الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[18-
باب ما جاء في السحر]
ش: السحر في اللغة: عبارة عما خفي ولطف سببه، ولهذا جاء في الحديث:"إن من البيان لسحرا". وسمي السحور سحورًا، لأنه يقع خفيًا آخر الليل. وقال تعالى:{سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ} 1، أي أخفوا عنهم علمهم. ولما كان السحر من أنواع الشرك إذ لا يأتي السحر بدونه، ولهذا جاء في الحديث:"ومن سحر فقد أشرك"2. أدخله "المصنف" في كتاب "التوحيد" ليبين ذلك تحذيرًا منه كما ذكر غيره من أنواع الشرك.
قال أبو محمد المقدسي في "الكافي": السحر: عزائم ورقى وعقد يؤثر في القلوب والأبدان فيمرض ويقتل، ويفرق
…
المرء وزوجته، ويأخذ أحد الزوجين عن صاحبه. قال الله تعالى:{فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} 3، وقال سبحانه:{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} إلى قوله: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} 4. يعني السواحر اللاتي يعقدن في سحرهن وينفثن في عقدهن، ولولا أن للسحر حقيقة لم يأمر بالاستعاذة منه.
وروت عائشة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر حتى إنه ليخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله، وأنه قال لها ذات يوم: أتاني ملكان فجلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي. فقال: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب. قال: من طبه؟ قال: لبيد بن أعصم في مشط ومشاطة في جف طلعة ذكر في بئر ذي أروان"5. رواه البخاري. انتهى.
وقد زعم قوم من المعتزلة وغيرهم أن السحر تخييل لا حقيقة له، وهذا ليس بصحيح على إطلاقه، بل منه ما هو تخييل، ومنه ما له حقيقة كما يفهم مما تقدم.
1 سورة الأعراف آية: 116.
2 النسائي: تحريم الدم (4079) .
3 سورة الفلق آية: 1.
4 سورة الفلق آية: 4.
5 البخاري: الدعوات (6391)، ومسلم: السلام (2189)، وابن ماجه: الطب (3545) ، وأحمد (6/57 ،6/63 ،6/96) .
قال: وقول الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} 1.
ش: أي: ولقد علم اليهود الذين استبدلوا السحر عن متابعة الرسل والإيمان بالله لمن اشتراه، أي: استبدل ما تتلو الشياطين بكتاب الله ومتابعة رسله، ما له في الآخرة من خلاق. قال ابن عباس: من نصيب. قال قتادة: وقد علم أهل الكتاب فيما عهد الله إليهم أن الساحر لا خلاق له في الآخرة.
وقال الحسن: ليس له دين. فدلت الآية على تحريم السحر، وهو كذلك، بل هو محرم في جميع أديان الرسل عليهم السلام كما قال تعالى:{وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} 2. واستدل بها بعضهم على كفر الساحر لعموم قوله: {لَمَنِ اشْتَرَاهُ} يدل عليه قوله: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} 3. وقد نص أصحاب أحمد على أنه يكفر بتعلمه وتعليمه.
وروى عبد الرزاق عن صفوان بن سليم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تعلم شيئًا من السحر قليلاً كان أو كثيرًا كان آخر عهده من الله" وهذا مرسل.
واختلفوا هل يكفر الساحر أو لا؟ فذهب طائفة من السلف إلى أنه يكفر، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد، قال أصحابه: إلا أن يكون سحره بأدوية وتدخين وسقي شيء يضر فلا يكفر، وقيل: لا يكفر إلا أن يكون في سحره شرك فيكفر، وهذا قول الشافعي وجماعته. قال الشافعي رحمه الله: إذا تعلم السحر قلنا له: صف لنا سحرك، فإن وصف ما يوجب الكفر، مثل ما اعتقد أهل بابل من التقرب إلى الكواكب السبعة، وأنها تفعل ما يلتمس منها، فهو كافر، وإن كان لا يوجب الكفر، فإن اعتقد إباحته، كفر.
وعند التحقيق ليس بين القولين اختلاف، فإن من لم يكفر لظنه أنه يتأتى بدون الشرك وليس كذلك بل لا يأتي السحر الذي من قبل
1 سورة البقرة آية: 102.
2 سورة طه آية: 69.
3 سورة البقرة آية: 102.
الشياطين إلا بالشرك وعبادة الشيطان والكواكب، ولهذا سماه الله كفرًا في قوله:{إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} 1. وقوله: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} 2. وفي حديث مرفوع رواه رزين: "الساحر كافر". وقال أبو العالية: السحر من الكفر. وقال ابن عباس في قوله: {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} 3. وذلك أنهما علّماه الخير والشر والكفر والإيمان، فعرفا أن السحر من الكفر. وقال ابن جريج في الآية: لا يجترئ على السحر إلا الكافر.
وأما سحر الأدوية والتدخين ونحوه فليس بسحر، وإن سمي سحرًا فعلى سبيل المجاز كتسمية القول البليغ والنميمة سحرًا، ولكنه يكون حرامًا لمضرته يعزر من يفعله تعزيرًا بليغًا.
قال: وقوله: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} 4.
ش: تقدم الكلام عليها في الباب الذي قبله، ووجه إيرادها هنا ظاهر، لأن السحر من الجبت، كما قال عمر بن الخطاب.
قال "المصنف": قال عمر بن الخطاب: "الجبت: السحر، والطاغوت: الشيطان".
ش: هذا الأثر رواه ابن أبي حاتم وغيره، وفيه معرفة الجبت والطاغوت والفرق بينهما.
قال: وقال جابر: "الطواغيت كهان كان ينْزل عليهم الشيطان في كل حي واحد".
ش: هذا الأثر رواه ابن أبي حاتم بنحوه مطولا عن وهب بن مُنَبّه. قال: "سألت جابر بن عبد الله عن الطواغيت التي كانوا يتحاكمون إليها. قال: إن في جهينة واحدًا، وفي أسلم واحدًا، وفي هلال واحدًا، وفي كل حي واحدًا، وهم كهان تَنَزَّل عليهم الشياطين".
قوله: (قال جابر) . هو ابن عبد الله بن عمرو بن حرام أبو عبد الله الأنصاري ثم السلمي بفتحتين. صحابي جليل ابن صحابي
1 سورة البقرة آية: 102.
2 سورة البقرة آية: 102.
3 سورة البقرة آية: 102.
4 سورة النساء آية: 51.
جليل مكثر عن النبي صلى الله عليه وسلم. مات بالمدينة بعد السبعين، وقد كف بصره وله أربع وتسعون سنة.
قوله: (الطواغيت كهان
…
) إلى آخره. المراد بهذا أن الكهان من الطواغيت لا أنهم الطواغيت لا غير.
وقوله: (كان ينْزل عليهم الشيطان) ، أراد الجنس لا الشيطان الذي هو إبليس فقط، بل تتنَزّل عليهم الشياطين ويخاطبونهم ويخبرونهم ببعض الغيب، مما يسترقونه من السمع فيصدقون مرة ويكذبون مائة.
قوله: (في كل حي واحد) . الحي: واحد الأحياء، وهم القبائل، أي: في كل قبيلة من قبائل العرب كاهن يتحاكمون إليه، ويسألونه عن الغيب. وكذلك كان الأمر قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم فأبطل الله ذلك بالإسلام، وحرست السماء بالشهب.
ومطابقة هذا للترجمة ظاهر من جهة أن الساحر طاغوت من الطواغيت؛ إذ كان هذا الاسم يطلق على الكاهن فالساحر أولى، لأنه أشر وأخبث.
[أمره صلى الله عليه وسلم باجتناب السبع الموبقات]
قال: عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اجتنبوا السبع الموبقات. قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات"1.
ش: هكذا أورد المصنف هذا الحديث غير معزو، وقد رواه البخاري ومسلم.
قوله: (اجتنبوا السبع) . أي: أبعدوا، وهو أبلغ من: لا تفعلوا، لأن نهي القربان أبلغ من نهي المباشرة. ذكره الطَّيْبِي.
قوله: (السبع الموبقات) . بموحدة وقاف، أي: المهلكات: وسميت الكبائر موبقات، لأنها تهلك فاعلها في الدنيا بما يترتب عليها من العقوبات، وفي الآخرة من العذاب.
قلت: هكذا ثبت في هذه الرواية عن السبع الموبقات، وكذلك في كتاب عمرو بن حزم الذي أخرجه
1 البخاري: الوصايا (2767)، ومسلم: الإيمان (89)، والنسائي: الوصايا (3671)، وأبو داود: الوصايا (2874) .
النسائي وابن حبان في "صحيحه" والطبراني من طريق سليمان بن داود عن الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب الفرائض والديات والسنن، وبعث به مع عمرو بن حزم إلى اليمن. الحديث بطوله.
وفيه: وكان في الكتاب: "وإن أكبر الكبائر الشرك"، فذكر مثل حديث أبي هريرة سواء. وأخرجه البزار وابن المنذر من طريق عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رفعه:"الكبائر: الشرك بالله وقتل النفس". الحديث. وذكر بدل السحر الانتقال إلى الأعرابية بعد الهجرة، وكذلك في حديث عند الطبراني، وقال عبد الرزاق: أنبأنا معمر عن [مَن سمع] الحسن قال: "الكبائر الإشراك بالله
…
" فذكر مثل الأول سواء، إلا أنه قال: (اليمين الفاجرة) ، بدل السحر. وفي حديث ابن عمر عند البخاري في "الأدب المفرد" والطبري في "التفسير" وعبد الرزاق مرفوعًا وموقوفًا قال: "الكبائر تسع" فذكر السبع المذكورة وزاد: "والإلحاد في الحرم وعقوق الوالدين".
وأخرج إسماعيل القاضي بسند صحيح إلى سعيد بن المسيب قال: (هن عشر) فذكر السبع التي في الأصل وزاد: "عقوق الوالدين، واليمين الغموس، وشرب الخمر". ولابن أبي حاتم عن علي قال: الكبائر. فذكر السبع إلا مال اليتيم. وزاد: "العقوق والتعرب بعد الهجرة وفراق الجماعة، ونكث الصفقة".
وللطبراني عن أبي أمامة أنهم "تذاكروا الكبائر، فقالوا: الشرك، ومال اليتيم، والفرار من الزحف، والسحر، والعقوق، وقول الزور، والغلول والربا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فأين تجعلون الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنًا قليلاً؟! " وقد جاء في أحاديث غير ما ذكرنا جملة من الكبائر منها اليمين الغموس، وشهادة الزور والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله وسوء الظن بالله، والزنا، والسرقة وغير ذلك.
قال الحافظ: "ويحتاج عندها إلى الجواب عن
الحكمة في الاقتصار على سبع، ويجاب بأن مفهوم العدد ليس بحجة وهو جواب ضعيف، أو بأنه أعلم أولاً بالمذكورات، ثم أعلم بما زاد، فيجب الأخذ بالزائد، أو أن الاقتصار وقع بحسب المقام بالنسبة للسائل، أو من وقعت له واقعة ونحو ذلك".
وقد أخرج الطبري وإسماعيل القاضي عن ابن عباس أنه قيل له: الكبائر سبع؟ فقال: هن أكثر من سبع. وفي رواية عنه: هي إلى السبعين أقرب، وفي رواية: إلى السبعمئة. وإذا تقرر ذلك عرف فساد من عرف الكبيرة بأنها ما وجب فيها الحد، لأن أكثر المذكورات لا يجب فيها الحد انتهى. وسيأتي مزيد لذلك إن شاء الله.
قوله: قال: (الشرك بالله) . هو أن يجعل لله ندًّا يدعوه كما يدعو الله، ويرجوه كما يرجو الله، ويخافه كما يخاف الله، وبدأ به لأنه أعظم ذنب عصي الله به كما في "الصحيحين" عن ابن مسعود سألت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أيّ ذنبٍ أعظ عن الله؟ قال:"أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك"1.
قوله: (والسحر) . تقدم معناه، وهذا وجه إيراد المصنف لهذا الحديث في الباب.
قوله: (وقتل النفس التي حرم الله) . أي: حرم قتلها إلا بالحق، أي: بفعل موجب للقتل، كقتل المشرك المحارب، والنفس بالنفس، والزاني بعد الإحصان، كما قال تعالى:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} 2 وسواء في ذلك القتل عمدًا أو شبه عمد، كما صرح به طائفة من الشافعية بخلاف قتل الخطإ، فإنه لا كبيرة ولا صغيرة، لأنه غير معصية.
قلت: ويلتحق بذلك قتل المعاهد كما صح الحديث: "من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة."الحديث.
1 البخاري: تفسير القرآن (4477)، ومسلم: الإيمان (86)، والترمذي: تفسير القرآن (3182 ،3183)، والنسائي: تحريم الدم (4013 ،4014)، وأبو داود: الطلاق (2310) ، وأحمد (1/380 ،1/431 ،1/434 ،1/462 ،1/464) .
2 سورة النساء آية: 93.
قوله: (وأكل الربا) . أي: تناوله بأي وجه كان كما قال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَاّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ
…
} 1 إلى قوله: {وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} 2. قال ابن دقيق العيد: وهو مجرب لسوء الخاتمة نعوذ بالله من ذلك.
قوله: (وأكل مال اليتيم) . يعني التعدي فيه، وعبر بالأكل، لأنه أهم وجوه الانتفاع كما قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} 3.
قوله: (والتولي يوم الزحف)، أي: الإدبار من وجوه الكفار وقت ازدحام الطائفتين في القتال، وإنما يكون كبيرة إذا فر إلى غير فئة أو غير متحرف لقتال كما قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} 4.
قوله: (وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) . هو بفتح الصاد المحفوظات من الزنا، وبكسرها: الحافظات فروجهن منه. والمراد الحرائر العفيفات، ولا يختص بالمتزوجات، بل حكم البكر كذلك بالإجماع كما ذكره الحافظ، إلا إن كانت دون تسع سنين، والمراد رميهن بزنا أو لواط. والغافلات، أي: عن الفواحش وما رمين به، لا خبر عندهن من ذلك، فهو كناية عن البريئات، لأن الغافل بريء عما بهت به من الزنا، والمؤمنات، أي: بالله تعالى احترازًا عن قذف الكافرات، فإنه من الصغائر.
[ما ورد في حد الساحر]
قال: وعن جندب مرفوعًا "حد الساحر ضربة بالسيف"5. رواه الترمذي وقال: الصحيح أنه موقوف.
ش: هذا الحديث رواه الترمذي كما قال المصنف من طريق
1 سورة البقرة آية: 275.
2 سورة البقرة آية: 275.
3 سورة النساء آية: 10.
4 سورة الأنفال آية: 15-16.
5 الترمذي: الحدود (1460) .
إسماعيل بن مسلم المكي وقال بعد أن رواه: لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه، وإسماعيل بن مسلم المكي يضعف في الحديث من قبل حفظه، وإسماعيل بن مسلم العبدي البصري، قال وكيع: هو ثقة، ويروى عن الحسن أيضًا، والصحيح عن جندب موقوف انتهى. ورواه أيضًا الدارقطني والبيهقي والحاكم وقال: صحيح غريب. وقال الترمذي في "العلل": سألت عنه محمدًا يعني البخاري فقال: هذا لا شيء، وإسماعيل ضعيف جدًّا وقال الذهبي في "الكبائر": إنه من قول جندب، وأشار مغلطاي إلى أنه - وإن كان ضعيفًا يتقوى بكثرة طرقه. وقال: خرجه جمع: منهم البغوي الكبير والصغير، والطبراني، والبزار ومن لا يحصى كثرة.
قوله: (عن جندب) . ظاهر صنيع الطبراني في "الكبير" أنه جندب بن عبد الله البجلي لا جندب الخير الأزدي قاتل الساحر، فإنه رواه في "ترجمة" جندب البجلي من طريق خالد العبد عن الحسن عن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم.... وذكره، وخالد العبد ضعيف.
قال الحافظ: والصواب أنه غيره، فقد رواه ابن قانع والحسن بن سفيان من وجهين، عن الحسن عن جندب الخير أنه جاء إلى ساحر فضربه بالسيف حتى مات، وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
…
، فذكره.
وجندب الخير هو جندب بن كعب - وقيل: جندب بن زهير، وقيل: هما واحد كما قاله ابن حبان - أبو عبد الله الأزدي الغامدي صحابي. وروى ابن السكن من حديث بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يضرب ضربة فيكون أمة وحده".
قوله: (حد الساحر ضربة بالسيف) . روي بالهاء والتاء وكلاهما صحيح، وبهذا الحديث أخذ أحمد ومالك وأبو حنيفة، فقالوا: يقتل الساحر. وروي ذلك عن عمر وعثمان وابن عمر وحفصة وجندب بن عبد الله وجندب بن كعب وقيس بن سعد وعمر بن
عبد العزيز. ولم ير الشافعي عليه القتل بمجرد السحر إلا إن عمل في سحره ما يبلغ الكفر. وبه قال ابن المنذر وهو رواية عن أحمد، والأول أولى للحديث، ولأثر عمر الذي ذكره المصنف وعمل به الناس في خلافته من غير نكير فكان إجماعًا.
[أمر عمر رضي الله عنه بقتل الساحر]
قال: وفي " صحيح البخاري" عن بجالة بن عبدة قال: "كتب عمر بن الخطاب! أن اقتلوا كل ساحر وساحرة. قال: فقتلنا ثلاث سواحر".
ش: هذا الأثر رواه البخاري كما ذكره المصنف، لكنه لم يذكر قتل السحرة. ولفظه: عن بجالة بن عبدة قال: كنت كاتبًا لجزء بن معاوية عم الأحنف، فأتانا كتاب عمر بن الخطاب قبل موته بسنة: فرقوا بين كل محرم من المجوس ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر. وعلى هذا فعزو المصنف إلى البخاري يحتمل أنه أراد أصله لا لفظه ورواه الترمذي والنسائي مختصرًا، ورواه عبد الرزاق وأحمد وأبو داود والبيهقي مطولاً. ورواه القطيعي في الجزء الثاني من "فوائده" بزيادة، فقال: حدثنا أبو علي بشر بن موسى الأسدي، ثنا هوذة بن خليفة، ثنا عوف عن عمار مولى بني هاشم عن بجالة بن عبدة قال: كتب إلينا عمر بن الخطاب أن اعرضوا على من كان قبلكم من المجوس أن يدعوا نكاح أمهاتهم وبناتهم وأخواتهم ويأكلوا جميعًا كيما نلحقهم بأهل الكتاب، ثم اقتلوا كل كاهن وساحر. قلت: وإسناده حسن.
قوله: (عن بجالة) . هو بفتح الموحدة بعدها جيم ابن عبدة بفتحتين التيمي العنبري بصري ثقة.
قوله: (كتب إلينا عمر بن الخطاب: أن اقتلوا كل ساحر
وساحرة
…
) إلى آخره. صريح في قتل الساحر والساحرة، وهو من حجج الجمهور القائلين بأنه يقتل، وظاهره أنه يقتل من غير استتابة، وهو كذلك على المشهور عن أحمد، وبه قال مالك: إن الصحابة لم يستتيبوهم، ولأن علم السحر لا يزول بالتوبة. وعن أحمد يستتاب فإن تاب، قبلت توبته وخلي سبيل، وبه قال الشافعي، لأن ذنبه لا يزيد على الشرك، والمشرك يستتاب وتقبل توبته، فكذلك الساحر، وعلمه بالسحر لا يمنع توبته بدليل ساحر أهل الكتاب إذا أسلم، ولذلك صح إيمان سحرة فرعون وتوبتهم.
قلت: الأول أصح لظاهر عمل الصحابة.
فلو كانت الاستتابة واجبة لفعلوها أو بينوها، وأما قياسه على المشرك فلا يصح، لأنه أكثر فسادًا وتشويها من المشرك، وكذلك لا يصح قياسه على ساحر أهل الكتاب، لأن الإسلام يَجُبُّ ما قبله، وهذا الخلاف إنما هو في إسقاط الحد عنه بالتوبة، أما فيما بينه وبين الله، فإن كان صادقًا قبلت توبته.
قال: وصح عن حفصة أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها.
ش: هذا الأثر رواه مالك في "الموطأ" عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة أنه بلغه "أن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قتلت جارية لها سحرتها وكانت قد دبرتها فأمرت بها فقتلت". ورواه عبد الرزاق.
وحفصة هي أم المؤمنين بنت عمر بن الخطاب تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد خنيس بن حذافة سنة ثلاث وماتت سنة خمس وأربعين.
قال: وكذا صح عن جندب.
ش: المراد به هنا قطعًا جندب الخير الأزدي قاتل الساحر، وهو جندب بن كعب بن عبد الله. قال أبو حاتم: جندب بن كعب