المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب من جحد شيئا من الأسماء والصفات] - تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد

[سليمان بن عبد الله آل الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌[كتاب التوحيد]

- ‌ باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب]

- ‌ باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب]

- ‌ باب الخوف من الشرك]

- ‌باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا لله

- ‌ باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله]

- ‌ باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه]

- ‌ باب ما جاء في الرقى والتمائم]

- ‌ باب من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما]

- ‌[باب ما جاء في الذبح لغير الله]

- ‌ باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله]

- ‌ باب من الشرك النذر لغير الله]

- ‌[باب من الشرك الاستعاذة بغير الله]

- ‌ باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره]

- ‌ باب قول الله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُم يَنْصُرُونَ}

- ‌باب قول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}

- ‌ باب الشفاعة]

- ‌[باب قول الله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ

- ‌باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين

- ‌باب ما جاء من التغليظ في من عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده

- ‌ باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانًا تعبد من دون الله]

- ‌ باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك]

- ‌ باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبدون الأوثان]

- ‌ باب ما جاء في السحر]

- ‌باب بيان شيئ من أنواع السحر

- ‌ باب ما جاء في الكهان ونحوهم]

- ‌ باب ما جاء في النشرة]

- ‌ باب ما جاء في التطير]

- ‌ باب ما جاء في التنجيم]

- ‌ باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء]

- ‌باب قول الله تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله}

- ‌ باب قول الله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

- ‌ باب قول الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

- ‌ باب قول الله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَاّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}

- ‌ باب من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله]

- ‌ باب ما جاء في الرياء]

- ‌ باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا]

- ‌ باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرمه الله فقد اتخذهم أربابًا من دون الله]

- ‌ باب قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِ

- ‌ باب من جحد شيئًا من الأسماء والصفات]

- ‌ باب قول الله تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا

- ‌ باب قول الله: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}

- ‌باب ما جاء في من لم يقنع بالحلف بالله

- ‌ باب قول: ما شاء الله وشئت]

- ‌ باب من سب الدهر فقد آذى الله]

- ‌ باب التسمي بقاضي القضاة]ونحوه

- ‌باب احترام أسماء الله وتغيير الاسم لأجل ذلك

- ‌ باب من هزل بشيء فيه ذكر الله، أو القرآن أو الرسول]

- ‌ باب قول الله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي

- ‌باب قول الله تعالى: {فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون}

- ‌ باب قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ}

- ‌ باب لا يقال: السلام على الله]

- ‌ باب قول اللهم اغفر لي إن شئت]

- ‌ باب لا يقول: عبدى وأمتي]

- ‌ باب لا يرد من سئل بالله]

- ‌ باب لا يسأل بوجه الله إلا الجنة]

- ‌باب ماجاء في "لو

- ‌ باب النهي عن سب الريح]

- ‌ باب قول الله تعالى: {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ

- ‌ باب ما جاء في منكري القدر]

- ‌ باب ما جاء في المصورين]

- ‌ باب ما جاء في كثرة الحلف]

- ‌باب ما جاء في ذمة الله وذمة رسوله

- ‌ باب ما جاء في الإقسام على الله]

- ‌ باب لا يستشفع بالله على خلقه]

- ‌ باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد، وسده طرق الشرك]

- ‌باب ما جاء في قول الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

الفصل: ‌ باب من جحد شيئا من الأسماء والصفات]

رسول الله صلى الله عليه وسلم وشبب بنساء المسلمين حتى آذاهم حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من لكعب بن الأشرف، فإنه قد آذى الله ورسوله" 1 وذكر قصة قتله، وقتله محمد بن مسلمة، وأبو نائلة وأبو عبس بن جبير، وعباد بن بشر رضي الله عنهم.

وفي القصة من الفوائد: أن الدعاء إلى تحكيم غير الله ورسوله من صفات المنافقين، ولو كان الدعاء إلى تحكيم إمام فاضل، ومعرفة أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كان عليه من العلم والعدل في الأحكام.

وفيها الغضب لله تعالى، والشدة في أمر الله كما فعل عمررضي الله عنه.

وفيها أن من طعن في أحكام النبي صلى الله عليه وسلم أو في شيء من دينه قتل كهذا المنافق بل أولى.

وفيها جواز تغيير المنكر باليد، وإن لم يأذن فيه الإمام، وكذلك تعزير من فعل شيئًا من المنكرات التي يستحق عليها التعزير. لكن إذا كان الإمام لا يرضى بذلك، وربما أدى إلى وقوع فرقة أو فتنة فيشترط إذنه في التعزير فقط.

وفيها أن معرفة الحق لا تكفي عن العمل والانقياد، فإن اليهود يعلمون أن محمدًا رسول الله ويتحاكمون إليه في كثير من الأمور.

1 النسائي: الجهاد (3132) .

ص: 497

[34-‌

‌ باب من جحد شيئًا من الأسماء والصفات]

أي: من أسماء الله وصفاته، والمراد ما حكمه هل هو ناج أو هالك؟ ولما كان تحقيق التوحيد بل التوحيد لا يحصل إلا بالإيمان بالله والإيمان بأسمائه وصفاته، نبه المصنف على وجوب الإيمان بذلك وأيضًا فالتوحيد ثلاثة أنواع: توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، وتوحيد العبادة. والأولان وسيلة إلى الثالث، فهو الغاية والحكمة المقصود بالخلق والأمر. وكلها متلازمة فناسب التنبيه على الإيمان بتوحيد الصفات.

قال: وقول الله تعالى: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ

} 1. أي: يجحدون هذا الاسم، لا أنهم يجحدون الله، فإنهم يقرون

1 سورة الرعد آية: 30.

ص: 497

به كما قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} 1. والمراد بهذا كفار قريش أو طائفة منهم، فإنهم جحدوا هذا الاسم عنادًا أو جهلًا، ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي يوم الحديبية: "اكتب: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} . فقالوا: لا نعرف الرحمن ولا الرحيم، وفي بعض الروايات لا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة" 2. يعنون مسيلمة الكذاب، فإنه قبحه الله كان قد تسمى بهذا الاسم. وأما كثير من أهل الجاهلية فيقرون بهذا الاسم كما قال بعضهم:

وما يشأ الرحمن يعقد ويطلق

قال ابن كثير: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} 3، أي: لا يقرون به، لأنهم يأبون من وصف الله بالرحمن الرحيم.

ومطابقة الآية للترجمة ظاهرة، لأن الله تعالى سمى جحود اسم من أسمائه كفرًا، فدل على أن جحود شيء من أسماء الله وصفاته كفر، فمن جحد شيئًا من أسماء الله وصفاته من الفلاسفة، والجهمية والمعتزلة ونحوهم، فله نصيب من الكفر بقدر ما جحد من الاسم أو الصفة، فإن الجهمية والمعتزلة ونحوهم، وإن كانوا يقرون بجنس الأسماء والصفات فعند التحقيق لا يقرون بشيء، لأن الأسماء عندهم أعلام محضة، لا تدل على صفات قائمة بالرب تبارك وتعالى وهذا نصف كفر الذين جحدوا اسم الرحمن.

وقوله: {قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} 4. أي: قل يا محمد رادًّا عليهم في كفرهم بالرحمن تبارك وتعالى هو أي: الرحمن عز وجل {رَبِّي لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ} 5، أي: لا معبود سواه {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} 6، أي: إليه مرجعي وأوبتي، وهو مصدر من قول القائل: تبت متابًا وتوبة، قاله ابن جرير. وفي الآية دليل على أن التوكل عبادة، وعلى أن التوبة عبادة،

1 سورة الزخرف آية: 87.

2 صحيح مسلم: كتاب الجهاد والسير (1784) ، ومسند أحمد (3/268 ،4/86 ،4/328) .

3 سورة الرعد آية: 30.

4 سورة الرعد آية: 30.

5 سورة الرعد آية: 30.

6 سورة الرعد آية: 30.

ص: 498

وإذا كان كذلك فالتوبة إلى غيره شرك. ولما "قال سارق وقد قطعت يده للنبي صلى الله عليه وسلم اللهم إني أتوب إليك ولا أتوب إلى محمد قال النبي صلى الله عليه وسلم عرف الحق لأهله"1. رواه أحمد.

قال: وفي "صحيح البخاري""قال علي: حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟ "

ش: هذا الأثر رواه البخاري مسندًا لا معلقًا لكنه في بعض الروايات علقه أولاً ثم ذكر إسناده، وفي بعضها ساق إسناده أولاً فرواه عن عبيد الله بن موسى عن معروف بن خربوذ عن أبي الطفيل عن علي به ولفظه:"أتحبون أن يكذب الله ورسوله".

قوله: "بما يعرفون". أي: بما يفهمون. قال الحافظ: وزاد آدم ابن أبي إياس في كتاب "العلم" له عن عبد الله بن داود عن معروف في آخره: ودعوا ما ينكرون. أي: ما يشتبه عليهم فهمه. قال: وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة. ومثله قول ابن مسعود: " ما أنت محدث قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة". رواه مسلم قال: وممن رأى التحديث ببعض دون بعض أحمد في الأحاديث التي ظاهرها الخروج على السلطان ومالك في أحاديث الصفات، وأبو يوسف في "الغرائب" ومن قَبْلِهم أبو هريرة كما تقدم عنه في الجرابين وأن المراد ما يقع من الفتن، ونحوه عن حذيفة.

وعن الحسن أنه أنكر تحديث أنس للحجاج بقصة العرنيين، لأنه اتخذها وسيلة إلى ما كان يعتمده من المبالغة في سفك الدماء بتأويله الواهي، وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوي البدعة، وظاهره في الأصل غير مراد فالإمساك عنه عند من يخشى

1 أحمد (3/435) .

ص: 499

عليه الأخذ بظاهره مطلوب انتهى.

وما ذكره عن مالك في أحاديث الصفات ما أظنه يثبت عن مالك، وهل في أحاديث الصفات أكثر من آيات الصفات التي في القرآن؟ فهل يقول مالك أو غيره من علماء الإسلام: إن آيات الصفات لا تتلى على العوام، وما زال العلماء قديمًا وحديثًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم يقرؤون آيات الصفات، وأحاديثها بحضرة عوام المؤمنين وخواصهم، بل شرط الإيمان هو الإيمان بالله، وصفات كماله التي وصف بها نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فكيف يكتم ذلك عن عوام المؤمنين؟! بل نقول: من لم يؤمن بذلك فليس من المؤمنين، ومن وجد في قلبه حرجًا من ذلك، فهو من المنافقين.

ولكن هذا من بدع الجهمية وأتباعهم الذين ينفون صفات الرب تبارك وتعالى، فلما رووا أحاديث الصفات مبطلة لمذاهبهم، قامعة لبدعهم تواصوا بكتمانها عن عوام المؤمنين، لئلا يعلموا ضلالهم، وفساد اعتقادهم فاعلم ذلك.

وفي الأثر دليل على أنه إذا خشي ضرر من تحديث الناس ببعض ما يعرفون فلا ينبغي تحديثهم به، وليس ذلك على إطلاق، وإن كثيرًا من الدين والسنن يجهله الناس، فإذا حدثوا به كذبوا بذلك وأعظموه، فلا يترك العالم تحديثهم، بل يعلمهم برفق ويدعوهم بالتي هي أحسن.

ص: 500

قال: وروى عبد الرزاق عن معمر عن [ابن] طاوس عن أبيه "عن ابن عباس أنه رأى رجلاً انتفض لما سمع حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصفات استنكارًا لذلك فقال: ما فرق هؤلاء يجدون رقة عند محكمه، ويهلكون عند متشابهه". انتهى.

ش: قوله: "روى عبد الرزاق هو ابن همام الصنعاني"، الإمام الحافظ صاحب التصانيف ك:"المصنف" وغيره. روى عنه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، وخلق لا يحصون مات سنة إحدى عشرة ومائتين.

ومعمر هو ابن راشد الأزدي أبو عروة البصري، نزل اليمن، ثقة ثبت، مات سنة أربع وخمسين ومائة، وله ثمان وخمسون سنة.

وابن طاوس هو عبد الله بن طاوس اليماني، ثقة فاضل عابد، مات سنة اثنتين وثلاثين ومائة. وأبوه طاوس بن كيسان اليماني ثقة فقيه فاضل من جلة أصحاب ابن عباس وعلمائهم، مات سنة ست ومائة.

قوله: "إنه رأى رجلاً". لم يسم هذا الرجل.

قوله: "انتفض"، أي: ارتعد لما سمع حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم فاستنكره، إما لأن عقله لا يحتمله، أو لكونه اعتقد عدم صحته فأنكره.

قوله: "فقال"، أي: ابن عباس وهو عبد اللهرضي الله عنه.

قوله: "ما فرق هؤلاء". يحتمل وجهين:

أحدهما: أن تكون "ما" استفهامية إنكارية. وفرق بفتح الفاء والراء وهو الخوف والفزع، أي: ما فزع هذا وأضرابه من أحاديث الصفات واستنكارهم لها؟ والمراد الإنكار عليهم، فإن الواجب على

ص: 501

العبد التسليم والإذعان والإيمان بما صح عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم وإن لم يحط به علمًا. ولهذا قال الشافعي: "آمنت بالله، وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنت برسول الله، وما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله".

والثاني: أن يكون بفتح الفاء وتشديد الراء، ويجوز تخفيفها. و "ما" نافية أي: ما فرق هذا وأضرابه بين الحق والباطل، ولا عرفوا ذلك، فلهذا قال: يجدون رقة وهي ضد القسوة، أي: لينًا وقبولاً للمحكم، ويهلكون عند متشابهه، أي: ما يشتبه عليهم فهمه، لأن آيات الصفات هي المتشابه كما تقوله الجهمية ونحوهم، ولأن في القرآن متشابهًا لا يعرف معناه كالألفاظ الأعجمية، فإن لفظ التشابه والمتشابه يدلان على بطلان ذلك، وإنما المراد بالمتشابه، أي: ما يشتبه فهمه على بعض الناس دون بعض، فالمتشابه أمر نسبي إضافي، فقد يكون مشتبهًا بالنسبة إلى قوم بينًا جليًا بالنسبة إلى آخرين. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج على قوم يتراجعون في القرآن فغضب وقال:"بهذا ضلت الأمم قبلكم; باختلافهم على أنبيائهم، وضرب الكتاب بعضه ببعض، وإن القرآن لم ينْزل ليكذب بعضه بعضا، ولكن نزل لأن يصدق بعضه بعضًا، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما تشابه عليكم فآمنوا به"1. رواه ابن سعد، وابن الضريس وابن مردويه.

وأما قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} 2. فقال ابن كثير: يخبر تعالى أن في القرآن آيات محكمات، أي: بينات واضحات الدلالة لا التباس فيها على أحد، ومنه آيات أخر فيها اشتباه في الدلالة على كثير من الناس أو بعضهم. فمن رد ما اشتبه عليه إلى الواضح منه، وحكم محكمه على متشابهه عنده فقد اهتدى، ومن عكس انعكس، ولهذا قال:{هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} 3، أي: أصله الذي يرجع إليه عند الاشتباه {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} 4، أي: تحتمل دلالتها موافقة المحكم، وقد

1 أحمد (2/181) .

2 سورة آل عمران آية: 7.

3 سورة آل عمران آية: 7.

4 سورة آل عمران آية: 7.

ص: 502

تحتمل أشياء أخرى من حيث اللفظ والتركيب لا من حيث المراد، ولهذا قال تعالى:{فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} 1، أي: ضلال، وخروج عن الحق إلى الباطل {فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} ، أي: إنما يأخذون منه بالمتشابه الذي يمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة، وينَزلوه عليها لاحتمال لفظه لما يصرفونه. فأما الحكم، فلا نصيب لهم فيه، لأنه دافع لهم، وحجة عليهم، ولهذا قال:{ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} 2، أي: الإضلال لأتباعهم، إيهامًا لهم أنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن، وهو حجة عليهم لا لهم. انتهى.

وقال ابن عباس: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} 3، يعني أهل الشك، فيحملون المحكم على المتشابه، والمتشابه على المحكم، ويلبسون، فلبس الله عليهم {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَاّ اللَّهُ} 4. قال: تأويله يوم القيامة لا يعلمه إلا الله. رواه ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم. وقوله:{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَاّ اللَّهُ} 5. تقدم كلام ابن عباس. وقال مقاتل والسدي: يبتغون أن يعلموا ما يكون، وما عواقب الأشياء من القرآن.

قلت: فهذا التأويل الذي انفرد الله بعلمه هو العلم بحقائق الأشياء وما تؤول إليه وعواقبها، كالإخبار بما يكون، وما في الجنة من النعيم، وما في النار من العذاب; فإن هذه الأمور وإن علمناها لكن العلم بحقائقها مما لا يعلمه إلا الله. ولهذا قال ابن عباس: ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء. فعلى هذا يكون الوقف على الجلالة كما روي عن جماعة من السلف، وقيل: الوقف على قوله: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} 6، أي: وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم. فأما أهل الزيغ فلا يعلمون تأويله، وعلى هذا فالمراد بتأويله هو تفسيره وفهم معناه، وهذا هو المروي عن ابن عباس وجماعة من السلف. قال ابن أبي نجيح عن مجاهد عن "ابن عباس: أنا من الراسخين الذين يعلمون تأويله". وقال مجاهد: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} 7، يعرفون تأويله. ويقولون: آمنا به، وكذا قال الربيع بن أنس وغيره.

1 سورة آل عمران آية: 7.

2 سورة آل عمران آية: 7.

3 سورة آل عمران آية: 7.

4 سورة آل عمران آية: 7.

5 سورة آل عمران آية: 7.

6 سورة آل عمران آية: 7.

7 سورة آل عمران آية: 7.

ص: 503

فقد تبين ولله الحمد أنه ليس في الآية حجة للمبطلين في جعلهم ما أخبر الله به من صفات كماله هو المتشابه، ويحتجون على باطلهم بهذه الآية، فيقال: وأين في الآية ما يدل على مطلوبكم؟ وهل جاء نص عن الله أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جعل ما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله متشابهًا؟! ولكن أصل ذلك أنهم ظنوا أن التأويل المراد في الآية هو صرف اللفظ عن ظاهره إلى ما يحتمله اللفظ لدليل يقترن بذلك، وهذا هو اصطلاح كثير من المتأخرين، وهو اصطلاح حادث، فأرادوا حمل كلام الله على هذا الاصطلاح فضلوا ضلالاً بعيدًا، وظنوا أن لنصوص الصفات تأويلاً يخالف ما دلت عليه، لا يعلمه إلا الله كما يقوله أهل التجهيل، أو يعلمه المتأولون كما يقوله أهل التأويل. وفي الأثر المشروح دليل على ذكر آيات الصفات، وأحاديثها بحضرة عوام المؤمنين وخواصهم، وأن من رد شيئًا منها أو استنكره بعد صحته، فهو ممن لم يفرق بين الحق والباطل، بل هو من الهالكين وأنه ينكر عليه استنكاره.

قال: ولما سمعت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الرحمن أنكروا ذلك فأنزل الله: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} 1.

ش: هكذا ذكر المصنف هذا الأثر بالمعنى، وقد روى ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج [عن مجاهد] في الآية، قال: هذا "لما كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشًا في الحديبية، كتب: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} . فقالوا: لا نكتب الرحمن، ولا ندري ما الرحمن، ولا نكتب إلا باسمك اللهم، فأنزل الله {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} ".

وفيه دليل على أن من أنكر شيئًا من الصفات، فهو من الهالكين، لأن الواجب على العبد الإيمان بذلك، سواء فهمه أم لم يفهمه، وسواء قبله عقله أو أنكره. فهذا هو الواجب على العبد في كل ما صح عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وهو الذي ذكر الله تعالى عن الراسخين في العلم أنهم {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} 2.

1 سورة الرعد آية: 30.

2 سورة آل عمران آية: 7.

ص: 504