فيه فهو كذب، ومع هذا فيفتتن الإنس بالإنس الساحر والكاهن، ويفتتنان بولّيهما من الشياطين، ويقبلون ما جاؤوا به من الصدق والكذب، لكونهم قد يصدقون فيما يأتون به من خبر السماء.
قوله: فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا كذا؟ هكذا بيض المصنف في هذا الموضع، ولفظ الحديث في "الصحيح" فيقال:
1 سورة الأعراف آية: 54.
"أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا هكذا"1. والمعنى أن الذين يأتون الكهان يصدقونهم في كذبهم، ويستدلون على ذلك بكونهم يصدقون بعض الأحيان فيما سمعوه من الوحي، ويذكرون أنه أخبرهم بشيء مرة فوجدوه حقًا، وتلك الكلمة من الحق كما في "الصحيح" عن عائشة قلت: "يا رسول الله: إن الكهان كانوا يحدثونا بالشيء فنجده حقا، قال: "تلك الكلمة الحق يخطفها الجني فيقذفها في أذن وليه، ويزيد فيها مائة كذبة" 2 وفيه قبول النفوس للباطل، كيف يتعلقون بواحدة، ولا يعتبرون بمائة كذبة؟! ذكره المصنف. وفيه أن الشيء إذا كان فيه نوع من الحق لا يدل على أنه حق كله، بل لا يدل على إباحته كما في الكهانة والسحر والتنجيم.
قوله: فيصدق بتلك الكمة التي سمعت من السماء. أي: يستدلون على صدقها.
قال: وعن النواس بن سمعان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله تعالى أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي، أخذت السماوات منه رجفة أو قال: رعدة شديدة خوفا من الله عز وجل، فإذا سمع ذلك أهل السماوات صعقوا وخرّوا لله سجدا، فيكون أول من يرفع رأسه جبريل، فيكلمه الله من وحيه بما أراد ثم يمر جبريل على الملائكة كلما مر بسماء يسأله ملائكته: ماذا قال ربنا يا جبريل؟ فيقول جبريل: قال: الحق وهو العلي الكبير قال: فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل، فينتهي جبريل بالوحي إلى حيث أمره الله عز وجل".
ش قوله: عن النواس بن سمعان بكسر السين، أي: ابن
1 مسلم: العلم (1017)، والترمذي: العلم (2675)، والنسائي: الزكاة (2554)، وابن ماجه: المقدمة (203) ، وأحمد (4/357)، والدارمي: المقدمة (512 ،514) .
2 مسلم: الجهاد والسير (1731)، وأبو داود: الجهاد (2612)، وابن ماجه: الجهاد (2858) ، وأحمد (5/352 ،5/358) .
خالد الكلابي، ويقال: الأنصاري، صحابي، ويقال: إن أباه صحابي أيضًا. قال أبو حاتم الرازي: سكن الشام.
قوله: "ذا أراد الله أن يوحي بالأمر" إلخ هذا والله أعلم في جميع الأمور التي يقضيها الرب تبارك وتعالى، كما يدل عليه عموم اللفظ، ويدل على ذلك أيضًا حديث أبي هريرة الذي تقدم وغيره من الأحاديث المتقدمة.
قوله:"أخذت السماوات منه رجفة" هو برفع "رجفة" على أنه فاعل، أي: أصاب السماوات منه رجفة، أي: ارتجفت، كما روى ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: إذا قضى الله أمرًا تكلم وتبارك وتعالى، رجفت السماوات والأرض والجبال، وخرت الملائكة كلهم سجدًا.
قوله:"أو قال: رعدة شديدة".يعني أن الراوي شك، هل قال النبي صلى الله عليه وسلم: رجفة، أو قال: رعدة، وهو بفتح الراء بمعنى الأول.
قوله:"خوفا من الله عز وجل".لا ينكر أن السماوات والأرض ترجف وترتعد خوفا من الله عز وجل فقد قال تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} 1. وقال تعالى: {فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} 2. وقال تعالى: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً} 3. قال تعالى: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} 4.
وفي "البخاري" عن أبي مسعود قال: "كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل" وفي حديث أبي ذر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ في يده حصيات، فسمع لهن تسبيح كخنين النحل، وكذا في يد أبي بكر وعمر وعثمان" وهو حديث مشهور في "المسانيد".
1 سورة الإسراء آية: 44.
2 سورة فصلت آية: 11.
3 سورة مريم آية: 90.
4 سورة البقرة آية: 74.
وكذلك في "الصحيح" قصة حنين الجذع الذي كان يخطب عليه النبي صلى الله عليه وسلم قبل اتخاذ المنبر، ومثل هذا كثير.
قوله:"صعقوا وخروا لله سجدا"،أي: يقع منهم الأمران: الصعق - وهو الغشي- والسجود، والله أعلم أيهما قبل الآخر، فإن الواو لا تقتضي ترتيبًا.
قوله:"فيكون أول مَنْ يرفع رأسه جبريل"معنى جبريل: عبد الله كما روى ابن جرير، وأبو الشيخ الأصبهاني عن على بن حسين قال: اسم جبريل عبد الله، واسم ميكائيل عبيد الله، وإسرافيل عبد الرحمن، وكل شيء راجع إلى إيل فهو معبد لله عز وجل.
وفيه دليل على فضيلة جبريل عليه السلام، كما قال تعالى:{إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} ، [التكوير: 19-21] . قال أبو صالح [باذم] في قوله: {عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} . قال: جبريل يدخل في سبعين حجابًا من نور بغير إذن.
وقد ورد في صفة جبريل أحاديث صحيحة، منها: ما رواه أحمد بإسناد صحيح عن عبد الله بن مسعود قال: "رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته، وله ستمائة جناح، كل جناح منها قد سد الأفق، يسقط من جناحه من التهاويل والدر والياقوت ما الله به عليم"1.
قوله: "ثم يمر جبريل على الملائكة
…
" إلى آخره. معناه ظاهر، فإذا كان هذا حال الملائكة الذين هم أقوى وأعظم مِمَّن عُبِدَ من دون الله، وشدة خشيتهم من الله، وهيبتم له مع ما أعطاهم الله من القوة العظيمة التي لا يعلمها إلا الله، ومع هذا فقد نفى عنهم الشفاعة بغير إذنه كما قال:{وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَاّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} 2. وأخبر أنهم لا يملكون كشف الضر عمن دعاهم ولا تحويله. فقال: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً} 3. وفي ضمن ذلك النهي عن دعائهم وعبادتهم الشفاعة وغيرها، كما قال
1 مسلم: الإيمان (174)، والترمذي: تفسير القرآن (3277) ، وأحمد (1/395) .
2 سورة النجم آية: 26.
3 سورة الإسراء آية: 56.